::: موقع رسالتي - رؤية جديدة في الخطاب الإسلامي :::

>> مقالات متنوعة

 

 

ضيَّعت قلمي .. فوجدته فيكِ

بقلم : ديمة محمد ديب هديب  

هي مدرسة .. ليست كالمدارس الباقية .. ليست مدرسةً حكومية .. ليست مدرسةً خاصة .. ليست مدرسةً تابعة للأنروا .. هي مدرسة من مدارس الحياة تتعلم فيها علوماً لم تسمع عنها في حياتك ومقررات لا يتداولها الناسُ أبداً والأغرب من ذلك المحاضرين في هذه المدرسة فهم من أعمارٍ متفاوتة واختصاصاتٍ مختلفة ففيها أساتذة في أوج الشباب وفيها أساتذةٌ لهم مناصب كبيرة في الدولة وفيها أساتذة قد اشتعلت رؤوسهم شيبا ؛ وأعجب ما في هذه المدرسة أنَّ فيها أطفالاً صغاراً لم يتجاوزوا العاشرة من عمرهم تراهم واقفين بكل عزةٍ وكبرياء كي يعطونا دروساً غالية ثم ينصرفون بسرعة وربما لا تلتقي بهم ثانية بل على الأغلب لن نلتقي بهم ثانية فهم يسلكون طريقاً صعباً لايستطيع أيُّ شخصٍ أن يجتازه ..

ليس فقط الرجال والشيوخ والأطفال ؛ بل النساء أيضاً كان لهنَّ نصيبٌ وافر في التدريس بهذه المدرسة ؛ منهنَّ الأمهات والأخوات والبنات يعطون بلسان الحال قبل لسان المقال ..

فما أعظم هذه المدرسة !! وما أشدَّ إعجابي بها !!

قضيت فيها أصعب الأوقات وأكثرها فائدة وأعظمها نفعاً .. أحببتها كثيراً .. وعشقت كل صف فيها .. ووددت لو قبلت كلَّ ذرةٍ من ترابها الطاهر .. أحببتها فلم أستطع الخروج منها ولا أريد الخروج منها ..

مدرسة غزة ...

فيك تعلمنا أعظم الدروس .. ومنك استفدنا فوائد جمَّة .. من معينك الصافي استقينا أعذب كلام وأفصح بيان .. وأروع دروسٍ في الكفاح والنضال ..

صحيح أنَّ اختباراتك كانت قاسيةً نوعاً ما ؛ لكنَّ النتائج كانت مرضية لدرجةٍ ما كنا نحلم بها أبدا ..

في أيام الاختبارات أضعت قلمي وما استطعت خطَّ أيِّ كلمةٍ من أجوبة الامتحان فصنعت من حُطام الصواريخ قلماً ومن أضواء قنابل الفوسفور سراجاً ومن الدماء التي تثعب في كل مكان حبراً ؛ لا لحبي بهذه الأدوات ولكن لشغفي ورغبتي بأن أسرد أجوبة هذا الامتحان العظيم الذي أرعب الكيان الغاصب بأدواته نفسها ليسري الرعب في القلوب الخائفة كما تسري النار في شوارع غزة الغالية ..

فدعيني غاليتي أتذكر وإياك هذه الاختبارات التي قضيناها سوياً في دورةٍ تدريبية كانت مدتها ثلاث وعشرون يوماً ؛ واسمحي لي أن أجيب عن هذه الاختبارات إجابات قلبٍ مكلوم ذاق الآن معنى النصر والعزة ...

الاختبار الأول :  " وتعاونوا على البرِّ والتقوى ولا تعاونوا على الإثمِ والعدوان "

الإجابة الأولى :  وكأني أرى هذه الآية مثالاً واقعياً مطبقاً في الحياة العملية مع أننا افتقدناه منذ زمن ؛ لكنكم استطعتم أن تعيدوه إلينا بكل بساطة وذلك من خلال تعاونكم وشجاعتكم وجرأتكم في الحق ...

الاختبار الثاني : "إنَّما الصَّدقاتُ للفقراءِ والمساكينِ والعاملينَ عليها والمؤلَّفةِ قلوبُهُم وفي الرِّقابِ والغارمينَ وفي سَبيلِ الله وابنِ السبيلِ فريضةً من الله والله عليمٌ حكيم "..

الإجابة الثانية : ها نحن قد بخلنا بالصدقات على الفقراء والمساكين واليتامى والمحتاجين لكنكم ذكرتمونا ماذا تعني الصدقة .. وماذا يعني أن تتبرع من أجل إعلاء كلمة الله سبحانه وتعالى.. وماذا يعني وفي سبيل الله ...

الاختبار الثالث :  " في ظل الأزمات تظهر معادن الرجال "

الإجابة الثالثة :  نعم ؛ لقد عرَّيتم الحقائق وجعلتموها واضحة وضوح القصف في سماء غزة وعرفنا العدو من الصديق ؛ وتأكدنا أنكم أنتم رجال الأزمات وأن كل من وقف بجانبكم وساندكم هو من أبطال هذا الزمان ...

الاختبار الرابع : " لا تُقذف إلا الشجرة المثمرة " ..

الإجابة الرابعة :  كثيرةٌ هي الأشجار في الحقول لكنَّ الناس لا ترمي بحجارها إلا الشجرة المثمرة أما التي احدودب ظهرها وشاخت فلا يرميها أحد لأنها لن تعطيه أدنى فائدة ..

الاختبار الخامس : " احزن ولكن ليكن حزنك إيجابياً "

الإجابة الخامسة :  كنا نظنه شعاراً لا يطبق لكنكم أثبتم أنه ليس شعاراً براقا وحسب إنما في ظل هذا الحرب وتحت القصف والدمار استطعتم ترجمة الحزن إلى تفاؤل وعطاء ..

الاختبار السادس :  " ما أصعب العيش لولا فسحةُ الأملِ " ..

الإجابة السادسة :  كانت تتكلم بكل ثقة وتقول : ( ماذا يستطيعون أن يفعلوا ؟ إنهم يرمون علينا الصواريخ لكنها جاءت من أيدي فاشلة خائبة مرتجفة وسننتصر بإذن الله ) من علَّم هذه الفتاة التي لم تمسك سلاحاً في حياتها أنهم سينتصرون ؟!

إنه الأمل ذلك المعلم الذي لمَّ حقائبه ومضى منذ فترةٍ بعيدة ولا أدري إن كانت لديه الرغبة بالعودة مرةً ثانية ..

الاختبارالسابع :  " ومن يتق الله يجعل له مخرجا " ..

الإجابة السابعة :  عدنا أخيراً إلى تقوى الله وإلى الدموع الصادقة في الأسحار وذكرتمونا بلذة قيام الليل والبكاء بين يدي العظيم المتعال .. فما أروع تلك المناجاة الطاهرة التي اجتمع فيها ملايين الناس كلٌ في بيته وارتفعت الأصوات تلهج بالدعاء للكريم المنان ( اللهم فك الحصار ودمر الأعداء وانصر المجاهدين الأخيار ) .. وما أعظم العودة الصادقة إلى ختمات القرآن والحياة مع الآيات والدعاء لهؤلاء الأبطال ؛ مع أننا نسينا هذا الرجوع من أيام العشر الأخير في شهر الصوم الفضيل ...

الاختبارالثامن :  " لن يستطيع أحد أن يكسر حزمة العيدان المجتمعة " ..

الإجابة الثامنة :  هذه القصة التي طالما ذكرناها وعلمناها للأطفال وجدناها حقيقة راسخة صلبة فأنتم يا أصحاب العقيدة الراسخة رسوخ الجبال الراسيات جمعتم العالم بأسره على نصرة قضيتكم وتوحدوا من أجلكم فما استطاعت يد الغدر أن تعيث فساداً في هذه الوحدة المباركة ..

الاختبارالتاسع : " في أيِّ الفريقين أنتم ؟ فريق البصر أم فريق البصيرة ؟! "

الإجابة التاسعة :  سبحان الله ! كنتم في فريق البصر في قنص الأعداء وأنتم الآن في فريق البصيرة ؛ فمن لم يشاهد الطفل الصغير التي أُطفأت عيناه لكن قلبه لم يُطفأ ؛ بل تحدث بكل بسالةٍ وشجاعة وكأنه يرى من يخاطبه وختم كلامه ( شكراً لكم ) فلمن الشكر ؟! وعلام الشكر ؟! وهل هناك أحدٌ يستحق الشكر غيره بعد الله سبحانه وتعالى ..

الاختبارالعاشر :   "  يوم الفرقان  " ..

الإجابة العاشرة :  الحمد لله ثم الحمد لله ثم الحمد لله .. لقد انتصرتم وكان يوم الفرقان الحق .. لقد علمتمونا ماذا يعني الانتصار .. ماذا تعني الشجاعة .. ماذا يعني الثبات .. ماذا يعني الحماس ؟!! ..

صحيح بأنكم الآن تعيشون في الركام ونسي الناس قصتكم نوعاً ما وأسمع الألسن تقول :     ( الحمد لله المهم أن القصف توقف ) ؛ لكنهم ما فكروا فيكم الآن وما تذكروا الحصار وما رأوا الدمار الذي خلفته هذه المحرقة وربما توقف الدعاء ونسينا الصدقة وأهملنا الرجوع إلى الله والحياة مع القرآن ..

فهنا يأتي السؤال لي ولكل من يقرأ ولكل من عاصر هذه الحرب الضروس ..

ماذا بعد غزة ؟!

 

 

 

 

 

 التعليقات: 6

 مرات القراءة: 3469

 تاريخ النشر: 24/01/2009

2009-02-08

ديمة هديب

السلام عليكم الاخوة الكرام ( نور _ الصبحين _ دعاء الأصفياء ) حقا وصدقا أدخلتم السرور على قلبي ووسعتم صدري بهذه الإجابات وفعلا قضية غزة هي قضية البداية وليست النهاية صحيح هو موت لكنه بداية لحياة جديدة وغزة هي بداية النصر والعزة بإذن الله بارك الله فيكم ورزقنا التطبيق والثبات .. آمين

 
2009-01-31

دعاء الأصفياء

السّلام عليكم* جزاكِ الله كلّ خير أخيّتي على هذا الكلام.. لقد أثلجتِ صدري بهذه الأفكار المهمّة. أمّا عن غزّة، وماذا بعد الحرب على غزّة، فهناك الكثير من الكلام يقال في هذا الشّأن، وأختصر هنا بالقول: يجب أن نعود إلى الله، ونرسّخ إيماننا، ويسعى كلّ منّا لمعرفة ما يترتّب عليه بعد الحرب، والّذي هو من مفترض أن يكون قبل الحرب وبعد الحرب وإلى آخر الحياة، وأقترح على نفسي وعلى كلّ من شهد معركة الفرقان أن نخصّص دفتراً خاصّاً؛ لنسجّل عليه كلّ ما حدث ووصل إلى سمعنا وبصرنا في تلك المعركة الرّائعة، ليعود إليه دوماً، وأن يعدّ كلّ موقف من تلك المواقف درساً بليغاً، وكلّ ابن من أبناء غزّة قدوة له، مرّة ثانية أشكرك على هذا المقال، وأرجو لك من الله التّوفيق*

 
2009-01-29

الصبحين

الأخت الغالية ديمة: السؤال الكبير الذي أنهيت به مقالتك الرائعة : ماذا بعد غزة ؟! هو سؤال بحجم المأساة الي نعيشها ، وبحجم الطموح الكبير الذي نتشوّف لتحقيقه وتجسيده واقعاً ؛ في تحويل غثاء السيل إلى قوة فاعلة يزيدها تخويف الناس إيماناً ، فتتوكل على الله ، وتَثبت في مستنقع الموت رجلها ؛ وتقول للعالم : من تحت أخمصنا الحشر !! بعد غزة : هي الترجمة الحقيقية لدروسها ، والاستعداد الدائم والمتجدد للمتابعة في البذل والعطاء ، والعودة إلى الواقع لنخرج حب الدنيا من قلوبنا ، و نبيع جماجمنا لله ، فهو البيع الرابح ... بعد غزة : هو هذا المقال المحفز ، وهذه الردود المباركة ، فمعركتنا مع العدو بدأت الآن ، ولم ولن تنتهي إلا بالنصر الحاسم ، والتحرير الكامل... وكل أشكال الدعم والإبداع ضرورية لدعم الصمود ، وبلسمة الجراح ، وإعمار ماتهدّم ماديّاً ومعنوياً... بعد غزة : مسيرة مستمرة من العزّة ومن الإيمان ، والتوكل على الله ، وإعداد العدّة للمعركة القادمة التي ستكون أشرس ، وأعنف ، وأكثر دموية ووحشية!... بعد غزة : هو أنتنّ أيتها الأخوات والأمهات ؛ عندما تتدرّبن على إطلاق الزغاريد ، عندما يستشهد أبناؤكن ، أو بعولتكن ، أو إخوانكن ، او آباؤكن ، أو من تحببن !..... وعندما تحملن العصي والكنادر لرجم المتخاذل ، وحفز المتقاعس ، وعندما ترفعن باستمرار من سويتكنّ الفكرية ، لتربّوا أجيالاً أفضل من حيث النوع لامن حيث الكم... وعندما تتأسّين بنسيبة وأسماء وأم سلمة والخنساء رضوان الله عليهن ؛ بمساندة إخوانكن بالدعم المادي والمعنوي ، من خلال المشاركة الحقيقية في المعركة بأنفسكن ، وابنائكن ، وآرائكن السديدة ، والصبر على المصيبة ، وشد الأزر ، ودعم الحق ، وتأصيل المبدأ ، وترسيخه في النفوس... بعد غزة : عمل كثير يتطلب همة الجميع ؛ والهمة على قدر الإيمان ؛ فإلى مواقع العمل والعطاء .... والله الموفق والحافظ والملهم والمسدّد والأمين ، وهو نعم المولى ونعم النصير !....

 
2009-01-28

ديمة هديب

السلام عليكم جزاك الله الجنة حضرة المشرف العام وبارك لنا في علمك وعمرك ، وإنه لفخر وشرف كبير لي أن يسطر فضيلتكم كلمات تضيء لي مقالتي المتواضعة وتضفي عليها سموا ورقيا ؛ فجزاك الله خيرا وبارك لنا في هذا الموقع المبارك ولفضيلتكم جزيل الشكر والامتنان

 
2009-01-28

المشرف العام

جزاك الله خيراً أختنا الفاضلة على هذه الخاطرة التي تشع إيماناً وصدقاً ، وتعكس حالة الصفاء الروحي التي يعيشها المؤمن ، بشعوره الصادق لحال إخوانه في غزة الصامدة ... أبارك لك هذا الوعي وهذا الصدق في المشاعر ، والحمد لله أن في أمتنا أمثالك من الصادقين ، وخاصة في عالم المرأة المسلمة ... وليسمع العالم وليقرأ صوت ونبرة الفتاة المؤمنة التي يتحرق قلبها على نصرة إخوتنا الصامدين على أرض الرباط ... بارك الله بك ونفع بك و أجرى الخير على يديك ..

 
2009-01-25

نور القاسم

السلام عليكم غاليتي اتنهيتي بسؤال صعب ولطالما سألته نفسي ... ماذا بعد غزة ؟ وأظن أن الجواب عليه يكمن في الثبات على ما تعلمناه من مدرستنا الغالية مدرسة غزة يكمن في اتباع أسباب نصر دبن الله تعالى يكمن في الاستمرار على التعاون على البر والتقوى ، وفي استمرار الصدقات ، وفي توحيد كلمتنا والالتجاء إلى ربنا في السراء والضراء ، وان انضع نصب أعيننا في تعاملنا مع إخواننا تقوى الله عزَّ وجل ، وأعجبتني كلمة سمعتها من أحد الأساتذة في غزة حيث قال : إن الأرض الفلسطينية هي ملك لجميع المسلمين لكنهم لن ينالوها حتى تصطلح نفوسهم و يرى أنه يوجد بين المسلمين واليهود حفرة عميقة ستمتلئ هذه الحفرة بجثث ودماء الشهداء الفلسطينين فهل أنتم مستعدون للعبور ؟ فأجبته بلا شعور بيني وبين نفسي سنستعد من الآن بإذن الله تعالى غاليتي سنحيا بالقرآن وسنحيا على خطي حبيبنا صلى الله عليه وسلم غاليتي مع تحياتي والدعاء لك بالمزيد من الإبداع والنجاح

 

ملاحظة:
الآراء المنشورة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو القائمين عليه، ولذا فالمجال متاح لمناقشة الأفكار الواردة فيها في جو من الاحترام والهدوء ونعتذر عن حذف أي تعليق يتضمن:
1- يحتوي على كلمات غير مهذبة، ولو كانت كلمة واحدة.
2- لايناقش فكرة المقال تحديداً.

 

 2148

: - عدد زوار اليوم

7407055

: - عدد الزوار الكلي
[ 61 ] :

- المتصفحون الآن

 


العلامة الشيخ محمد حسن حبنكة الميداني


العربيــة.. وطرائق اكتسـابها..
المؤلف : الدكتور محمد حسان الطيان








 
   

أحسن إظهار 768×1024

 

2006 - 2015 © موقع رسالتي ، جميع الحقوق محفوظة

 

Design & hosting by Magellan