::: موقع رسالتي - رؤية جديدة في الخطاب الإسلامي :::

>> خطب الجمعة

 

 

الاستغفار

بقلم : الشيخ محمد خير الطرشان  

 

خطبة الجمعة بتاريخ 23/12/2011
في جامع العثمان بدمشق
 الحمد لله ثم الحمد لله.. الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.. يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك.. سبحانك لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير.. وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمداً عبده ورسوله وصفيُّه وخليلُه.. اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على هذا النبيّ الكريم وعلى آله وصحبه الغُرّ الميامين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين..
أما بعد فيا عباد الله: أوصي نفسي وإياكم بتقوى الله تعالى وأحثكم على طاعاته والتمسك بكتابه والالتزام بسنة نبيّه ومنهاجه إلى يوم الدين.
يقول ربّنا سبحانه وتعالى في القرآن الكريم حكايةً عن سيدنا نوح عليه السلام وهو يشكو قومه إلى ربه: ((فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا)) [نوح:10-12]
أيها الإخوة المؤمنون: أرسل الله تعالى سيدنا نوحاً عليه السلام إلى قومه نذيراً لينذرهم من عذاب النار في الآخرة ومن عذاب الطوفان في الدنيا، ودعاهم إلى وحدانية الله سبحانه وتعالى ، إلا أنهم كذبوه ولم يؤمنوا به ولم يتبعوه ، وكان سيدنا نوح عليه السلام -كما يروي سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنه الله عنهما عن سيدنا رسول الله صلَّى الله عليهِ وسلَّم - أولَ رسول يرسل إلى الأرض وكانت رسالته إلى الناس جميعاً على وجه الأرض ، لكن قومه كذبوه وصبر عليهم ألف سنة إلا خمسين عاماً وهو يدعوهم ويذكرهم بالله سبحانه وتعالى ، فما كان منهم إلا أن أعرضوا عنه. قال لهم :  ((قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ * أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ)) [نوح: 2-3]
ماذا يريد الرسول من قومه إلا عبادة الله والإقرار بوحدانيته وطاعة الرسول فيما يصلح أحوالهم الدينية والدنيوية.
 إن الرسل لا يريدون مصالح شخصية، لا يبحثون عن مكاسب مادية ، ولا عن مصالح تجعلهم في الدنيا كأنهم ملوك ، إنما يحرصون على نشر الرسالة السماوية التي نزلت بالهداية والخير والمرحمة لأممهم جميعاً لكنهم ما أطاعوا الرسول نوحاً عليه السلام ، ولكنهم كذبوه فصبر عليهم ألف سنة إلا خمسين عاماً ثم دعا ربه شاكياً إليه قومه فقال: ((رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلا وَنَهَارًا * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلاَّ فِرَارًا * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا * ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا * ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا *فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا)) [نوح:5-10]
أيها الإخوة: نقف قليلاً مع وسائل الدعوةالتي اتبعها سيدنا نوح عليه السلام ، والتي كانت على مراحل متباعدة وقد استخدم في ذلك أداة ( ثمّ ) التي تفيد في اللغة العربية معنى التراخي والتباعد بين المرحلة والأخرى، فترة طويلة ليفيق هذا القوم ويذعنوا ويعودوا إلى الله سبحانه وتعالى. لكنهم كانوا يضعون أصابعهم في آذانهم حتى لا يسمعوا قول نوح عليه السلام ، ويغطوا رؤوسهم بثيابهم حتى لا يروا هذا الداعي إلى الحق ، الذي ينير لهم الطريق ويدلهم على الطريق، فما كان من نوح عليه السلام إلا أن أرشدهم إلى طريق إن فعلوه حقق الله لهم خمسة أمور: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ .. إنها التوبة، إنها الإنابة، الرجوع إلى الله سبحانه وتعالى. وغفاراً صيغة مبالغة ، أي :كثير المغفرة لا يمل من توبة عباده واستغفارهم ليكافئهم على ذلك الأجرَ والثواب و تبييض الصحائف.
 
ê ما نتائج الاستغفار وما ثمرات الاستغفار؟
1. يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا .
هذه أول ثمرة من ثمرات الاستغفار ، نزول الغيث من السماء وهذا الغيث أيها الإخوة فيه حياة الانسان و النبات والحيوان والجمادات ، وفيه حياة الكونِ كله، وإن الحركة الاقتصادية في العالم لا يمكن أن تتنشط إلا إذا كان هناك غيث يتساقط من السماء .
2. وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا
خمس ثمرات تفيدونها من الاستغفار، من الرجوع إلى الله ، ولعل في ذلك معنى عظيماً ، ألا وهو أن الاستغفار إنما هو تجديد للإيمان، وتجديد للعهد مع الله تعالى. فما من مؤمن يقول أستغفر الله وأتوب إليه ، إلا وهو يعلن صفحة جديدة مع الله ويرفض معاصيه وذنوبه ، ويتخلى عن إعراضه وذلاته ويقبل على الله إقبالاً جديداً.
 
جاء رجل إلى الحسن البصري رحمه الله تعالى إمام التابعين وسيدهم ، فقال له يا إمام: إنا نشكو قلة الغيث فقال عليك بالاستغفار. فذهب الرجل وجاء آخر، فقال إني أشكو قلة النسل ، فقال : عليك بالاستغفار . فذهب الرجل وجاء ثالث وقال يا إمام إني أشكو قلة الرزق ، فقال عليك بالاستغفار. فلما قيل له: الاستغفار دواء لكل هذه الأمور للنسل وللرزق وللغيث وللفرج؟ فتلا قول الله تعالى: ((فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا ))
أيها الإخوة: لسنا في معرض الحديث عن قصة سيدنا نوح وعن الطوفان وعن سفينة نوح وعن جبل الجودي ، وعن هذه الأشياء المذكورة في القرآن الكريم للعظة والعبرة، إنما نحن بصدد الحديث عن قلة الغيث من السماء، عن انحباس الغيث في السماء .. إذا تحدثنا عن الأسباب فالأسباب معروفة لنا جميعاً..
 
ê ومن أهم أسباب قلة الغيث:
·      الظلم الذي يقع في الأرض: ظلم العباد بعضهم لبعض.
·      أكل الحقوق: الحقوق المادية والحقوق المعنوية.
·      كثرة الهرج: كما أخبر النبي صلَّى الله عليهِ وسلَّم أنه في آخر الزمان يكثر الهرج ألا وهو القتل وإسالة الدماء بغير الحق.
·      قلة الاستغفار وبُعْدُ العباد عن الله سبحانه وتعالى وجفاء القلوب وقلة الخضوع وعدم الدموع..
وكل ذلك معروف لدينا جميعاً . إذن لا بد أن نبحث عن الدواء، عن العلاج، وإن العلاج يكمن أولاً بالاستغفار.. فلا بد أن نكثر من الاستغفار إلى الله سبحانه وتعالى حتى يفرج الله عنا كربتنا ويرفع عنا همومنا وينفس عنا كروبنا ، وأن يسقينا الغيث من السماء وأن يقضي لنا حوائجنا وأن يجعل لنا من كل ضيقٍ فرجاً و مخرجاً.
فقد جاء في الحديث عن سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلَّى الله عليهِ وسلَّم قال : "من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجاً ، ومن كل ضيق مخرجاً ، ورزقه من حيث لا يحتسب"
وهذا الحديث رواه أبو داوود ورواه أحمد في مسنده.
ألا ترون أيها الإخوة أن الهموم قد كثرت ، وأن الشدائد قد عظمت، وأن المصائب قد ادلهمت !؟ ألا ترون أيها الإخوة أننا في منتصف الشتاء، وأن الغيث منحبس في السماء ، وأن الأرض تشكو قلة الماء !؟
إذا فلنضرع إلى الله تعالى بالاستغفار، فلنلجأ إلى الله تعالى بتوبة صادقة علّ الله تعالى يتعطف علينا ، وينزل علينا من رحماته ويفرج عنا كربتنا .
تروي السيدة عائشة رضي الله عنها عن سيدنا رسول الله صلَّى الله عليهِ وسلَّم قوله: "طوبى لمن وجد في صحيفته استغفاراً كثيراً "  طوبى: هنيئاً في الدنيا وجنة في الآخرة لمن وجد في صحيفته استغفاراً كثيراً .
والاستغفار له صيغ كثيرة:
فإذا قلت أستغفر الله العظيم فهذه أكثر صيفة انتشاراً .
لكن النبي صلَّى الله عليهِ وسلَّم علمنا سيد الاستغفار ، وعلمنا أن نبدأ به صباحنا وأن نختم به مساءنا فقال النبي صلَّى الله عليهِ وسلَّم:
"اللهم أنت ربي لا اله الا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعتأبوء لك بنعمتك عليَّ وأبوء بذنبي فاغفرلي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت"
أيها الإخوة: ماذا نتحدث عن فضائل الاستغفار وفيه خير كبير: فبالاستغفار الفرج، وبالاستغفار تنزل الغيث، وبالاستغفار الرزق، وبالاستغفار تنزل الرحمات، وبالاستغفار كشف الضر والمصائب والبليات، وبالاستغفار الخير والنماء والعطاء.. وكأن الاستغفار هو الدواء السحري لأمة سيدنا محمد صلَّى الله عليهِ وسلَّم.
أيها الإخوة لا بد لنا ونحن في هذه الأيام الشديدة ، الكثيرة المصائب والابتلاءات والمحن ، أن نُقبل على الله سبحانه وتعالى في السر والعلن، وأن نلجأ إلى الله تعالى في الليل والنهار، وأن نضرع إليه مستغفرين، مجددين إيماننا، معلنين توبتنا إليه سبحانه وتعالى.
أسأل الله أن يفرج عنا كربتنا
وأن يزيل عنا همومنا
إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير.
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم فيا فوز المستغفرين.
 

 التعليقات: 2

 مرات القراءة: 4903

 تاريخ النشر: 24/12/2011

2012-03-08

محمد طبق

اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وحببنا فيه. وأرنا الباطل باطلا وارزقنا إجتنابه وكرهنا فيه. اللهم أمين

 
2011-12-24

علا عبد الله صبَّاغ

اللهم أنت ربي لا اله الا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت... أبوء لك بنعمتك عليَّ وأبوء بذنبي فاغفرلي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت.

 

ملاحظة:
الآراء المنشورة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو القائمين عليه، ولذا فالمجال متاح لمناقشة الأفكار الواردة فيها في جو من الاحترام والهدوء ونعتذر عن حذف أي تعليق يتضمن:
1- يحتوي على كلمات غير مهذبة، ولو كانت كلمة واحدة.
2- لايناقش فكرة المقال تحديداً.

 

 892

: - عدد زوار اليوم

7396303

: - عدد الزوار الكلي
[ 46 ] :

- المتصفحون الآن

 


العلامة الشيخ محمد حسن حبنكة الميداني


العربيــة.. وطرائق اكتسـابها..
المؤلف : الدكتور محمد حسان الطيان








 
   

أحسن إظهار 768×1024

 

2006 - 2015 © موقع رسالتي ، جميع الحقوق محفوظة

 

Design & hosting by Magellan