::: موقع رسالتي - رؤية جديدة في الخطاب الإسلامي :::

>> محاضرات وندوات

 

 

التدخيـن ومَضـارُّه

بقلم : الشيخ محمد خير الطرشان  

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم افتح علينا فتوح العارفين، ووفقنا توفيق الصالحين، واشرح صدورنا، ويسّر أمورنا، ونوّر قلوبنا بنور العلم والفهم والمعرفة واليقين، واجعل ما نقوله حجة لنا، ولا تجعله حجة علينا برحمتك يا أرحم الراحمين.

       حديثنا عن قضية خطيرة في حياة الناس بشكل عام، ألا وهي التدخين؛ الآفة الضارة الخطيرة، والمشروب الخبيث الذي ابتُلي به كثير من الناس في هذا العصر، وابتلي به العرب والمسلمون بشكل خاص، وأصبح داءً يتناقله الناس بعضهم عن بعض.

التدخين كالوباء المُعدي تماماً، ينتقل من شخص إلى آخر، وسرعان ما ينتشر انتشار النار في الهشيم؛ فالصغير يقلد الكبير، والابن يقلد الأب، والفقير يقلد الغني، وكما قالوا: أوله دلع وآخره ولع، فيصبح الإنسان عبداً لهذه الآفة، أسيراً لهذه العادة، لا يكاد يملك أن يفارقها أو ينفك عنها أبداً.

^ بداية ظاهرة التدخين واجتهاد الفقهاء في حكمها الشرعي آنذاك:

بدأت ظاهرة التدخين منذ أكثر من أربعة قرون، فعلى رأس ألف عام من الهجرة ظهرت هذه الظاهرة الخبيثة، وكان لها أحكام متباينة بين أهل العلم؛ فمنهم من قال بحرمتها، ومنهم من قال بكراهتها كراهة تحريم، وقلة قليلة قالوا هي ابتلاء، وحكموا عليها بالإباحة معتمدين على القاعدة الشرعية: الأصل في الأشياء الإباحة. لكن بالنسبة للذين قالوا بالإباحة لم يكن قد ظهر بعد أي دراسة علمية طبية على أضرار التدخين.

^ التدخين يحرم بمجرد وجود ضرر له على الصحة ولو لم يوجد دليل شرعي:

المعروف أن المسائل المستجدة والطارئة إذا كان لها علاقة بصحة الإنسان فلا بدّ أن حكم الفقيه فيها يعتمد على رأي الطبيب، فإذا قال الطبيب إن هذا الأمر ضار وليس فيه نفع فليس للفقيه أن يفتي عكس ما قال الطبيب، بل عليه أن يفتي بناء على قول الطبيب إن هذه المادة سامة وضارة، وثبتت أضرارها الصحية على الدماغ، والقلب، والأوعية الدموية، والجهاز التنفسي، والجهاز العصبي، وسائر أعضاء الإنسان.

 عليه أن يفتي بأن هذا الفعل حرام، وأضعف الإيمان أنه مكروه تحريماً يؤدي إلى الحرام، وهو ما جزم به كثير من العلماء، وخاصة علماء الأزهر؛ فقد أصدروا فتوى حديثة رأيتها في جامعة الأزهر بأم عيني : "التدخين حرام شرعاً". فحيث ما حللت في الدوائر الحكومية المصرية تجد هذه الفتوى الصادرة عن مشيخة الأزهر. فلا مجال للنقاش في هذه المسألة أبداً.

 

نص الفتوى الصادرة عن علماء الأزهر بحرمة التدخين

 

^ التدخين وأضراره على الضروريات الخمس:

إذا أردنا أن نتبين خطورة التدخين - ولا نريد أن نكون قساة على المدخنين - فسنأتي بالتدريج لنبيّن لهم خطر هذه الآفة، وحرمتها، وقسوتها على النفس والمال والعيال، وعلى كلّ ما سمّاه الفقهاء بالضروريات الخمس: "النفس، والعقل، والدين، والمال، والنسل" فقد ثبت بالدراسات العلمية والإحصائية أن التدخينَ ضررٌ لا شك فيه أبداً على الضروريات الخمس، والتي لا تقوم حياة الإنسان إلا بالحفاظ عليها.

أ- ضرره على النفس:

التدخين ضرر على النفس والحياة والصحة بشكل عام، فهو ضرر على نفس الإنسان وصحته، وقد أجمع على ذلك أطباء العالم بأسره، والهيئات العلمية في العالم أجمع، ولذلك فرضت وزارات الصحة في العالم على شركات تصنيع التبغ والدخان أن تضع العبارة التالية: "الدخان ضار بصحتك" أو "احذر الدخان فإنه ضار بالصحة".

1- الأضرار التي يسببها التدخين لصحة الإنسان:

الدخان يضر بجميع أجهزة الجسم بشكل عام، ابتداء من الدماغ؛ لأن سموم التدخين التي تنحل في الدم إذا وصلت إلى الدماغ فإنه يتلقّفها بسهولة، وحينما يأتي هذا السم المنحل بالدم يشعر الإنسان بشيء من الخدر في جسمه وعقله، ويشعر تارة بشيء من الفتور، وتارة بشيء من النشاط، فالدخان مهدئ تارة، ومنشط تارة، وهذه هي علامة الإدمان عليه، فإذا سألت إنساناً لماذا يدمن على الدخان ربما لا يدرك السر، السر في ذلك أن الدخان فيه جزء مهدئ وهو نتيجة المسكرات والمفترات، وجزء آخر منشط نتيجة الكحول التي توضع فيه، والمواد الكيماوية والمواد السامة التي تتفاعل مع بعضها، فتؤدي إلى نشاط تارة وإلى هدوء تارة أخرى.

 

الدخان يضر بجهاز التنفس، وهو أشد الأجهزة تأثراً بالدخان، وأكثر الأجهزة التي تتأثر بشكل مباشر. ويُضعِفُ الدخانُ نتيجة مروره عن طريق جهاز التنفس الوظائفَ التنفسية للإنسان بشكل كامل، فيؤدي إلى التهاب الأنف، والبلعوم، والحنجرة، والقصبات الرئوية، ويسبب سرطان الرئة، وسرطان البلعوم، وسرطان المري، وقد أثبتت بعض الإحصائيات أن نسبة سرطان الرئة عند المدخنين تعد 8% من بين المصابين بهذا النوع من السرطان .

 

كذلك يتأثر القلب وأوعيته تأثراً كبيراً وواضحاً؛ فالدخان يسبب تصلباً في شرايين القلب، وإن معظم الإصابات القلبية تعود إلى التدخين، وهي إصابات قاتلة، وقد أكد كثير من أطباء جراحة القلب أن أكثر المداخلات الجراحية التي يجرونها على القلب بسبب آفات تعود بالدرجة الأولى إلى التدخين. وأثبتت الإحصائيات أن 80% من مرضى القلب من المدخنين، وهم يعانون معاناة كبيرة، وأكثرهم يحتاج إلى عمليات جراحية وتبديل للشرايين وسموم الدخان التي تسبب تضييقاً دائماً للشرايين، فتتحول إلى انسداد فيما بعد، وتسبب ذبحة صدرية، وتكون منها الجلطة التي تتكرر مرة بعد مرة، وربما أدى إلى انسداد في شرايين المخ، أو إلى سكتات دماغية أو دماغية.

 

لذلك نقول: إن الضررَ على النفس والصحة والحياة من هذه المصيبة وهذا البلاء الخبيث ضررٌ مؤكد، لا يجوز لمؤمن أن يدخن، ولا يجوز لإنسان صحيح أن يسبب لنفسه أضراراً برغبته وبحريته، ولا يجوز لعاقل أن يُدْخِلَ هذا السم إلى جسده مختاراً وهو قادر على أن يمتنع عنها.

2- التدخين قتل للنفس وانتحار بطيء:

لكن الناس لا يقرّون بذلك أبداً، ولا يتراجعون عن هذه الآفة، ولا يجدون ما يسوّغ لهم إصرارهم على الاستمرار بها إلا ضعف إرادتهم، وسيطرة الهوى على أنفسهم،

التدخين ضرر على حياة الإنسان وعلى صحته بشكل عام، صحيح أنه ليس ضرراً مباشراً فورياً، لكن خير ما وصف به الدخان بأنه نوع من الانتحار البطيء، لذلك سميت شركات الدخان بأنها "شركات القتل"، أو "شركات الاتجار بالموت"، هي تتاجر بالأموات وتتاجر بأموالهم، فالمبتلى بالدخان سيدفع ثمناً ليقتل نفسه بشكل بطيء.

الدخان بشكل عام فيه سمّ قاتل، لكن هذا القتل يأتي على مراحل وخطوات متعددة، قد يأتي ضرره بعد سنة، أو بعد سنتين، أو ربما بعد عشر سنوات، أو عشرين سنة، لكن المدخن يعاني خلال هذه السنوات من الأمراض، وتظهر عليه آثار هذه الأمراض بشكل واضح، والسبب في ذلك أن الدخان يحتوي على مواد: مثل الزفت، والقطران، والنيكوتين، والمواد الكيماوية، والمواد السامة، وكلها تؤثر في جسم الإنسان على المدى الطويل.

 

فالإنسان الذي يتناول هذا الشيء يتناول سماً بطيئاً وينتحر بشكل بطيء، فهل يجوز للإنسان أن يقتل نفسه؟؟ يقول الله سبحانه وتعالى:[]...وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا[] سورة النساء (29).

لو سألت أي مدخن: هل تقرّ بأن الدخان فيه ضرر؟ فسيقول لك بنسبة 99%: نعم. أعترف أن الدخان فيه ضرر. فهو يعاني منه، سعال دائم، ومشكلات صدرية دائمة، وضيق في التنفس، وتأذّي الآخرين منه، هو يدرك ذلك كله ، فهل يقتنع المدخن بأنه يقتل نفسه بشكل بطيء؟ وهل يجوز أن يقتل الإنسان المؤمن نفسه ، والله تعالى يقول ولا تقتلوا أنفسكم؟؟؟

3- كل ما فيه هلاك للنفس حرام بنص القرآن والسنة:

قرر الأطباء والعلماء أنه لا يجوز للإنسان أن يتناول شيئاً يضره في الحال أو في المآل، حتى ولو كان الطين، هناك بحث في كتب الفقهاء ذُكر فيه حرمة تناول أو أكل الطين إذا أدى إلى ضرر لآكله، والدليل على ذلك قول الله سبحانه وتعالى:[]...وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ...[] سورة البقرة (195). فكل ما فيه هلاك ويُؤدي إلى هلاك فإن تناوله حرام بنص القرآن الكريم، وكذلك يقول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح وهو من جوامع الكلم: "لا ضرر ولا ضرار". سنن ابن ماجة. أي لا تضر نفسك ولا تضارّ غيرك، فهل يجوز للإنسان أن يضر غيره؟! كذلك لا يجوز أن يضر نفسه، بل من باب أولى أنه لا يجوز له أن يسبب الضرر لنفسه.

 

4- نفس الإنسان ليست ملكه ولا حق له بإضرارها:

فلسفة الإسلام في هذا الموضوع واضحة وضوح الشمس، الإنسان لا يملك نفسه، ولو كان يملك نفسه لفعل بها ما شاء، لكن بما أنه ليس ملك نفسه فإنه لا يجوز له أن يؤذي نفسه بحال من الأحوال، ولا يجوز أن يضرّها بشيء أبداً؛ لأن الإنسان لم يَخلُق نفسه بنفسه، بل الله سبحانه وتعالى هو الذي خلقه في أحسن صورة وأحسن تقويم، قال تعالى: :[]يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ (8)[] سورة الانفطار. فالذي خلق الإنسان هو الله سبحانه وتعالى، ولم يأذن للإنسان أن يضر نفسه أو أن يسيء إليها، فكيف يضر الإنسان نفسه باختياره؟! وهل يفعل هذا الأمر مَن به ذرة من عقل أو تفكير دقيق؟؟؟ لا شك أن الإنسان لو فكر جيداً وبعقل حاضر فإنه لن يسعى إلى إضرار نفسه أبدا.

ب- ضرره على العقل:

الله سبحانه وتعالى وهبنا العقول لنفكر بها، فكيف يفكر الإنسان أن يضر نفسه مختاراً ولم يكرهه أحد على الدخان؟! هل سمعنا أن أحداً أُكره على الدخان؟ أبداً! الدخان يأتي عادة إما - كما ذكرنا في البداية - بتقليد الولد أباه، والصانع معلمَه في العمل، والفقير الغنيَّ ظاناً أن بذلك سعادة أو سروراً للنفس...

التدخين ضار بشكل عام بالعقل ويُؤثر عليه؛ ففيه نوع من الإسكار والتفتير، فحينما يتناول المدخن أول سيجارة فإنه يتأثر بشكل واضح، يثقل رأسه، ويشعر بدوار في نفسه وتثاقل في عقله، وهذا دليل على أن الدخان فيه من المفتّرات ومن المسكرات ما أثر فيه.

جـ- ضرره على الدين:

كما أن التدخين مضرّ بالنفس وبالعقل، كذلك هو مضر بالدين، والدين أول ما ينبغي أن يحافظ عليه الإنسان المسلم.

بعض الناس لا يصومون في رمضان، فإذا سألتهم عن السبب يقولون: والله لا نستطيع أن نستغني عن السيجارة, السيجارة حياتنا. الإنسان الذي يترك الصيام - وهو فريضة - لأجل لفافة من التبغ هو إنسان أضرّ بدينه بشكل واضح، وكثير من الناس إذا صام يصوم من أول النهار إلى أن يؤذّن المغرب، فإذا قال المؤذن "الله أكبر" يُشعل سيجارته ويفطر عليها، فيكون قد صام طوال النهار وهو في طاعة، وإذا به يفطر على مشروب خبيث، يترك المشروبات التي جعلها الله سبحانه وتعالى مباحة، تلك التي فيها من السكريات، والأطعمة، والنشويات، والبروتينات وغير ذلك... يتركها ليتناول لفافة من الدخان، يفطر عليها ويؤذي بها صحته؛ يؤذي بها صدره وتصدر منه رائحة كريهة. نسأل الله تعالى لنا ولهم العفو والعافية.

إذاً.. التدخين يُجرئ المدخن على ارتكاب المعاصي وارتكاب ما نهى الله عنه، كالتبذير بالأموال والإسراف، وإيذاء الغير، كل هذه الأشياء تضر بالآخرين، فالإنسان حينما يدخن فإنه يعصى الله سبحانه وتعالى بإيذائه الغير برائحة الدخان، كل ذلك إضافة إلى تقصيره فيما أمره الله تعالى من الواجبات الدينية والدنيوية، فالمدخن عادة يضعف جسده وتضعف قوته نتيجة الدخان، فلا يقوى مثلاً على الجهاد في سبيل الله، ولا يقوى على القيام في الليل وصلاة الليل، ولا يقوى على الصيام، يَظهر الضعف والهزال عليه، ويظهر الشحوب والاصفرار على وجهه، وهو فوق ذلك يؤدي إلى إضرار شديد بصحته، ومن هنا نعلم كيف أضرّ المدخن بدينه بشكل واضح وجليّ.

ء- ضرره على النسل:

يعدّ الحفاظ على النسل من الضروريات الخمس التي أشرنا إليها، والتي يجب على الإنسان المحافظة عليها، فالمدخن يؤثر على أولاده ويضر بهم وبزوجته، حتى ولو كان ولده جنيناً في بطن أمه؛ فقد أثبتت بعض الدراسات الحديثة أن الأم المدخنة يتأثر جنينها بالتدخين وهو في بطنها، وذلك من خلال لعابها وغذائها الممزوج بآثار التدخين، كما ثبت علمياً وطبياً أن أكثر حالات الإجهاض تكون بسبب التدخين، وأكثر حالات نقص الوزن والولادة قبل وقتها والتشوهات الخَلقية والوفاة في المهد وربو الأطفال والصمم وغير ذلك من الأمراض تُعزَى إلى كون الأم مدخنة، وإن جنينها يتأثر بها بشكل كبير.

أثبتت الدراسات الحديثة أن الأولاد والأطفال الذين يترعرعون وينشؤون في بيئة مدخّنة مع أب مدخن أو أم مدخنة تكون جدران شرايينهم (أي شرايين القلب) أضعف من غيرهم، ويكونون معرضين لآفات وأمراض لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى، كذلك ما داموا يعيشون مع أب مدخن وأم مدخنة فهم في بيئة ملوّثة ومليئة بالجراثيم، وهم يدخنون قسراً؛ لأنهم يستنشقون هواء التدخين.

 

ثم بعد ذلك إذا كبروا فإنهم يقلدون أباهم المدخن أو أمهم المدخنة، وسرعان ما يحمل الطفل الصغير السيجار في يده، ويظن أن التدخين علامة من علامات الرجولة أو البطولة، لذلك فإن كثيراً من الأولاد الصغار يبدأ التدخين ويمسك بعلبة السجائر في يده وبقداحة يشعل بها السيجارة بيد أخرى، ليثبت أنه قد أصبح شاباً، وقد بلغ وكبر وأصبح في مصافّ الرجال، والحقيقة أن هذه الآفة إنما سَرَتْ إليه من أبيه بالعَدْوَى, وبالقدوة السيئة لا بالقدوة الحسنة.

هـ- ضرره على المال:

فلا يجوز إضاعة المال، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال.

إن المال مال الله، والإنسان مستخلف فيه، فلا يجوز أن يضيع ماله فيما لا ينفع الروح، ولا ينفع البدن، ولا ينفع العقل، ولا ينفع النفس، ولا ينفع الأسرة، ولا ينفع الأمة. والدخان بلا شك لا ينفع أي حالة من هذه الحالات، والمدخن الذي يشتري ضرره بِحُرِّ ماله فإنه يضر نفسه بالثمن، ليته يضر نفسه بالمجان، لا بل إنه يضر نفسه بما ينفقه من ماله الذي تعب في جنايته وكسبه.

هناك حقيقة ينبغي أن يعلمها كل الناس، وهي أن الإنسان الذي يشتري الدخان فإنه يشتريه من الشركات العالمية التي تبيع الدخان، والتي تسخّر هذا المال كله لخدمة الصهيونية العالمية. شركات الدخان العالمية وخاصة "شركة المالبورو" تعود ملكيتها إلى يهود صهاينة، وهم يدفعون للدعايات من أجل هذه الماركة المعينة مليارات الدولارات في كل عام، ومع ذلك نجد أن الناس يسارعون إلى شراء هذا النوع من السجائر، ويدفعون المال الذي يعود ضرره على الأمة الإسلامية بشكل عام، فنحن - المسلمين والعرب - نشتري من هذه الأنواع من الدخان بالمليارات. بعض البلاد الإسلامية التي تعرف بأنها محدودة الدخل وقدرتها الشرائية ضعيفة هي من أكثر البلاد شراء للدخان، كالباكستان ومصر والسودان, تشتري من الدخان سنوياً بأرقام هائلة، وهي بلاد تشتهر بالفقر وقلة الدخل اليومي، بالنسبة لإخواننا وأهلنا في هذه البلاد العربية والإسلامية فالعجيب أننا نرى بعض الناس يشترون الدخان وأولادهم ربما كانوا بحاجة إلى أوقية لحم، أو كيلو من الفاكهة، أو مشروبات من السوائل التي تنفع البدن، وربما كانوا بحاجة إلى ملابس تستر أجسادهم وتقيهم شر الحر والبرد، وربما كانوا بحاجة إلى أدوات مدرسية، أو إلى أساسيات في فرش البيت وأثاثه، لكنهم يبذرون ثمن هذه الأشياء الأساسية في شراء الدخان.

لو سألت أحد المدخنين كم تدخن في اليوم؟ فستجد جواب أحدهم: علبتَي سجائر، والثاني: ثلاث علب، وهو ينفق في اليوم الواحد أكثر مما يحتاجه الإنسان بشكل طبيعي لصحته ودوائه وعلاجه وغذائه.

فليحرص هؤلاء على أن يوفروا هذا المال لمستقبلهم، وصحتهم، وغذاء أولادهم وتدريسهم، وتعليمهم، وكسوتهم، فذلك خير لهم بكثير من أن ينفقوه في أشياء ضارة لا تنفعهم لا في الدنيا ولا في الآخرة. وهذه الشركات العالمية التي ندفع لها المليارات سنوياً إنما ندفعها من قُوْتِ أولادنا، ومن خلاصة أرزاقنا، وبذلك نكون قد ارتكبنا إثماً خطيراً بتضييعنا لهذه الأموال.

^ أضرار التدخين لا تقتصر على المدخن فحسب وإنما تتعداه إلى من حوله:

أثبت لنا الطب والعلم الحديث أن المدخن لا يؤذي نفسه وحسب، وإنما يؤذي غيره عن طريق القهر والقسر، لذلك سماه بعض أصحاب الدراسات بـ "المدخن السلبي"، فالمدخن الإيجابي هو الذي يضر بنفسه، وأما المدخن السلبي فهو الذي أخذ الضرر من المدخن، هو لا يدخن لكنه حصل على أضرار نتيجة تنشّقه هذا الدخان المتصاعد من المدخنين، فأنت مثلاً إذا كنت من غير المدخنين وجلست في مكان فيه مدخنون فإنهم سيصيبونك بآثار الدخان، لذلك أنت مدخن قسري، أنت مدخن رغم أنفك؛ لأنك تستنشق الهواء الذي فيه أثر التدخين.

فالمدخن إذاً يؤثر على من حوله؛ على زوجته، وعلى أولاده، وعلى البيئة التي يعيش فيها، فهو يضر بنفسه ويضر بالآخرين.

^ الدخـان وعلاقته بالخمر:

تقول إحدى الدراسات: إن مَعامل الدخان تضع التبغ في أوعية محكمة، ثم يصبون عليه من عصير العنب، أو عصير التفاح، أو أي شيء من العصائر السكرية، ثم يضعون عليه الخمائر، ثم يُحْكِمون إغلاق الأوعية لمدة ثلاث سنوات حتى يُعَتَّق التبغ، ويتشبّع بالخمر وبالكحول التي تضاف إليه، وهكذا يتحول نبات التبغ إلى ألياف هشّة نضجت نتيجة الكحول والخمائر، وحينما يدخن الناس فهم يدخنون نقيعَ الخمر، أي الخمر المنقوع بعصائر العنب، وعصائر التفاح، مع المزيج من الخمائر والكيماويات والمواد السميّة القاتلة، وهذه المواد السمية هي التي تجعل لفافة الدخان تستمر مشتعلة إلى آخرها؛ لأن هناك مواد مشتعلة، ومواد سامة، ومواد من الكحول المتّحد ببعضه وبأوراق التبغ، وهذا ما يتّضح جلياً من العبارة الإعلانية التي نظهر في الدعايات حيث يقولون: "تعال إلى حيث النكهة"، أي نكهة هذه؟؟ إنها نكهة الخمر المعتق، ونكهة المسكر الذي يضر بالعقل ويفسده، و يفسد التفكير، ويضر بالبدن بشكل عام.

فهؤلاء الناس الذين ينفقون أموالهم فيما يضرهم، وربما كانت أسرهم أحوج ما يكونون إلى القوت الضروري وهم لا يبالون بهم، وربما احتاج الأولاد إلى المواد الغذائية الأساسية أو الأدوية أو العلاج وآباؤهم وأمهاتهم ينفقون الأموال على شراء السجائر وأنواع المفترات بشكل عام، ليضروا بها أنفسهم، ويكونوا مقصرين بحق أطفالهم وغذائهم وصحتهم بشكل عام.

^ هل الدخان من الطيبات؟

نأتي إلى مسائل تبين حقيقة الدخان وماهيّته، هل الدخان من المشروبات الطيبة؟؟ لقد أحل الله سبحانه وتعالى لنا الطيبات، وحرم علينا الخبائث، فهل يعد الدخان مشروباً من المشروبات الطيبة التي يباح تناولها؟ الله سبحانه وتعالى يقول:[]يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ[] سورة الأعراف (31). أباح لنا أن نأكل ونشرب أنواع الأطعمة والأشربة المباحة، ونهانا عن الإسراف في المال الحلال، الإسراف في الأكل الحلال والشرب الحلال. فهل الدخان حلال حتى نسرف فيه؟؟ الدخان في الأصل مشروب خبيث، وشراؤنا له تضييع للمال وتبذير فيه، فلا يجوز إذاً أن نشتريه؛ لأننا بذلك نكون من المسرفين الذين يضيعون أموالهم فيما لا يجوز لهم، وقد وُصف سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتب الأقدمين بأنه يُحل لهم الطيبات ويُحرم عليهم الخبائث. أي حرّم على أمته الخبائث من المأكولات والمطعومات والمشروبات، وأحل لهم في المُقابل المطعومات والمشروبات الطيبة التي لا تضر بالبدن، ففي أي خانة نصنف الدخان؟ هذه المشروبات (السجائر والأرجيلة وغيرها) في أي خانة؟ في خانة المأكولات الطيبة أم خانة المأكولات الخبيثة؟ في خانة المشروبات الطيبة النافعة أم خانة المشروبات الخبيثة والضارة للجسد؟؟ لا شك أن أي إنسان عنده حس فطري سيدرك أن هذا المشروب خبيث ويصنف في قائمة الخبائث؛ لأنه ليس فيه أي شيء من النفع والطيب على الإطلاق.

^ أيها المدخن! هل ترضى أن تكون عبداً لغير الله؟؟

بعض الناس يقول: والله أنا إرادتي ضعيفة، لا أستطيع أن أترك الدخان, الحقيقة: من آفات الدخان أنه يستعبد إرادة الإنسان, يجعل الإنسان عبداً لهذه اللفافة الصغيرة، فلا يقوى على مخالفتها ولا يقوى على أن يعصي أمرها، وهي صغيرة، لا تعقل، ولا تحكم بالإعدام، ولا تُلزم صاحبها بأن يتناولها، ولكن الإنسان العاقل البالغ الراشد الذي متّعه الله تعالى بقوام وجمال وكمال وسمع وبصر يقف عبداً أمام هذه السيجارة الصغيرة في الحجم والتي لها فعل كبير. لو سألت المدخن يقول: والله لها أثر كبير! ما هو هذا الأثر؟؟ إنه أثر الإسكار، وأثر المفترات التي تصنعها في العقل، وفي الدم، وفي الدماغ. لذلك هي تترك آثاراً سلبية على جسد الإنسان وعقله وتفكيره، فالإنسان المدخن عبد لهذه الآفة، عبد لهذه العادة، لا يستطيع أن يحرر نفسه إلا بإرادة قوية، كأن يقول له الطبيب: إما أن تقلع عن التدخين وإما أن تعرّض نفسك للموت. كثير من الأطباء الآن يقسو على مرضاه ويقول لهم: إما أن تترك الدخان، وإلا فنهايتك حتمية. وخاصة أولئك الذين يعانون من انسداد أو تصلب في الشرايين، أو يعانون من تكرار الجلطة بشكل دائم، ينصحهم الطبيب بطريقة الإلزام أن يقلعوا عن الدخان فوراً، فهؤلاء يقلعون فترة نتيجة الإلزام الطبي وتنتصر إرادتهم نتيجة قرار الطبيب، أفلا تنتصر إرادتهم نتيجة قرار من الله سبحانه وتعالى "وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ"؟؟؟

إذاً علينا أن ننتبه إلى هذه المسألة جيداً، وأن نميز بين قوة القرار؛ أيهما أقوى قراراً، قرار الطبيب أم قرار الله سبحانه وتعالى؟؟ لا شك أن قرار الله أقوى، وقرار الطبيب نابع من قرار الله سبحانه وتعالى "ويُحلّ لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث". فلماذا يستعبد الإنسان نفسه لغير الله تعالى؟! لماذا يجعل إرادته رهناً لشيء ليس من الأساسيات، ولا من الضروريات، ولا من الحاجيات، ولا من التحسينيات، ولا حتى من الكماليات؟! والعجب العجاب أنك تسأل المدخن فيقول لك: والله لا أستغني عن هذا المشروب أبداً! لا شك أنه أمر عجيب، وأمر يدعو إلى التأمل أن الإنسان لا يستطيع أن تقوى إرادته على هذه السيجارة الضعيفة، لكنها قوية في تأثيرها وخبثها وأضرارها.

^ التدخين بين الوازع والرادع:

من الأشياء الجميلة التي تتعاون فيها الحكومات مع الهيئات العامة للإرشاد والتوجيه أنها تضع قوانين بمنع التدخين في الأماكن العامة؛ كالحافلات، والطائرات، والقطارات، والبنوك، والمؤسسات الحكومية... لكن الناس لا يلتزمون بذلك. الدول الغربية جعلت أقساماً للمدخنين وأقساماً لغير المدخنين، فمثلاً القطار فيه قسم يركب فيه المدخنون لا يركب فيه غير المدخنين أبداً وكذلك الباصات، وهذا ربما لا يتوفر في بلادنا، لكن الذي يتوفر عندنا أننا نختلف عنهم بأن لدينا قراراً إلهياً من الله سبحانه وتعالى حرم علينا شرب الدخان لأنه من الخبائث، فعلينا أن نلتزم. ولذلك لا نستغرب عندما لا يلتزم الناس بقرار الحكومات في امتناعهم عن التدخين في المؤسسات العامة، وفي وسائل النقل والركوب، لأنهم يمتنعون عن الالتزام بأمر الله سبحانه وتعالى بحرمة الدخان لأنه مشروب خبيث، ومضر بالنفس والبدن.

^ إثم التدخين لا يقع على المدخن فحسب:

ولأن الدخان مضر بالنفس وبالبدن وبالآخرين، فقد ذهب كثير من العلماء والفقهاء إلى أنه لا يجوز لنا أن ندخن كما لا يجوز لنا أن نبيع السجائر والدخان؛ لأننا نبيع الحرام، ومن باع الحرام كان شريكا في الإثم.

الإسلام حينما حرّم الخمر لعن الله معها عاصِرها، ومعتصرها، وشاربها، وحاملها، والمحمولة إليه، وساقيها، وبائعها، ومبتاعها، وآكل ثمنها. فكل من ساهم فيها من قريب أو من بعيد ملعون على لسان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك في قوله: " لعن الله الخمر، ولعن شاربها، وساقيها، وعاصرها، ومُعتصرها، وبائعها، ومبتاعها، وحاملها، والمحمولة إليه، وآكل ثمنها". مسند أحمد. لذلك يقول بعض الفقهاء أن زراعة التبغ محرمة.

للأسف بعض البلاد الإسلامية يتّجر بزراعة التبغ، ولا توجد قوانين تحرم هذا النوع من المزروعات التي تضر بالبدن، فلا يجوز أن يُزرع، ولا أن يُباع، ولا أن يُتاجَر به، وللأسف أننا لو ذكّرنا كثيراً من الناس بهذه الأحكام فإنهم يُعرِضون عنها ويقولون: "نريد أن نعيش". هذا الرزق وهذا الكسب للمال كسب فيه شبهة حرام، فيه خبث وإضرار. وربما لا يعلم البعض أنهم بذلك يتّجرون بموت الناس، الاتجار بموت الآخرين شيء حرام لا يجوز أبداً! وهذا الأمر فيه معصية لله سبحانه وتعالى.

يقول النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إياكم ومحقّرات الذنوب؛ فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه". مسند أحمد. بعض الناس يتصور أنه ذنب بسيط ومن اللَّمَم, لكن هذه الذنوب تجتمع الواحدة فوق الأخرى حتى تتراكم وتهلك صاحبها. في حديث آخر يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إياكم ومحقرات الذنوب؛ فإنما مَثلُ محقرات الذنوب كمَثلِ قومٍ نزلوا بطنَ وادٍ، فجاء ذا بعود، وجاء ذا بعود، حتى حملوا ما أنضجوا به خبزهم، وإن محقرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها تهلكهه". مجمع الزوائد. شبّه النبي صلى الله عليه وسلم المحقرات من الذنوب (أي الذنوب الصغائر التي لا نبالي بها وبارتكابها) بأنها كقوم اجتمعوا في مكان، جمعوا حطبهم بأيديهم، فهذا معه خشبة، وهذا معه فحمة، وضعوها مع بعضها، فإذا بها تشتعل فتحرق صاحبها، وهكذا الذنوب تحرق صاحبها يوم القيامة إذا بدأت صغيرة واستمر صاحبها على فعلها.

^ كلمة أخيرة للمدخنين:

في ختام هذا الحديث وأقول لإخواننا المدخنين: كل من يعزم على ترك الدخان عليه أن يتوكل على الله سبحانه وتعالى.

إذا كنتَ ذا رأيٍ فكن ذا  عزيمةٍ       فإنَّ فسـادً الرأيِ  أن تتـردّدا

وإن كنت ذا عزمٍ فأنْفِذْهُ عاجلاُ        فإنَّ فسـادَ  العزمِ أن  يَتقيّـدا

        ولا يحتاج الأمر أن أقول: والله إرادتي ضعيفة. فالله سبحانه وتعالى يقول: فإذا عزمت فتوكل على الله.

        نسأل الله تعالى أن يهدي إخواننا المدخنين، وأن يعافينا ويعافيهم من هذا البلاء، وهذا الخبث الذي سيطر عليهم، إنه على ما يشاء قدير، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.

 

 

 

 

 

 التعليقات: 4

 مرات القراءة: 8764

 تاريخ النشر: 12/05/2010

2011-02-05

اميمة ازيكي

موضوع جيد و جزاكم الله خيرا

 
2010-09-10

sh

شكرا كتير على ها الموضوع الكتير مهم وضروري بس للأسف والأسف الشديد أنا مدخني ومن الطراز الأول منشان الله لاتنسوني من الدعاء ........حتى بطل ها الملعونة

 
2010-07-27

غسان حماة

أسأل الله تعالى لكل من قرأ هذا المقال وكان مدخناً أن يشفيه الله و يعافيه وأن يلهمه بالعودة إلى عقله حيث أنه يقتل نفسه وامرأته و أولاده وهو لايدري وبعد أن يموت يسلّم جسمه لله عليلاً مريضاً منتحراً بعد أن سلًمه الله إياه نظيفاً خالياً من كل الأمراض و الأسقام شكراً للشيخ( محمدخير) و لوكنت مدخناً لتركته إن شاء الله من هذا المقال الذي أفاد به شيخنا و حذّر .

 
2010-05-12

مروة

نشكركم على هذا الإبداع ، و الله موضوع مفيد جدا ، و يا ريت المدخنين يتعظوا و يستفيدوا

 

ملاحظة:
الآراء المنشورة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو القائمين عليه، ولذا فالمجال متاح لمناقشة الأفكار الواردة فيها في جو من الاحترام والهدوء ونعتذر عن حذف أي تعليق يتضمن:
1- يحتوي على كلمات غير مهذبة، ولو كانت كلمة واحدة.
2- لايناقش فكرة المقال تحديداً.

 

 751

: - عدد زوار اليوم

7401455

: - عدد الزوار الكلي
[ 71 ] :

- المتصفحون الآن

 


العلامة الشيخ محمد حسن حبنكة الميداني


العربيــة.. وطرائق اكتسـابها..
المؤلف : الدكتور محمد حسان الطيان








 
   

أحسن إظهار 768×1024

 

2006 - 2015 © موقع رسالتي ، جميع الحقوق محفوظة

 

Design & hosting by Magellan