::: موقع رسالتي - رؤية جديدة في الخطاب الإسلامي :::

>> مقالات المشرف

 

 

أثر الوسطية في بناء المجتمع الإسلامي

بقلم : الشيخ محمد خير الطرشان  

ـ تفرد المجتمع المسلم:ِ

إن الشريعة هي التي صنعت المجتمع المسلم، وليس المجتمع المسلم هو الذي صنع الشريعة الإسلامية، وهي التي وضعت أسسه وسماته ومقوماته وقيمَه وأعرافه.

ولم تكن الشريعة مجرد استجابة للحاجات البشرية، كما هو الشأن في التشريعة الأرضية الوضعية، وإنما كانت منهاجاً إلهياً للبشرية كلها، تناولت كل شيء في حياة الإنسان والمجتمع، وحددت علاقة الإنسان بربه وبنفسه وبأسرته وبجيرانه وبأفراد مجتمعه.

ومن هنا جاء تميز المجتمع المسلم وتفرده عن غيره من المجتمعات، ذلك أن صانعه ومنشئه وبانيه أعلم بما يصلح للبشر من أنظمة الفلاسفة والمفكرين وعلماء الاجتماع.

ـ ثبات أحكام الشريعة:

  ـ مهما جدَّ في الحياة من حاجات، ودعت عوامل النمو والتطور إلى الاجتهاد في سَنِّ  القوانين وإصدار التشريعات اللازمة لمواكبة الحياة المتجددة، فإن ذلك الاجتهاد يبقى مشدوداً إلى أصل ثابت ومبادئ أساسية، أراد الله لها الدوام في المجتمع المسلم،  ليبقى محافظاً على تفرده...

 وبذلك تقوم الشريعة مقام السياج الواقي الذي يسمح لعوامل النمو والتجدد أن تفعل فعلها في المجتمع المسلم، ولكن داخل هذا السياج الواقي الذي يحافظ على الأصالة ويصون  التفرد ويحمي التميز....

ـ إن الشريعة الإسلامية التي أنشأت هذا المجتمع لترتكز على عدة خصائص تجعل  المجتمع المسلم قابلاً للنمو والتطور والتجدد، قادراً على تلبية مطالب البشرية المتجددة،  ومن أهمها:

(1)  ـ موافقة الفطرة التي فطر الله الناس عليها.

  (2)  شموليتها وعالميتها: قال تعالى( ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)).

(3)  ـ كمالها وتمامها : قالتعالى : (( اليوم أكملت لكم دينكم.....)).

(4)  ـ وسطيتها: وهذا موضوع بحثنا ومحاضرتنا.

 

ـ مفهوم الوسطية:

 

 الوسطية لغةً: وسط الشيء خيره وأعدله وأجوده، يقال: قريش أوسط العرب نسباً وداراً ،  أي: خيرها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وسطاً في قومه أي: أشرفهم نسباً.

 وفي المصطلح الشرعي: هي منهج أصيل ووصف جميل ومفهوم جامع لمعاني العدل والخير والاستقامة فهي: (( حق بين باطلين، واعتدال بين تطرفين، وعدل بين ظلمين )).

ـ وسطية الدين الإسلامي:

ـ وصف الله هذه الأمة الإسلامية بالوسطية في قوله جل وعلا:

 (( وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً ))(2)

ـ وجاء وصفها في الحديث الشريف: فعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:  (( يدعى نوح يوم القيامة فيقال له: هل بلغت ؟ فيقول: نعم، فيدعى قومه فيقال لهم: هل بلغـكم ؟ فيقولـون: ما أتـانـا من نذير، فيقال لـنوح: من يشـهد لك؟   فيقول: محمد وأمته، قال: فذلك قوله تعالى(( وكذلك جعلناكم أمة وسطاً.)). قــال: والوسط: العدل، فتدعون فتشهدون له بالبلاغ ثم أشهد عليكم ))(3).

 ـ دعوة القرآن إلى الوسطية الشاملة في الدنيا والآخرة:

  ـ قوله جل وعلا: (( وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة و لا تنس نصيبك من الدنيا ))(4).

 ـ وقوله عز من قائل: (( ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة ))(5).

 

    ـ وقوله تعالى : (( والذين إذا انفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً )) (6).

وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم : (( اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي..)).

ـ نماذج من دعوة القرآن إلى الوسطية لإقامة مجتمع الاعتدال والتوازن:

(1) ـ دعوته إلى الاعتدال في الإنفاق: قال تعالى(( ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسوراً ))(7).

(2) ـ دعوته إلى الاعتدال في تناول الطيبات: فقال تعالى : (( يا بني آدم خذوا زينتـكم عند كل مسـجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسـرفين))(8).

(3) ـ دعوته إلى الاعتدال والتوازن في المعاملات المالية: ومن ذلك الآيات التالية:

 ـ قوله تعالى: (( وفي أموالهم حق للسائل والمحروم ))(9).

ـ وقوله تعالى : (( والذين في أموالهم حق معلوم ` للسائل والمحروم ))(10).  ـ وقوله تعالى: (( وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ))(11).

(4) ـ دعوته إلى التوازن بين التكاليف والاستطاعة: قال تعالى: ((لا يكلف الله نفساً إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت... ))(12).

 ـ وخير نموذج لدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم  إلى الوسطية والاعتدال في العلاقات الاجتماعية، والتوازن بين مطالب البدن وحاجاته ومطالب القلب وتفرغه للعبادة، حديث الرهط الثلاثة  الذين سألوا عن عبادة رسول الله صلى الله عليه وسلم فكأنهم تقالوها .... فأجابهم صلى الله عليه وسلم :

 (( أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس مني ))(13).

ـ المجتمع المسلم يقوم على قاعدة (( رفع الحرج ودفع الضرر ))

ـ انطلاقاً من قوله جل في علاه: (( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ))(14).

  وعملاً بالآية الكريمة: (( ما جعل عليكم في الدين من حرج ))(15).

  فإن المجتمع المسلم يوازن في علاقة أفراده مع خالقهم ومع الناس أجمعين بين هذين المعنيين، فالله تعالى أرسل رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم رحمة للأمة حيث قال صلى الله عليه وسلم:

(( إن الله لم يبعثني معنتاً ولا متعنتاً، ولكن بعثني معلماً وميسراً ))(16). 

 وقال تعالى في وصفه : ( ( بالمؤمنين رؤوف رحيم ))(17)

لذلك قام المجتمع المسلم ضمن ضوابط محددة، من أبرزها قوله r: (( لن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا....))(18)، وكان من توجيه النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل ولأبي موسى الأشعري: (( يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا )).

 

ـ النهي عن الغلو في الدين:

وفي المقابل نهى القرآن الكريم عن الغلو في الدين، فقال تعالى في محكم كتابه العزيز:((يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم )){(19). وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (( إياكم والغلوَّ، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلوُّ في الدين)).  والغلو: هو المبالغة والتشدد وتجاوز الحد.

 

جعلنا الله وإياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، والحمد لله رب العالمين....

الهوامش:

(1)  المائدة /الآية 3

 

(2) البقرة / الآية143   

 

      (3) أخرجه البخاري في صحيحه

 

(4)  القصص /الآية 77

 

(5) البقرة /الآية 201

 

(6) الفرقان /الآية 67

 

(7) الإسراء /الآية29

 

(8) الأعراف /الآية 31

 

(9) الذاريات /الآية 19

 

       (10)      المعارج /الآيات24-25

 

       (11) النور /الآية 33

 

       (12)  البقرة /الآية276

 

       (13)   أخرجه البخاري ومسلم

 

        (14)  الأنبياء /الآية 107 

 

        (15)الحج /الآية 76 

 

        (16) أخرجه مسلم في صحيحه

 

        (17) التوبة /الآية 129  

 

        (18)  أخرجه البخاري في صحيحه 

 

        (19) النساء / الآية 171

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

    

 

 

 

 التعليقات: 0

 مرات القراءة: 8158

 تاريخ النشر: 27/03/2008

ملاحظة:
الآراء المنشورة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو القائمين عليه، ولذا فالمجال متاح لمناقشة الأفكار الواردة فيها في جو من الاحترام والهدوء ونعتذر عن حذف أي تعليق يتضمن:
1- يحتوي على كلمات غير مهذبة، ولو كانت كلمة واحدة.
2- لايناقش فكرة المقال تحديداً.

 

 556

: - عدد زوار اليوم

7444177

: - عدد الزوار الكلي
[ 52 ] :

- المتصفحون الآن

 


العلامة الشيخ محمد حسن حبنكة الميداني


العربيــة.. وطرائق اكتسـابها..
المؤلف : الدكتور محمد حسان الطيان








 
   

أحسن إظهار 768×1024

 

2006 - 2015 © موقع رسالتي ، جميع الحقوق محفوظة

 

Design & hosting by Magellan