::: موقع رسالتي - رؤية جديدة في الخطاب الإسلامي :::

>> محاضرات وندوات

 

 

دخول الإسلام إلى الهند

بقلم : الشّيخ محمد خير الطرشان "المشرف العام"  

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم، على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. اللّهم افتح علينا فتوح العارفين، ووفقنا توفيق الصالحين، واشرح صدورنا، ويسّر أمورنا، ونوّر قلوبنا بنور العلم والفهم والمعرفة واليقين، واجعل ما نقوله حجة لنا ولا تجعله حجة علينا برحمتك يا أرحم الراحمين.

وبعدُ أيّها الإخوة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

^ أهمّية تبليغ الرّسالة المحمّدية (رسالة الإسلام):

أ-وقفة مع ذكرى المولد النبوي:

ها نحن قد دخلنا في شهر ربيعٍ الأول، هذا الشهر العظيم، المبارك، الذي شهد ذكرى ولادة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام. هذه الولادة.. التي كانت سبباً في هذا النور العظيم الذي نعيش فيه؛ نور الإسلام، نور التوحيد، نور كلمة ((لا إله إلا الله... محمد رسول الله)). اختار الله - سبحانه وتعالى - سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من بني هاشم، واختار بني هاشم من قريش، واختار قريشاً من العرب، واختار العرب من سائر المخلوقات على وجه الأرض، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خياراً من خيارٍ من خيار. لذلك..

ب- نبينا عليه الصلاة والسلام سبب في إنقاذنا من الضلال إلى النور:

عندما يفرح المسلمون بشهر ربيع الأول، فهم يعبرون عن فرحهم بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه كان سبباً في إنقاذنا من الضلال إلى النور. وربما ظن البعض أن هذا الكلام يندرج في الإطار النظري، إذا أردنا أن نبرهن على صحة كلامنا هذا، ينبغي أن نعود إلى بعثة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بداياتها، لنرى، ونتخيل سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أزقة مكة، وفي شوارعها الضيقة، وهو يمشي يبلّغ الرسالة، وينادي قومه قائلاً: يا قوم: قولوا ((لا إله إلا الله)) تفلحوا. المعروف أن النبي - عليه الصلاة والسلام - مكث يدعو الله تعالى سراً ثلاث سنوات، وخلال السنوات الثلاث هذه، لم يدخل في الإسلام سوى أربعين رجلاً، وامرأة واحدة؛ هي السيدة خديجة رضي الله تعالى عنها. ثلاث سنوات، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - صابر، محتسب، لم ييئس، لم يشعر بالملل، أو بالضيق، وإنما كان صابراً في أداء الرسالة، كما أمره ربنا سبحانه وتعالى. لما نزل الأمر بالجهر في الدّعوة، قال الله تعالى له:[]فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ[] سورة الحجر (94). أي بلّغ، واجهر بهذه الدّعوة. ثمّ أمره الله - سبحانه وتعالى - أن يبدأ بعشيرته، والمقربين منه من أهله، وأرحامه، لذلك قال الله تعالى له:[]وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ[] سورة الشعراء (214). ماذا فعل سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ جمع الناس، وناداهم، وصعد إلى أعلى جبل الصفا، ونادى: يا بني فهر، يا بني غالب، يا بني مرة، يا بني كنانة، يا فلان، يا فلان، حتّى أنه نادى فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحب الناس إلى قلبه، فاجتمع الناس، وعَمَّ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في النداء والخطاب، وخصَّ في الكلام، فقال لهم: "أنقذوا أنفسكم من النار، فإني لا أملك لكم من الله شيئاً" صحيح مسلم. هكذا كانت بداية الدّعوة، من يعبد غير الله، ومن يركع ويسجد للأصنام، فإنه في مسيرة الضلال والغواية، وعليه أن يبحث عن طريق النور، والهداية، وهذا الطريق يتمثل في عبودية الله وحده لا شريك له، وفي اتباع هذا النبي الكريم، الذي هو خاتم الأنبياء والمرسلين. هكذا بدأ سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعوته في قومه، ودعوته في قبيلة قريش ومَن حولها من القبائل العربية، ودعوته لخاصة أوليائه، وخاصة أقربائه وأسرته.

جـ- يجب الاستمرار في الدعوة رغم الصعوبات:

لم ييئس النبي - صلى الله عليه وسلم - أبداً رغم ما واجه من الصعوبات، ورغم التحديات الكثيرة التي تعرض لها، إلا أنه مع ذلك كان يقاوم، ويتحمل، ويصبر، وكان يحتسب الأجر عند الله تبارك وتعالى. وهو درسٌ عظيم، أن يحرص على دعوته، فلعل الله تعالى يهدي به رجلاً واحداً، وكلنا نعلم فضيلة هداية البشر، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - يوماً لسيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه:يا علي:"لَأن يهدي الله بك رجلاً واحداً، خيرٌ لك من حُمْرِ النَّعَم". بضم الحاء، وتسكين الميم لكلمة حُمْرِ ، وبفتح النون لكلمة النَّعم، وليس النِّعم بالكسر. الحمر من النَّعَم: هي الإبل الكريمة، غالية الثمن، إبل عريقة، إبل عربية أصيلة، ثمنها غالٍ جداً. فلأن يهدي الله بسببك إنساناً يدخل في الدين، أو يستقيم على شرع الله سبحانه وتعالى، بما تقدمه له من الدعوة، والإحسان، والحال، والمقال، ومن حسن المعاملة. هذا كله خير لك من الإبل الكريمة، غالية الثمن التي يمكن أن تفوز بها. من هنا ندرك ضرورة استمرار الناس في حمل الراية؛ راية الإسلام، راية ((لا إله إلا الله، محمد رسول الله)).

ء- بلِّغوا عني ولو آية:

راية الإسلام تحتاج أن يفهمها كل واحد منا فهماً جيداً في إطار قول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم:"بلِّغوا عني ولو آية" صحيح البخاري. أي إذا سمعتم آية، فهمتموها، حفظتموها، قرأتم تفسيرها، أو حديثاً من حديث سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعو إلى فضيلة، أو أخلاق فضيلة، أو إلى نبذ الأخلاق الرذيلة، فبلغوا ما سمعتم، وانقلوه، وليكن هذا الكلام منتقلاً على الألسنة هنا وهناك؛ لأن فيه دعوةً إلى الخير والفضيلة، ولأن فيه نقلة للناس من حالة الطغيان، وحالة الضلال والنسيان، إلى حالة الهداية، وإلى الإرشاد، والنور الذي جاء به سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. إذاً.. الله - تبارك وتعالى - أراد لسيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كخاتمٍ للأنبياء والمرسلين، أن يكون سبباً في الهداية لجميع البشر، كما قال ربنا سبحانه وتعالى:[]هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُون[] سورة التوبة (33).

هـ- الدين الإسلامي يحرر الإنسان من ذل العبودية لغير الله تعالى:

العالم فيه ديانات كثيرة، فيه معتقدات فاسدة، العالم فيه من يعبد غير الله، فيه من يقدّس الشّمس، القمر، الكواكب، النجوم، البقر، الشيطان، يعبد الحجارة، يعبد أشياء لا ترضي الله، ولا رسوله، وكل أولئك يعيشون حالة من الضلال والطغيان، ولا شك أن واجبنا أن ننقل إليهم الهداية، والنور، والبصيرة، كما قال أحد من وصف دعوة سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأنه جاء لينقذ الناس من عبادة العباد، إلى عبادة الله الواحد القهّار. هذا الكلام جرى على لسان جندي بسيط في إحدى المعارك التي كان يقودها سعد بن أبي وقاص - رضي الله تعالى عنه - في وصفه للفرس عندما وقف أمام القائد المشهور رستم، ويسمى الجندي المسلم ربعي بن عامر، قال له:"إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاء لينقذنا، ويحررنا من عبادة العباد، إلى عبادة الله الواحد القهّار". هذه دعوة سامية، راقية، عالية، لها شأن كبير، الناس كانوا يعانون من العبودية لغير الله تبارك وتعالى. لذلك سيدنا عمر - رضي الله تعالى عنه - قال مرة:"متى استعبدتم الناس، وقد ولدتْهم أمهاتهم أحرارا؟!". إذا كان الله - سبحانه وتعالى - قد خلق الناس أحراراً، فهم عبيد له، سبحانه! والله - سبحانه وتعالى - عندما يخاطب عبيده يقول: عبدي، كما ورد في الحديث القدسي كثيراً، مثلاً من ذلك قوله:"عبدي.. تفرّغْ لعبادتي، أملأْ قلبك غنىً، وأسدّ فقرك". فخاطب العبد بهذه الصفة، والعبد عندها يخاطِب ربه، ماذا يقول؟ يقول: ربِّ، ربّاه، أو يا ربّي... حسب الصيغة التي يراها أقرب إلى روحه، وأقرب إلى نفسه.

و- وجوب نشر الدعوة إلى كافة بقاع الأرض:

سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاء لهداية الناس، وإنقاذهم من الضلال إلى النور، ليس فقط في الجزيرة العربية، وليس فقط في مكة المكرمة، لذلك ربنا - تبارك وتعالى - اختار له أن يخرج من مكة المكرمة إلى المدينة المنوّرة مهاجراً؛ لتنطلق الدعوة إلى آفاق إسلامية واسعة، ورحبة، ومترامية الأطراف. لم يقدّر الله تعالى للإسلام أن يبقى منحصراً في شعاب مكة، ولا بين وديانها، وجبالها، وفي محيط الكعبة المشرّفة، مع أن الكعبة أقدس بقعة على وجه الأرض، ومع أنها رمز لاجتماع والتقاء المسلمين. ومع ذلك أراد الله تعالى للنبي - عليه الصلاة والسلام - أن يغادر مكة المكرمة، وينطلق إلى المدينة المنورة؛ لتكون انطلاقة للدعوة الإسلامية إلى بلاد الشرق والغرب. كلنا نعلم أنه في العام (40) للهجرة قامت الخلافة الإسلامية الأموية في دمشق الشام، ومن دمشق انتقلت الخلافة إلى بغداد، ومن بغداد توسعت في العالم، فكان هناك خلافة في مصر، وفي الأندلس، وفُتحت بلاد المشرق، وبلاد المغرب، ووصل الإسلام إلى أسوار الصين، وإلى حدود فرنسا، وإلى مجاهيل إفريقيا، حتى إلى أقصى الشرق، في بلاد السند والهند، فقد وصل الإسلام إليها، وحكم المسلمون تلك البلاد أزمنة عديدة، ودهوراً مديدة، كانوا خلالها يحكمون بالعدالة، بالمرحمة، بالإنسانية، بأخلاق الإسلام، لا بالعنف، ولا بالبطش، ولا بالسيف، ولا بإزهاق الأرواح، ولا بإراقة الدماء، وإنما حكموا العالم بهذه المرحمة، بهذه العدالة التي جاء بها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

^ أدلة على بلوغ الإسلام ووصول الرسالة إلى مشارق الأرض ومغاربها:

خلال زيارتي إلى الهند، بصحبة شيخي وأستاذي مفتي دمشق؛ فضيلة الشيخ د. عبد الفتّاح البزم حفظه الله تعالى، اطلعنا على واقع المسلمين في القارّة الهندية الكبيرة، رأينا واقعاً عظيماً للإسلام والمسلمين، كنت أنظر إلى المسلمين الهنود الذين أكرمهم الله - سبحانه وتعالى - بالشهادتين، وبحب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبصدق الاتّباع، وصدق الانتماء إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. في هذه الأثناء كنت أتذكر كلام سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن الله زوى لي الأرض[1]، فرأيت شرقيّها وغربيّها، وإن ملك أمتي سيبلغها". وفي رواية عن سيدنا ثوبان رضي الله عنه:"وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زُوِيَ لي منها". صحيح مسلم. أنا أتخيل هذا الحديث الشريف، وتخيلوا معي هذه الصورة: رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبسط كفيه، فيأتي جبريل عليه السلام، ليجمع له الدنيا بأطرافها؛ شرقيّها وغربيّها، شماليّها وجنوبيّها بين كفيه، فيقلّبها له كيف يشاء، ويقول له:يا محمّد: إن مُلْك أمتك الإسلامية سيبلغ إلى هذه البقعة، وإلى هذه البقعة، وإلى هذا المكان، وإلى هذا المكان، وسيكون في هذه الأمكنة رايات ((لا إله إلا الله، محمد رسول الله)) خفّاقة، ترتفع في كل هذه البقاع. يا محمّد: إن راية الإسلام ستبلغ إلى الصين، إلى الهند، إلى السند، إلى أوربّة، إلى إفريقية، إلى عمق آسية، إلى كلّ بقاع الأرض؛ في الصحراء، في المحيطات، وراء البحار... هكذا كان الأمر مع سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.  وعندما أخبر النبي – عليه الصلاة والسلام - أصحابه هذا الخبر، أراد أن يدلّل على معجزة عظيمة ستقع بشكل دائم ومستمر، كلما انتشر الإسلام في الشرق والغرب، كلما ثبتت معجزة لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، لذلك.. عندما نقرأ الحديث الثاني في هذا الباب، ندرك تماماً سرَّ الإعجاز في نبوة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو سر دائم، متّصل، غير منقطع، بدليل بلوغ الإسلام، ووصوله إلى هذه القارات البعيدة جداً عن الجزيرة العربية، وعن بلاد الشام، وعن العراق. اقرؤوا معي حديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ليبلغنّ هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار". رواه أحمد والطبراني. أي ليصلنّ الإسلام إلى مشرق الشمس، ومغربها. ماذا نتخيل من البلاد؟ من المساحات الواسعة؟ ماذا نتخيل من البحار؟ ماذا نتخيل من الأنهار، والجبال، والوديان، والبطاح، والسهول؟ كلها سيبلغها دين الإسلام بإذن الله تعالى. ليبلغنّ هذا الأمر- أي هذا الدين -  ما بلغ الليلُ والنهار، ولا يترك الله بيت مَدََرٍ، ولا وبَر، أي لا بيتاً في البادية، ولا بيتاً في الحاضرة (المدينة) إلا أدخله الله هذا الدين، فيبلغه هذا الدين بعزّ عزيز، أو بذلّ ذليل، سواءٌ اقتضى الأمر أن يصبح العزيز عزيزاً، أو ذليلاً، عزّاً يُعزّ الله به الإسلام، وذلاً يذل الله به الكفر، صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم. هذا الكلام أيها الإخوة، الآن تثبت صحته كما ثبتت في الماضي، وكما سيتثبت في المستقبل إن شاء الله تعالى.

^ لن نتخلص من الأزمات ونجد السعادة إلا في ظل الإسلام:

انتشار الإسلام في هذه الأيام أصبح كبيراً، وأصبح - ولله الحمد - منتشراً في كافة البقاع، هناك صحوة إسلامية منتشرة تعم في بلاد العالم بأسره، أتدرون ما السبب أيها الإخوة؟ السبب أن الناس تبحث عن مخلِّص، وتبحث عن منقذ، حتى في الأزمة المالية الاقتصادية العالمية، هناك من صرّح من ساسة الغرب، وخبرائهم في الاقتصاد أن الحل والمخرج والمنقذ من الأزمة التي يعيشها العالم الغربي في اقتصاده، إنما يكون في اتباع النظام الإسلامي. والنظام الإسلامي الاقتصادي؛ يحارب أول ما يحارب الرِّبا، ويحارب غسيل الأموال، ويحارب السيطرة على المال العام، ويعطي كل ذي حق حقه، وهذا ما صرّح به سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في خطبة حجة الوداع، عندما قال:"إن دماءكم، وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا". صحيح مسلم. فحرمة الأموال لا تقل شأناً في الإسلام عن حرمة الدماء، وكما أن الله - تعالى - جعل للدماء حصانة؛ كذلك جعل للأموال حصانة.

^ معلومات عن المسلمين في الهند:

أحدثكم قليلاً عن بعض المشاعر التي انتابتني، عندما كنت في هذه الزيارة إلى الهند، والتي التقينا فيها مع كثيرٍ من المسلمين الهنود، الذين يزيد تعدادهم على خمسٍ وعشرين بالمئة من مجموع سكان هذه القارة الكبيرة، فإذا كان عدد سكان الهند هذه الأيام يتجاوز المليار، ومئة وخمسين مليوناً (1150000000)، فإن نسبة المسلمين منهم خمسٌ وعشرون بالمئة تقريباً، أو زيادة، لا يوجد هناك إحصاءات دقيقة بما تعنيه هذه الكلمة من دقة، ومعنى، وإنما هناك إحصاءات تقريبية، فعدد المسلمين في الهند يتجاوز مئتين وخمسين مليوناً، وهو رقم كبير جداً ! وهذا الرقم فاعل، ومؤثر في الحياة الهندية اليوم، فقد برز منهم علماء، ومحدثون، وفقهاء. تصوروا أيها الإخوة أن فقهَهُم في القارّة الهندية فقهٌ يعتمد المذهب الحنفي (مذهب الإمام أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه)، وعقيدتهم عقيدة ماتُريدية، وطريقتهم طريقة الإمام عبد القادر الجيلاني - رحمه الله تعالى ورضي عنه - في التصوف ، وفي السلوك، وفي الأخلاق الفاضلة، والكريمة.

^ كيف دخل الإسلام إلى الهند؟

أ- الهند فُتِحت على يد شاب مسلم:

إذا أردنا أن نعود إلى الوراء لنعلم كيف دخل الإسلام إلى الهند؛ فسنجد أن هناك قصةً طريفة، عظيمة وقعت في سبب دخول الإسلام، ووصوله إلى هذه القارة الكبيرة: المعروف تاريخياً أن الإسلام دخل بلاد السند (باكستان)، والهند، أول ما دخل.. على يد شاب مسلم كان عمره سبعة عشر عاماً، اسمه "محمد بن القاسم الثقفي" رحمه الله تعالى. ولد هذا الشاب سنة اثنين وستين للهجرة، وتُوُفي سنة ثمانٍ وتسعين للهجرة، وبهذا يكون قد عاش (36) سنة فقط، وقد استطاع خلال ست سنوات من حياته، ورحلته في الجهاد إلى بلاد السند والهند، أن يفتح هذه القارة العظيمة، وأن يقيم فيها دولة إسلامية، استمرت وحكمت بلاد الهند والسند ثمانية قرون، المسلمون حكموا هذه البلاد من القرن الرابع الهجري إلى بدايات القرن الثالث عشر، أي مطلع القرن التاسع عشر الميلادي، عندما دخل الإنكليز إلى تلك البلاد، وفعلوا فيها ما فعلوا. ثمانية قرون، أفادت فيها الأمة الهندية من المسلمين علوماً، وحضارة، وفلسفة، وصناعات متقدمة ومتطورة، لذلك.. ما نراه اليوم من التقدم الصناعي الذي تشهده الهند؛ للمسلمين فيه بصمات كثيرة، كذلك العلوم التي ترد من بلاد الهند إلى بلاد العرب والمسلمين، كشروح صحيح البخاري، وصحيح الإمام مسلم، والترمذي، وأبي داود، وموطأ الإمام أحمد، وموطأ الإمام مالك، ومسند الإمام أحمد - رضي الله عنهم جميعاً - إنما هو بفضل أولئك المسلمين الأوائل الذين ذهبوا إلى تلك البلاد بقيادة محمد بن القاسم الثقفي رحمه الله تعالى ورضي عنه، محمد بن قاسم الثقفي هو من كبار القادة الذين كانوا في ذلك العصر، يعرف تاريخياً في تلك المرحلة أن الزمان جاد بأربعة قواد لم يجد الزمان بمثلهم على الإطلاق، وهم: قتيبة بن مسلم الباهلي، ومَسلَمة بن عبد الملك، وموسى بن نُصير، ومحمد بن القاسم الثقفي. هؤلاء توزعوا فتح العالم، فمنهم من فتح بلاد ما وراء النهر، مثل قتيبة بن مسلم، ومسلمة بن عبد الملك رحمهما الله تعالى، ومنهم من استلم جهة إفريقية وبلاد المغرب، مثل موسى بن نصير، وطارق بن زياد الذي كان معه. فهؤلاء استلموا سلك المنطقة، وفتحوها حتى بلغوا بلاد الأندلس، وأوصلوا الإسلام إلى حدود فرنسا. ومنهم من استلم المنطقة الشرقية، وعمق آسية، فبلغ أسوار الصين، وتجاوز بلاد الهند والسند، وهو محمد بن القاسم الثقفي رحمه الله تعالى.

ب- لمحة عن حياة فاتح الهند (محمد بن القاسم الثقفي):

هذا الشاب المسلم وُلد في مدينة الطائف - وهي إلى جوار مكة المكرمة - من أسرة معروفة، فقد كان جده (محمد بن الحكم) من كبار الثقفيين، ولمّا وَلِيَ الحجاج بن يوسف الثقفي[2] في عهد الخليفة عبد الملك بن مروان، عَيّن الحجاج عمَّه القاسم والياً على مدينة البصرة، فانتقل معه ابنه محمد بن القاسم إلى البصرة، حيث كان والده حاكماً ووالياً عليها. ولمّا أن بنى الحجاج مدينة واسط التي أصبحت مكاناً ومعسكراً لجنده، ومنها انطلق كثير من الفتوحات،- وكان محمد بن القاسم قد كبر وترعرع، ونشأ في البصرة؛ ولم يتجاوز عمره سبعة عشر عاماً- هناك (في واسط) تدرب محمد بن القاسم على الجندية، وتدرب على البطولات.

جـ- السبب المباشر في إرسال الحجاج جيشاً لفتح الهند:

لما أراد الحجاج أن يرسل بعثة إلى بلاد السند والهند، تفرّس في الشباب الموجودين، فلم يجد أجدر من محمد بن القاسم، لكي يتسلم قيادة الجيش المتّجه إلى بلاد السند، وفي ذلك قصة طريفة، كيف فكر الحجاج بن يوسف في فتح بلاد الهند والسند؟ هل خطر في باله أنها بلاد ياقوت ولؤلؤ مثلاً؟ المعروف أن هناك مدينة اسمها مدينة حيدر آباد، وهي على الساحل في المحيط الهندي، هذه البلاد تنتج اللؤلؤ، وما وراءها جزيرة سيلان، بلاد تنتج الياقوت، وتسمى بلاد الياقوت. هل فكر الحجاج أن يرسل بعثة لفتح هذه البلاد من أجل اللؤلؤ والياقوت؟ لا أبداً! وإنما كان هناك سبب عظيم، نجدة إسلامية، وشهامة إسلامية عربية تحركت في عروق الحجاج، إذ حدث في سنة (88) للهجرة أن سفينة عربية كانت قادمة من جزيرة سيلان عليها نساء مسلمات، مات آباؤهن هناك لمّا ذهبوا إليها لقصد الدعوة والتجارة، فقررت النساء السفر للإقامة في العراق، في هذه الأثناء؛ علم ملك سيلان بأن النساء المسلمات قد قررن السفر إلى العراق، فوجدها فرصة للتقرب من العرب، ومن خليفتهم الوليد بن عبد الملك، فجهز لهن سفينة، وحمّلها بالهدايا إلى الحجاج، وإلى الخليفة في دمشق (الوليد بن عبد الملك). وبينما كانت السفينة في طريقها إلى البصرة مارة بميناء يسمى ميناء الدِّبل[3]؛ في هذه الأثناء خرج قراصنة من السند، واستولوا على تلك السفينة، واغتصبوا نساءها، واحتجزوهنّ، فكتب الحجاج إلى ملك السند يطلب منه أن يفْرِج عن النساء المسلمات، وعن السفينة، وأنه سيسامحهم بالهدايا، لكن ملك السند اعتذر عن ذلك، بحجة أن الذين خطفوا السفينة هم عبارة عن لصوص قراصنة لا يقدر عليهم، فبعث الحجاج حملتين؛ الحملة الأولى كانت بقيادة رجل يُقال له عُبيد الله بن نبهان السلمي، والثانية بقيادة رجل يقال له بديل البَجَلي، لكن الحملتين فشلتا، ولم تفلحا في إنقاذ النساء المسلمات من الأسر، بل قُتل القائدان على يد جنود من بلاد السند، فلما وصلت الأخبار إلى الحجاج أن النساء المسلمات، والجنود المسلمين سُجنوا في سجن الدبل، ولا يريد ملك السند الإفراج عنهم في نوع من العناد للعرب والمسلمين، جهز الحجاج عند ذلك جيشاً قوامه ستة آلاف مقاتل، واختار قائداً عليه محمداً بن القاسم الثقفي رحمه الله تعالى، وكان عمره سبعة عشر عاماً فقط.

ء- وصول الدعوة إلى الهند، وصدق نبوءة الرسول عليه الصلاة والسلام:

لاحظوا أيها الإخوة هذه البطولة، وهذه الشجاعة، وهذه الفتوة، سبع عشر سنة فقط كان عمر محمد بن القاسم لما قاد ذلك الجيش باتجاه مدينة شيراز، وفي مدينة شيراز انضم إليه ستة آلاف مقاتل آخرين، وبدؤوا مسيرهم بين البر والبحر، حتى بلغوا أول مدينة من مدن بلاد السند ففتحوها، ثم فتحوا المدينة الثانية، ثم الثالثة، وهناك التقوا في معركة كبيرة مع ملك السند آنذاك - ويقال له داهر - في معركة مصيرية دامية، قُتل أثناءها ذلك الملك السندي، واستطاع المسلمون أن يحققوا نصراً كبيراً، وسقطت العاصمة السندية في أيدي المسلمين، واستمر القائد المسلم محمد بن القاسم في فتوحاته لبقية أجزاء بلاد السند، حتى انتهى منها بشكل كامل في عام (96) للهجرة، حيث بدأ من سنة (90)، ست سنوات استغرقت معه عملية الفتوحات لبلاد السند، حتى بلغ حدود بلاد الهند، وصل إلى بلاد الهند، وهناك جاءه الأمر من الخليفة في الشام بالعودة إلى الشام، وتسلم الراية غيره من القادة الذين استطاعوا أن يدخلوا عمق بلاد الهند، وينقلوا إليها الدين، والإسلام، وعدالة الإسلام، ومرحمة الإسلام، وكل ما في الإسلام من حكمة، وعِظة، وموعظة حسنة، وكذلك نشأ المسلمون الهنود على راية ((لا إله إلا الله، محمد رسول الله)). إذاً.. هكذا فُتِحت هذه البلاد، وتحققت فيها معجزة خالدة لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، بأنّ الدين سيبلغ تلك البقاع، وأن الدين سترفرف راياته بإذن الله تبارك وتعالى في شرق الأرض وغربها، وأنه سيبلغ ما بلغ الليل والنهار.

هـ- مسلمو الهند الصادقون يدخلون فيمن عبر رسولنا عليه الصلاة والسلام عن شوقه إليهم:

من هنا ندرك أن النبي - عليه الصلاة والسلام - لما كان يوماًَ في زيارة للبقيع يسلّم على أهلها ممن كان فيها من أصحابه رضي الله تعالى عنهم، إذ به يقول:"وددت أنّا قد رأينا إخواننا"صحيح مسلم. فقال أحد الصحابة:"أولسنا إخوانك يا رسول الله؟!" فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"بل أنتم أصحابي، وإخواني أولئك الذين لم يلحقوا بعد، وسأكون فَرَطاً[4] لهم على الحوض". من هم يا رسول الله؟ أولئك القوم (إخوان رسول الله صلى الله عليه وسلم) هم نحن، ومن سبقنا، ومن سيأتي بعدنا ممن آمن واتبع سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، آمن به، ولم يرَه، سيكون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شفيعاً لنا - إن شاء الله - على الحوض يوم القيامة، هو يعبّر عن شوقه إلى لمسلمين في الهند، والمسلمين في الباكستان، والمسلمين في بلاد الصين، والمسلمين في بلاد ما وراء النهر، والمسلمين في إفريقيا، والمسلمين في أوربا، والمسلمين في أمريكة، والمسلمين في بقاع الأرض كلها، ممن آمن بسيدنا رسول الله ولم يرَه، اتبع النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - من خلال ما ورد إليه، أو جاءه، أو نُقل عنه - عليه الصلاة والسلام - من دعوة إلى الإسلام، وإلى الرحمة، وإلى الفضيلة، وإلى العدالة، وإلى مكارم الأخلاق التي عبّر عنها سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله:"إنما بُعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق" رواه الإمام مالك في الموطّأ.

^ دعوة للتفاؤل بوجود الصحوة الإسلامية واستمرارها؟

أيها الإخوة: لا ينبغي أن نيئس من انتقال وانتشار الدين في الأرض، إن الله تعالى هيأ وقيض لهذا الدين من ينقله، فقد قال عليه الصلاة والسلام:"يحمل هذا العلم من كل خلفٍ عُدُولَه[5]، ينفي عنهم غُلُوَّ الغالين، وتحريف المبطيلن". وكذلك بشرنا النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن الله تعالى يبعث لهذه الأمة على رأس كل مئة سنة من يجدّد لها دينها، وفي رواية: يجدد لها أمر دينها. هذا الحديث موجود في سنن أبي داود عن سيدنا أبي هريرة رضي الله تعالى عنه. وهو بشارة بأن الصحوة الإسلامية مستمرة، فإذا كانت قادمة اليوم كما قدمت في زمن مضى؛ فهي مستمرة إلى الغد، وإلى المستقبل إن شاء الله تعالى، تنقل إلى العالم في الفضاء الرحب الواسع القرآنَ والسنة، الذين قال فيهما سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم:"تركتُ فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلّوا بعدي؛ كتابَ الله، وسنتي".

^ القرآن والسنة كُلٌّ متكامل لا يمكن فصل أحدهما عن الآخر؟

هذان هما ما ينبغي أن يعتصم بهما المسلمون، فإذا تمسك المسلمون بالقرآن وأحكامه، وبالسنّة وما جاء بها، فإنهم عصموا أنفسهم، وحفظوا إسلامهم. هناك دعوات تظهر بين الحين والآخر بأننا نريد أن نأخذ الدليل من القرآن فقط، بدعوى أن السنة فيها الصحيح، وفيها الحسن، وفيها الضعيف، وفيها المرفوع، وفيها المقطوع، وفيها المتواتر وغير ذلك... هذا الكلام دعوة خطيرة. أولئك فئة سَمَّوا أنفسهم بالقرآنيين، أي لا يأخذون إلا ما جاء في القرآن، والواقع أن السنّة تشرح القرآن، وتفصّل مجمله، تشرح مطلقه، وتبين ما جاء فيه مما يحتاج إلى تفصيل، ولا غنى لنا عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما لا غنى عن كتاب الله تبارك وتعالى.

 

أسأل الله - سبحانه وتعالى - أن يجعلنا وإياكم ممن يتمسك بكتاب الله، وسنة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن يجعلنا ممن صدق في انتمائه، واتباعه لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحمد لله رب العالمين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

 



1. زوى الأرض: جمعها.

2. وهو في الأصل من الطائف أيضاً، ولي العراق، والولايات الشرقية التابعة لها في زمن

    الدولة الأموية.

3. الدِّبل: منطقة في المياه الإقليمية للباكستان.

4.  فرَطاً: شفيعاً.

5. عدُوْلهم:القمة منهم.

 

 

 

 التعليقات: 3

 مرات القراءة: 6021

 تاريخ النشر: 07/03/2009

2009-03-22

عامر أبوغرة

جزاكم الله عنا كل خير..ماهي الاكلمات ندية صادقة ناتجة عن صدق الدعوةوصدق الانتماءلهذا الدين وصدق المشاعر.. المفارقة كيف تشعر بالفخر بقوة الدولة الاسلامية في تلك الفترة الزمنيةوحالنا اليوم والمفارقة الكبرى بين سياسة العدل والمساواة التي يحملها هذا الدين وسياسة الولايات المتحدة الظالمة الحاقدة على الاسلام والعرب كم نحن بحاجة للعودة بهذاالدين قويا لتحرير حقوقنا واراضينا المحتلة ..لكن الاسلام سينتشر في اصقاع الارض كي تتحقق نبوءةالرسول محمدلأن الدين انتشربقوة الدولة الاسلامية والان ينتشر بضعفنا وذلنا..واخيراالشكر لكم ولمقالاتكم الجميلة

 
2009-03-15

بنان

جزاكم الله كل خير شيخنا الفاضل، بهذا الدرس لم تنقل لنا حال المسلمين في الهند وحسب وإنما نقلت روح التفاؤل والأمل بأن الإسلام ما زال بخير وصدق الشيخ الأستاذ علي الطنطاوي -رحمه الله- "إن الأمة الخاملة صف من الأصفار، لكن إن بعث الله لها واحداً مؤمناً صادق الإيمان داعياً إلى الله، صار صف الأصفار مع الواحد مائة مليون، والتاريخ مليء بالشواهد على ما أقول".

 
2009-03-08

علا صبَّاغ

نقرأ عن السابقين للعبرة .. وأقف كثيراً عند أمثال شباب عاشوا وكان لهم أثر في حياتهم.. ولن أقول أين نحن من "محمد بن القاسم الثقفي" ولكن سأقول أين أنا "نفسي"من حياته؟ أعماله عظيمة حقققها في سنوات قليلة.. كان له الهدف، رسمه وآمن بقدرته على تحقيقه فوصل إليه.. وأين نخوة قادة أمثال الحجاج؟

 

ملاحظة:
الآراء المنشورة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو القائمين عليه، ولذا فالمجال متاح لمناقشة الأفكار الواردة فيها في جو من الاحترام والهدوء ونعتذر عن حذف أي تعليق يتضمن:
1- يحتوي على كلمات غير مهذبة، ولو كانت كلمة واحدة.
2- لايناقش فكرة المقال تحديداً.

 

 1580

: - عدد زوار اليوم

7404771

: - عدد الزوار الكلي
[ 56 ] :

- المتصفحون الآن

 


العلامة الشيخ محمد حسن حبنكة الميداني


العربيــة.. وطرائق اكتسـابها..
المؤلف : الدكتور محمد حسان الطيان








 
   

أحسن إظهار 768×1024

 

2006 - 2015 © موقع رسالتي ، جميع الحقوق محفوظة

 

Design & hosting by Magellan