::: موقع رسالتي - رؤية جديدة في الخطاب الإسلامي :::

>> دراسات وأبحاث

 

 

الفتاوى في ثورة التقانة و الاتصالات

بقلم : أ. أيمن شعباني  

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد و على آله وصحبه أجمعين وبعد :

     فقد شهد العالم تطوراً كبيراً في عالم الإتصالات والمواصلات، وثورةً مذهلةً في المعلومات، حتى أصبح البعيد قريباً، والقريب ميسراً، والمستحيل ممكناً، وكأنّ العالم كلََه قرية صغيرة، فبات كل شيء سهلاً في متناول اليد، ولم يعد يخفى على الناس شيء مما يجري في العالم،وبقدر ما يحمل هذا التطور والتقدم من خير كبير، فإنه ينذر بخطرعظيم ،إن لم نكن على قدر كبير من العلم والمعرفة والوعي .

     إننا نعيش مرحلة من فقدان التوازن ، والاضطراب الفكري والنفسي ، مرحلة صراع مع تحديد الهوية والشخصية ، فالشباب مشتت الفكر والهدف ، والبنات تسوقهن غُرف الأزياء والموضة ، والآباء بينهم وبين أبنائهم  بُعد شاسع ، و وادٍ عميق لا تربية ولا متابعة ولا رعاية، حيث لم يقم الآباء والأمهات بأداء الأمانة على وجهها في تعليم أولادهم أحكام دينهم من حلال وحرام ، وما يجوز وما لا يجوز، حتى الضروريات من الدين لم يتعلموها ؛ لذلك نرى هذا التشتت في الفكر،والبعد عن النهج السليم الذي يحفظ عليهم عقيدتهم ، فلا يخدعون بالفتاوى المضلة التي تسوقهم إلى مالا يحمد عقباه ، فلا يدري شبابنا وبناتنا عن دينهم شيئا إلا ما يسمعونه في شاشات التلفاز، أو ما يقرؤونه على صفحات الأنترنت ، وهذا من الخطورة بمكان ؛ لأنهم لا يستطيعون أن يمييزوا بين الغث والسمين ،و السم من الدسم ، فنرى الضلال و الانحراف عن النهج القويم في سلوكياتهم وأخلاقهم.

    ففي هذه المرحلة الضائعة من حياة الأمة نحن أحوج ما نكون إلى دعاة مخلصين ،و علماء عاملين ، يعيشون آلام وأحزان أمتهم ، يعرفون واقع حياتهم ، واعين لما يُدبر لهم ، وما يُخطط لفساد مجتمعهم ، ويُحاك لتشويش أفكارهم ، وبخاصة في هذه المرحلة التي غُزينا فيها، في عقر ديارنا بالإعلام المضلل.

     وإن مما نعاني منه اليوم - في عصر التكنولوجيا والتقنيات الحديثة- تلك الفضائيات التي نسمع من خلالها بفتاوى جديدة مخالفة باسم العصرنة والواقعية، والتطوير و التغيير، والتأقلم مع الواقع، وتجديد الخطاب الديني ممَن لا علاقة لهم بالفتوى ولا العلم الشرعي ، لماذا يتجرأ هؤلاء وتُتاح لهم الفُرص لعرض أفكارهم وآرائهم ، ولا يترك الأمر لأهلة الثقات العدول.

   يتحدث الناس في هذا العصر عن الاختصاصات في العلوم سواءٌ في ذلك الكونية أو الشرعية، وأصبح التخصص في مجال واحد أكثر فائدة وأعمّ نفعاً ،فمن تحدث في أمر قد اختص فيه ظهرت براعته وقدرته في العرض والتحليل والإقناع ، لماذا لا يلزم كل مكانه ويحترم الآخر ، فلا يخوض إلا في مجاله وعلمه و اختصاصة، فلو تكلم الفيزيائي في الفقه وأصوله، وعالج طبيب الأسنان مرضى القلب ماذا سيحدث؟

    كل المهن لها نقابات تدافع عنها ، وتطالب بحقوقها ،وترعى مصالحها ،و تدير شؤونها ، وكذلك الحرف والصناعات لها اتحادات وغُرف تحميها إلا قضايا الدين والفتوى فبابه مفتوح مباح يتكلم فيه من شاء بما شاء كأن الأمر من البساطة بمكان ، فيتصدر للفتوى الأمي والجاهل والمثقف البسيط ، ومن تعلم بعض المسائل، أو سمع بعض الدروس، كل فئات الناس اليوم يفتون، فتسمع من أحدهم يقول :برأيي أنا كذا، وهو يجلس بين أهل العلم والفضل من ورثة الأنبياء، ومن أنت حتى تدلي في الفتوى برأيك من غير علم ؟، و رضي الله تعالى عن أمير المؤمنين سيدنا علي كرم الله وجهه إذ يقول: " لو كان الدين بالرأي لكان مسح باطن الخف أولى من ظاهره "، مثل هؤلاء الناس من أنصاف المتعلمين يفتون فيَضلون ويُضلون، هل من حلٍ قاطع لهذا العبث بالدين؟، لماذا يجرأ هؤلاء على الفتوى بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير؟،لماذا يتصدى للكلام في أمر الشرع والدين كل الناس على اختلاف اختصاصاتهم وثقافاتهم ؟،لماذا لا يلزم كل حدَّه، ويعرف قدره ، حتى لا يهرف بما لا يعرف ؟،هل هو مقصود أو مدبر بليل؟،أو هي سياسة في تجهيل الناس ؟،أو هي نزع الثقة بين العلماء والعامّة ؟، أو تشويش للعقول؟، وتخريب للدين ،وتضليل وتدجيل ،أو شراء للذمم والضمائر؟،أو إرضاء لجهة ما أو مؤسسة ما ؟،أو ماذا وراء ذلك؟،أسئلة كثيرة تحزّ في النفس لا نجد لها جواباً شافياً .

 انظروا يا إخوتي عمن تأخذون دينكم ،وأحكام شريعتكم ، واحذروا الفتاوى المضلة على شاشات الفضائيات، وعبر صفحات الإنترنت، ولا تخدعنّكم الألفاظ البراقة ،

 والألقاب الفضفاضة ، واستفتوا قلوبكم وإن أفتاكم المفتون، (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا) النساء/ 59، فلا يتجرأ طالب علم في بدايته ، ومن ليس له مُكنة في الأحكام - فضلاً عن الآخرين – على الفتوى، فإنها أمانة أشفق من حملها السماوات والأرض والجبال، اختار الله لها رجالاً مؤمنين صادقين،لا يخافون في الله لومة لائم.

    إننا في المرحلة الصعبة من تاريخ أمتنا حيث تعيش حالة من التشرذم والفرقة والشتات، والتبعية المطلقة للأقوى، والانفصام في الشخصية .

وإن تحديد الهوية بأمس الحاجة إلى علماء لا موظفين، ودعاة لا مهنيين، وخطباء مصلحين ، وفقهاء مجددين، لا مستأجرين ولا لاهثين، يعرفون واقع حياتهم ، ويعملون لصالح أمتهم ، مع الحفاظ على ثوابتهم وأصولهم.

ونسأل الله تعالى أن يجمع شمل الأمة، ويعز شأنها ،ويرفع رايتها آمين آمين والحمدلله ورب العالمين.

*باحث في التراث الإسلامي.

القارىء الغيور :لمست وأنت تقرأ هذه المقالة النابعة من الغيرة على الدين وأصول الشريعة ، ومن الخشية من التلاعب بها وبأحكامها،أن المسألة جد خطيرة ،وحري بأبناء هذا الدين العظيم وأتباعه وأنصاره أن يكونوا حماة له من التحريف والتبديل ،الذي يمارس  تحت عناوين وشعارات براقة.  

 التعليقات: 0

 مرات القراءة: 2793

 تاريخ النشر: 25/02/2008

ملاحظة:
الآراء المنشورة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو القائمين عليه، ولذا فالمجال متاح لمناقشة الأفكار الواردة فيها في جو من الاحترام والهدوء ونعتذر عن حذف أي تعليق يتضمن:
1- يحتوي على كلمات غير مهذبة، ولو كانت كلمة واحدة.
2- لايناقش فكرة المقال تحديداً.

 

 719

: - عدد زوار اليوم

7447215

: - عدد الزوار الكلي
[ 60 ] :

- المتصفحون الآن

 


العلامة الشيخ محمد حسن حبنكة الميداني


العربيــة.. وطرائق اكتسـابها..
المؤلف : الدكتور محمد حسان الطيان








 
   

أحسن إظهار 768×1024

 

2006 - 2015 © موقع رسالتي ، جميع الحقوق محفوظة

 

Design & hosting by Magellan