::: موقع رسالتي - رؤية جديدة في الخطاب الإسلامي :::

>> مقالات المشرف

 

 

العلاقة بين الدين والأخلاق

بقلم : الشيخ محمد خير الطرشان  

 

من الأحاديث الإذاعية التي يقدمها الشيخ محمد خير الطرشان في إذاعة صوت الشعب

 أيها السادة المستمعون، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وبعد:

 

يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً).

للأخلاق مكانة عظيمة في الإسلام ، لأنها ملاك الفرد الفاضل، وقوام المجتمع الراقي، يبقى ويستقر ما بقيت، ويذهب ويتلاشى إن ذهبت، كما قال أمير الشعراء:

وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت                   فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا

لذلك نعى شاعر آخرقوماً فقدوا أخلاقهم فقال:

وإذا أُصيبَ القوم في أخلاقهم              فأقم عليهم مأتـماً وعـويلاً

ومن هنا فقد اشتهر عن بعض المسلمين المحققين قولهم:

(الدين هو الخلق، فمن زاد عليك في الخُلُق زاد عليك في الدين).

وهو مصداق قول النبي صلى الله عليه وسلم: (البِرُّ حسن الخلق).

و(ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن)، بل إنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لخَّص رسالة الإسلام واختزلها بقوله: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق).

ذلك هو شأن الأخلاق في الدين وفي المجتمع، هي في الدين ركن ركين، وفي المجتمع أساس مكين.

فالخلاصة إذاً: أن الدين سبب مباشر في ارتقاء الأخلاق عند الإنسان وأن الغريزة وحدها لا تكفي، فالإنسان يختلف عن الحيوان كثيراً، فلو تأملنا في عالم الحيوان وجدنا غريزته تكفي في هدايته إلى تنظيم حياته وتدبير أموره، منفرداً أو مجتمعاً، كما نلحظ ذلك في جماعة النحل وكيف تعمل في تعاون لجمع أقواتها ، وادخارها في جحورها إلى فصل الشتاء، حيث إنها لا تتمكن من الذهاب لطلب الرزق، وقد عبر القرآن الكريم عن هذه الغريزة وهذا السلوك الجماعي بقوله: (وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتاً ومن الشجر ومما يعرشون، ثم كلي من الثمرات فاسلكي سُبُل ربك ذُلُلاً، يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس، إن في ذلك لآيةً لقوم يتفكرون). النحل /68-69.

فهذا التعاون الجماعي في مملكة النحل إنما يقوم على غريزة خلقها الله تعالى في عالم الحيوان، أما الإنسان فغرائزه متعددة متنوعة، معقدة لا سهلة، مركبة لا بسيطة، فمنها الفردي الذي يدفع إلى الأنانية والأثرة، ومنها الاجتماعي الذي يدعو إلى التعاون والإيثار، ذلك أن الإنسان مخلوق مركب، في كيانه جزء أرضي وجزء سماوي، هو جسد وروح، شهوة وعقل، إنسان وحيوان، ملاك وشيطان.

وهذا هو الفرق بين الإنسان والحيوان والملاك، الحيوان ركب من شهوة بلا عقل، والملاك ركب من عقل بلا شهوة، والإنسان ركب من عقل وشهوة.

فإذا طغى عقله على شهوته ارتقى إلى مستوى الملائكة وإذا طغت شهوته على عقله انحدر إلى مستوى الحيوان، لذلك وصف بعض الفلاسفة الإنسان بأنه (مواطن في عالمين).

وقال الفيلسوف الألماني – فيخته -: (الأخلاق من غير دين عبث).

ويقول الزعيم الهندي غاندي: (إن الدين ومكارم الأخلاق شيء واحد لا يقبلان الانفصال، وإن الدين يغذي الأخلاق وينميها، كما أن الماء يغذي الزرع وينميه).

إذاً ، المؤمن يعيش في هذه الحياة لرسالة كبيرة، ويسعى لتحقيق غاية نبيلة، ويحيا في ظل مُثُلٍ عليا، يعيش لها ويموت عليها، وهي التقرب إلى الله تعالى، والتخلق بأخلاقه، والسعي في مرضاته ، ولكي يحقق هذه الآمال فإنه يقمع طغيان هواه، ويسيطر على غرائزه وشهواته، احتساباً لله وإيثاراً لما عنده، وابتغاء لمرضاته، وقد وضع نصب عينيه قوله تعالى: (زُين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسنُ المآب). آل عمران/ 15.

فالمؤمن يسعى إلى المآب الحسن، وخاتمة الخير... أما متاع الحياة  فإنَّ أخطر شيء على أخلاق الناس الدنيا بزخارفها وشهواتها، وإن الغلو في حبها رأس كل خطيئة، والتنافس عليها أساس كل بلية، فمن أجلها يبيع الأخ أخاه، ويقتل الابن أباه، ومن أجلها يخون الناس الأمانات، ويبغي بعضهم على بعض، يجحدون الحقوق، وينكثون العهود، ويماطلون بأداء الواجب، ويلتهم الكبير الصغير، ويطغى الغني على الفقير، وتسفك الدماء، وتستباح المحرَّمات وتداس القيم، ويباع الدين والشرف والوطن.

(قل أَؤُنبكم بخير من ذلكم، للذين اتقوا عند ربهم جناتٌ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله، والله بصير بالعباد) آل عمران/16.

رضي الله عن سيدنا علي حيث خاطب الدنيا قائلاً: (إليكِ عني، يا صفراء يا بيضاء، غُرِّي غيري... إليَّ تعرَّضتِ؟ أم إليَّ تشوَّفتِ؟ قد طلقتك ثلاثاً لا رجعة فيها).

واسمع أخي المؤمن إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد دخل عليه مرةً عمر بن الخطاب رضي الله عنه ورسول الله نائمٌ على حصيرٍ وقد أثَّر في جنبه، فقال له: يا رسول الله: لو اتخذتَ فراشاً أوثرَ من هذا؟ فقال: (ما لي وللدنيا ؟ ما مثلي ومثَلُ الدنيا إلا كراكب سار في يوم صائف، فاستظل تحت شجرة ساعةً ثم راح وتركها).

اللهم كما حسَّنتَ خَلْقنا فحسِّن أخلاقنا.

والحمد لله رب العالمين.

ملاحظة : سجل هذا الموضوع لصالح الحديث الديني الصباحي في إذاعة صوت الشعب بدمشق..

 

 التعليقات: 0

 مرات القراءة: 4373

 تاريخ النشر: 14/02/2008

ملاحظة:
الآراء المنشورة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو القائمين عليه، ولذا فالمجال متاح لمناقشة الأفكار الواردة فيها في جو من الاحترام والهدوء ونعتذر عن حذف أي تعليق يتضمن:
1- يحتوي على كلمات غير مهذبة، ولو كانت كلمة واحدة.
2- لايناقش فكرة المقال تحديداً.

 

 642

: - عدد زوار اليوم

7401007

: - عدد الزوار الكلي
[ 50 ] :

- المتصفحون الآن

 


العلامة الشيخ محمد حسن حبنكة الميداني


العربيــة.. وطرائق اكتسـابها..
المؤلف : الدكتور محمد حسان الطيان








 
   

أحسن إظهار 768×1024

 

2006 - 2015 © موقع رسالتي ، جميع الحقوق محفوظة

 

Design & hosting by Magellan