::: موقع رسالتي - رؤية جديدة في الخطاب الإسلامي :::

>> خطب الجمعة

 

 

وداعاً رمضان ...

بقلم : الشيخ محمد خير الطرشان  

الحمد لله ثم الحمد لله ، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ،  وما توفيقي إلا بالله ، وما توكلي واعتتمادي إلا على الله .

من يهده الله فهو المهتد ، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً .

و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير ، و أشهد أن سيدنا وحبيبنا محمداً عبده ورسوله وصفيه و خليله ، اللهم صل وسلم وبارك على هذا النبي الكريم ، وعلى آله وصحبه الغر الميامين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .

وبعد أيها الإخوة المؤمنون : أوصي نفسي و إياكم بتقوى الله تعالى ، و أحثكم على طاعته والتمسك بكتابه ، و أستفتح بالذي هو خير .

 هاهي ذي أيام العشر الأواخر من رمضان قد أهلت و أقبلت ، وجاءت بنفحاتها العطرة ، وبركاتها العظيمة ، و تهيأت الجنة للراغبين فيها ، و استعدت الملائكة لليلة القدر التي هي خير من ألف شهر . وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في هذه الأيام بالعبادة مالا يجتهد في غيرها من الأيام و الليالي ، روى الإمام مسلم عن عائشة – رضي الله عنها- قالت: "كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم- يجتهد في العشر الأواخر، ما لا يجتهد في غيره".

وفي الصحيحين عنها قالت: "كان النبي – صلى الله عليه وسلم- يخلط العشرين بصلاة ونوم، فإذا كان العشر شمَّر وشدّ المئزر".

فقد دلت هذه الأحاديث على فضيلة العشر الأواخر من رمضان، وشدة حرص النبي – صلى الله عليه وسلم- على اغتنامها والاجتهاد فيها بأنواع القربات والطاعات، فينبغي لك أيها المسلم أن تفرغ نفسك في هذه الأيام، وتخفّف من الاشتغال بالدنيا، وتجتهد فيها بأنواع العبادة من صلاة وقراءة، وذكر وصدقة، وصلة للرحم وإحسان إلى الناس. فإنها –والله- أيام معدودة، ما أسرع أن تنقضي، وتُطوى صحائفها.

ولنا في رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أسوة حسنة فقد كان إذا دخل العشر شدَّ مئزره، وأحيا ليله وأيقظ أهله.

 

وكان السلف الصالح يجتهدون في إتمام العمل وإكماله وإتقانه، ثم يهتمون بعد ذلك بقبوله، ويخافون من رده، وهؤلاء الذين  يُؤتُونَ مَاآتَوا وَقُلُوبُهُم وَجِلَةٌ  [المؤمنون:60]. رُوي عن علي رضي اللّه عنه، قال: كونوا لقبول العمل أشد اهتماماً منكم بالعمل، ألم تسمعوا الله عز وجل يقول:  إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ  [المائدة:27].

وعن الحسن قال: ( إن الله جعل شهر رمضان مضماراً لخلقه، يستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته، فسبق قوم ففازوا، وتخلف آخرون فخابوا ). فالعجب من اللاعب الضاحك في اليوم الذي يفوز فيه المحسنون ويخسر فيه المبطلون.

 

قال سفيان الثوري: أحب إليّ إذا دخل العشر الأواخر أن يتهجد بالليل، ويجتهد فيه، ويُنهض أهله وولده إلى الصلاة إن أطاقوا ذلك.

 

ومن خصائص هذه العشر: ما ذكرته السيدة عائشة رضي الله عنها من أن النبي – صلى الله عليه وسلم- كان يحيي ليله، ويشدّ مئزره، أي يعتزل نساءه ليتفرغ للصلاة والعبادة. وكان النبي – صلى الله عليه وسلم- يحيي هذه العشر اغتناماً لفضلها وطلباً لليلة القدر التي هي خير من ألف شهر..

ومن خصائص هذه العشر أن فيها ليلة القدر، التي قال الله عنها: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ  [القدر:1-3].). وقال فيها: (إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين، فيها يفرق كل أمر حكيم) أي يفصل من اللوح المحفوظ إلى الملائكة الكاتبين كل ما هو كائن في تلك السنة من الأرزاق والآجال والخير والشر، وغير ذلك من أوامر الله المحكمة العادلة.

يقول النبي – صلى الله عليه وسلم فيما يروى عن أبي هريرة  رضي الله عنه - "وفيه ليلة خير من ألف شهر من حُرمها فقد حُرم الخير كله، ولا يُحرم خيرها إلا محروم" حديث صحيح رواه النسائي وابن ماجه.

وقد حسب بعض العلماء "ألف شهر" فوجدوها ثلاثاً وثمانين سنة وأربعة أشهر .

قال الإمام مالك رحمه الله تعالى : بلغني أن رسول الله صلى اللّه عليه وسلم أُرِي أعمار الناس قبله، أو ما شاء الله من ذلك، فكأنه تقاصر أعمار أمته ألا يبلغوا من العمل الذي بلغ غيرهم في طول العُمر، فأعطاه الله ليلة القدر خيراً من ألف شهر.

وأما العمل في ليلة القدر فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: { من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه } وقيامها إنما هو إحياؤها بالتهجد فيها والصلاة، وقد أمر عائشة بالدعاء فيها أيضاً.

قال سيد التابعين سفيان الثوري رحمه الله تعالى : الدعاء في تلك الليلة أحب إليَّ من الصلاة. ومراده أن كثرة الدعاء أفضل من الصلاة التي لا يكثر فيها الدعاء، وإن قرأ ودعا كان حسناً. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتهجد في ليالي رمضان، ويقرأ قراءة مرتلة، لا يمر بآية فيها رحمة إلا سأل، ولا بآية فيها عذاب إلا تعوذ، فيجمع بين الصلاة والقراءة والدعاء والتفكير. وهذا أفضل الأعمال وأكملها في ليالي العشر وغيرها.

وقالت عائشة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم : أرأيت إن وافقت ليلة القدر، ما أقول فيها؟ قال: { قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فأعفُ عني } والعفو من أسماء الله تعالى، وهو المتجاوز عن سيئات عباده، الماحي لآثارها عنهم، وهو يُحبُ العفو ؛ فيحب أن يعفو عن عباده، ويحب من عباده أن يعفو بعضهم عن بعض ؛ فإذا عفا بعضهم عن بعض عاملهم بعفوه، وعفوه أحب إليه من عقوبته. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: { أعوذ برضاك من سخطك، وعفوك من عقوبتك } [رواه مسلم].

وإنما أمر بسؤال العفو في ليلة القدر بعد الاجتهاد في الأعمال فيها وفي ليالي العشر؛ لأن العارفين يجتهدون في الأعمال، ثم لا يرون لأنفسهم عملاً صالحاً ولا حالاً ولا مقالاً، فيرجعون إلى سؤال العفو الُمذنب المقصر.

فأروا الله من أنفسكم خيراً واجتهدوا في هذه الليالي المباركات، وتعرّضوا فيها للرحمات والنفحات، فإن المحروم من حُرم خير رمضان، وإن الشقي من فاته فيه المغفرة والرضوان، يقول النبي – صلى الله عليه وسلم- "رغم أنف من أدرك رمضان ثم خرج ولم يُغفر له" رواه ابن حبان والحاكم .

إن الجنة حُفّت بالمكاره، وأنها غالية نفيسة، لا تُنال بالنوم والكسل، والإخلاد إلى الأرض، واتباع هوى النفس.

يقول النبي – صلى الله عليه وسلم- "من خاف أدلج - يعني من أول الليل- ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة". وقد مثل

ومن خصائص هذه العشر المباركة استحباب الاعتكاف فيها، والاعتكاف هو: لزوم المسجد للتفرغ لطاعة الله عز وجل – وهو من السنة الثابتة بكتاب الله وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم- قال الله تعالى: (ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد) وكان النبي – صلى الله عليه وسلم- يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله عز وجل، واعتكف أزواجه وأصحابه معه وبعده.

وفي صحيح البخاري عن عائشة – رضي الله عنها- قالت: كان النبي – صلى الله عليه وسلم- يعتكف في كل رمضان عشرة أيام، فلما كان العام الذي قُبض فيه اعتكف عشرين يوماً.

والمقصود بالاعتكاف: انقطاع الإنسان عن الناس ليتفرغ لطاعة الله، ويجتهد في تحصيل الثواب والأجر وإدراك ليلة القدر، ولذلك ينبغي للمعتكف أن يشتغل بالذكر والعبادة، ويتجنب ما لا يعنيه .

وداعاً رمضان

عباد الله، إن شهر رمضان قد عزم على الرحيل، ولم يبق منه إلا القليل، فمن منكم أحسن فيه فعليه التمام، ومن كان فرط فليختمه بالحسنى، فالعمل بالختام، فاستمتعوا منه فيما بقى من الليالي اليسيرة والأيام، واستودعوه عملاً صالحاً يشهد لكم به عند الملك العلام، وودِّعُوه عند فراقه بأزكى تحية وسلام. إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ، والحمد لله رب العالمين .

أقول قولي هذا و أستغفر الله العظيم

 

 

 

 

 التعليقات: 1

 مرات القراءة: 4758

 تاريخ النشر: 11/09/2009

2009-09-13

علا صبَّاغ

السلام عليكم سبحان الله لا أحب قول كلمة وداعاً رمضان فهي تـُشعرني أني لن ألقى رمضان مرة أخرى! بل لم لا نقول إلى لقاء قريب مليئ بالاشتياق يا رمضان.. صحيح أنه وما تدري ماذا تكسب نفس غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت - ولكن أحب أن أترك التفاؤل موجود بأني سألقى رمضان القادم.. تخيلوا معي أنني مثلاً متأكدة تماماً أنه آخر رمضان! وكل إنسان سيأتي عليه رمضان أخير ولكن الاحساس أن رمضان ونفحاته ستذهب! نبق ننتظر طول السنة هذا الشهر - اللهم بلّغنا رمضان - ويأتي رمضان.. والفكرة هي ماذا فعلت في هذا الرمضان شيء مميز عن رمضان السابق- وهل أنت راضٍ؟ الرضا يا جماعة أهم شيء - صحيح أن الأعمال بالاتقان وبخواتيمها ولكن كن أنت نفسك أولا راض عن عملك قبل أن يرضى عنه الغير - فما بالك بمقارنة عملك برمضان - ولله المثل الأعلى - ولنذكر الحديثوكل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به. فهل أنت راض عن رمضان هذا؟ وليس وداعاً ولكن إلى لقاء بإذن الله يا رمضان.

 

ملاحظة:
الآراء المنشورة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو القائمين عليه، ولذا فالمجال متاح لمناقشة الأفكار الواردة فيها في جو من الاحترام والهدوء ونعتذر عن حذف أي تعليق يتضمن:
1- يحتوي على كلمات غير مهذبة، ولو كانت كلمة واحدة.
2- لايناقش فكرة المقال تحديداً.

 

 1007

: - عدد زوار اليوم

7447791

: - عدد الزوار الكلي
[ 36 ] :

- المتصفحون الآن

 


العلامة الشيخ محمد حسن حبنكة الميداني


العربيــة.. وطرائق اكتسـابها..
المؤلف : الدكتور محمد حسان الطيان








 
   

أحسن إظهار 768×1024

 

2006 - 2015 © موقع رسالتي ، جميع الحقوق محفوظة

 

Design & hosting by Magellan