::: موقع رسالتي - رؤية جديدة في الخطاب الإسلامي :::

>> مقالات متنوعة

 

 

شهادة عربي مسيحي..

بقلم : المهندس باسل قس نصر الله  

    

المهندس باسل قس نصر الله

مستشار المفتي العام للجمهورية العربية السورية

 

 بعد أحداث 11 أيلول 2001، عادت إلى الظهور في العالم كله، فكرة قديمة كانت جهات كثيرة تحاول أن تبرزها، ألا وهي ربط الإسلام بالإرهاب، ومحاولة إبراز اضطهاد الإسلام للأقليات التي تعيش في المجتمعات التي يسيطر عليها الإسلام، وقد ساعد ذلك مجمل الأعمال من تفجيرات مصر إلى لندن أخيراً، التي تقوم بها جهات، لم يثبت في يوم من الأيام أنهم يمثلون الإسلام، سوى إدعائهم هم فقط بذلك، والإسلام وكل الأديان منهم براء. وأنا كمسيحي شرقي أعيش في مجتمع غالبيته مسلمة، رأيت من الواجب أن أقول شهادتي إضافة إلى ما أعلمه عن حقيقة الإسلام، خاصة وأنني - أنا المسيحي – أقوم بحضور دروس إسلامية في المساجد الإسلامية، لأنني مقتنع تماماً أن هناك طريقة واحدة لفهم الإسلام بشكل صحيح وهي أن تعرفه كما يعرفه المسلمون .

     أولاً أريد أن أوضح أن الإعلام الغربي لا ينسب لا إلى العرب ولا إلى المسلمين  أي شيء من العدم ، إنما يتصيد دائماً أخطاء موجودة بالفعل، ثم يضخمها ويعممها ويؤكد أن هؤلاء هم العرب والإسلام أو العقل العربي والإسلامي ، بدءاً من الاتهام  بالتفكير الأسطوري حتى السلوك الإرهابي. وثانياً يجب أن نعود إلى أسباب ما حدث - إن في نيويورك أو لندن أو شرم الشيخ، أو في مواقع عديدة في العالم خلال السنوات حتى الأيام الماضية - فإن أكثر مظاهر الإرهاب في العالم هي مفرزات لمشاكل رئيسية، فإذا ما تم حل هذه المشاكل الرئيسية أتوقع أن يزول الإرهاب لزوال مبرراته، أما ثالثاً فعلينا قبل كل شيء أن نكافح الخطأ الذي يقول أن هناك مسيحية منفتحة فقط وإسلاماً أصولياً فقط، ففي الجماعتين الدينيتين الكبيرتين كلتيهما انجر الناس في حقبات التاريخ إلى الأصولية وفقدان السماحة، وفي كلتيهما وجد ويوجد أشخاص يمثلون الشر ويمارسون العنف ويجيزون الإرهاب.


     من معتقدات الإسلام التي يركز عليها الإعلام العالمي هو الجهاد، وقد يكون في بعض رأي المتشددين الإسلاميين أن الجهاد هو شيء مفروض على المسلم وهو ما يركز عليه الإعلام بمحاولته ترجمة، أن الجهاد هو نوع من الإرهاب، علماً بأن للجهاد أصول مرعية مطولة لكي يصبح جهاداً وإلا فهو اعتداء واضح على البشر، والقرآن الكريم يقول: ((ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين)) علماً بأن الجهاد مهما حمل من شحنة روحية ترافقه إنما هو مقاتلة أولاً وأخيراً، والإسلام لم يوجب القتال إلا حيث أوجبته جميع الشرائع، كما أن الجهاد في مفهومه المتشدد حاجز حقيقي بين المسلم وغير المسلم، إلا أنه بشكل عام عمل من أعمال الدفاع عن أرض الإسلام، ولا أعتقد أن أي كائن يستطيع أن يحدد أرض الإسلام، فهي أرض ليس لها ثبات جغرافي واضح، إلا إذا كان هناك من يركز على إنشاء دولة إسلامية بحيث يكون الإسلام بديلاً عن القومية، عندها يصبح هناك بعداً جغرافياً ويصبح الدفاع عن حدود هذه الدولة مرحلة من الجهاد. وإنني لن أخوض في عدم إمكانية أو إمكانية وجود هكذا كيان لتداخل الكثير من المعطيات والتفاصيل مع بعضها البعض، وأعتقد اليوم أن غالبية المسلمين يقبلون معي بأن الجهاد الأكبر اليوم هو في إبقاء العالم الثالث (الذي تنتمي إليه غالبية الشعوب الإسلامية) على كرامته وصيرورته ومشاركته المقبولة مع العالم الأول، وهو لن يحدث ما لم تصل الشعوب الإسلامية إلى درجة واحدة من الازدهار الاقتصادي والإبداع الثقافي مع هذا العالم الأول .


     المعتقد الآخر الذي يركز عليه الإعلام هو التكفير، والذي أصبح العالم يعتقد ( نتيجة الإعلام المغلوط) أن التكفير سمة من سمات الإسلام، إضافة إلى ذلك، أنه نتيجة للأمية الدينية لا يعرف الأميون أن المسلم الحق عليه ألا يسارع بالحكم على أحد بالكفر، لأن الإيمان والكفر محلهما القلب ولا يطلع على ما في القلوب غير الله سبحانه وتعالى، وليست كل الأعراض - أو القرائن - الظاهرة مما يكفي كأدلة يقينية على ما في القلب، أقصى ما تصل إليه هو الظن، والقرآن نهى المسلمين عن اتباع الظن ونبه إلى أن بعض الظن إثم، وتطبيقاً لذلك نهر الرسول صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد عندما قتل شخصاً نطق بشهادة الإسلام في المعركة وعندما أنبه الرسول صلى الله عليه وسلم قال له إن الشخص قالها خوفاً من الموت فأجابه الرسول صلى الله عليه وسلم : "هلا شققت عن قلبه" . إضافة إلى أن التاريخ يخبرنا أن بيزنطية والتي هي جماعة من المسيحيين الأرثوذكس يدير الإمبراطور البيزنطي شؤونهم الزمنية، كان هؤلاء المسيحيون يصلون من أجله حتى عندما كانوا في المملكة العربية الإسلامية عدو الدولة البيزنطية. ولا أظن أن اليوم نسمع عن مثل هذا التعامل، إلا في فسحات قليلة لا ولن تشكل ربيعاً للحوار. واليوم يجب الانتباه إلى أن خلاف العالم ليس مع الإسلام وإنما الخلاف مع الأميين من الإسلاميين الأصوليين الذين يقفون عند الماضي، متنبهين بأن فكر الإسلاميين لا يمثل فكر جميع المسلمين .


     إن الإرهاب والذي هو نوع من أنواع الاعتداء والعنف تجاه الآخر مهما تنوع مفهوم هذا الآخر، يتعارض مع نص قرآني واضح سبق وان أوردته وهو ((ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين)) وإذا انتبهنا إلى حقيقة مهمة وهي أن كل إرهاب لا يمكن أن يعيش وحده. وهو لابد أن يستند إلى مجموعة أفكار تجعل من يحمل السلاح يتصور بالوهم، أو يحاول أن يصور للآخرين بالمكابرة، أنه بطل أو صاحب قضية، ثم ربطنا هذا الطرح بوجود أشخاص (ولا أقول متشددين دينياً) ولأسباب لا علاقة لها بالدين يحاولون الوصول إلى غايات معينة بواسطة الإرهاب محاولين إصباغ عملهم بصبغة دينية أو قومية بهدف أن تؤجج عواطف الجمهور العريض، وهذا العمل الإرهابي يحتاج إلى أعوان له يسبقون عمليات الإرهاب، ويمهدون الجو النفسي لتبريرها (كاتب في صحيفة، مؤلف كتاب، مدرس، خطيب في مسجد) أي واحد لديه الفرصة للتأثير في الآخرين وفي أفكارهم، وكون الدين في بعض المجتمعات له تأثير كبير على جمهور عريض، فهم يحاولون أن يفرضوا وجودهم في المساجد، ويخلط الكثير من الناس، نتيجة ذلك، بين الدين والإرهاب، ( كل الديانات دون استثناء ).

     هل صحيح أن الصراع اليوم بين أديان أو بين حضارات؟ سنكون بعيدين عن الحقيقة إذا شككنا لحظة واحدة بأن الصراع اليوم ليس بين الإسلام والمسيحية بقدر ما هو بين الأقوياء والمستضعفين في الأرض، بين الأغنياء والفقراء، وبمقدار ما يتأخر حل المشاكل الكبرى الناجمة عن اختلال التوازن بين  الشعوب الفقيرة والشعوب الغنية حلاً مقبولاً، سنظل نشهد استمرار أشكال العنف والإرهاب التي تصدر عن بيئة الفقراء. ويجب ألا ننسى أن نسأل أنفسنا عن الدافع وراء فرد أو مجموعة مستخدمة العنف لتنهي حياتها عن طريق تفجير ذاتها .


     يقول قداسة البابا الراحل يوحنا بولس الثاني بتاريخ 14 أيار 2000: "بعد أن تفجرت كل أعمال العنف والظلم، يحتاج العالم إلى شباب قادرين على مد جسور الوحدة والمصالحة" وهذه الدعوة نسمعها من دعاة إسلاميين آخرين عن ضرورة وجود أشخاص تمد جسور المحبة. لأن الدينين الإسلامي والمسيحي ينبعان من معين واحد مصدره الوحي الإلهي، ويهدفان إلى تحقيق غاية واحدة هي تكريم هذا الإنسان المستخلف في الأرض ليعمرها، ولتمكينه من أداء رسالته في أمان وحرية. ونظراً إلى وعي المسيحيين والمسلمين مسؤولياتهم المشتركة في إقامة نظام اجتماعي عادل، فيقع على عاتقهم واجب التضامن بعضهم مع بعض وجمع قواهم لإيجاد موافقة لمشاكل عالمنا المشترك، ولا بد لكل المسلمين أن يعوا أنهم ليسوا في تواجه مع كل المسيحيين، لكن هناك للأسف بعض المسلمين يعتقدون أن كل المسيحيين هم في صراع معهم كما أنه وبنفس الأسف هناك بعض المسيحيين الذين يعتقدون أن كل المسلمين هم في صراع معهم .

اللهم اشهد أني بلغت .

 

 التعليقات: 0

 مرات القراءة: 4106

 تاريخ النشر: 16/02/2010

ملاحظة:
الآراء المنشورة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو القائمين عليه، ولذا فالمجال متاح لمناقشة الأفكار الواردة فيها في جو من الاحترام والهدوء ونعتذر عن حذف أي تعليق يتضمن:
1- يحتوي على كلمات غير مهذبة، ولو كانت كلمة واحدة.
2- لايناقش فكرة المقال تحديداً.

 

 907

: - عدد زوار اليوم

7451211

: - عدد الزوار الكلي
[ 42 ] :

- المتصفحون الآن

 


العلامة الشيخ محمد حسن حبنكة الميداني


العربيــة.. وطرائق اكتسـابها..
المؤلف : الدكتور محمد حسان الطيان








 
   

أحسن إظهار 768×1024

 

2006 - 2015 © موقع رسالتي ، جميع الحقوق محفوظة

 

Design & hosting by Magellan