::: موقع رسالتي - رؤية جديدة في الخطاب الإسلامي :::

>> مقالات متنوعة

 

 

أهَمِّيَّةُ التَّفكُّرِ فِيْ حَيَاةِ المُؤْمِن

بقلم : المُحِبَّة لله  

بسم الله الرحمن الرّحيم

إنّ عبادة التّفكّر هي أوسع الأبواب لمعرفة ربّ الأرباب ، وأعظم وأرقى العبادات .. الّتي يؤدّيها المؤمن فيما يؤدّي من طاعات .. والّتي تقوده إلى التّعرّف على خالق الأرض والسّماوات ، وذلك من خلال التّأمّل في هذا الكون الواسع .. ومن خلال النّظر في خلق الإنسان ، وما أتقنته يد الصّانع ، فالتّفكّر في آلاء الله يورث في القلب المحبّة للمبدع الخلاق ، ويغرس فيه التّعلّق بالآخرة والشّوق للقاء الله ، والتّمتّع بالنّظر إلى وجهه الكريم .

 الحثّ على التّفكّر :

يقول الإمام الغزالي رحمه الله " كثـُر الحثّ في كتاب الله تعالى على التّدبّر والاعتبار .. والنّظر والابتكار ، ولا يخفى أنّ الفكر هو مفتاح الأنوار .. ومبدأ الاستبصار، وهو شبكة العلوم .. ومصيدة المعارف والفهوم ، وأكثر النّاس قد عرفوا فضله ورتبته .. لكن جهلوا حقيقته ومصدره " .

* لقد أنزل الله عزّ وجلّ في كتابه الكريم آياتٍ تدعونا للتّفكّر ، سواء في الكون ، أو في الإنسان ، أو في النّعم الباهرة . فمن الآيات الّتي تحضّ على التّفكّر في الكون : {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ} (190) سورة آل عمران . هذه الآية لها شأن عظيم ، فحين نزلت على المصطفى صلّى الله عليه وسلّم توعّد بالويل لمن قرأها ولم يتفكّر بها ، فلولا أهمّيّة هذه العبادة ، وتأثيرها في القلب والعقل ؛ لما شدّد حبيب الحقّ على التزام التّفكّر . آية أخرى نزلت تحضّ على التّفكّر في خلق الإنسان : {وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} (21) سورة الذاريات .لو فكّر الإنسان في كيفيّة خلقه ، لو فكّر فيما آتاه الله من نعم في جسمه ، لو فكّر في المعامل والمصانع الّتي بداخله ؛ وهي تعمل بلا كلل أو ملل ، لذاب محبّة لله ، لو فكّر في نعمة البصر ، وما هي حاله إن فقدها ، لو فكّر في نعمة العقل ، تلك النّعمة الّتي فُضّل بها على غيره من المخلوقات ، لعرف أنّ هناك من هو أقوى منه هو الّذي منحه القوّة ، وهناك من هو أعلم منه هو الّذي كرّمه بالعلم ، وحينها لا يجترئ على التّطاول على خالقه ، والتّجبّر في الأرض * إنّ عبادة التّفكّر تفتح للإنسان باباً من النّور ، وتتّضح له من خلالها حقائق ومعارف تهديه السّبيل القويم ، فتستنير بصيرته ، ويكتسب حكمة من ربّه ، ليرى الحقّ حقّاً فيتّبعه ، ويرى الباطل باطلاً فيجتنبه .

* إنّ كثيراً من المسلمين لا يدرك قيمة هذه العبادة ، وما تبعثه في القلب من طمأنينة وسعادة ، ولو عرف المسلم أنّه بالتّفكّر يزداد قرباً من الله ، وإيماناً بقدرته ، وتعظيماً لجلاله ، لما توانى عن التّفكير الدّائم في نعم الله وعظيم صنعه . وعجيبٌ أمر ذلك الأعرابيّ الّذي قال : " البعرة تدلّ على البعير .. والأقدام تدلّ على المسير .. والماء يدلّ على الغدير .. أفسماء ذات أبراج .. وأرض ذات فجاج .. ومياه ذات أمواج .. ألا تدلان على اللّطيف الخبير ؟ " .يا الله ! كيف وصل هذا الأعرابيّ إلى اليقين ، كيف عرف ربّه ؟ كيف آمن به لطيفاً وخبيراً ؟ إنّها عبادة التّفكّر . أيعقل أنّ هذا العقل الّذي كرّمنا به ربّ العزّة والجلال على سائر مخلوقاته ، أيعقل أن نعطّل وظيفته ؟ ! إذاً لا بدّ من استخدامه ليعيننا على تأدية ما خُلِقنا لأجله .

 قالوا في التّفكّر :

1.    ما طالت فكرة امرئ قطّ إلا علِم .. وما علم امرؤ قطّ إلا عمل .
فالإنسان المؤمن عندما يقصد التّفكّر ، ويجلس طويلاً للتّأمّل ؛ تتّسع دائرة معارفه ، ويكتشف أشياء ثمينة كانت تخفى عليه ، ويتعلّم أموراً كان يجهلها ، ثمّ يسعى إلى التّطبيق ، وينطلق إلى العمل بما علِم ، مبتغياً وجه الله ، نائلاً بذلك رضاه .

 

2.    لو تفكّر النّاس في عظمة الله .. ما عصوا الله أبداً .
لنتأمّل نعمة البصر .. هل أثارنا الفضول يوماً للتّعرّف على ما بداخلها ؟ هل حاولنا معرفة آليّة عمل العين ؟ وكيف تمكّننا من الرّؤية ؟ ... في النّهار ، وفي وجود النّور ، نظنّ أن لا غرابة في الأمر ، فنحن نرى وبسهولة ، لكن هل تساءلنا ما الّذي تفعله العين لنرى في الظّلام ؟ لو تعمّقنا ودقّقنا في هذه النّعمة العظيمة ، لأدركنا مدى تفضّل الله علينا ، وتكريمه لنا ، ولعظمت محبّته في قلوبنا ، وبعدها إذا تلِيت على مسامعنا الآية الكريمة : {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ..... } (30) سورة النــور . ما تجرّأنا لإطلاق البصر في المحرّمات ، والتّمتّع برؤية الغاديات والرّائحات ؛ شكراً لله على فضله ، وحفاظاً على ما آتانا من نعمه . فالتّفكّر في خلق الله وإبداعه ؛ يغرس في النّفس الإجلال لخالقها ، والتّعظيم لبارئها ، ويكفّها عن المعاصي والآثام ، لأنّها عرفت وأدركت شأن ربّ الأنام .

 

3.    الفكر في الدّنيا حجاب عن الآخرة .. والفكر في الآخرة يورث الحكمة ويحيي القلب .
إذا أمضينا وقتنا غارقين في أشياء فانية ، فقد أضعناه وهدرناه ، فكثرة التّفكير في هذه الدّنيا الزّائلة، وفي قصورها ومركباتها ، وما فيها من زينة وأموال و .. و .. كلّ هذا يزيدنا تعلّقاً بها ، وحبّاً للبقاء فيها ، وينسينا الدّار الآخرة ، بينما التّفكير في الحياة الآخرة ؛ يمنح المؤمن تبصّراً وحكمة ، ويملأ قلبه بأنوار الهدى ، ويعلّقه ويزيده تشوّقاً للفوز بدار لا يزول نعيمها ، ولا تفنى السّعادة في ظلّها .

 

كيف نتفكّر ؟

حدّد العلماء ثلاث طرق أساسيّة للتّفكّر :

1-   التّفكّر في الشّيء وأصله :

مثالاً على ذلك : ما هو أصل الماء ؟ كيف تشكّل ؟ كيف أثّرت أشعّة الشّمس في مياه البحار ؟ كيف تعالى بخار هذه المياه في الهواء ؟ كيف تكاثف وشكّل السّحب ؟ وكيف نزلت الأمطار ؟ فالتّفكّر في أصل الأشياء وسيلة مهمّة لمعرفة خالق الأرض والسّماء .

    2-   التّفكّر في الشّيء وعدمه :
مثالاً على ذلك : لو تصوّرنا حياتنا دون ماء ، ماذا سيحلّ بنا ؟ هل يستطيع أحدنا العيش دون ماء ؟ لو فكّرنا في أساسيّات حياتنا ، لو فكّرنا في عدم وجدودها ، لأيقنّا أنّ هناك ربّاً عظيماً حافظاً لنا هذه الحياة ، متكفّلاً بها .

3-   التّفكّر في الشّيء وخلافه :
مثالاً على ذلك : كلّ الأشياء في هذا الكون تتمدّد بالحرارة ، وتنكمش بالبرودة ، إلا الماء ، فحينما تصل درجة الماء إلى ( + 4 ) يبدأ حجمه بالازدياد ، وبهذا تقلّ كثافته ، هذه الخاصّة حفظت لنا حياتنا ، فلو أنّ الماء ينقص حجمه بنقصان درجة الحرارة ؛ ما الّذي سيحصل ؟ ستتجمّد الطّبقات العُليا في البحار ، وبتجمّدها يتناقص حجمها ، وتزداد كثافتها ، فتنزل إلى الأعماق ، وتدريجيّاً تتجمّد البحار ، فيموت النّبات ، ليموت بعده الحيوان ، لتنتهي الحادثة بموت الإنسان ، وانعدام الحياة على وجه الأرض . كيف سنكتشف عظمة الله وحبّه لنا إن لم نتفكّر ؟!!

 لا تفكّروا في ذات الله فتهلكوا :

ورد عن خير الأنام فيما روى ابن عبّاس رضي الله عنه : " تفكّروا في خلق الله ، ولا تفكّروا في الله فتهلكوا " . إنّ التّفكّر الحقّ ، والّذي يساعدنا على الارتقاء ، ومعرفة ربّ الأرض والسّماء ؛ هو التّفكّر في السّماوات والأرض ، في خلق الإنسان ، في النّعم العظيمة الّتي تفضّل الله بها علينا ، أي التّفكّر في خلق الله ، ويجب الابتعاد عن التّفكير في ذات الله ، فمثلاً إذا أردنا التّفكّر في استواء الله في الآية الكريمة : {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (5) سورة طـه . يقول العلماء : الاستواء معلوم ، والكيف مجهول ، والسّؤال بدعة ، فلا يجدي التّفكير في كيفيّة استواء الله ، أو في شكله ، أو في أيّ شيء يخصّ ذاته العليّة ، بل على العكس ، ربّما يقودنا إلى ما لا تُحمد عقباه .

 تفكّر ساعة .. خير من عبادة سبعين سنة :

إنّ عالِماً أشدّ على الشّيطان من ألف عابد ...

فإذا أمضى المؤمن حياته في تأدية العبادات ، دون التّعرّف على الله من خلال التّفكّر في مخلوقاته ، فإنّ مقاومة العابد أمام الشّهوات تكون هشّة ، أمّا السّاعي لمعرفة الله ، والـتّفكّر والتّدبّر ؛ لن يتمكّن الشّيطان من إغرائه بالمعاصي ، وسيكون من القوّة بمكان ، ممّا يعينه على اجتناب المزالق والآثام .

حينما نكون في نزهة ، فماذا سنفعل أثناءها ؟ بالتّأكيد سنأكل ، ونشرب ، ونلعب ، ونتمتّع بمناظر الطّبيعة الخلابة ... لكن هل فكّر أحدنا خلال نزهته بما حوله من آيات ؟ في الطّعام الّذي يتناوله ، في الورود والخضرة الّتي يستمتع بمشاهدتها ، في البحر الّذي قصده لينتعش بمياهه ، بأصوات العصافير .. تلك الموسيقى الرّبّانيّة الرّائعة الّتي استبدلنا بها المعازف بأنواعها .

فما الّذي يمنعنا من التّفكير فيما حولنا أينما ذهبنا ، وأينما تلفتنا ؟ فالتّفكّر لا يؤدّي إلا إلى المحبّة الّتي تقرّبنا من الله .. المحبّة الّتي تحملنا على طاعته .. المحبّة الخالصة الّتي ترتقي بالإنسان .. وتسمو به إلى أعالي الجنان .

 التعليقات: 0

 مرات القراءة: 3501

 تاريخ النشر: 09/07/2008

ملاحظة:
الآراء المنشورة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو القائمين عليه، ولذا فالمجال متاح لمناقشة الأفكار الواردة فيها في جو من الاحترام والهدوء ونعتذر عن حذف أي تعليق يتضمن:
1- يحتوي على كلمات غير مهذبة، ولو كانت كلمة واحدة.
2- لايناقش فكرة المقال تحديداً.

 

 1691

: - عدد زوار اليوم

7449171

: - عدد الزوار الكلي
[ 43 ] :

- المتصفحون الآن

 


العلامة الشيخ محمد حسن حبنكة الميداني


العربيــة.. وطرائق اكتسـابها..
المؤلف : الدكتور محمد حسان الطيان








 
   

أحسن إظهار 768×1024

 

2006 - 2015 © موقع رسالتي ، جميع الحقوق محفوظة

 

Design & hosting by Magellan