::: موقع رسالتي - رؤية جديدة في الخطاب الإسلامي :::

>> محاضرات وندوات

 

 

المسلمون و أصول العيش المشترك مع غيرهم

بقلم : الشيخ محمد خير الطرشان  

 

 

العيش المشترك

بين المسلمين والمسيحيين

 في سوريا  

 

إعداد

الشيخ محمد خير الطرشان

مدرس القضايا الفكرية المعاصرة

في معهد الفتح الإسلامي بدمشق

خطيب جامع العثمان ( الكويتي ) بدمشق

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد ، وعلى إخوانه الأنبياء والمرسلين ، وآل كلٍ وصحبِ كلٍ أجمعين .

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وبعد :

إن موضوع العيش المشترك بين المسلمين والمسيحيين في سوريا يرجع إلى العلاقة التاريخية بينهما ، والتي تمتد منذ خمسة عشر قرناً إلى اليوم ، لذلك هي قضية تعد من المسلّمات الاعتقادية والتشريعية والأخلاقية لنا نحن المسلمين، والسبب في ذلك أن القرآن الكريم وضع أسسه ومبادئه، وقام  سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بجعله حياة واقعية نموذجية عملية، ثم نهج الصحابة من بعده صلى الله عليه وسلم المنهج نفسه، وانطلقت مسيرة العيش الإسلامي المسيحي عبر هذه القرون الطويلة، متألقة منسجمة ، خلا بعض الفترات الزمنية التي كانت العلاقة فيها ترتكس نحو سلبية مظلمة، أو عصبية بغيضة، أو طائفية مقيتة، سببها الجهل بحقيقة الدين السماوي، أو التأويلات المنحرفة، أو الأهواء والمصالح ، أو تدخل الغرباء الذين يسعون لبث بذور الطائفية، تمهيداً لاستغلال بلاد المسلمين والمسيحيين على السواء والسيطرة على ثرواتهم وإمكاناتهم .

أيها السادة :

لقد وضع القرآن الكريم وسنةُ النبي محمد صلى الله عليه وسلم قواعدَ العيش مع غير المسلمين، وبخاصة المسيحيين، وكانت هذه القواعد أسساً واضحة جلية تستند على حفظ حق مقدس ، ألا وهو حق الكرامة الإنسانية، حيث قال الله تعالى في القرآن الكريم: {ولقد كرمنا بني آدم}( سورة الإسراء: / 70) .

وبيّن أن الناس متساوون من حيث بشريتهم، فقال: {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم}(سورة الحجرات: / 13.).

وجاء في الوثيقة الإسلامية الكبرى لحقوق الإنسان على لسان النبي محمد صلى الله عليه وسلم قبل وفاته بأشهر في حجة الوداع، قوله صلى الله عليه وسلم: ((إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم، وآدم من تراب، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، ليس لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أبيض، ولا لأبيض على أحمر فضل إلا بالتقوى، ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد، ألا فليبلغ الشاهد منكم الغائب)) ( رواه أحمد.).

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر من دعائه بقوله: ((اللهم إني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت وأن العباد كلهم إخوة)) (رواه أبو داود.).

ومن هنا كانت الحصانة الإسلامية لكل البشر بغض النظر عن ألوانهم وأجناسهم ولغاتهم ودياناتهم، فقد قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى}( سورة المائدة/ 8 ).

فالاحترام والتقدير للشخصية الإنسانية حقيقة جلية في نصوص الإسلام، قال الله تعالى : {ومن قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً}(سورة المائدة: /: 32).

إن الأديان السماوية جاءت لتعمل على تربية الإنسان وإعداده إعداداً صحيحاً روحياً ومادياً وفكرياً، ليصبح هذا الإنسان الركيزة الفعالة في بناء المجتمعات الإنسانية المتقدمة والمتحضرة، لذلك أوصته الأديان بكل ما ينفعه، ونهته عن كل ما يضره.

لقد أتت أديان السماء بأصالتها لتحرر عقل الإنسان وتحوله إلى عقل متنور ناضج ، ولم تأت أديان السماء لتتناقض مع العقل والحقيقة، بل لتنسجم معها وتنميها وتنصرها.

وإذا كانت شعوب العالم تتطلع إلى تحقيق السلام العالمي فإن جميع رسالات الأنبياء تأسست على بناء السلام بين الإنسان وربه، وبين الإنسان والإنسان، فهذا سيدنا عيسى المسيح عليه السلام يقول في إنجيل متى : ((طوبى للرحماء لأنهم يُرحمون )).

وهذا سيدنا محمد عليه الصلاة و السلام يقول في وصاياه: (( الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء )) ، والله تعالى يقول بحق محمد صلى الله عليه وسلم: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}.

ويقول الله تعالى في القرآن الكريم: {والله يدعو إلى دار السلام}. والإسلام جعل تحية الناس بين بعضهم " السلام " دعوةً للسلام والرحمة، والنبي محمد صلى الله عليه وسلم يدعو إلى بذل السلام..والإسلام والمسيحية يدعوان الناس إلى المحبة والتعاطف والتعاون.

يقول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يقول: ((الخلق كلهم عيال الله فأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله...)).

كما يقول أيضاً : ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)).

و يقول سيدنا عيسى عليه السلام  في إنجيل يوحنا: ((وصية جديدة أعطيكم إياها: أن تحبوا بعضكم بعضاً...)).

إذاً ، فجميع الرسالات السماوية دعت إلى العفو والتسامح ومحاربة الظلم ، مصداقاً

للحديث القدسي : ((يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا)).

وجاء في وصايا عيسى عليه السلام: ((فأنتم يا إخواني دعاكم الله لتكونوا أحراراً، ولكن لا تجعلوا هذه الحرية حجة لإرضاء شهوات الجسد، بل اخدموا بعضكم بعضاً)).

وهي الدعوة نفسها التي جاء بها النبي محمد صلى الله عليه وسلم حيث يقول: ((ما آمن بي من أمسى شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم)).

والحقيقة أن الإسلام لم يأت ليلغي الأديان السماوية التي سبقته وإنما جاء مجدداً ومتمماً لها، فسيدنا المسيح يقول: ((ما جئت لأنقض وإنما جئت لأتمم )) وإلى هذا أشار نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فقال: ((إنَّ مثلي، ومثل الأنبياء من قبلي، كمثل رجلٍ بنى بيتاً فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنةٍ من زاويةٍ، فجعل الناس يطوفون به، ويعجبون له، ويقولون: هلاّ وُضعَت هذه اللبنة ؟ قال: فأنا اللبنة، وأنا خاتم النبيين))(رواه البخاري في كتاب المناقب ، باب (خاتم النبيين).

والله تعالى يقول في القرآن الكريم: {قولوا آمنا بالله وما أُنزل إلينا وما أُنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوبَ والأسباطِ وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيُّون من ربهم لا نفرق بين أحدٍ منهم...}(سورة البقرة/ 136 .) والنبي محمد صلى الله عليه وسلم يقول: (( أنا أولى الناس بعيسى بن مريم لأنه ليس بيني وبينه نبي )) ويقول: ((نحن معاشر الأنبياء إخوة ديننا واحد وشرائعنا شتى ))، وفي رواية أخرى : ((الأنبياء إخوة لعلات، أمهاتهم شتى ودينهم واحد))(رواه أحمد عن أبي هريرة .

 وهكذا لم يأتِ المسيح ليهدم رسالة موسى، ولم يأت محمد ليجرد المسيح من رسالته، فكل نبي أتى مصدقاً لما سبقه، والنبي السابق أتى ممهداً لمن بعده، والقرآن هو مجمع كل رسالات السماء، ودعوة للإيمان بكل أنبياء الله، فالأنبياء جميعاً تخرجوا من مدرسة واحدة وربهم واحد وهو الله جلَّ جلاله.

إذاً ، غاية الأديان السماوية مصلحة الإنسان و أمنه وسلامته الدنيوية و الأخروية.

خلاصة القول :

أولاً : إن الديانتين الإسلامية والمسيحية خرجتا من مشكاة واحدة، وتدعوان إلى الإيمان بالإله الخالق الواحد، وعدم التفرق في الدين، قال الله تعالى في القرآن الكريم: {شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه}(سورة الشورى: / 13)  وقال أيضاً : {قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون} (سورة البقرة: / 136).

و يقول السيد المسيح: ( وإن الحياة الأبدية هي أن يعرفوك أنك أنت الإله الحقيقي وحدك، ويعرفوا أن الذي أرسلته يسوع المسيح ).

 ثانياً : الديانتان تحثان أتباعهما على أن يكونوا أعضاء نافعين في المجتمع ، جاء في حديثٍ للنبي محمد صلى الله عليه وسلم: ((الخلق كلهم عيال الله فأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله)) (رواه أبو يعلى، والبزار عن أنس، والطبراني عن ابن مسعود).

ثالثاً : وتدعو الديانتان أتباعهما إلى تبادل المودة فيما بينهم قال الله تعالى في القرآن الكريم: {ولتجدن أقربهم مودةً للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى..}

(سورة المائدة: / 82.).

رابعاً : تتفق الديانتان على أن العدل والتكامل هما أساس المجتمع ؛ إذ لابد من القاعدة الإيمانية عند كل إنسان ؛ لتدفعه إلى الالتزام الأخلاقي، مما يحد من وقوع الجرائم، و التاريخ الإسلامي يروي لنا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان قاضياً للمدينة المنورة عاصمة الدولة الإسلامية في خلافة أبي بكر الصديق مدةَ عام كامل، فطلب عمر بن الخطاب إعفاءه من منصب القضاء ، بسبب مرور عام كامل لم ترفع إليه قضية واحدة، ولم لا ؟! وقد تحقق المجتمع المثالي على قاعدة الإيمان.

وقد زاد الإسلام على الرسالات الأخرى وأضاف مساحات فكرية وعقائدية ؛ لتتسع دائرة الإيمان للمستجدات بما يتناسب مع تطور البشرية، فقد جعل القرآن الكريم ثاني أكبر سوره بعنوان "آل عمران" - أي والد السيدة مريم وأسرته - وذلك في جو من التقديس والتبجيل، وعنونَ سورةً أخرى باسم "مريم" الصدّيقة الطاهرة، أم السيد المسيح عليه السلام ، في جو من التكريم والاحترام.

وخاطب الله تعالى أبناء الأديان الإبراهيمية قائلاً: {قل يا أهل الكتاب لستم على شيءٍ حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم}(سورة المائدة:/68). وهذا يدل على أن الإسلام قد جاء مؤكداً على بناء وحدة إنسانية شاملة في ظل منهج الله تبارك وتعالى ، الذي كفل وضمن العدالة للجميع ، قال الله تعالى في القرآن الكريم: {وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه}(سورة المائدة: / 48

و أن هذه الدعوة تنضوي تحت شعار قرآني عظيم : {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة}(سورة النحل / 125) ، وتحت شعار حديث رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم: (( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق )) .

(رواه البخاري في الأدب المفرد،عن أبي هريرة.).

واقع العيش المشترك في سوريا :

1- إن ما حدث في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما أذن لوفد نصارى نجران   وكان عددهم قرابة الستين شخصاً أن ينزلوا في مسجده صلى الله عليه وسلم ، و أقاموا فيه فترة من الزمن ،وقدم لههم ضيافة كاملة ؛ طعاماً وشراباً ونوماً ، وأدوا صلاتهم في مسجده الشريف نحو الشرق ، إن هذا الحدث التاريخي العظيم أسس لعلاقة قائمة على الاحترام المتبادل بين المسلمين والمسيحيين في سوريا ، وإن تلك الصورة  تكررت في كنيسة يوحنا الكبرى في دمشق ، التي أصبحت فيما بعد الجامع الأموي الكبير، فقد رضي المسيحيون حين فتح الشام أن يأخذ المسلمون نصفها، ورضي المسلمون أن يصلوا فيها صلاتهم ، فكنت ترى في وقت واحد أبناء الديانتين الإسلامية والمسيحية يصلون متجاورين ، هؤلاء يتوجهون إلى القبلة ، وأولئك يتوجهون إلى الشرق ..

2 - إن تاريخ علاقة المسلمين والمسيحيين في بلاد الشام يؤكد وقوفهم جميعاً في خندق واحد لمواجهة المعتدين والظالمين ، وكان ذلك واضحاً في الحروب الصليبية قبل ألف سنة من الآن ، وقد تكررت الصورة عندما دخل الفرنسيون سورية ، حيث وقف الأستاذ فارس الخوري في جامع بني أمية الكبير ضمن احتفال أقيم ضد الاستعمار الفرنسي آنذاك وخطب قائلاً:

" إن مبرر وجود فرنسة في هذه البلاد هو حماية النصارى - أنا فارس الخوري- نائب النصارى أطلب الحماية منكم أيها المسلمون وأرفضها من فرنسة " .

3 - و يكفي أن نذكر نموذجاً للتلاحم الوطني في سوريا أن العيد الوطني السوري حدد تاريخه بما يتناسب مع مشاعر المسيحيين ،كي لا يتعارض مع الجمعة العظيمة ،" ومن الأنسب أن يعتبر العيد الوطني السوري عيد العيش الديني الأمثل في العالم " . هذا ما صرح به الدكتور جورج جبور القانوني والبرلماني السوري المشهور .

4 -  وأما الواقع الحالي فيشهد انخراط المسيحيين في سوريا في محيطهم المسلم بغالبيته الكبرى ، والجميع متفقون على أنه ليس هناك إشكالية في الانسجام والعيش المشترك ،و أنه على مدى التاريخ لم يكن هناك مشكلة في التعايش بين المسيحيين والمسلمين في سوريا"، وهذا ما تؤكده بعض اللقاءات الصحفية مع كثير من أبناء الديانة المسيحية ، وفي حوار مع شاب مسيحي قال : " ليس هناك  فرق بين مسيحي ومسلم في سوريا. و أنا لا أشعر بأني مسيحي وأن ذاك الشاب مسلم ، لم نربَّ هكذا ، نحن سوريون وهذا الأهم". يقولها بفخر." وآخر قال : " نحن لا نعيش عزلة مع المسلمين، الأحياء هنا مختلطة، ما من حي أو منطقة 100% مسيحية. كبرنا هكذا دون تفرقة، هذا الشاب مسلم وأنا مسيحي حسناً ، أين المشكلة ؟ هو رفيقي منذ الصغر وسيبقى هكذا."

إن  سوريا أرض الرسالات ، انطلقت منها الحضارات المتعددة ، وسار على ترابها الأنبياء والمصلحون ،ستبقى تنهل من هذا المعين التاريخي الأصيل الذي ينظر إلى الإنسان باحترام بغض النظر عن معتقده وعرقه ولونه ولغته ..

و أخيراً :

لقد عانت البشرية خلال القرون الماضية من صراعات هائلة ، وتناقضات فكرية واختلافات قومية وعرقية ومادية وفلسفية ، أدت إلى إشعال حروب عالمية وقتل عشرات الملايين من الناس، وتدمير الكثير من المدن والمنشآت الحيوية، وتطوير أسلحة الدمار الشامل، ومزقتها ، وكان الدين في هذه الصراعات مستبعداً عن الساحة الإنسانية، ووصل الإنسان في هذا القرن إلى نتيجة هامة ، وهي أن الفكر والاعتقاد الذي يصلح للبشرية هو الدين الذي أنزله الله تعالى خالق البشرية إلى عباده. وأن جميع الديانات السماوية ذات مصدر واحد وهدف واحد، والقرن الحادي والعشرون ينبغي أن يكون قرن الإيمان، وقرن تجديد الانتماء إلى الدين وعلى جميع المسؤولين في العالم أن يبذلوا الجهد المخلص لجعل القرن الحالي قرن تآلف وحوار وتعاون بين أتباع الديانات لا أن يجعلوه قرن صراع وتناقض فيما بينهم.

و إن أخطر أمراض الحضارة المعاصرة هو الجهل بحقيقة الأديان السماوية ودعوتها ، و أن الإسلام قد تعرض للتشويه عبر ثلاثة عصور، ففي عصر الإصلاح الديني في القرن السادس عشر - جُسِّد الإسلام كدين متعصب وشرير ، وفي عصر التنوير من القرن الثامن عشر نظر إليه كديانة غريبة وسخيفة، وفي العصر الحديث نظر إليه كدين يجب الخوف والحذر منه، وعلينا أن نعمل على تبديد هذه الأوهام ؟؟

أيها السادة :

إن تاريخ العيش الإيجابي بين المسلمين والمسيحيين في بلاد الشام، مستمر ويجب أن يستمر ويصان وينمو من قبل الطرفين . و علينا أن نعي الحقائق المهمة التالية :

أولاً: إن الواجب على المسلمين والمسيحيين في الوطن وخارجه أن يحافظوا على العيش الإيجابي المشترك القائم على الاحترام والتقدير ، ومن هنا تكون مقولة ( إلغاء الآخر ) مقولة مرفوضة.

ثانياً: يجب أن تطوى صفحات الجدل العقيم بين المسلمين والمسيحيين كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع نصارى نجران ، عملاً بقوله تعالى: {ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن}(سورة العنكبوت: / 46).

ثالثاً: على المسلمين والمسيحيين أن يسعوا إلى مواجهة أية بذور للتفرقة والتمزق في صفوف مجتمعنا حتى لا نفسح المجال لدخيل يعيث بيننا فساداً.

رابعاً: يجب على المسلمين والمسيحيين رص الصفوف لمواجهة الغطرسة الصهيونية التي تغتصب الأراضي العربية ، وتظلم أبناء المسلمين والمسيحيين بطغيانها واستلابها للحقوق ، وممارستها محو الهوية التاريخية والإيمانية للأراضي العربية. وعلينا أن نقوم بواجبنا المشترك  في نصرة المظلومين في العالم، وبصورة خاصة حماية القدس ونصرتها وحماية مقدساتها، ونصرة الشعب الفلسطيني الذي عانى من ظلمٍ واسع خلال هذا القرن ، حيث هُدمت بيوت الفلسطينيين وصودرت أراضيهم وشُردوا في كل أنحاء العالم .

 إن مقدسات المسيحيين والمسلمين في القدس تُنتهك يومياً وعلى قادة الدينين الإسلامي والمسيحي أن يعملوا معاً لتكون القدس مدينة السلام وعاصمة لأصحابها الفلسطينيين،

فالعالم الإسلامي لا يستطيع أن يغمض عينيه عن الدعم المطلق الذي تحظى به إسرائيل ، ويرى بشكل واضح كيف تتدفق الأسلحة ومليارات الدولارات على إسرائيل، في حين أنها تتمرد على عشرات القرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن وهيئة الأمم المتحدة .

إننا في هذه المنطقة المهمة من العالم ( مسلمين ومسيحيين ) دعاة سلام وتسامح، ونريد حياة كريمة لأنفسنا وللآخرين، لكننا نرفض بشكل قاطع أن تغتصب أراضينا، وأن تهدر حقوقنا، وأن تنتهك مقدساتنا..

 

ملاحظة : ألقيت هذه المحاضرة في نادي الضباط بدمشق يوم الإثنين 28/7/2008

 

 

 التعليقات: 2

 مرات القراءة: 4098

 تاريخ النشر: 29/07/2008

2008-07-30

دعاء الأصفياء

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. شكراً فضيلة الشيخ على هذه المحاضرة القيمة .. فعلاً الكثير من المسلمين بحاجة لمعرفة أصول التعامل مع معتنقي الأديان الأخرى .. فديننا هو دين التسامح .. ولكن .. تعليقاً على قول أحد النصارى : " ليس هناك فرق بين مسيحي ومسلم ": إذا كان هذا القول نابعاً من قلب صادق فلتستجب لدعوة نبيك محمد عليه الصّلاة والسلام .. ولتعتنق دين الإسلام فلن تندم .. وقول ثان ٍ" نحن سوريّون وهذا الأهم " ماذا تعني جملة نحن سوريون ؟ أتّخذنا عند الله عهداً بأنّ كل سوري هو في الجنة ؟ وقول الآخر : " هو رفيقي منذ الصغر وسيبقى هكذا " أحترم إخلاص الإخوة النصارى ، ولكن أؤكّد للإخوة المسلمين بأن العلاقة بأصحاب الديانات الأخرى يجب أن تكون علاقة عمل أو جوار فقط .. وفي النهاية على المسلم أن يعرف بأنه مأمور بالمعاملة الحسنة مع أي إنسان في الكون .. وعلى النصراني في الوقت نفسه أن يعرف بأن كلمة " لا فرق " ليست سلاحاً أشهره في وجه كل من يدعوني إلى الإسلام ولا تنجيني عند الله .. فالإسلام هو الدين المتمِّم للشرائع السابقة .. ولا عذر لمن لم يدخل في رحابه ... مع التزام قوله تعالى : {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ...} (256) سورة البقرة .

 
2008-07-29

علا صبَّاغ

إن احترام للشخصية الإنسانية واضح نصوص الإسلام، { لكم دينكم ولي دين ..} [سورة الكافرون، الآية 6] نحن نؤمن بكاتبنا القرآن بالرسول عيسى ونتلو سورتي آل عمران ومريم ولكن ماذا عنهم؟ كيف ينظرون إلينا؟ وأذكر من سورة [آل عمران:85] : قال الله تعالى: ((وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)). صحيح أن الإسلام جاء ليؤكد بناء وحدة إنسانية شاملة ولكن أين المجتمع المثالي أيام أبي بكر؟ أنا لا أنكر أن الالتزام الأخلاقي واضح عند أصحاب الديانة المسيحية ولكن يزعجني قول بعض المسلمين بقوله أنه يفضل التعامل مع هذا البائع مثلاً المسيحي على أن يتعامل مع المسلم الذي لا يعرف دينه وإنما فقط هو مسلم. وبصراحة لا أعرف كيف أتعامل معهم! وأقف كثيراً عند الحديث الصحيح: (لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام ـ وإذا سلّموا عليكم فقولوا: وعليكم) وهو حديث كثرت رواياته الصحيحة ولكنها كلها وردت في مناسبات متقاربة كان يطغى فيها الحقد اليهودي. وأريد أن أذكر ما أوضحته اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء أن : من أصول الإسلام أنه يجب اعتقاد كفر كل من لم يدخل في الإسلام من اليهود والنصارى وغيرهم وتسميته كافراً، وأنه عدو لله ورسوله والمؤمنين، وأنه من أهل النار كما قال تعالى:لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ [البينة:1]. وقال جل وعلا: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ [البينة:6]. وغيرها من الآيات. وثبت في صحيح مسلم أن النبي عليه السلام قال: { والذي نفسي بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أُرسلت به إلا كان من أهل النار }. أنا لست ضد التعامل مع المسيحين ولكن كيف لي أن أتعامل معهم وأنا أعلم يقيناً كرههم لديننا؟

 

ملاحظة:
الآراء المنشورة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو القائمين عليه، ولذا فالمجال متاح لمناقشة الأفكار الواردة فيها في جو من الاحترام والهدوء ونعتذر عن حذف أي تعليق يتضمن:
1- يحتوي على كلمات غير مهذبة، ولو كانت كلمة واحدة.
2- لايناقش فكرة المقال تحديداً.

 

 508

: - عدد زوار اليوم

7450409

: - عدد الزوار الكلي
[ 33 ] :

- المتصفحون الآن

 


العلامة الشيخ محمد حسن حبنكة الميداني


العربيــة.. وطرائق اكتسـابها..
المؤلف : الدكتور محمد حسان الطيان








 
   

أحسن إظهار 768×1024

 

2006 - 2015 © موقع رسالتي ، جميع الحقوق محفوظة

 

Design & hosting by Magellan