سلسلة ( نقد التفسير العلمي المعاصر للقرآن الكريم )3
بقلم : أحمد محمد الفاضل - مدرس في معهد الفتح الإسلامي
(3)
نقد التفسير العلمي المعاصر
لقوله تعالى :(يا أيها الناس ضُربَ مثلٌ فاستمعوا له إنَّ الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً و لو اجتمعوا له و إنْ يسلبهم الذباب شيئاً لا يستنقذوه منه ضَعُفَ الطالب و المطلوب){الحج/73}.
يدّعي الذين يفسرون هذه الآية تفسيراً علمياً أن الذبابة إذا سلبت الإنسان شيئاً ـ و لو كان حقيراً ـ فإنه لا يستطيع أن يسترد هذا المسلوب منها ،مهما أوتي من علم و قدرة ،لأنَّ ما سلبته يتحول سريعاً إلى سكريات لخاصية معينة في لعاب الذبابة ،فالطالب ـ ويريدون منه الإنسان ! ـ ضعيف لذلك،و المطلوب ـ الذبابة ـ ضعيف أيضاً!!
و الذي حملهم على ها التفسير المصادم للقواعد و الضوابط في أصول التفسير ،تصورهم أن عالم الكيمياء مثلاً ،يمكن أن يحبس الذبابة السالبة ،و أن يسترد منها ما كانت سلبته من ذرة سكر و نحوها ،و بذلك تتخلف الآية حين تقول : (و إن يسلبهم الذباب شيئاً لا يستنقذوه منه) فلا يتحقق ما وراء النفي المذكور!!
و أول من أذاع هذا المعنى للآية ـ فيما أعلم ـ الطبيب مصطفى محمود ،و حمله عنه كثيرون،منهم أساتذة جامعيون،و أخذوا ينشرونه بين طلابهم المساكين الذين شُدِهوا ـ دهشوا ـ لهذا المعنى الجديد الذي تفتقت عنه أفكار هؤلاء الكبار !!
و لو سألت طالباً من هؤلاء عن تفسير هذه الآية ،لما عرف إلا التفسير الذي سمعه،و لَخطَّأ أي معنى يخالفه!!
فحال هذا الطالب حال الشاعر الذي يقول:
أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى فصادف قلباً خالياً فتمكّنا
و دونك أخي الباحث :كلام مصطفى محمود في تفسير الآية : (( و هو مثلٌ ما زال معجزاً للعلم و العلماء بعد ألف سنة من تطور العلم و التكنولوجيا ...
فمن يستطيع أن يخلق ذبابة على هوانها و تفاهتها ؟...بل إنها لو سلبتك ـ الذبابة ـ ذرة من النشا من طعامك ؛فإن عباقرة الكيمياء لو اجتمعوا لا يستطيعون استرداد هذه الذرة من أمعائها؛لأنها تتحول فوراً إلى سكر بفعل الخمائر الهاضمة .
فما أضعف الطالب و المطلوب ! ما أضعف عبقري الكيمياء و ما أهون الذبابة ،و ما أتفه ذرة من النشاء في عالم هائل بلا حدود ...))(1)
تفنيد التفسير السابق للآية :
التفسير المذكور سابقاً تعاديه اللغة و النحو،و تصادمه أصول التفسير و قواعده ،و ذلك من جهتين:
الأولى : من جهة السياق ـ و لا غنى للناظر في كتاب الله عن مراعاة ذلك ـ لأن الآيات في سياق الحديث عن المشركين الذين يعبدون الأصنام و الأوثان من دون اله تعالى ....
فالآية السابقة تقول :( و يعبدون من دون الله ما لم ينزل به سلطاناً و ما ليس لهم به علم و ما للظالمين من نصير و إذ تتلى عليهم آياتنا بينات تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر ..){الحج /71-72}.
فهذه الآية تخبر على سبيل التعجب و الاستنكار عن عبادة عن عبادة المشركين للأصنام من دون الله غير مستندين في عبادتهم هذه إلى حجة أو علم ... فليس في أيديهم دليل عقلي يؤيدهم،و لا دليل عقلي يعضدهم...
و في الآية التي نحن بصددها يضرب الله تعالى الأمثال للناس، و يخاطبهم ـ و خاصة المشركين ـ منبهاً محذراً بأن هذه الأصنام التي يدعون و يعبدون في غاية الحقارة و الضعف ،و قد ذكر دليلين ظاهرين على ذلك :
الأول : عجزها اللائح عن إيجاد أي مخلوق ،و لو كان ضعيفاً و حقيراً كالذبابة و نحوها.
الثاني : ضعفها ـ أي الأصنام ـ عن استرجاع شيء خطفته الذبابة منها .
و بهذين الدليلين يتجلّى ضعف الطالب ـ أي الأصنام ـ و المطلوب ـ أي الذبابة ـ فلأصنام بمنزلة الذباب ،فكيف تعبد دون رب الأرباب؟!...
الثانية : من جهة الضمائر و عودها، لأن الضمير في قوله :( لن يخلقوا) ـ و هو واو الفاعل ـ عائد إلى الأصنام لا إلى الناس كما فهم مصطفى محمود و من سار على دربه .
انظر الآية ( إنّ الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا)
و قوله (و إن يسلبهم الذباب ) الضمير المفعول به ـ في يسلبهم ـ عائد إلى الأصنام أيضاً خلافاً لتوهم مصطفى محمود من عودته للناس !!
و على هذا فالطالب الأصنام و المطلوب الذباب كما مضى ،لا كما قرر من يطلب حقيقة في آية هي غير مطلوبة ....
التعليقات:
0 |
|
|
مرات
القراءة:
3138 |
|
|
تاريخ
النشر: 27/12/2007 |
|
|
|
|
|
|