::: موقع رسالتي - رؤية جديدة في الخطاب الإسلامي :::

>> مقالات متنوعة

 

 

العصرنة

بقلم : آلاء محمد خالد الخطيب  

 

 

أنطلق من الواقع لأسلّط الضوء على زاوية من زوايا البناء الأسري والتي تعدّ لبنة أساسية في هذا البناء ...

فمن الاستقراء للأسر والبيوتات يتبين لنا كم أمسى للعصرنة دور في نشأة المراهقين والشباب، فكان من المحال أن تنجح تربية الناشئة دون الارتكاز على مستجدات ومستحدثات عمّت وانتشرت في كل بقعة وكل بيت ...

إذ أن الابتعاد عن كل جديد ورفضه يخلق في نفوس الشباب حاجزاً من الصعب إزالته ولربما زادت الفجوة اتساعاً بتكرار كلمة " لا " ....

فموجة الحداثة هذه والتي أصبحت مخالطة لدمائنا لا بدّ من اعتبارها، وتربية الأطفال وفقاً لعصر يعيشون فيه بها ، فلم يعد ممكناً أن تنشأ أجيال اليوم في زمنٍ ليس لهم ولا خلقوا فيه ـ فلكلّ زمان أهله ـ ..

فلنبدأ من الحوار ذاك السلاح النافع الذي يثمر عن تغييرات شتى ، ولكن وفقاً لمصطلح العصرنة فإن حوار الآباء مع أبنائهم قد يكون أقلّ تأثيراً وأخفّ تغييراً إذا لم يوجّه لهم بلغتهم ... نعم بلغتهم هم ....

إنّ من المصطلحات اليوم ما له في نفوس الشباب والمراهقين وقعٌ كبير وتحفيز ليس له نظير ، فلا يجهل أحدنا ما يتداوله المراهقون والشباب من مصطلحات تدفعهم بتوجيهها لهم إلى أفعال قد تكون خيراً أو شراً حسب من يوجّهها ...

فإذا ما قلت لشابٍ لم يبلغ الخامسة عشر من عمره إن السيجارة لا يأخذها إلا الرجال ، فسترى ما لهذه الكلمة من وقع في نفسه !!!

فأضحى مصطلح الرجولية دافعاً قوياً إما لخير أو لمنكر ...

فما بالك في مصطلحات أخرى يسعد بها الناشئة والشباب ؟؟؟

إنني بذلك لا أُغفل دور العقل عند هؤلاء الشباب ولكن ـ طيشهم ـ يمكن أن يدفعهم للانقياد لكلمات ترتقي بهم في نظرهم ..

فإذا ما وجّهنا زمام التربية والذي يكاد يتفلّت من أيدي بعض الأسر، و بمواكبة العصر سيَسهلُ إمساك الزمام وقيادته ...

فمخاطر التكنولوجيا لا تقلّ عن أهميتها ، وسياج الحماية للأسر يحتاج إلى قوّة ومتانة تأتي من حسن معايشة الآباء لواقع هو في كلّيته مغاير لما نشؤوا عليه ..

فإن أراد الآباء كسب ودّ أبنائهم وصداقتهم فلن يفلح معهم إلا أن يعيشوا معهم بلغتهم وبعصرهم ، فلا يكون التحريم هو السائد وإنما التوجيه هو الغالب ، يُترك للأبناء حرية الاختيار ثمّ يوجّهون التوجيه السليم ...

إنّ ما يسمّى أمن الأسرة أصبح لا دور له إذا لم يكن الأمن الداخلي لكل شاب ومراهق هو الأمتن والأقوى ...

فلم يعد ينفع الاهتمام بسلامة وأمن البيت إذا لم يغرس ذاك الأمن في داخل الشاب والمراهق...

فلا نستطيع اليوم أن نمنع الأبناء من مشاهدة التلفاز ( على سبيل المثال ) لما يبثّه من محرمات ، ثم يذهب الشاب والفتاة إلى الطريق أو السوق أو المقهى والمطعم وهناك يشاهدون محرمات لا تقلّ خطورة عمّا تمّ منعهم منه ...

لم تعد تلك الطريقة مجدية ؛ لأن الفساد لم يعد مقتصراً على التلفاز بل عمّ في كلّ مكان ، لذا ليس هناك أجدى من أمنٍ داخلي يزرع في نفوس الأبناء ، فنعطيهم جهاز التلفاز ليشاهدوا ما يشاؤون وهم بدورهم إذا ما مرّ مشهدٌ مخلٌّ غيّروا القناة بأيديهم ، بذلك سيُغرس الأمن في نفوسهم ، سيتعلمون بإفساح الحرية لهم وسيتغلّبون على كل خطرٍ يمكن أن يعترضهم ، لأنّ ما اكتسبوه من معانٍ بأيديهم أمتن وأقوى مما تمّ تلقينه لهم ...

وقِس على ذلك ما شئت من مجريات الحياة المليئة لترى أن ما يتمّ تحصيله باليد أمتن مما يتمّ إلقاءه وتلقينه ...

وسترى أنّ مواكبة الزمان الذي نعيش فيه والانخراط بجزئياته وكلياته أسلم من الابتعاد عنه والهروب منه ، فكلّ سلاح ذو حدّين ، ولكن نحن من يحسن استخدام هذا السلاح او لا ...

لنعيش زمننا ونعاصره فنتغلّب على ما فيه من مساوي وننجح في استغلال مزاياه ..

لنرفع الحصار عن الشباب والمراهقين فإن مآله لا يأتي بخير ، ولكن لنلتزم العيش معهم تحت ظلّ عصرٍ لن يكون حاجزاً يحول بين الأمس واليوم ...

لتبقَ الصداقة هي العلاقة السائدة بين الآباء والأبناء ...

دعونا نفكّر بطريقتهم ونتحاور بلغتهم لنسير وإياهم في الطريق القويم ....

 التعليقات: 0

 مرات القراءة: 3356

 تاريخ النشر: 04/08/2008

ملاحظة:
الآراء المنشورة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو القائمين عليه، ولذا فالمجال متاح لمناقشة الأفكار الواردة فيها في جو من الاحترام والهدوء ونعتذر عن حذف أي تعليق يتضمن:
1- يحتوي على كلمات غير مهذبة، ولو كانت كلمة واحدة.
2- لايناقش فكرة المقال تحديداً.

 

 1634

: - عدد زوار اليوم

7449053

: - عدد الزوار الكلي
[ 57 ] :

- المتصفحون الآن

 


العلامة الشيخ محمد حسن حبنكة الميداني


العربيــة.. وطرائق اكتسـابها..
المؤلف : الدكتور محمد حسان الطيان








 
   

أحسن إظهار 768×1024

 

2006 - 2015 © موقع رسالتي ، جميع الحقوق محفوظة

 

Design & hosting by Magellan