::: موقع رسالتي - رؤية جديدة في الخطاب الإسلامي :::

>> دراسات وأبحاث

 

 

تحَريكُ الجَنان.. لتَدبُّر وتَوقِير أُمِّ القُرآن..

بقلم : الدكتور عصام صالح العويِّد  

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على من خُص بالسبع المثاني والقرآن العظيم، وعلى آله وأصحابه ومن أنعم عليهم فهداهم صراطه المستقيم، أما بعد:

فقد تكرر الطلب من طلاب العلم في دولة كازاخستان لكتابة تفسير مختصر لفاتحة القرآن، يُحرك القلب لتدبرها ومن ثمَّ توقيرها وتعظيمها اللائق بها، وكانوا سمعوا طرفاً من ذلك في أثناء زيارتي لهم في شهر جمادي الآخر من عام 1431، وعلم الله أني كنت أُحاذر الحديث عنها من حين عَلِق قلبي تفسيرَ آي الفرقان، اعترافاً بقصوري عن إدراك مَرامها، والخوضِ في بُحورها، والتحديق في عَيْنِ شمسها، ولاجرم أن يضطرب الفؤاد هيبةً، ويرتجف القلم فَرَقاً قبل الخط بتفسيرها؛ فإنها أعظم ما انشقت عنه السماوات العلى، وتنزل إلى الأرض الدنيا، هي فاتحة الكتاب وأم القرآن الكافية الشافية لأمراض البدن والروح معاً([1])، وقد كنت اجتهدت في حث الإخوة هناك على تبني مشروع اسمه (علمني الفاتحة) ليعلموا أهليهم من المسلمين "قراءة، وفهم، وامتثال" هذه السورة العظيمة، من خلال كل القنوات والوسائل المتاحة لهم في بلاده ، ورغَبتُهم إن أقبلوا ورهَّبتُهم إن أعرضو ، فوافقوا بشرط أن أكتب لهم تفسيرها، فرجع ترغيبي وترهيبي إليّ ولا حول ولا قوة إلا بالله، وكان أمر الله قدراً مقدوراً، فكتبتها في طريق السفر([2]) لعل الله أن يبارك في العُمر، راجياً ليَ ولوالديّ وأهلِ بيتي، ولمن راجعها أو قرأها أو طبعها أو أفاد منها أو دلَّ عليها؛ شفاعتها وبركتها وعلمها ونورها وهداها ورحمتها وخيرها ورزقها وشفائها وكفايتها، عائذاً بالله الرحمن الرحيم من هجر قراءتها أو حفظها أو فهمها أو الامتثال لها، إن ربي قريب مجيب، آمين.

**سورة الفاتحة **

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 [ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (1) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (3) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (4) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (5) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ (6) غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7) ] ([3])

r فضلها:  جاء الثناء عليها مستفيضاً في القرآن وصحيح السنة، ومن ذلك:

·    هي أفضل القرآن: فعن أَبي سَعِيد بن الْمُعَلَّى رضي الله عنه: قَالَ لي رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَلاَ أُعَلِّمُكَ أَعْظَمَ سُورَةٍ في القُرْآن ثم قَالَ: الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، هِيَ السَّبْعُ المَثَانِي وَالقُرْآنُ العَظِيمُ" رواه البخاري .

وهو يشير إلى قوله تعالى ((وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ)) [الحجر : 87]

·    لم ينزل في القرآن ولا في التَّوراةِ ولا في الإنجيلِ مثلُها، فقد أخرج  التِّرمذيُّ وصححه: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال لأُبيِّ بنِ كعبٍ: «أتحبّ أن أعلِّمك سورةًً لم يُنزل في التَّوراةِ، ولا في الإنجيلِ، ولا في الزَّبور، ولا في الفرقانِ مثلُها؟» قلت: نعم. فقال صلى الله عليه وسلم: «كيف تقرأ في الصَّلاة؟» فقرأتُ أمَّ القرآن، فقال: «والذي نفسي بيدِه ما أُنزل في التَّوراةِ، ولا في الإنجيلِ، ولا في الزبور ، ولا في الفرقانِ مثلُها».

وعن ابنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه: «بَيْنَمَا جِبْريلُ عليه السلام قَاعِدٌ عِنْدَ النبي صلى الله عليه وسلم سَمِعَ نَقيضاً([4]) مِنْ فَوقِهِ، فَرَفَعَ رَأسَهُ، فَقَالَ: "هَذَا بَابٌ مِنَ السَّمَاءِ فُتِحَ اليَوْمَ وَلَمْ يُفْتَحْ قَطٌّ إِلاَّ اليَوْمَ، فنَزلَ منهُ مَلكٌ، فقالَ: هذا مَلكٌ نَزلَ إلى الأرضِ لم ينْزلْ قطّ إلاّ اليومَ فَسَلَّمَ وقال: أبْشِرْ بِنُورَيْنِ أُوتِيتَهُمَا لَمْ يُؤتَهُمَا نَبيٌّ قَبْلَكَ: فَاتِحَةُ الكِتَابِ، وَخَواتِيمُ سُورَةِ البَقَرَةِ، لَنْ تَقْرَأَ بِحَرْفٍ مِنْهَا إِلاَّ أُعْطِيتَه"! .  رواه مسلم.

·    أنها لبُّ الصلاة التي هي عمود الإسلام: فعن عبادة بن الصامت أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» أخرجه الستة.

والأحاديث في فضلها متواترة.

r موضع نزولها:  في مكة على الصحيح، نُقل ذلك عن عليٍّ وابن عبَّاسٍ وأبي هريرة رضي الله عنهم، ويدل عليه أنَّ «سورة الحِجْر» مكِّيَّةٌ بالاتفاق، وقد أنزل الله فيها: ((وَلَقَدْ آَتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآَنَ الْعَظِيمَ)) [الحجر:87], وقد بينّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن المراد بها سورة الفاتحة، فعُلم أنَّ نزولهَا متقدمٌ على نزول «الحِجْر».

 rأسماؤها: كثيرة منها: فاتحة الكتاب، والسبع المثاني، وأم القرآن، أو أم الكتاب، الشافية، الكافية، الوافية، أساس القرآن، وغيرها كثير.

r عدد آياتها: وهي سبعُ آياتٍ كما دلَّ عليه قولُه ((سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي)) وفسرها النبي صلى الله عليه وسلم بالفاتحة كما سبق، ونقل غيرُ واحدٍ الاتفاق على أنَّها سبعٌ منهم ابنُ جرير الطبري، وفيه خلاف شاذ.

r معاني كلماتها:

الْحَمْدُ: الثناء بالجميل مع الحب والإجلال للمدوح، وبدون ذلك يُسمى مدحاً لا حمداً.

اللَّه: علم على الذات العلية المقدسة، أي المألوه وهو المعبود الذي تألههُ القلوب فتعبده سبحانه،  ولم يتسمّ بهذا الاسم غيره جل وعلا.

رَبِّ: الرب هو الذي يربي غيره بنعمه وعنايته.

الْعالَمِينَ: جمع عالَم، وهو كل موجود سوى اللّه تعالى.

الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ: صفتان للّه مشتقتان من الرحمة، والرحمن: صيغة مبالغة أي: عظيم الرحمة، وهو اسم عام في جميع أنواع الرحمة لكل المخلوقين بلا استثناء، وأما الرحيم فهي الرحمة الخاصة كما قال تعالى ((وكان  بالمؤمنين رحيماً)).

مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ: أي مالك يوم الحساب والجزاء، وخص لفظ (الدين) من دون الأسماء الأخرى ليوم القيامة لأن المقصود التنويه بما يكون في ذلك من المجازاة والمحاسبة التامة الشاملة.

إِيَّاكَ نَعْبُدُ: أي نخصك بالعبادة ولا نعبد غيرك، والعبادة هي: الطاعة والتذلل.

وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ: أي نخصك بطلب المعونة، فأنت مصدر العون والفضل والإحسان.  

اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ: عرِّفنا ودلنا يا رب إلى الطريق المعتدل، الذي هو أقرب الطرق الموصلة إليك وإلى جنتك.

صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ: طريق من أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.

غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ: لا تجعلنا من المغضوب عليهم: وهم الذين عرفوا الحق فلم يعملوا به. ولا من الضالين: الذين لم يعرفوا الحق فعبدوا الله بجهل.

«آمين»: أي استجب دعاءنا يا ربنا، وهي ليست من القرآن.

وقد أخرج الأئمة الستة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أمّن الإمام فأمنوا، فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة، غفر له ما تقدم من ذنبه».

 

إشارات إلى بعض ما تحويه سورة الفاتحة من العلوم

1- مقصود السورة: السورة هي أم القرآن الجامعة لكل علومه، ولذا كان مقصودها أعظم المقاصد، وهو تحقيق كمال العبودية لله ((وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ))  [الذاريات : 56].

-فأولها: بيان لأسباب الاستحقاق ((الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (1) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (3) )).

-وأوسطها: اعتراف وإقرار ((إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (4) )).

-وآخرها: وصفٌ للطريق وطلبٌ لتحقيقه ((اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (5) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ (6) غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7) )).

2 - تحوي مقامات الإيمان الثلاثة: المحبة والرجاء والخوف، والتي لا يستقيم إيمان المسلم إلا بها، فالمحبة في قوله (الحمد لله)، والرجاء في قوله (الرحمن الرحيم)، والخوف في (مالك يوم الدين).

3 - وتشتمل على أصول العقيدة والأحكام والأخبار اللازمة لكل مسلم:

·    أما أصول العقيدة فهي:

أ‌)         الإقرار بالربوبية لله وحده؛ فلا خالق ولا رازق ولا محيي ولا مميت إلا هو سبحانه.

ب‌)    الإقرار له بالألوهية؛ فلا معبود بحق إلا هو وحده سبحانه.

ت‌)    إثبات النبوة والبعث.

يقول الحافظ ابن رجب في تفسيره لسورة الفاتحة: وسورةُ الفاتحةِ تضمَّنت التَّعريف بالرَّبِّ سبحانه بثلاثة أسماءٍ ترجِعُ سائرُ الأسماءِ إليها، وهي: (اللهُ) وَ(الرَّبُّ) و(الرَّحمنُ)، وبُنيَتِ السُّورةُ على الإِلهيَّة والرُّبوبيَّة والرَّحمة؛ فـ ((إِيَّاكَ نَعْبُدُ)) مَبْنيٌّ على الإِلهيَّة، و ((وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)) مَبْنيٌّ على الرُّبوبيَّة، وطلبُ الهداية إلى صراطِه المستقيمِ مَبْنيٌّ على الرَّحمةِ.

وتضمَّنت السُّورةُ: توحيدَ الإِلهيَّةِ والرُّبوبيَّةِ بقولهِ: ((إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ))، ولما كانَ كلُّ أحدٍ مُحتاجًا إلى طلبِ الهِدايةِ إلى الصراطِ المستقيمِ وسُلوكِه عِلْمًا ومعرفةً، ثم عَملاً وتلبُسًا = احتاجَ العبدُ إلى سُؤالِ ذلك وطَلبِه ممن هو بيدِه، وكان هذا الدُّعاءُ أعظمَ ما يَفتقِرُ إليهِ العبدُ ويَضطرُّ إليه في كلِّ طرفةِ عَيْنٍ، فإنَّ النَّاسَ ثلاثةُ أقسامٍ:

قسمٌ عَرَفُوا الحقَّ وحادُوا عنه: المغضوبُ عليهم.

وقسمٌ جَهِلُوهُ وهم: الضَّالون.

وقسمٌ عَرَفُوهُ وعَمِلُوا به وهم: المنعَم عليهم.

وكان العَبدُ لا يملك لنفسِه نفعًا ولا ضرًّا احتاجَ إلى سؤالِ الهِدايةِ إلى صراطِ المنعَمِ عليهم، والتخلُّص من طريق أهل الغَضَبِ والضَّلالِ ممن يَمْلِكُ ذلك ويقدرُ عليه.

وتضمَّنت السُّورةُ أيضًا: إثباتَ النُّبُوَةِ والمعاد ، أمَّا المعادُ: فمن ذِكْرِ يومِ الدِّين، وهو يومُ الجزَاءِ بالأعمال، وأمَّا النبُّوَّةُ: فمِن ذِكْرِ تقسيم الخلق إلى ثلاثةِ أقسامٍ، وإنَّما انقسمُوا هذه القِسْمَة بحسبِ النَُّبوَّاتِ ومَعرفتِهم بها ومُتابعتهم لها. ا هـ

·    وأما أصول الأحكام:

فهي مضمنة في قوله تعالى ((إِيَّاكَ نَعْبُدُ)) فالعبودية التامة لله لا تكون إلا بطاعة أوامره واجتناب نواهيه، والضدّ بالضِّد أيضاً.

·    وأما أصول الأخبار:

فهي مضمنة في قوله تعالى ((صراط الذين أنعمت ...))، فأخبار القرآن كلها لا تخرج عن واحد من ثلاث: إما عالم عامل، أو عالم معاند، أو عابد جاهل. 

4 - وفيها حقيقة الصلاة ، وهي حضور القلب واستشعاره لخطاب الرب:

يوضح ذلك الحديث القدسي في صحيح مسلم من حديث أَبِى هُرَيْرَةَ أن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قَسَمْتُ الصَّلاَةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: حَمِدَنِي عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَثْنَى عَلَي عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) قَالَ: مَجَّدَنِي عَبْدِي، فَإِذَا قَالَ: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) قَالَ: هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ) قَالَ: هَذَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ.

فاستشعر هذا الحوار من الله معك أيها القائم بين يدي ربك. 

5- وتحوي مفاتيح سعادتك في يومك وليلتك ، وهي سبعة :

المفتاح الأول : بدءُ يومك بالاستعاذة ، وأمورك بالبسملة :

كما بُدأت سورة الفاتحة بـ (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)، فالعاقل يبدأ يومه بالدخول في حمى الله بقراءة المعوذات: (قل أعوذ برب الفلق) و(قل أعوذ برب الناس)، قراءة قلب ولسان معاً.

وبالبسملة يفتتح المسلم عمله كله بها طلبة للبركة والعون من الله، فيفتح الله له بها مغاليق الأمور، فالبسملة من هدي الأنبياء السابقين، وفي كتاب الله تعالى على لسان نوح عليه السلام ((بسم الله مجراها ومرساها))، وابتدأ بها سليمان عليه السلام في كتابه ((إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم))، وكذلك القرآن فصار البدء بها سنة إلى يومنا هذا.

وعند أحمد في المسند عن رِدفِ النبي صلى الله عليه وسلم قال: عَثَرَ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حِمَارُهُ فَقُلْت: تَعِسَ الشَّيْطَان فَقَالَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "لا تَقُلْ تَعِسَ الشَّيْطَان، فَإِنَّك إِذَا قُلْت: تَعِسَ الشَّيْطَان. تَعَاظَمَ وَقَالَ: بِقُوَّتِي صَرَعْته، وَإِذَا قُلْت: بِسْمِ اللَّه تَصَاغَرَ حَتَّى يَصِير مِثْل الذُّبَاب" قال ابن كثير: إسناده جيد.

ولذا تُشرع البسملة عند: الوضوء والأكل والتذكية والصيد والجماع والنوم والدخول والخروج وأوراد الصباح والمساء ورقية المريض وإنزال الميت في القبر وغيرها. 

المفتاح الثاني: الثقة بسعة رحمة الله (الرحمن الرحيم) ، فقد تكررت "الرحمة" صريحةً في السورة مع قصر آياتها أربع مرات، وجاء التنبيه عليها ضمناً في (الحمد لله رب العالمين) و(إياك نستعين) و(اهدنا الصراط المستقيم)، وهذا ما لم يكن لأي صفة أخرى في سورة الفاتحة إلا الرحمة، فإياك وطريق القانطين ((قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ)) [الحجر : 56] .

المفتاح الثالث: المداومة على حمد الله بالقلب واللسان والجوارح في كل الأحوال والأزمان والأماكن، والفاتحة واحدة من خمس سور كلها افتتحت بالحمد (الفاتحة، والأنعام، والكهف، وسبأ، وفاطر)،  و"ال" في قوله تعالى (الحمد لله) جنسية استغراقية، تستغرق كل أنواع الحمد له سبحانه.

·       واعلم ـ رعاك الله ـ أن أصول الحمد أربعة:

ü حمده سبحانه على ذاته المقدسة وأسمائه الحسنى وصفاته العلى. 

ü حمده على خلقه ونعمته.

ü حمده على وحيه وهدايته.

ü حمده على قضائه وقدره.

المفتاح الرابع: تذكير النفس بيوم الدين والجزاء (مالك يوم الدين):

فالنفس علاجها الذي لا تُفلح إلا به؛ أنها إن أقبلت على الطاعة فذكرها بالجنة، وإن أقبلت على المعصية فخوفها بالنار، ألا ترى كيف ملأ الله كتابه العظيم بالتذكير بيوم القيامة وما بعده، ألم تتفكر لماذا هذه الأسماء الكثيرة ليوم القيامة (الغاشية، الطامة، الصاخة، القارعة، الحاقة، ...)؟!، وقد عدَّها العلاّمتان الغزالي والقرطبي فبلغت خمسين اسماً. 

المفتاح الخامس: إخلاص العبادة مع تمام التذلل لله (إياك نعبد وإياك نستعين):

وقد جاء شرح حقيقة العبادة ولزوم التذلل والاستعانة بالله وحده آيات كثيرة من القرآن منها: قوله تعالى (الله الصمد) أي الذي يُصمد إليه، وقوله ((فصل لربك وانحر))، وقوله ((قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)) [الأنعام : 162 ، 163] ، وهذه هي حقيقة دعوة الأنبياء عليهم السلام جميعاً ((وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ)) [الأنبياء : 25] .

وفي الاستعانة يقول تعالى: ((وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)) [الأنعام : 17] وغيرها كثير.

وعند الترمذي في حديث ابْنِ عَبَّاسٍ الصحيح المشهور، قَالَ صلى الله عليه وسلم: "احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، اِذَا سَأَلْتَ، فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَاذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِالله، وَاعْلَمْ أَنَّ الامَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيءٍ، لَمْ يَنْفَعُوكَ اِلا بِشَيءٍ قَدْكَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيءٍ، لَمْ يَضُرُّوكَ الا بِشَيءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ!".  

قال ابن القيم: في كتابه المدارج: كثيراً ما كنت أسمع شيخ الإسلام ابن تيمية: يقول: إياك نعبد تدفع الرياء،  وإياك نستعين تدفع الكبرياء.

 

المفتاح السادس : الإلحاح في الدعاء ، فكم نكرر الدعاء بقولنا + اهدنا الصراط المستقيم _ :

والدعاء لُبّ العبادة كما قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "الدُّعَاءُ هُوَ العِبَادَةُ" ثم قرأ: ((وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين)). رواه الترمذي وقال: حسن صحيح. 

وقد جاءت سورة الفاتحة ببيان آداب الدعاء التي يكون بسببها مقبولاً:

-       فأول ما يبدأ به الداعي هو الثناء والحمد لربه، ويطيل في ذلك بما يُقارب دعاء المسألة، فقد قُسمت سورة الفاتحة نصفين، نصفاً ثناء ونصفاً دعاء.

وعند النسائي من حديث فَضَالَةَ بْن عُبَيْدٍ "أن رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم سَمعَ رَجُلاً يَدْعُو فِي صَلاَتِهِ، لَمْ يُمَجِّدِ اللهَ، وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: عَجِلْتَ أَيُّهَا الْمُصَلِّي، ثُمَّ عَلَّمَهُمْ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، وَسَمِعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلاً يُصَلِّي، فَمَجَّدَ اللهَ، وَحَمِدَهُ، وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ادْعُ تُجَبْ، وَسَلْ تُعْطَ".

وما أحسن قول القائل: إذا كان الله قد أمر أصحاب رسول الله خ بالصدقة بين يدي مناجاة رسول الله خ كما في سورة "قد سمع"، فالصدقة بين مناجاته تعالى أفضل وأولى بالفضيلة.

- ثم يتذلل لله بذكر عبوديته وحاجته لمولاه، وينطرح بين يدي ربه منكسراً خاضعاً، يتبرى من كل حول وقوة إلا من حول وقوة القادر وحده سبحانه. 

- ثم يبدأ بالسؤال مقدماً أهم شؤنه وأعظمها (اهدنا)، متبعاً ذلك بكل حاجة له مهما دقّت وصغرت كما جاء في الحديث عند الترمذي وصححه ابن حبان عن الرَّسولِ صلى الله عليه وسلم: «ليسألْ أحدُكم ربَّه حاجته كلها حتى شِسْعَ نَعْلِه([5])»، وكان بعض السلف يسأل الله كل حوائجه حتى ملح عجينه وعلف شاته.

- وعلمتنا سورة الفاتحة الإلحاح وتكرار الدعاء، فالمسلم يكرر نفس الدعاء في كل ركعة منها دون ملل ولا كلل، ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوت فلم يستجب لي»، وثبت في مسند أحمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "ألظوا([6])بـ: يا ذا الجلال والإكرام".

ودعاء المسلم ربه لا يخلو من ثلاثة أحوال جاء ذكرها فيما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من مسلم يدعو الله عز وجل بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث خصال:

إما أن يعجل له دعوته،

وإما أن يدخرها له في الأخرى،

وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها،

قالوا: إذا نكثر، قال: الله أكثر» رواه أحمد والترمذي وهو حديث صحيح.

- وعلمتنا جوامع الدعاء:  فالخير كله في كلمة واحدة (اهدنا الصراط المستقيم).

- وعلمتنا أيضاً التفصيل وتكرار المعاني عند الدعاء في المهمات والأمور العظام، ففي الثناء جاء حمد الرب على ربوبيته وألوهيته ورحمته وملكه، ولم تكتف السورة بواحد منها، وفي دعاء المسألة جاء تكرار المعاني بذكر (الذين أنعمت عليهم) و(غير المغضوب عليهم ولا الضالين) مع أن الثاني بدلٌ من الأول، لكنه من باب التوكيد الذي يُستحب في مثل هذه المواطن.  

وكان من دعائه المفصل صلى الله عليه وسلم ما ثبت في الصحيحين في قوله صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا وَفِي بَصَرِي نُورًا وَفِي سَمْعِي نُورًا وَعَنْ يَمِينِي نُورًا وَعَنْ يَسَارِي نُورًا وَفَوْقِي نُورًا وَتَحْتِي نُورًا وَأَمَامِي نُورًا وَخَلْفِي نُورًا وَعَظِّمْ لِي نُورًا». وفي رواية: «وفي عَصَبِي وَلَحْمِي وَدَمِي وَشَعَرِي وَبَشَرِي».

المفتاح السابع: الحب في الله والبغض في الله (صراط الذين أنعمت عليهم ... ):

فهذه أوثق عرى الإيمان، ومن كان يدعو ربه في كل ركعة وقلبه حاضر أن يُلحقه بالمنعم عليهم؛ فهذا لن يكون إلا بمحبته التامة لهم، والمحبة لها في ديننا شأن عجب، ومن أعظم التوفيق أن يرزق المسلم محبة الصالحين وإن لم يعمل بعملهم؛ ففي الصحيحين: جاء رجلٌ إلى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله، كَيْفَ تَقُولُ في رَجُلٍ أَحَبَّ قَوْماً وَلَمْ يَلْحَقْ بِهِمْ؟ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: "المَرْءُ مَعَ مَنْ أحَبَّ" قَالَ أنَس: فَمَا فَرِحْنَا بِشَيْءٍ فَرَحَنَا بِقَوْلِه صلى الله عليه وسلم: "أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ". قَالَ أنَس: فَأَنَا أُحِبُّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ بِحُبِّي إِيَّاهُمْ وَإِنْ لَمْ أَعْمَلْ بِمِثْلِ أَعْمَالِهِمْ.

وكلنا نرجو ما رجاه أنس رضي الله عنه.

6 - وهي سورة تخلية وتحلية، ولابد منهما معاً:

فهي تخلية من الشيطان الرجيم؛ لينصرف العبد لرب العالمين.

وهي تخلية من كفر النعمة بنسيانها؛ لِلهج بحمدها وشكرها.

وهي تخلية من قنوط الآيسين؛ ليتذكروا رحمة الرحمن الرحيم.

وهي تخلية من الشرك والتخليط؛ لإخلاص التوحيد لرب العبيد.

وهي تخلية من تشتت الهمم؛ إلى الاستعانة بالمنعم المنتقم.

وهي تخلية من طرق الاعوجاج؛ إلى طريق الاعتدال.

وهي تخلية من الجهل إلى العلم، ومن العناد إلى الانقياد.

وهي تخلية من صُحبةِ جالبِ النقمة؛ إلى صحبة من تمّمَ الله عليهم النعمة.

 

أحكام ولطائف تتعلق بسورة الفاتحة

1-             صيغ الاستعاذة كثيرة أشهرها (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)، ولو زاد (أعوذ بالله السميع العليم..) فحسنٌ بدلالة قوله تعالى (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [فصلت : 36] ، ولو زاد أيضا (من همزه ونفخه ونفثه)([7]) فلا بأس.

2-             البسملة: الأقوى أنها ليست آيةً من الفاتحة، كما هو قول أبي حنيفة ومالك وأحمد، وقد مرّ فِي الحديث السابق في الصَّحِيحِ «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: قَسَمْت الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، نِصْفُهَا لِي، وَنِصْفُهَا لِعَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) قَالَ اللَّهُ: حَمِدَنِي عَبْدِي.." فَهَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ صَرِيحٌ فِي أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْفَاتِحَةِ، فإن المقصود بالصلاة هنا سورة الفاتحة، وقد قُسمت قسمين ليس فيها ذكرٌ للبسملة.

وتكون سبع آيات، بأن يكون قوله تعالى (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) هي الآية السادسة، و(غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) هي السابعة كما تقدم، والعلم عند الله.

-وهل يجهر بها في الصلاة؟  من الصحابة من جهر بها ومنهم من لم يجهر، وذهب الخلفاء الأربعة وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد: أنه لا يجهر، وهو الأظهر، لأنه لم يثبت حديث واحد مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه جهر بها، ولو كان يجهر بها في كل صلاة  لنُقل ذلك نقلاً مستفيضاً، ولو جهر بها الإمام أحيانا للتعليم فلا بأس كفعل عدد من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين.

3 –  يخطئ بعض العامة فيلحنون لحناً جلياً في بعض حروف الفاتحة، فيقرأ بعضهم (اهدنا) بفتح الهمزة فيقول (أهدنا)، ويقرأ (الضالين) بالظاد (الظالين) أو (المغظوب)، أو يفتح النون الأخيرة حين الوصل في (نستعين)، أو يقرأ (نستاعين) يمد الفتح على التاء حتى يُخيل للمستمع أن بعد التاء ألفاً ونحو ذلك، وهذا كله لا يجوز إلا لعاجز. 

4 -قال الحافظ عمر بن علي البزار: في الأعلام العلية في مناقب ابن تيمية: وكنت أسمع ما يتلو وما يذكر حينئذ فرأيته يقرأ الفاتحة ويكررها ويقطع ذلك الوقت كله ـ أعني من الفجر إلى ارتفاع الشمس ـ في تكرير تلاوتها.

5 - يقول العز بن عبد السلام: في كتابه "حل الرموز ومفاتيح الكنوز": الطريقة إلى الله لها ظاهر ـ أي عمل بدني ـ، وباطن ـ أي عمل قلبي ـ، فظاهرها الشريعةُ وباطنها الحقيقة، والمراد من الشريعة والحقيقة: إقامة العبودية على الوجه المراد من المكلف. ويجمع الشريعة والحقيقة كلمتان هما قوله: ((إياك نعبد وإياك نستعين)) فإياك نعبد شريعة، وإياك نستعين حقيقة. ا هـ  

6 - يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: تأملت أنفع الدعاء؛ فإذا هو سؤال العون على مرضاته، ثم رأيته في الفاتحة في (إياك نعبد وإياك نستعين).  مدارج السالكين. 

7 - يقول ابن القيم في كتابه المدارج: كثيراً ما كنت أسمع شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: إياك نعبد: تدفع الرياء،  وإياك نستعين: تدفع الكبرياء.

8 - يقول الرازي: في تفسيره الكبير  (الحمد لله) ثمانية أحرف وأبواب الجنة ثمانية، فمن قال هذه الثمانية عن صفاء قلبه استحق أبوابها الثمانية. وأوردها ابن رجب في  تفسيره للفاتحة مقراص لها، والله أعلم.

9 - يقول نظام الدين النيسابوري: في تفسيره "غرائب القرآن ورغائب الفرقان" في كلام محرر نفيس عن مقامات الحمد: الحمد على نعم الدين أفضل من الحمد على نعم الدنيا، والحمد على أعمال القلوب أولى من الحمد على أعمال الجوارح، والحمد على النعم من حيث إنها عطية المنعم أولى من الحمد عليها من حيث هي نِعَم، فهذه مقامات يجب اعتبارها حتى يقع الحمد في موضعه اللائق به.

10 - يقول الحسن البصري: إن دور الجنة تبنيها الملائكة بالذكر، فإذا فتر العبد انقطع الملك عن البناء، فتقول له الملائكة: ما شأنك يا فلان؟ فيقول: إن صاحبي فتر، قال الحسن: أمدوهم رحمكم الله. ا هـ.

وأعظم الذكر هو القرآن، وأعظم القرآن فاتحة الكتاب..

فاستمسك بغرزها ـ وفقك الله لهداه ـ فثمّّ العلم والعصمة والجنة.

كتبه

عصام بن صالح العويِّد

في 28/6/1431

 



[1] -أخرج البيهقي في شعب الإيمان عَنِ الْحَسَنِ البصري رحمه الله ، قَالَ : " أَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مِائَةً وَأَرْبَعَةَ كُتُبٍ مِنَ السَّمَاءِ أَوْدَعَ عُلُومَهَا أَرْبَعَةً مِنْهَا: التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَالزَّبُورَ وَالْقُرآنَ، ثُمَّ أَوْدَعَ عُلُومَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ في َالْقُرآنِ، ثُمَّ أَوْدَعَ عُلُومَ الْقُرْآنِ في الْمُفَصَّل ، ثُمَّ أَوْدَعَ عُلُومَ الْمُفَصَّلِ في فَاتِحَة الْكِتَابِ ، فَمَنْ عَلِمَ تَفْسِيرَهَا كَانَ كَمَنْ عَلِمَ تَفْسِيرَ جَمِيعِ كُتُبِ اللهِ الْمُنَزَّلَةِ "

وفي بعض الروايات قال : «مَنْ قرأَ فاتحةَ الكتابِ فكأنَّما قرَأَ التَّوراةَ والإنجيلَ والزَّبورَ والفرقان»

[2] -كان الفارق الزمني في طريق عودتي من هذه الرحلة بين وصولي لمطار أبو ظبي ومغادرتي له خمس ساعات ، وكان ما جرى بيني وبين الإخوة بخصوص تعليم الفاتحة قد ملأ أركان قلبي ، فلم أجد بداً من الانشغال بها وتفسير آياتها ، فتمت في طريق السفر ؛ فأسأل الله أن يتقبلها بقبول حسن .

[3] -هكذا عَدُّ آيات الفاتحة عند أئمة القراء من أهل المدينة والبصرة والشام بدون عدِّ البسملة ، وهو الأقوى كما سيأتي بيانه مختصرا بإذن الله ، وللاستزادة ينظر "البيان في عد آي القرآن" لأبي عمرو الداني .

[4] -أي صوتاً كصوت الباب إذا فُتح .

[5] -شسع النعل : أي سيره الذي يربط به مع القدم .

[6] - ألظوا : مأخوذ من ألظ بالشيء : إذا لازمه ، أي لازموه ، وثابروا عليه .

[7] -رُويت هذه الزيادة في حديث الاستعاذة عن عدد من الصحابة وطرقها كلها معلولة لا يصح منها حديث ، لكن قد عمل بها عدد من الأئمة ، ومعناها صحيح ، فالأمر في ذلك واسع .

 التعليقات: 1

 مرات القراءة: 3382

 تاريخ النشر: 17/06/2010

2010-06-30

إدارة التحرير

نرحب بقلم الدكتور عصام العويد على صفحات موقع رسالتي ، و هو أحد أساتذة جامعة الإمام محمد بن سعود في الرياض ...

 

ملاحظة:
الآراء المنشورة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو القائمين عليه، ولذا فالمجال متاح لمناقشة الأفكار الواردة فيها في جو من الاحترام والهدوء ونعتذر عن حذف أي تعليق يتضمن:
1- يحتوي على كلمات غير مهذبة، ولو كانت كلمة واحدة.
2- لايناقش فكرة المقال تحديداً.

 

 959

: - عدد زوار اليوم

7444993

: - عدد الزوار الكلي
[ 55 ] :

- المتصفحون الآن

 


العلامة الشيخ محمد حسن حبنكة الميداني


العربيــة.. وطرائق اكتسـابها..
المؤلف : الدكتور محمد حسان الطيان








 
   

أحسن إظهار 768×1024

 

2006 - 2015 © موقع رسالتي ، جميع الحقوق محفوظة

 

Design & hosting by Magellan