::: موقع رسالتي - رؤية جديدة في الخطاب الإسلامي :::

>> دراسات وأبحاث

 

 

قراءة أدبية في أسباب انحباس المطر من السماء

بقلم : ديمة هديب  

تُروى الأرض عندما تُروى القلوب

في ذلك اليوم آثرَ معظم الناس الجلوس في المنازل والهرب إلى أحضان المكيفات والمدافئ والإستمتاع بمشاهدة التلفاز أو قراءة الصحف والمجلات أو مطالعة أحد الكتب أو تصفح المواقع الإلكترونية ؛ وآثرت أنا الخروج من المنزل وذلك لأهمية ما عندي أولاً ولحبي لهذا الجو ثانياً ..

فما أجمل أن أختطف هذه اللحظات الغالية من باكورة أيام الشتاء ؛ فها هي الشوارع خاليةٌ من الإزدحام والضوضاء الذي طالما اعتدناه طيلة أيام الصيف ؛ ولأول مرةٍ في حياتي سررت أنَّ طريقي طويل وأني سأقضيه في التأمل والتفكير ؛ مع أنَّ الجو بارد وتيارات الهواء تصفع الوجوه والأجساد تاركةً ورائها أناساً تتحرك كقطع الثلج في كوبٍ صغيرتصطك ببعضها وتعطيك شعوراً بالقشعريرة رَغماً عنك ..

تنفستُ الصعداء وقلت : " يارب تمطر ؛ فقد قلت الخضار والفواكه وغلت الأسعار وزادت الأمراض بسسبب قلة المطر ..

يا رب تمطر ؛ لعلَّ حدَّة البرد تخف قليلاً فيعود الناس إلى أعمالهم بهمةٍ ونشاط "

واستغرقت ثانيةً في التفكير بهذا الجو ..

لكني شعرت بضيقٍ شديد وبدأ قلبي يدق بسرعة فظيعة وأحسست أنه سيتوقف لا محالة ؛ ثم أخذ يدق بسرعةٍ أكبر لكني الآن سمعت مع هذه الدقات شبه كلمات !!

إنه قلبي يحدثني .. يؤنبني .. ينبهني .. ويقودني إلى جادة الصواب ؛ فبدأ حديثه معي قائلاً :

" إبدأي بنفسك "

قلت : " ماتقصد !! لا أفهم ماذا تريد !! ولماذا تتكلم معي ؟؟ "

قال : " أنتِ منذ دقائق كنتِ تقولين :} يا رب تمطر { ؛ ألا تعلمين أنَّ القطر يمنع من السماء بذنوب العباد "

قلت : " نعم أعلم ؛ ولكن ما علاقتي أنا بهذا الأمر ؟! "

قال : " هل تعتقدين عندما يُِِقال ذنوب العباد أنك لا علاقة لك بذلك ؛ كيف تطلبين أن تُروى

الأرض بماء المطر وأنت مارويتيني أنا قلبكِ بدموع التوبة والإنابة والرجوع إلى الله ؟!

تذكري كلَّ الذنوب التي أذنبتيها ؛ كلَّ المعاصي التي ارتكبتيها وتوبي إلى الله .. واستغفريه..

وقفي على بابه .. وابكي على أعتابه .. واسأليه رضاه وهداه ..

أتذكرين ذنب كذا ؟ أتذكرين ذنب كذا ؟ هيا اعقدي العزم وتوبي من هذه الذنوب الآن .. توبي من التقصير .. توبي من الغفلة .. توبي من إضاعة الأوقات .. وأكثري من الإستغفار ..

هيا ارويني بمطر التوبة واسقيني دموع الخشية وأعطيني من نفحات السحر وإشراقات الفجر.. قفي ضارعة إلى الله ؛ داعيةً أن يروي قلبك بحبه ويروي الأرض بالمطر ؛ وإياك أن تنسي أني محتاجٌ للدفء والعطاء والأمان فلا تبخلي عليَّ بالحياة مع صفحات من القرآن تروين بها ظمأي وتلمين بها شَعثي وتجبرين بها كسري ..

لا تنتظري أن يتوب العالم بأسره ولكن " إبدأي بنفسك " وكلٌ يبدأ بنفسه ؛كلٌ يروي قلبه بماء التوبة عسى أن يروي الله الأرض بماء السماء ..

ثم تابع قائلاً : " هل تعلمين أنَّ الناس يصومون قبل صلاة الإستسقاء تقرباً إلى الله عز وجل كي يُستجاب دعاؤهم ؟!

صومي هذه المرة صوم الخواص .. صومي عن كلِّ ما يغضب الله سبحانه وتعالى .. لا تصومي عن الطعام والشراب فقط فإنه صوم العموم وأنت تطمحين أن تكوني من أهل الخصوص .. وإياك أن تصوم نفسك عن محبة الناس أو تصوم يدك عن الصدقةوالبذل والعطاء فقد تعلمتِ : " داووا مرضاكم بالصدقة " والأرض مريضة وعلاجها في السماء ؛ فتصَّدقي لعل الله يُنزل الدواء لهذه الأرض العطشى ..

لا تنتظري أن يصوم العالم بأسره أو يتصدق العالم بأسره ولكن " إبدأي بنفسك " وكلٌ يبدأ بنفسه ؛كلٌ يروي قلبه بماء الخير والعطاء عسى أن يروي الله الأرض بماء السماء ..

وأردف قائلاً : " هل تتذكرين صديقاتك المقربات وقريباتك الغاليات وجاراتك العزيزات !!

بعضهنَّ تائهات .. وبعضهنَّ حائرات .. وبعضهنَّ جاهلات بتعاليم الدين .. وبعضهنَّ متنازعات .. أليس كذلك ؟!

هلاَّ أصلحتِ بينهنَّ ؟!

هلاَّ أمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر _ لو تعلمين كم أقفز من مكاني عندما أرى منكراًَ أمامي ولا أغيره وأنت لا تتأثرين بما ترين _

هلاَّ بدلت العبوس في وجوههن والسخط إلى ابتسامات ورضا ؟!فلعل الأرض تبتسم بعد ذلك؛ ألا تعلمين أننا إذا تركنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر منعنا أسباب الخير والعطاء ..

لا تنتظري أن يأمر العالم بالمعروف وينهى عن المنكر ولكن " إبدأي بنفسك " وكلٌ يبدأ بنفسه ؛كلٌ يروي قلبه بحب الدعوة إلى الله عز وجل عسى أن يروي الله الأرض بماء السماء ..

هل سمعتِ ما قلتُ جيداً ؟!

هل فهمتِ ما تحدثت به ؟!

هل أصغيتِ لي بكل جوارحك ؟!

سأضخ لك دماً صافياً نقياً تائباً صالحاً صائماً متصدقاً مفعماً بحب الدعوة إلى الله ..

ولكن " إبدأي بنفسك " وكل قلبٍ صادقٍ سيبدأ بنفسه ولن تصلح الحياة إلا إذا صلحنا نحن ولا تنسي أن تقولي عقب كل صلاة :

" اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً ، هنيئاً ، مريئاً ، مريعاً ، غدقاً ، مجللاً ، طبقاً ، سحاً ، دائماً ، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، اللهم إنَّ بالعباد والبلاد من اللأواء والجهد والضنك ما لا نشكو إلا إليك ، اللهم أنبت لنا الزرع وأدّر لنا الضرع واسقنا من بركات السماء ، اللهم ارفع عنا الجهد والجوع ، والعري ، واكشف عنا ما لا يكشفه غيرك ، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا فأرسل الماء علينا مدرارا " آمين يا أرحم الراحمين ...

فلنفعل هذا وعندها تُروى الأرض بإذن الله

 

 التعليقات: 0

 مرات القراءة: 3539

 تاريخ النشر: 28/12/2008

ملاحظة:
الآراء المنشورة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو القائمين عليه، ولذا فالمجال متاح لمناقشة الأفكار الواردة فيها في جو من الاحترام والهدوء ونعتذر عن حذف أي تعليق يتضمن:
1- يحتوي على كلمات غير مهذبة، ولو كانت كلمة واحدة.
2- لايناقش فكرة المقال تحديداً.

 

 496

: - عدد زوار اليوم

7469071

: - عدد الزوار الكلي
[ 84 ] :

- المتصفحون الآن

 


العلامة الشيخ محمد حسن حبنكة الميداني


العربيــة.. وطرائق اكتسـابها..
المؤلف : الدكتور محمد حسان الطيان








 
   

أحسن إظهار 768×1024

 

2006 - 2015 © موقع رسالتي ، جميع الحقوق محفوظة

 

Design & hosting by Magellan