::: موقع رسالتي - رؤية جديدة في الخطاب الإسلامي :::

>> مقالات المشرف

 

 

مواعظ ورقائق ( 1 )

بقلم : الشيخ محمد خير الطرشان  

 

 
 
بسم الله الرحمن الرحيم
 
 
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما، وافتح علينا فتوح العارفين، ووفقنا توفيق الصالحين، واشرح صدورنا، ويسّر أمورنا، ونوّر قلوبنا بنور العلم والفهم والمعرفة واليقين. اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً وفقهاً وإخلاصاً في الدين، واجعل ما نتعلمه حجة لنا، ولا تجعله حجة علينا برحمتك يا أرحم الراحمين.
^ كلمات في الرقائق:
ما أحوجنا بين الحين والآخر إلى كلمات رقيقة ترق بها قلوبنا، وتدمع عيوننا ويُذهِب الله بها قسوة قلوبنا، لاسيما ونحن نعيش الآن عصراً طغت فيه الماديات والشهوات، وانحرف فيه كثير من الناس عن عبادة رب الأرض والسماوات، فقَسَتْ فيه القلوب، وتراكمت فيه الذنوب على الذنوب، وقل فيه الخوف من علام الغيوب.. ما أحوجنا في مثل هذا الزمن الذي طغت فيه فتن الشهوات والشبهات، إلى كلمات تذكّرنا بالآخرة، في زمن قل فيه من يتذكر الآخرة، وأن نُقبل على الله سبحانه وتعالى.. ما أحوجنا إلى موعظة تخشع منها قلوبنا، وتذرف منها دموعنا.. ما أحوجنا في هذه الأيام إلى أن نعيش حياة الزاهدين والصالحين والعارفين الذين ضحكوا على الدنيا ولم تضحك عليهم، وخاصةً أننا بين اليوم والآخر نرى من يودّعنا ويغادر دنيانا، ووتتمثل أمامنا آيةٌ قرآنية عظيمة يقول فيها ربنا سبحانه وتعالى:[]كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (27)[] سورة الرحمن.
إنها الحقيقة التي تصبغ الحياة البشرية كلها بصبغة الذل والعبودية لقهار السماوات والأرض، إنها الحقيقة التي تعلن على مدى الزمان والمكان، في أذن كل سامع، وعقل كل مفكر، وخيال كل شاعر، أنه لا بقاء ولا خلود إلا للحي الذي لا يموت، إنها الحقيقة التي ينبغي أن نحيا وأن نموت عليها، ولو كان أحدٌ يستحق الخلود في هذه الحياة لاختار الله سبحانه وتعالى الخلود لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، أحبِّ الخلق إليه، إنها الحقيقة التي تسربل بها - طوعاً أو كرهاً - العصاة والطائعون، وشرب كأسها الأنبياء والمرسلون.
كلُّ بـاكٍ فسـيُبكى     كلُّ نـاعٍ فَسَـيُنعى
كلُّ مَدخورٍ سـيفنى     كلُّ مَذكـورٍ سينُسى
ليس غيرَ الله  يبـقى     مَنْ علا  فاللهُ أعـلى
هي كلمات في الموعظة، والموعظة كانت من شأن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، يتخوّل بها الناس بين الحين والآخر خَشيةَ السآمة، وكانت مواعظه عليه الصلاة والسلام مختصرةً مؤثرة.
^ مواعظ قرآنية:
من أبرز المواعظ ما نقرؤه من آيات في القرآن الكريم مما يذكّرنا بآخرتنا. قال جل وعلا:[]وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ[] سورة ق (19). ليس حديثنا عن الموت، إنما حديثنا عن المواعظ التي تذكّر القلوب بالله سبحانه وتعالى، حديثنا عن المؤثرات التي تجعل القلب يخشع، والعينَ تدمع، ويرجع بسببها العبد إلى الله سبحانه وتعالى، ومِن أَجَلِّ وأعظم ما يذكّر الإنسان بالله سكرات الموت، فالحق سبحانه وتعالى عندما يقرر أن تأتي سكرات الموت لأحد العبيد يبرهن بذلك أن جُلَّ الناس يفرّون من الموت ويهربون منه، فعندما سأل الخليفة - وتُنسَب لهشام بن عبد الملك رحمه الله تعالى - رجلاً زاهداً من الصالحين يُقال له ابن دينار سأله: "ما بالنا نكره الموتَ ونحب الحياة؟". فقال: "لأنكم عمّرتم دنياكم وخرّبتم آخرتكم". هذا السؤال يعبّر عن واقع وحقيقة كل إنسان منا؛ فَجُلُّ الناس يكرهون الموت ويخافون ويفرون منه ويحيدون عنه. والحق أنك تموت والله حي لا يموت، والحق أنك ترى عند موتك ملائكة الرحمة أو ملائكة العذاب، والحق أن يكون قبرك روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النيران، نسأل الله العفو والعافية. []...ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ[] سورة ق (19). أي ذلك ما كنت منه تهرب وتفرّ، تجري إلى من يرقيك، تحيد إلى الطبيب إذا جاءك المرض خوفاً من الموت، وتحيد إلى الطعام إذا أحسست بالجوع، وتحيد إلى الشراب إذا أحسست بالظمأ.
ثم ماذا أيها القوي! أيها الذكي العبقري! يا أيها الكبير! يا أيها الأمير! يا أيها الوزير! يا أيها الغني! يا أيها الفقير! ماذا تفعل إذا جاءت سكرة الموت؟ إلى أين تحيد؟؟
ولْنقرأْ أيها الإخوة تلك الأبيات التي صاغها أحد الشعراء على لسان شابِّ يحاور نفسه:
دَعْ عنكَ ما قدْ فاتَ في زمنِ الصِّبا    واذكرْ ذُنوبَكَ وابْكِها يا مُذنـبُ
لمْ يَنْسهُ المَلَـكَانِ حـينَ نسـيتَهُ      بـلْ أثْبَتَاه  وأنتَ لاهٍ تـلعـبُ
والروحُ منـكَ وديعةٌ أُودِعـتَها     ستردُّها بالرغمِ منـكَ وتُسـلَبُ
وغرورُ دنيـاكَ التي تَسعى لهـا      دارٌ حقـيقتُها مَتـاعٌ يَـذهـبُ
اللَّيلُ فاعـلمْ  والنَّهارُ كِلاهُـما      أنفاسُـنا  فيها  تُعَـدُّ وتُحسَبُ
أيها الإنسان! إنما أنت أيامٌ معدودة وأنفاسٌ محدودة...
وصدق ربي إذ يقول:[]كَلَّا إِذَا بَلَغَتْ التَّرَاقِيَ (26) وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ (27)وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ (28)وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ (29)إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ (30)[] سورة القيامة. وقيل من راقٍ: أي أين الطبيب؟ أين المداوي؟ ويُفتح سجلّك أيها اللاهي! ويفتح كتابك أيها الغافل عن لقاء ربك! أيها المشتغل بملاذّك وشهواتك ودنياك! وإذا به:[]فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى (31) وَلَكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى (32)[] سورة القيامة. تدبّر بعد أن أعرضت عن الصلاة والصدقة وعن الله تعالى، تدبّر قول الله تعالى:[]كَلَّا إِذَا بَلَغَتْ التَّرَاقِيَ (26) وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ (27)[] سورة القيامة. قال ابن عباس رضي الله عنهما أي: من يُرقى بروحه من ملائكة الرحمة أو ملائكة العذاب؟ قال قتادة رحمه الله تعالى في قوله سبحانه:[]...مَنْ رَاقٍ (27)[] أي: من يُبذل له الرقية، من يبذل له الطب والعلاج، انظر إليه وهو على فراش الموت، وقد التفّ الأطباء من حوله وداروا، بل وحار الأطباء في أمره، وحاروا انظر إليه وهو من هو! صاحب المنصب، صاحب الجاه، صاحب السلطان، صاحب الأموال، صاحب الوزارة، صاحب المـُلك، شحب وجهه وتجعّد جلده وبردت أطرافه، وبدأ يشعر على فراش الموت بزمهرير قارس يزحف إلى أنامل يديه وقدميه، يحاول جاهداً أن يحرك شفتيه بكلمة التوحيد، فيشعر أن الشفتين كالجبل لا يريد أن يتزحزح إلا لمن يَسَّرَ الله له النطقَ بـ "لا إله إلا الله، محمد رسول الله"، فإذا أفاق في لحظة من لحظات الصحوات بين السكرات والكربات، ووعى ما حوله، نظر إلى الأطباء تارة، وإلى أهله تارة، وقال لهم - وهو لا يستطيع الكلام - بلسان الحال لا بلسان المقال: يا أولادي! يا أحبابي! لا تتركوني وحدي، ولا تفردوني في لحدي، لا تتركوني! أنا أبوكم، أنا أخوكم، أنا حبيبكم، أنا... أنا الذي بنيت لكم القصور، أنا الذي عمرت لكم الدور، أنا الذي نَمَّيتُ لكم التجارة، أنا صاحب الأموال، أنا صاحب الجاه والسلطان، من منكم يقرضني ساعة من عمره؟ من منكم يعطيني يوماً من حياته؟ وهنا يعلو صوتُ الحق سبحانه وتعالى:[]فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83)وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ (84)وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لَّا تُبْصِرُونَ (85)فَلَوْلَا إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86)تَرْجِعُونَهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (87)[] سورة الواقعة.
من يستطيع أن يزيد في عمره ساعة أو ساعتين؟ لا أحد:[]...إِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ[] سورة يونس (49). إذاً حان الأجل المحدد الذي حدده الله جل وعلا، ولا يمكننا التلاعب في هذا الموعد، لا تقديماً ولا تأخيراً...
 

 التعليقات: 0

 مرات القراءة: 5468

 تاريخ النشر: 12/07/2011

ملاحظة:
الآراء المنشورة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو القائمين عليه، ولذا فالمجال متاح لمناقشة الأفكار الواردة فيها في جو من الاحترام والهدوء ونعتذر عن حذف أي تعليق يتضمن:
1- يحتوي على كلمات غير مهذبة، ولو كانت كلمة واحدة.
2- لايناقش فكرة المقال تحديداً.

 

 849

: - عدد زوار اليوم

7401847

: - عدد الزوار الكلي
[ 49 ] :

- المتصفحون الآن

 


العلامة الشيخ محمد حسن حبنكة الميداني


العربيــة.. وطرائق اكتسـابها..
المؤلف : الدكتور محمد حسان الطيان








 
   

أحسن إظهار 768×1024

 

2006 - 2015 © موقع رسالتي ، جميع الحقوق محفوظة

 

Design & hosting by Magellan