::: موقع رسالتي - رؤية جديدة في الخطاب الإسلامي :::

>> خطب الجمعة

 

 

خطبة صلاة الاستسقاء

بقلم : الشيخ محمد خير الطرشان (المشرف العام)  

 

 

 

خطبة الجمعة في جامع العثمان (الكويتي) بدمشق

بتاريخ 4/محرم/1432 هـ

الموافق 10/كانون الأول/2010م

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

الخطبة الأولى:

 

^ المقدمة:

        ((الحمد لله، ثم الحمد لله، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، سبحانك! لا نحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمداً عبده ورسوله، وصفيه وخليله. اللهم صلِّ وسلم وبارك على هذا النبي الكريم، وعلى آله وصحبه الغُرِّ الميامين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين)).

        أما بعد: عبادَ الله! فإني أوصي نفسي وإياكم بتقوى الله تعالى، وأحثكم على طاعته والتمسك بكتابه، والاقتداء بسنة نبيه صلى الله عليه وسلم والسير على منهاجه إلى يوم الدين.

        يقول الله تعالى في كتابه العزيز على لسان نبيّ الله هودٌ يعِظ قومه:[]وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ...[] سورة هود (52).

        وفي دعوةِ نوحٍ قومَه ونُصحِه لهم يقول تعالى:[]فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً (10) يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً (12)[] سورة نوح.

        ويذكر القرآن الكريم كيفَ وعَظ النبيّ صالح عليه السلام قومه:[]...لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ[] سورة النمل (46). أي: هلاَّ استغفرتم ربَّكم حتى تنالوا رحمته.

        والاستغفارُ معناه طلبُ المغفرة من الله بمحوِ الذنوب وسَتر العيوب، مع الإقلاع عن الذنب، والندَم على فعله، قال تعالى:[]...فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ[] سورة هود (61).

^ أهمية النعم والحفاظ عليها بالشكر:

        إنَّ الله تبارك وتعالى يوالي نعمَه على عباده لتكونَ عوناً لهم على طاعتِه والتقرّب إليه، فإذا استعانوا بنعمِه على معصيته وفرّطوا في جنبِه وأضاعوا أوامرَه واستهانوا بنواهيه، واستخفّوا بحرماتِه غيّرَ عليهم حالَهم جزاءً وِفاقاً.[]...وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ[] سورة فصلت (46). وقد وضع الله تعالى قانوناً سماوياً لعباده لا يتخلف، فقال عز من قائل:[]...إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ...[] سورة الرعد (11). فإن غيَّر العباد الطاعة بالمعصية، غيَّر الله عليهم الغنى بالفقر، والنعمَ بالنقم، والخصبَ بالجدب، والمطرَ بالقحط، والخيرَ بالشدَّة، فلم يَنْزِل بلاءٌ من الله إلا بذنوب العباد وتقصيرهم وإعراضهم عن ربِّهم، وإقبالهم على شهواتِهم، قال تعالى:[]وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ[] سورة الشورى (30). وقال أيضاً:[]أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ...[] سورة آل عمران (165).       

        وما ابتُلي المسلمون اليومَ بقلّةِ الأمطار وغَوْر المياه، وانتشارِ الجدب والقحطِ، وغلبةِ الجفَاف والفَقر في بقاعٍ كثيرة من العالم إلا بسببِ ذنوبهم، وانتشارِ المعاصي بينهم، وتفشِّي المنكراتِ في مجتمعاتهم، ولن يُرفَع ما هم فيه من شدّةٍ وبلاء وجدب وقحط وعناء إلا بإقبالهم على ربّهم، وعودتِهم إلى دينهم، وتوبتهم واستغفارهم، قال تعالى:[]فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً (10) يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً (12)[] سورة نوح.

^ إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم:

        إذا أردنا أن يغيِّر الله حالنا من قحط إلى غيث، ومن جدب إلى أمطار، فعلينا أن نغيّر حالنا، فنصلح ما فسد، ونطهِّر قلوبنا من الغل والحقد والحسد، ونقيم الصلاة، ونؤتي الزكاة، ونأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، وجدير بنا أن نغيث قلوبنا ليحلَّ الغيث بأرضنا وبلادنا، ذلكم هو مفتاح القطر من السماء، وسبب رفع البلاء، ووعد الله لا يُخلف، قال تعالى:[]وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ...[] سورة الأعراف (96).

        إن التوبة الصادقة تغفر الذنوب مهما عظمت، فمن ظن أن ذنباً لا يسعه عفو الله فقد ظنّ بربه ظن السوء، إلا أن المذنب مع ذنبه يكون ذليلاً خائفاً مشفقاً، يلتهب فؤاده ندماً وحسرة، ويرفع يديه إلى مولاه تائباً مستغفراً.

        نعم، باب التوبة مفتوح، مهما تعاظمت الذنوب وتكاثرت المعاصي، فلا قنوط من رحمة الله، فالله سبحانه يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها.

        فهلمّ أخي المسلم إلى رحمة الله وعفوه، هلّم إلى التوبة قبل أن يفوت الأوان، واذكر نداء الله عز وجل:[]قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ[] سورة الزمر (53).

^ الابتلاء بالقحط سببه ابتعاد العباد عن منهج الله تعالى:

        إن البلاء بالقحط و الجفاف إنما هو نتيجة انحرافٍ عن منهج الله، وآثامٍ تراكمت فحجبت عنا رحمة الله. قال تعالى:[]وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ[] سورة الشورى (30). وفي الحديث الذي أخرجه الطبراني في الكبير، والبيهقي في السنن من حديث مسافع الديلي رضي الله عنه: "لولا شيوخٌ رُكَّع، وأطفالٌ رُضّع، وبهائمُ رتّع لصُبَّ عليكم العذاب صباً".

        نعم، إن رحمة الله ومغفرته، أوسع من ذنوب العباد، ولكن إذا استفحل الشر وطغى، كان من حكمة الله أن يطهّر قلوب عباده بما ينزل عليهم من مصائب، إذ النعم ودوامها كثيراً ما تبطر الإنسان، قال تعالى:[]وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِم مِّن ضُرٍّ لَّلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ[] سورة المؤمنون (75).

        ولا تعرف النعم إلا بفقدها، فحين يُبتلى العباد بالقحط والجدب واحتباس المطر، وانقطاع الغيث يستيقظ الغافلون، وينتبه التائهون، قال تعالى:[]وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا...[] سورة الفرقان (50). فيظهر العبادُ افتقارَهم وحاجتهم إلى خالقهم، ويلحُّون عليه مستغفرين تائبين، يلجؤون إلى من يرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته، يتضرعون إلى من ينزل المطر بقدر معلوم، عندها ينشر الله رحمته، وينزل الغيث، فتحيا الأرض، وينبت الزرع،  ويعم الخير، قال تعالى:[]وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ[] سورة الشورى (28). فما أعظم فضله! وما أكثر نعمه!

^ أهمية الماء في حياة الإنسان وسائر المخلوقات:

        ومن أعظم نعم الله علينا في هذه الدنيا نعمة الماء، الماء نعمة عظيمة أنعَمَ الله تعالى بهِ علَى عِبادِه. يقول سبحانه وتعالى:[]وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ[] سورة النحل (18). فالماء أصلُ الحياة للإنسان والحيوان والنبات، قال الله تعالى:[]...وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ[] سورة الأنبياء (30). بالمطر يطيب الهواء، و تستبشر به النفوس، وتحيا به الأرض، وتهتزّ بأنواع النبات النافع، ويدرُّ الله به الرزق، قال الله تعالى:[]وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ[] سورة الذاريات (22).

        والماء من نعم الله وإحسانه على عباده، لا يُستغنى عنه، وإذا تأخر نزول الأمطار ضجّ العباد، وسقمت المواشي، واصفرّت الأشجار، وهلك الزرع، وجفّت الآبار والعيون، ولو اجتمع الإنسُ والجن على أن يأتوا بالماء لم يستطيعوا إلاّ بإذن الله:[]قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاء مَّعِينٍ[] سورة الملك (30). وقال تعالى:[] أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاء الَّذِي تَشْرَبُونَ (68) أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ (69) لَوْ نَشَاء جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ (70)[] سورة الواقعة.

        وحين يغفل الناس عن ربِّهم تنقُص الأرزاق، وتمسِك السماء قطرَها بأمر ربِّها؛ ليعودَ الناس لربهم، وليتذكَّروا حاجتهم إليه، قال تعالى:[]وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ[] سورة الشورى (27).

^ استسقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم:

        جاء في الحديث عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: أصابت الناس سِنةٌ على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فبينما النبي  صلى الله عليه وسلم يخطب في يوم جمعة فقام أعرابي فقال: يا رسول الله! هلك المال، وجاع العيال فادع الله لنا، فرفع رسول الله  صلى الله عليه وسلم يديه ثم قال: "اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا". صحيح البخاري. وفي لفظ للبخاري: "اللهم اسقنا، اللهم اسقنا، اللهم اسقنا". صحيح البخاري. قال أنس: ولا والله ما نرى في السماء من سحاب، ولا قزعة ولا شيئاً، وما بيننا وبين سَلْع من بيتٍ ولا دار، قال: فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس، فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت، قال: والله ما رأينا الشمس سبتاً…

        وفي لفظ للبخاري: ((أصابت الناس سِنةٌ على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فبينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب في يوم الجمعة فقام أعرابي فقال: يا رسول الله! هلك المال، وجاع العيال، فادع الله لنا، فرفع يديه وما نرى في السماء قزعة، فو الذي نفسي بيده ما وضعهما حتى ثار السحاب أمثال الجبال، ثم لم ينزل عن منبره حتى رأيت المطر ينحدر على لحيته، فمطرنا يومنا ذلك ومن الغد، ومن بعد الغد والذي يليه حتى الجمعة الأخرى، وقام ذلك الأعرابي أو قال غيره فقال: يا رسول الله! تهدَّم البناء، وغرق المال، فادع الله لنا، فرفع يديه فقال: "اللهمَّ حَوَالَينا ولا علينا". فما يشير بيده إلى ناحية من السحاب إلا انفرجت، وصارت المدينة مِثْلَ الجَوْبة، وسال الوادي شهراً ولم يَجِئْ أحد من ناحية إلا حدَّث بالجود)). رواه البخاري.

        وفي لفظ: ((ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب فاستقبله قائمًا فقال: يا رسول الله، هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله يمسكها عنا، فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم، [وفي لفظ: فضحك] قال: فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه ثم قال: "اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام، والظِّراب وبطون الأودية، ومنابت الشجر". متفق عليه. قال: فانقطعت وخرجنا نمشي في الشمس)).

^ السلف الصالح والاستغفار:

        وكان السلف الصالح إذا أجدبت الأرض وقحطت خرجوا إلى الصلاة، شيوخاً وشباناً، تسمع التسبيح والتهليل والاستغفار، عيونهم باكية، وجوارحهم خاشعة، وصدقاتهم كثيرة، وظهر عليهم الخضوع والتواضع والسكينة، فيستجيب الله لهم، وقلَّ أن يعيدوا الصلاة في السنة الواحدة لكي يتفضل الله عليهم بالغيث.

        كان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يصلِّي من الليل ثم يقول: "يا نافع! هل جاء السَّحَر؟" فإذا قال: نعم، أقبَل على الدعاء والاستغفارِ حتى يصبح.

        وها هم السلفُ الصالح رضوان الله تبارك وتعالى عليهم، مع ما هم عليه من علمٍ وعمل وزهد وورع، كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون، وبالأسحارِ هم يستغفرون، ومع ما كانوا عليه من خير كثير كان الواحدُ منهم يقول: "استغفارُنا يحتاج إلى استغفار". فيا عجباً! يقضون الليلَ في عبادةٍ وصلاة، ثم يأتي السحَر فيستغفرون، كأنهم لا زالوا يشعرون بالتقصير.

        أما إذا استسقى العباد فلم يُسقَوا، وسألوا فلم يعطَوا، فإن ذلك يُظهر حقيقة المجتمع بعدم امتثاله لأوامر ربه، وكان علامة على هبوط مستوى الإيمان، وخللاً في صحة الأعمال، ودليلاً على وقوعهم بموانع إجابة الدعاء؛ من أكل الحرام، والربا، والرشوة، وعقوق الوالدين، وقطع الأرحام، ناهيك عن أمراض القلوب السيئة من عُجْب ورياء، وحسد وبغضاء.

^ أثر المعاصي في احتباس الغيث:

        إن للمعاصي شؤمَها وللذنوب آثارها، كم أهلكت من أمة، وكم دمّرت من شعوب، وكم قصمت من قرية، وبالمعاصي تزول النعم، ويحبس المطر، وبسببها تتوالى المحن، وتتداعى الفتن، والمعاصي تقُضُّ المضاجع، وتدع الديار بلاقع، وتجلِب البلايا والفواجِع.

رأيتُ الذنوبَ تُميتُ القلوب         وقد يُورث الذُّلَّ إدمانُها

وتركُ الذنوبِ حياةُ القلوب           وخيرٌ لنفسِك عصيانُها

        إنها المعاصي يا عبادَ الله! ما حلَّت في قلوبٍ إلا أظلمَتها، ولا في نفوسٍ إلا أفسدَتها، ولا في ديارٍ إلا أهلكتها، ولا في مجتمعات إلا دمَّرتها، "وهل في الدنيا والآخرة شرّ وبلاء إلا وسببُه الذنوب والمعاصي؟".

        وقد استعاذ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بالله أن يدركَ أصحابُه زمانَ ظهور الفاحشةِ والإعلان بها ونقصِ المكيال والموازين ومنعِ الزكاة، كما في حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: أقبَل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا معشرَ المهاجرين! خمسٌ إذا ابتُليتم بهنّ وأعوذ بالله أن تدركوهنّ: لم تظهر الفاحِشة في قومٍ قطّ حتى يعلِنوا بها إلاّ فشا فيهم الطاعون والأوجاعُ التي لم تكن مضَت في أسلافهم الذين مضَوا، ولم ينقُصوا المكيالَ والميزان إلاّ أخِذوا بالسِّنين وشدَّة المؤونةِ وجَور السلطان عليهم، ولم يمنَعوا زكاة أموالهم إلاّ منِعوا القطرَ من السماء ولولا البهائمُ لم يمطروا، ولم ينقُضوا عهدَ الله وعهد رسولِه إلاّ سلَّط الله عليهم عدوًّا من غيرهم فأخذَ بعضَ ما في أيديهم، وما لم تحكُم أئمّتهم بكتابِ الله ويتخيَّروا ممّا أنزل الله إلا جعَل بأسَهم بينهم". رواه ابن ماجه وصححه الحاكم.

        اللهم! اغفر لنا وارحمنا، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، والحمد لله رب العالمين. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

*    *    *    *    *

 

الخطبة الثانية:

        ((الحمد لله حمداً كثيراً كما أمر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً لربوبيّته، وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم سيد الخلق والبشر ما اتّصلت عينٌ بنظر وسمعت أذنٌ بخبر. أشهد بأنه بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حقَّ الجهاد)).

        اعلموا أيها الإخوة! أن الله تعالى أمركم بأمرٍ عظيم بدأ به بنفسه، وثنّى بملائكة قدسه، فقال ولم يزل قائلاً عليماً؛ تعظيماً لأمر نبيه وتكريماً:[]إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً[] سورة الأحزاب (56). سورة الأحزاب (56). اللهم صلِّ وسلّم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم، وعلى آل سيدنا إبراهيم، في العالمين إنك حميدٌ مجيد. وارضَ اللهم عن السادة الخلفاء، الأربعة الحنفاء، ساداتنا وموالينا؛ أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وارضَ اللهم عن الصحابة والتابعين، وعن أمهات المؤمنين، وعن الأئمة المجتهدين وتابعيهم ومقلديهم بإحسان منك إلى يوم الدين.

^ قلب الرداء سنة نبوية:

        لقد كان من سنّة نبيّكم صلى الله عليه وسلم عندَما يستغيث ربَّه أن يقلبَ رداءه، فاقلبوا أرديتَكم اقتداءً بسنة نبيكم عليه الصلاة والسلام، وتفاؤلاً أن يقلب الله حالكم من الشدة إلى الرخاء، ومن القحط إلى الغيث. توجَّهوا إلى الله، وأخلصوا له الدعاء، فإنه تبارك وتعالى قد وعد بالإجابة، وهو أرحم الراحمين، وألِحُّوا على الله بالدعاء، فإنه سبحانه يحبّ الملحّين في الدعاء.

        ارفعوا أكف الضراعة إلى ربكم، ابتهلوا وادعوا وتضرعوا واستغفروا، فالاستغفار مربوط بما في السماء من استدرار رحمة،[]فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً (10) يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً (11)[] سورة نوح.

        ويقول الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم:[]وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى[] سورة طه (82). ويقول جلّ وعلا:[]أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ[] سورة النمل (62). ويقول تعالى:[]وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ...[] سورة غافر (60). []وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ[] سورة البقرة (186).

^ الدعاء:

        اللهم! اغفر للمسلمين والمسلمات، المؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات يا رب العالمين. اللهم! انصر من نصر الدين، واخذُل من خذل المسلمين، اللهم! من أراد للمسلمين خيراً فوفّقه لكل خير، ومن أراد بهم سوءاً فخذه أخذ عزيزٍ مقتدر. اللهم! أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه. اللهم! لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرّجته، ولا دَيناً إلا قضيته، ولا مريضاً إلا شفيته وعافيته برحمتك يا أرحم الراحمين!

        ربّنا! تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتُبْ علينا إنك أنت التواب الرحيم، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين، يا حي يا قيوم! برحمتك نستغيث فأغثنا.

        اللّهمّ! أنت ربّنا، لا إلهَ إلا أنت، خلقتَنا ونحن عبيدك، ونحن على عَهدك ووعدك ما استطعنا، نعوذ بك من شرِّ ما صنعنا، نَبوء لك بنعمتِك علينا ونبوء بذنوبنا، فاغفر لنا فإنّه لا يغفِر الذنوب إلا أنت. لا إلهَ إلاّ أنت سبحانك إنّا كنا من الظالمين، ربّنا ظلَمنا أنفسنا وإن لم تغفِر لنا وترحمنا لنكوننّ من الخاسرين، ربنا لا تؤاخِذنا إن نَسينا أو أخطأنا، ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملتَه على الذين من قبلنا، ربَّنا ولا تحمِّلنا ما لا طاقةَ لنا به، واعفُ عنا واغفِر لنا وارحمنا، أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين.

        اللهم! اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم! اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم! اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين. اللهم! أغثنا، اللهم! أغثنا، غيثاً مغيثاً عاجلاً غير آجل، مجللاً سحّاً عامّاً غدقاً طبقا، اللهم! سُقيا رحمة، لا سقيا عذاب ولا هدم ولا بلاء ولا غرق.

        اللهم! ربَّ جبريل، وميكائيل، وإسرافيل، ومحمد صلى الله عليه وسلم أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانظين. اللّهمّ! إنا نستغفرك إنك كنت غفاراً، فأرسل السماء علينا مدراراً. اللّهمّ! إنا خَلْقٌ من خلقك، فلا تمنع عنّا بذنوبِنا فضلك.

        اللهم! لا تردّنا خائبين، ولا عن بابك مطرودين، ولا من رحمتك محرومين.

وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

 

 

 

 التعليقات: 4

 مرات القراءة: 5399

 تاريخ النشر: 11/12/2010

2013-02-11

زهراء الاحمد

بسم اللة الرحمن الرحمم السلام عليك الخطبة عبر عن خطبة 2 مشلاة علي خطبة الخمة وعيد مسلم محب الدبن الحمد اللة لقد اغالنا اللة غينا وغزيو ا وانت الثلج وعم الشمس وفرحت النفوس واللة الحمد

 
2011-01-07

ابو حذيفة

ارجو من سماحته تسهيل تنزيل الخطب للاستفادة منها وخصوصا لطلبة العلم

 
2010-12-14

من خلق الله

مع بداية العام الهجري الجديد وذكرى الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم هلت الخيرات من التواب الرحيم .. دُعي السميع العليم ، استغاثه عباده فجاءت الإجابة مسرعة من برّ جواد كريم ، من بيده خزائن الأرض والسماوات ، فهطلت الأمطار الغزيرة والثلوج . من بيده هذه القدرة ؟ أفلا نتوب إليه ؟ ألا نخشى عذابه ؟ الا نرجو رحمته ؟ يقول عالم: هناك سحابة يمكن أن تملأ المحيطات والبحار في اليوم 60 مرة. ((وما قدروا الله حق قدره)). فهناك أناس يقولون : شكراً للطبيعة فهذا من فضل الطبيعة ، ونحن ولله الحمد والفضل والمنة نقول: مُطِرنا بفضل الله ورحمته كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم... عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : صلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم صَلاَةَ الصُّبْحِ بِالحُديْبِيَةِ في إِثْرِ سَمَاءٍ كَانتْ مِنَ اللَّيْل ، فَلَمَّا انْصرَفَ أَقْبَلَ عَلى النَّاسِ ، فَقَال : هَلْ تَدْرُون مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ ؟ » قَالُوا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعلَمُ . قَالَ : « قَالَ : أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤمِنٌ بي، وَكَافِرٌ ، فأَمَّا مَنْ قالَ مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمتِهِ ، فَذلِكَ مُؤمِنٌ بي كَافِرٌ بالْكَوْكَبِ ، وَأَمَّا مَنْ قالَ : مُطِرْنا بِنَوْءِ كَذا وَكذا ، فَذلكَ كَافِرٌ بي مُؤمِنٌ بالْكَوْكَبِ» متفقٌ عليه . وإن شحّ المطر فهو تقنين تأديب لا تقنين عجز . فهل شكرنا الله ربنا سبحانه وتعالى على نعمائه وسماعه لنا ؟ أفلا نذوب خجلاً وحياء من مولانا الذي يسمع سرنا وجهرنا ودعانا ؟ نسأله أن تكون سقيا رحمة لا سقيا عذاب، وأن يكون صيباً نافعاً.

 
2010-12-12

محب الدين

الحمد لله لقد أغاثنا الله غيثاً غزيراً و نزلت الثلوج و عم البشر و فرحت النفوس و لله الحمد

 

ملاحظة:
الآراء المنشورة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو القائمين عليه، ولذا فالمجال متاح لمناقشة الأفكار الواردة فيها في جو من الاحترام والهدوء ونعتذر عن حذف أي تعليق يتضمن:
1- يحتوي على كلمات غير مهذبة، ولو كانت كلمة واحدة.
2- لايناقش فكرة المقال تحديداً.

 

 1051

: - عدد زوار اليوم

7396939

: - عدد الزوار الكلي
[ 62 ] :

- المتصفحون الآن

 


العلامة الشيخ محمد حسن حبنكة الميداني


العربيــة.. وطرائق اكتسـابها..
المؤلف : الدكتور محمد حسان الطيان








 
   

أحسن إظهار 768×1024

 

2006 - 2015 © موقع رسالتي ، جميع الحقوق محفوظة

 

Design & hosting by Magellan