::: موقع رسالتي - رؤية جديدة في الخطاب الإسلامي :::

>> مقالات متنوعة

 

 

ادّعاء علم الغيب .. جولات لا تنتهي

بقلم : دعاء الأصفياء  

 

بسم الله الرّحمن الرّحيم

والصّلاة والسّلام على رسوله الكريم

 

 

من جديد..

نقف على أبواب عامٍ ميلاديٍّ جديد .. وللأسف الشّديد حتّى الآن لا جديد!! الأيّام والأعوام تتجدّد، وكثيرٌ منّا لم يتغيّر ولم يتبدّل فيه شيء، فبدل أن نُسقِط سنةً من أعمارنا مع انتهاء كلّ عام، نعدّها سنةً جديدة اكتسبناها، وكأّنها زيادةً في الأجل، وبدل أن نَدخُل السّنة الجديدة تائبين إلى الله مستغفرين ممّا بدر منّا من تقصير، نمضي كعادتنا في التّقليد الأعمى الّذي أحببناه حبّاً أعمى، ونحتفل برأس السّنة الميلاديّة دون أن نفقه حتّى سبباً حقيقيّاً لاحتفالنا بها.. هذا ما يحدث كلّ عام، وأرجو أن يخيب ظنّي هذا العام ولا يتكرّر هذا الحدث...

        لكنّني اليوم لن أتحدّث عن هذه النّواحي من الوضع المؤلم الّذي يعيشه كثير من المسلمين رغم أهمّية الحديث عنه، إنّما سأستثمر فرصة اقتراب رأس سنة 2011 م لأتناول زاوية أخرى لا تقلّ أهمّية، وخاصّة أنّنا في زمن الملهيات الّتي أبعدت المسلمين عن دينهم، فباتوا عاجزين عن تمييز الغثّ من السّمين، وباتوا يروحون ويغدون مع أمواج الجهل والضّلال الّتي لم يتّخذوا حرزاً منها، فلم تجد عائقاً يحول بينها وبينهم.

* ظاهرة التّنجيم وتسلّلها إلى قلوب ضعاف الإيمان:

        ظاهرة وخرافة تقوم على ادّعاء علم الغيب سُمّيَتْ بـ "التّنجيم"، احترفها من هو كذّاب ودجّال، من النّساء كان أم من الرّجال، ومضى في محاولات حثيثة لإقناع النّاس على أنّها علمٌ من العلوم، يعتمد على حركة الكواكب والنّجوم. وتأخذ هذه الظّاهرة حيّزاً كبيراً بين الأحاديث المتبادلة بين النّاس على رأس كلّ عامٍ ميلاديّ، إذ يتنبّأ المنجّمون (على حدّ زعمهم) بما سيحصل من أحداث في العام الجديد. ولا بد من الإشارة إلى أنّني لا أتكلّم في هذا المقال عن الحسابات الفلكيّة وما شابه ذلك، إنّما الحديث حصراً عن التّنبّؤ بالأحداث الّتي ستقع في العالم أو في حياة الإنسان. 

        خرافة موجودة منذ القِدم، ورغم أنّ نور الإسلام أطفأ نارها، إلا أنّها اليوم أصبحت مدعومة بشكل أكبر، واكتسبت سرعة أكبر في تحقيق الغايات المرجوّة منها في عالم المسلمين؛ بسبب الموجات العاتية الّتي أضعفت دينهم. فمن الحصى والحجارة، إلى فنجان القهوة، وصولاً إلى التّكنولوجية واستعمال الحاسوب، بدأ العالِم الجاهل اليوم بعرض حركة الأبراج والأجرام السّماويّة، متحدّثاً بلغة الواثق عن دخول الشّمس في برج، أو برجٍ في آخر... فيوقِع حدثاً تلو آخر.

        ومع كلّ هذا فلم تعد هذه الظّاهرة تحمل أيّ شكلٍ من أشكال الغرابة، فالتّنجيم أمرٌ غدا معروفاً للجميع (خلا من غفل وعميت بصيرته، فتظاهرت هذه الظّاهرة لبصره على أنّها علمٌ له شأنه وقيمته) لكنّ الغريبَ حقّاً هو كونُ عددٍ كبيرٍ من المسلمين يعتقد بصحّة وصدق هذا الدّجل وهذه المزاعم.

* من هي الفئة الّتي تعتقد بصدق المنجّمين؟

        وردت عدّة أدلّة في القرآن الكريم تؤكّد أنّ الغيب لا يعلمه إلا الله تعالى. يقول عزّ وجلّ:{وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ...} الأنعام (59). وفي آية أخرى:{ قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ...} النمل (65). وفي آية ثالثة:{عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً} الجن (26). ويقول تعالى أيضاً على لسان نبيّه الكريم صلّى الله عليه وسلم:{...وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ...} الأنعام (50). فإذا كان أعظم الخلق وأشرفهم وأكرمهم على الله عزّ وجلّ لا يملك شيئاً من علم الغيب، فهل يمكن أن يُطلِع الله على غيبه من هو دونه؟!

        هذه الآيات تعلن بوضوح أنّ الغيب في علم الله وحده، وبما أنّ المنجّمين هم مدّعون (بالفعل والتّطبيق) علمَ الغيب، فنستنتج من ذلك أنّ من يثق بهم من المسلمين هو أحد فئتين؛ الأولى: فئة قرأت القرآن، واطّلعت على السّنّة الشّريفة وعلمت ما هو علم الغيب، وأنّ الله وحده هو عالم الغيب، لكنّها ضعيفة النّفس، لم تحرز تمكّناً في دينها وعقيدتها يعينها على عدم الانجراف مع التّيّارات، خفيفة كانت أم ثقيلة. أمّا الفئة الثّانية: فهي فئة جهلت مضمون دينها تمام الجهل، ولم تعلم أصلاً ما معنى علم الغيب. لم تتعرّف على حقائق الدّين الإسلاميّ، ولا حتّى على الأساسيّات الّتي ينبغي على أدنى مسلم أن يكون على علمٍ بها، وبالتّالي فمن السّهولة بمكان أن تنطلي أيّة حيلة على هذه الفئة من المسلمين. ولو ذكرنا مثالاً بسيطاً فسندرك مدى الضّعف الّذي يعانيه كثير من مسلمي اليوم، الضّعف الّذي يؤدّي بهم إلى منزلقات خطيرة: بتنا نسمع كلَّ حين عن موعد يتمّ تحديده لقيام السّاعة، وآخر موعد تمّ تحديده هو عام 2012م. وأعود لأقول: لا عجب ولا غرابة في هذا الأمر؛ فأهل الباطل والخرافات موجودون في كلّ زمانٍ ومكان، ولا يكفّون عن باطلهم ساعين إلى تحقيق أهدافهم الدّنيئة وغاياتهم المتعدّدة، لكنّ المؤلم أن نجد بين (المسلمين) من ينخلع قلبه عند سماع هكذا خبر خوفاً من يوم البعث الّذي حدّده مدّعوْ علم الغيب. فلو أنّ هؤلاء المسلمين قرؤوا قوله تعالى:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللّهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} الأعراف (187). ولو أنّهم عرفوا شيئاً من علامات السّاعة، ولو أنّهم علموا تماماً من هو علاّم الغيوب، هل كانوا سيصدّقون هذه المزاعم؟

        إنّ كلمة مسلم كلمة عظيمة، ولا بدّ لمن تُطلق عليه أن يكون محقّقاً لما تنطوي عليه من معانٍ، إنّ أوّل شرط يجب أن يتحقّق في المسلم هو النّطق بالشّهادتين، لكنّ النّطق بالشّهادتين لا يكون فقط لفظاً باللّسان، إنّما هو أيضاً تصديقٌ بالجَنان، ومن قال "أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنّ محمّداً رسول الله" فلا بدّ أن يعلم أنّ الله واحدٌ لا شريك له، ومن يصدّق أولئك المنجّمين ويعتقد أنّ توقّعاتهم يمكن أن تصيب، يكون قد أقرّهم على علمهم بالغيب، وهذا شِركٌ بالله عزّ وجلّ، ورسولنا صلّى الله عليه وسلّم يقول: "من أتى كاهنا أو عرّافا فصدّقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد". رواه أحمد. ليس شركاً فحسب، إنما كفرٌ بما أُنزل على النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام. وبالتّالي هل من يصدّقهم في ادّعاءاتهم مسلمٌ حقَّ الإسلام؟؟!

* حيل يلجأ إليها المنجّمون للإقناع بصحّة ادّعاءاتهم؟

        يدّعي المنجّمون أنّهم يستندون في توقّعاتهم إلى حركة الأبراج والكواكب في السّماء، وبقليل من التّفكير في نوعيّة الأحداث الّتي يتوقّعونها، فسنجد غالبيّتها يمكن توقّعه من قِبَل أيّ إنسان، فمثلاً هناك أحداث تحدث بشكل طبيعي ولحدوثها احتمال كبير، فيدّعون علمهم بوقوع هذا الحدث، كأن يقولوا: ستحصل حوادث في الحجّ هذا العام ويموت بعض الحجّاج، وهذا من الأمور المحتملة الّتي ليست بحاجة إلى شطارة للتّنبّؤ بها. وهناك أحداث تقع بناءً على مؤشّرات واضحة أو تكون استمراراً لحدث بدأ بشكل خفيف. وهذا ادّعاء جديد لعام 2011 الّذي تَفْصِلُنا عنه أيّامٌ قلائل، فيقولون الآن: سنة 2011 هي سنة الفضائح. أيضاً بقليل من التّفكير نرى مدى غباء هؤلاء المنجّمين الّذين يعتقدون أنّهم يقنعوننا بهذه الخدع، لكن أضعف عقلاً منهم مَن يقتنع فعلاً بقدرتهم على التّنبّؤ بالأحداث قبل وقوعها؛ فكلّ من سمع عن "وثائق ويكيليكس" الّتي ظهرت على السّاحة اليوم يمكن أن يتوقّع ما يتوقّعون. وبهذه الحيل يسيطرون على عقولهم الّتي بدأت تثق بصحّة أقوالهم، فيعملون في اتّجاه آخر من خلال توقّع أحداث تمسّ حياة الإنسان الشّخصيّة وما يمكن أن يحصل معه من أحداث مستقبليّة، فيصدّقها أولئك الّذين تمكّن أولئك الدّجاجلة من أن يحوزوا على ثقتهم.

        وهناك نقطة لا بدّ من ذكرها: لماذا لا يكفّ المخدوعون بما يُسمّى علم التّنجيم عن سذاجتهم عندما لا تتحقّق تنبّؤات المنجّمين؟! بما أنّ المنجّمين يدرسون - كما يدّعون - حركات النّجوم والكواكب فلِمَ لا يتحقّق كلّ ما يتوقّعونه من أحداث؟! وإذا كان علماء الفلك والأرصاد الجوّيّة الّذين ينقلون لنا توقّعاتهم حول أحوال الطّقس أحياناً تخيب تنبّؤاتهم - الّتي هي أصلاً دراسات علميّة - لأنّ الله هو المتصرّف في الكون كما يشاء، فكيف هو حال أصحاب الخرافات الزّائفة الّتي لا أصل لها؟!

* لنُدْخِلْ جديداً على العام الجديد:

        من المؤسف حقّاً أنّ هناك الكثير من المسلمين يعتقدون بما يسمّى علم التّنجيم، والكثير الكثير يعتقدون بتأثير الأبراج في حياتهم، ويقرؤون ويستمعون يوميّاً بلهفة إلى برجهم.

        لنُنَقِّ قلوبنا من هذه الخرافات، ولنعلمْ أنّنا نقع في الشّرك إذ نمضي وراء أولئك المدّعين لعلم الغيب، لنلتفتْ إلى ما يصلح حالنا وحال أمّتنا، لنبقَ في واقعنا وحاضرنا أوّلاً ولْنعملْ على مواجهة أحداثه، ولنفكّر بمستقبلنا تفكيراً جدّياً كيف سنجعله مثمراً، بدل أن نعيش على أوهامٍ وأفكار لا نجني منها حقيقةً إلا معصية الله سبحانه وتعالى، وضياع الوقت وتعب البال، فضلاً عن ضياع الأموال الّتي يبتزّ بها المنجّمون من وقع في شِرك خداعهم.

 

 

 

 

 التعليقات: 0

 مرات القراءة: 4224

 تاريخ النشر: 25/12/2010

ملاحظة:
الآراء المنشورة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو القائمين عليه، ولذا فالمجال متاح لمناقشة الأفكار الواردة فيها في جو من الاحترام والهدوء ونعتذر عن حذف أي تعليق يتضمن:
1- يحتوي على كلمات غير مهذبة، ولو كانت كلمة واحدة.
2- لايناقش فكرة المقال تحديداً.

 

Query Error
MySQL Error : Query Error
Error Number: 145 Table './risalnet_vcount1/vietcounter_usersonline' is marked as crashed and should be repaired
Date: Tue, April 16, 2024 12:55:17
IP: 18.221.187.121
Browser: claudebot
Script: /article1.php?tq=3698&re=1232&tn=1250&br=3701&tr=3698&rt=3698&try=1&rf=1242&tt=3696&rt=3698&rf=1242&tm=3698&ft=
Referer:
PHP Version : 5.5.38
OS: Linux
Server: LiteSpeed
Server Name: risalaty.net
Contact Admin: info@risalaty.net