::: موقع رسالتي - رؤية جديدة في الخطاب الإسلامي :::

>> أقلام نسائية

 

 

رحلة من العمر

بقلم : غفران  

رحلة من العمر

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

كتب وصيّته,وسدّد دينه,وطيّب ماله, وردّ مظالمه, وتفقّه في شعائره,وعقد العزم, وشدّ الرحال, وأعلن توبته, وأخلص النيّة لمن نفسه بيده 0 بسم الله مجراها ومرساها انطلقت قافلته, فكعبة الباري قصده ومدينة الحبيب الغالي وجهته,  فكبّر وسبّح الوالي, وحفظ اللسان عن كثرة القيل والقال, فلا فتر لسانه عن تلاوة القرآن ولا السبحة فارقت يده0 وهو يتمنى من كل قلبه أن تُطوى به الأرض طيّاً حتى يصل في الحال إلى غايته ومنيته 0 بدأ القلب بالخفقان, وتسارع الدم في العروق بالجريان, وتصبّب على الجبين عرقه, فالموعد عمّا قليل هناك في البلد الأمين حيث ولد خيرُ النّبيّين في بلد الإيمان ومأرزه, في مكة المكرّمة عند بيت الله وكعبته, سينضم إلى كتائب المؤمنين الطائفين حول البيت مهللين لله رب العالمين والشاهدين له بوحدانيته 0 كأنّهم حمائم بيض  لا تميّز العربي عن الأعجمي إلاّ من لهجته0

ولمّا وطئت قدماه أرض الحرم الجليل نُثر عليه من ندى اليقين وماء الطمأنينة وأنزل الله عليه سكينته، ولمّا وصل وصافحت عيناه البيت الحرام أحسّ بأن البيت بأمر الله يحتضنه، طاف في الحال وسعى بين الجبال وصلى في المقام وللحجر الأسود استلمت يده0 ولثم الركن ليطلب برد ما في قلبه من شوق فوالله ما ازداد إلاّ صبابة والقلب زادت خفقته0

وفي الليل الطويل انطلق صوته يرتل آي القرآن في خشوع, ويدعو الله بالصفح والغفران مع كل سجود وركوع, ودموعه تسيل على خدّيه وتبلل صوته بما يذيب الأحجار ويزلزل النفوس من أعماق أعماقها 0 وهكذا يمضي في الحرم المكّي يومه وليلته, وهو شاغل لسانه وقلبه على كل حال بذكر الله مولاه , فذاك طعام قلبه وشرابه وهواه الذي يتنفسه , بينما أهل الدنيا ما بين منشغل بمصالحه أو بتحصيل لذته 0

أمّا الموعد الثاني فسيكون مع صاحب المثاني , صلّى فجره ولبس جديد ثوبه وطيّب جسده وانطلق غادياً إلى مدينة نبيّه تطوي قدماه الأرض طيّاً, و عندما لاحت نخيل طيبة ومساكنها بدأ يحسّ بنسماتٍ عطرة تداعب خده , وأبصر النور الذي يخرج من روض الحبيب محمد (صلى الله عليه وسلّم )  لينتشر في أرجاء المعمورة, فكان أول ما قابل في طريقه قلبه, الذي تسرّب الخير إليه من قبل بسيرة محمد وهديه , ودخل القبة الخضراء فوقفت في الحلق غصّته وفاضت دموع الشوق في مقلته على من كان ولا زال فرط أمّته, فهذا قبره وهذا مصلاّه وهذا منبره وهذه روضته, وعَذر ابن الخطاب في دهشته عند موت حبيبه وصاحبه, و غبط الصدّيق على جلده حين عاد بالوعي لأمته , ثمّ حيّا المسجد بركعتين في الروضة فأحسّ أنه بروضة الله وجنّته , ثمّ جلس أمام من في القبر لا بل في حضرته , وأجهش بالبكاء بين يدي من لإنقاذ البريّة ربه أرسله, ومن على المؤمنين زاد حرصه ورحمته, وسلّم عليه وتمنى لو مدّت يده, وناجاه أحرّ مناجاة وقدّم إليه معذرته, وشهد له بأنّه أدّى الأمانة وكشف الله به الغمة وأنه خير من نصح لأمته, فما كان قد رآه قطّ ولا سمع صوته فما بكاؤه عليه إلاّ من سر نبوته , ثمّ إلى يمين قبر المصطفى تأخرت خطوته, ليسلّم على وزير الرسول وخليفته, من قال عنه : ما ساءني قط وزوّجني ابنته , وسُدّت كل خوخة بين المسلمين والرسول إلاّ خوخته , ثمّ يمنة أخرى عرّج خطوته , ليسلّم على وزير المصطفى الثاني وأمير أمته , من كان جهاده للحق دعماّ وللباطل دحراً وإسلامه فتحاً وكانت نصراً هجرته , وقبل أن يغادر الروضة مرّ بالمصطفى وطلب شفاعته, ودعا الله ألاّ يجعل هذا العهد برسوله آخره , وفي المدينة  مرّ على أهل البقيع وأُحدٍ ليلقي تحيّته , فهم أهل الرسول وصحبته , ففيهم عويش ( رضي الله عنها ) ومن لاكت هند كبده , وركع في قباء ركعتين فصلاته فيه كعمرته  0

ذهبت ليلة وليال وأتى نهار ونهارات وللبيت الحرام ستكون ثانية عودته , ليكون آخر عهده بكعبة الله وقبلته , فقد قضى نسكه وانتهت رحلته , فبكى قلبه قبل أن تذرف مقلته , وعاهد ربه أن يبدأ صفحةً جديدةً  في حياته إذا كانت للأهل عودته , يدخل فيها مع أهل الله وخاصته في تنافسٍ لا على دنيا بل سباق في رضاء الله وطاعته , وتمنى لو تتكرر لبيت الله رحلته , فإليه تشتاق الأرواح وتحن إليه ولا تقضي منه وطراَ ولو ترددت إليه كل عام , وما ذاك إلاّ استجابة الله لنبيه إبراهيم في دعوته, ( حين وضع أهله بواد غير ذي زرع  وتركهم لرحمة الله ورعايته ) فجعل أفئدة الناس تهوي إليهم بل إلى بيت الله وكعبته 0 وسأل الله أن يجعل البيت حرماً آمناً وأن يرزق المسلمين والمسلمات زيارته , ونحن لا يكون منّا إلاّ أن نؤمن على دعوته 0

اللهم آمين

 التعليقات: 2

 مرات القراءة: 2986

 تاريخ النشر: 13/08/2008

2008-08-19

المشرف العام

شكراً لهذه المقالة المؤثرة ، وهي تحكي حال كل مؤمن أكرمه الله تعالى بزيارة البيت والحج إليه ، وزيارة النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم . بارك الله بك ، و جزاك عنا كل الخير ، و أكرمنا جميعاً بالتعرض لنفحات الله تعالى في تلك البقاع المقدسة .

 
2008-08-14

جزاك الله خيراً على هذه الخوطر الرائعة

 

ملاحظة:
الآراء المنشورة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو القائمين عليه، ولذا فالمجال متاح لمناقشة الأفكار الواردة فيها في جو من الاحترام والهدوء ونعتذر عن حذف أي تعليق يتضمن:
1- يحتوي على كلمات غير مهذبة، ولو كانت كلمة واحدة.
2- لايناقش فكرة المقال تحديداً.

 

 227

: - عدد زوار اليوم

7446231

: - عدد الزوار الكلي
[ 37 ] :

- المتصفحون الآن

 


العلامة الشيخ محمد حسن حبنكة الميداني


العربيــة.. وطرائق اكتسـابها..
المؤلف : الدكتور محمد حسان الطيان








 
   

أحسن إظهار 768×1024

 

2006 - 2015 © موقع رسالتي ، جميع الحقوق محفوظة

 

Design & hosting by Magellan