::: موقع رسالتي - رؤية جديدة في الخطاب الإسلامي :::

>> دراسات وأبحاث

 

 

للعفــة في سورة النور قصــة (4من6)

بقلم : د. عصام العويِّد  

 

بسم الله الرحمن الرحيم

أسوارُ سُورةِ النّور (4/6)

 

السور الثالث:

حفظ الفروج لا يكون إلا بحفظ الجوارح.

(البصر)، (السمع)، (اللسان)، (القلب)، (الأيدي)، (العورة)، (الرِّجل)،

(الرأس "خُمرهن")، (الجَيب "النحر والصدر")..

هذه "تسع" جوارح نصّت عليها "النور"..

عجباً من أجل صوت خلخال من رِجْلِ امرأةٍ يتكلم الله!! نعم إنها العفة.

العِرض في سورة النور كقلب المدينة الحَصان لن تتسلل إليها الأيدي الخائنة إلا بغدرة خوَّان من داخلها، فإذا غَدرت جارحة ثُلم في جدار العفاف ثُلمة.

وأثر هذه الجوارح على العفة أو ضدها واضح لا يحتاج إلى برهان..

ولذا اتفق الأئمة الأربعة على:

ـ تحريم مس يد المرأة الأجنبية الشابة.

ـ وعلى حرمة النظر إليها والخلوة بها لكون ذلك سبباً ظاهراً للفساد.

ـ وعلى حرمة كشف المرأة لوجهها إذا خيف عليها خوفاً ظاهراً.

ـ وكذا تعطرها بما يجد الرجال رائحته منها، أو تغنجها بالكلام أو بالرسائل أو تكسرها بالمشي أو غمزها بالعين ونحو ذلك.

وقد قال الله تعالى في "النور" ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ))

وفي الصحيحين "فَزِنَا الْعَيْنِ النَّظَرُ ، وَزِنَااللِّسَانِ الْمَنْطِقُ ، وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي ، وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ وَيُكَذِّبُهُ"

والذي نحتاجه من "النور" هو النور القلبي الذي يضيء لهذه الجوارح طريقها..

أين تمضي؟ وأين تقف؟ فإن المضي دائماً هلاك، والوقوفَ دوماً فناء.

 

 

وهنا مسألة أُصولية عظيمة نبهت عليها إشارات "النور" وهي أن:

حِياطة الطُّهر لابد فيها مِن إعمال قاعدتين :"سدّ الذريعة" و "مراعاة الحاجة".

فالأولى تَقي والثانية تُبقي، الأولى تَحُوط والثانية تُنفِّس.

وإهمال إحدى القاعدتين مآله إلى شيوع الفاحشة في الذين آمنوا.

فإهمال الأولى؛ تركٌ لذئاب الشهوة من داخل النفس وخارجها تُمزق العفة تمزيقاً..

وإغفال الثانية بزعم الغيرة؛ سيحبس النفوس هُنيهة ثم ترقب متى يتفجر البركان؟

 

وقاعدة سدّ الذريعة في النور ظاهرة جداً:

- ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ))

- ((قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ)) 30

- ((وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ)) 31

- ((وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا)) 31

- ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا...))  27

ولذا اتفق الفقهاء على أن المرأة إذا تميزت بحسنها أو كثر الفساق في مجتمعها من دون رادع عن الطمع فيها؛ فإنه يجب على المرأة أن تستر زينتها سواء كانت في وجهها أو في غيره عند خوف الفتنة الظاهرة عليها.

 

وقاعدة مراعاة الحاجة أيضاً ظاهرة :

-  ((قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ))

-  ((وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ))

 

وقد غايرت "النور" بين الأبصار والفروج فالأولى فِعلُها (يَغُضُّوا) والثانية فِعلُها (يَحْفَظُوا)، والإغضاء هو: صرف المرء بصره عن التحديق وتثبيت النظر فهو أغلبي وليس تاماً بخلاف الحفظ.

ثم جيء بـ (مِن) التي للتبعيض مع (الغض) دون (الحفظ).

يقول ابن القيم رحمه الله في روضة المحبين (1 / 92) عن غض البصر: ولما كان تحريمه  حريم الوسائل فيباح للمصلحة الراجحة ويحرم إذا خيف منه الفساد ولم يعارضه مصلحة أرجح من تلك المفسدة؛ لم يأمر سبحانه بغضه مطلقاً بل أمر بالغض  منه وأما حفظ الفرج فواجب بكل حال لا يباح إلا بحقه فلذلك عم الأمر بحفظه.

- ((وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ))

وهنا حرّم الله على النساء إبداء كل زينة وهذا هو الأصل فلا يجوز إظهار الزينة إلا ما استثناه الله وهو (إلا ما ظهر منها)، واللفظ الذي جاءت به "النور" هو (ظهر منها) ولم يقل هنا سبحانه (إلا ما أظهرته) أو (إلا ثيابها) أو (إلا وجهها وكفيها) بل إلا ما ظهر هو ولم تقصد هي إظهاره قال ابن عطية رحمه الله: ويظهر لي بحكم ألفاظ الآية أن المرأة مأمورة بألا تبدي، وأن تجتهد في الإخفاء لكل ما هو زينة، ووقع الاستثناء فيما يظهر بحكم ضرورة حركة فيما لابد منه، ونحو ذلك، فما ظهر على هذا الوجه مما تؤدي إليه الضرورة في النساء فهو المعفو عنه. اهـ

ولذا جاز ما ظهر ضرورةً كالقوام من وراء الجلباب، وما أظهرته الحاجة كالنقاب للعينين وهو جائز بالنص والاتفاق، وجاز لها ظهور يديها عند الحاجة لذلك كتناول شيء أو فتح باب أو أداء مهنة ونحوها ولم يوجب أحد من الفقهاء القفازين عليها، وجاز ظهور وجهها عند الشهادة والخطبة والبيع والشراء إذا احتاجت لذلك عند كافة الفقهاء.

-  ومن آيات مراعاة الحاجة في "النور" عند ضعف الفتنة ((وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ))  (60)

 

والمسألة هنا رباعية: 

 

1)  إذا قويت الذريعة وضعفت الحاجة:

كفتاة جميلة لا تحتاج إظهار يديها أو وجهها، أو صوتها رخيم رقيق بطبعه ولم تحتج للكلام مع أجنبي عنها. فهنا يُغلب جانب سد الذريعة.

2)  قويت الحاجة وضعفت الذريعة:

كامرأة كبيرة لا يُشتهى مثلها عادة تعمل فتحتاج لكشف يديها ووجهها حينا لطبيعة عملها، أو في بلد لا يُنظر لمثلها عادةً ، فهاهنا يُغلب جانب مراعاة الحاجة.

3)  تقاربتا في الضعف:

وأمثلة هذه تظهر مما سبق، والأصل هنا الستر كما سبق في آية الزينة ويؤيده قوله تعالى في القواعد من النساء ((وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ))، فكيف بغيرهن؟!

4)  تقاربتا في القوة:

وهذا الموطن مُشكل، فمثلاً إذا كانت حسنة الوجه واحتاجت حاجة قوية لكشفه عند الجوازات لتسافر مع زوجها أو لطبيعة عملها الذي تعول نفسها وأهلها منه، وكانت حصاناً تحفظ نفسها، ونقول هنا بأن الأصل وجوب ستر الزينة ما لم يقع الحرج ((وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)) الحج : 78، ولحديث الخثعمية المشهور فإنها مع فتنة الفضل رضي الله عنه بنقابها فلم يأمرها صلى الله عليه وسلم بتغطية عينيها لشدة حاجتها إلى النظر مع ما يحتاج إليه الحج والسفر، وإنما صرف صلى الله عليه وسلم وجه الفضل عنها، وهذا هو أرجح الوجوه في تأويل الحديث.

والله أعلم....

 

 

 التعليقات: 1

 مرات القراءة: 3100

 تاريخ النشر: 16/08/2010

2010-08-16

غسان

مشكور

 

ملاحظة:
الآراء المنشورة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو القائمين عليه، ولذا فالمجال متاح لمناقشة الأفكار الواردة فيها في جو من الاحترام والهدوء ونعتذر عن حذف أي تعليق يتضمن:
1- يحتوي على كلمات غير مهذبة، ولو كانت كلمة واحدة.
2- لايناقش فكرة المقال تحديداً.

 

 75

: - عدد زوار اليوم

7445925

: - عدد الزوار الكلي
[ 58 ] :

- المتصفحون الآن

 


العلامة الشيخ محمد حسن حبنكة الميداني


العربيــة.. وطرائق اكتسـابها..
المؤلف : الدكتور محمد حسان الطيان








 
   

أحسن إظهار 768×1024

 

2006 - 2015 © موقع رسالتي ، جميع الحقوق محفوظة

 

Design & hosting by Magellan