::: موقع رسالتي - رؤية جديدة في الخطاب الإسلامي :::

>> كلمة المشرف

 

 

المعلم و مكانته في الدين

بقلم : الشيخ محمد خير الطرشان  

 

بسم الله الرحمن الرحيم
 
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين..
 ميّز الله سبحانه وتعالى العلم والعلماء على غيرهم من سائر بني البشر، فهناك فرق كبير بين المتعلم والجاهل. يقول تعالى:[]قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ[] سورة الزمر (9). ويقول أيضاً عز وجل:[]يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ[] سورة المجادلة (11). أهل العلم لهم منزلة خاصة عند الله سبحانه وتعالى، لذلك وصفهم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنهم ورثة الأنبياء، والأنبياء لم يُوَرّثوا ديناراً ولا درهماً، إنما وَرّثوا العلم الذي علّموا به أتباعهم وأصحابهم, وهؤلاء نقلوا هذه العلوم إلى من بعدهم إلى أن آلت إلينا، فمن أخذه أخذ بحظٍ وافرٍ.
ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم يعتز لأنه بُعث معلماً، فيقول عليه الصلاة والسلام: "إن الله عز وجل لم يبعثني معنفاً ولكن بعثني معلماً". مسند أحمد. يرفض عليه الصلاة والسلام منهج الشدة والقسوة والعنف، ويدْعُو إلى منهج التعليم، وهو منهجٌ له علاقةٌ بالسلوك وتزكية النفس أولاً.
^ التزكية والتعليم .. منهجان تتجسد من خلالهما مكانة المعلمين:
لما كان العلم منهج الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فقد أشار القرآن الكريم إلى مكانة المعلمين من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وإلى دورهم في نقل هذه الرسالة وتعليمها إلى الناس أجمعين من خلال منهجين: منهجٌ قائمٌ على التعليم، ومنهجٌ آخرٌ قائمٌ على التزكية. يقول ربنا سبحانه وتعالى:[]رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ[] سورة البقرة (129). نلاحظ في هذه الآية أن الله تعالى قدّم التعليم على التزكية. في آية أخرى قدّم الله سبحانه وتعالى التزكية على التعليم في معرض امتنانه على هذه الأمة بأن أرسل لهم سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم فقال: []لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ[] سورة آل عمران (164). التزكية هي: منهجُ سلوكٍ نفسي وخُلقي على كل إنسان أن يتحلى به, سواء كان معلماً أو متعلماً. ومهمة المُسلّكين، والمربين، والأنبياء، والمعلمين، والمدرّسين الجمع بين الأسلوبين معاً، أي أن يكونوا معلمين ومزكّين في الوقت نفسه؛ بأن يحرصوا على نقل المعلومة إلى طلابهم، والارتقاء بهم من مرحلة الجهل إلى مرحلة العلم، ثم الانتقال بسلوك الطلاب إلى مستوىً أرقى مما كانوا عليه فيما مضى, وهذا يُشعِر كل المربين والمعلمين بالمسؤولية العظمى والأمانة الكبرى التي حمّلهم إياها ربنا سبحانه وتعالى.
^ التعليم أمانة عظمى:
حمّل اللهُ تعالى الإنسانَ الأمانة, وعندما يُذكَر مصطلح الأمانة يتخيل كثير من الناس أنه ينحصر في مبلغٍ من المال يأخذه الإنسان ويكون وديعةً عنده، أو قرض أخذهُ من زميل له أو صديق أو أخ فأصبح ديناً في حقه فهو أمانة. لكن هذا المفهوم مفهوم قاصر وخاطئ, الأمانة هي: كل أمرٍ يُطالَب به الإنسان أمام الله وأمام العباد، فلله تعالى علينا أمانات كثيرة وأولها الفرائض: الصلاة أمانة، والزكاة أمانة، والصوم أمانة، والحج أمانة. الواجبات التي فرضها الله علينا سبحانه وتعالى أمانة: كصلة الأرحام، وبر الوالدين، والإحسان إلى الجوار، وإكرام الضيف أمانة. هناك أمانات أخرى تتعلق بالسلوكيات التي يتعامل الناس بها فيما بينهم: كالإخلاص في المودة والصحبة والعلاقة. والتعليم أمانة عظمى، وهو من أعظم أنواع الأمانات، فالمعلم مؤتمن على تقديم العلم النافع لطلابه وأبنائه وتلامذته. نحن كآباء نرى أو نسمع من أبنائنا في المدارس إهمالَ كثيرٍ من المعلمين وتقصيرهم وعدم إعطائهم حق هذه المهنة. أين هو المعلم الذي يُهمل مادته وتدريسه من تعليم رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه؟! أين هو من تعليمه للأعراب الجفاة الغلاظ الذين كانوا يأتون إليه من أطراف البادية، فيقول أحدهم أيكم محمد؟؟ بكل غلظة وكل فظاظة، لا يحترم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يتأدب بين يديه، ومع ذلك يقبل عليه النبي صلى الله عليه وسلم فيقول له: علمني دين الله الذي أُنزل عليك, فيجلسه رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلسه وبين يديه، ويدنيه منه، ويقربه إليه، ثم يعلمه دين الله سبحانه وتعالى دون ملل أو تكبر أو ضجر منه.
مهنة التعليم والتدريس أمانة عظمى، ورحم الله من قال:
قدْ رَشَّحُوكَ لأمرٍ لو فَطِنْتَ لـهُ       فارْبأْ بنفْسِكَ أنْ ترعى معَ الهَمَلِ
أي أنك قد ارتقيت منزلةً ذات شأن عظيم عندما أصبحت معلماً ومربياً, وغدوت في القمة، فحاول ألا تكون من المقصرين أو المهملين لهذه المهمة العظيمة التي هي شرف كبير، إذ به نلت درجة العلم، وبلغت مصاف، العلماء وأصبحت في منزلة كبيرة.
يُنسب إلى سيدنا علي رضي الله تعالى عنه وكرم الله وجهه قوله في بيان فضيلة العلم والتعليم وأهل العلم والمعلمين:
ما الفضلُ إلا لأهلِ العلْمِ إنّهُمُ       على الهدى لِمن استهدى أَدِلاّءُ
وقَدْرُ كلِّ امرئٍ ما كان يُحْسِنُهُ       والجاهلون لأهلِ العـلمِ أعداءُ
فَقُمْ بِعِلْمٍ ولا تَطْلُـبْ به بَدَلاً        فالناسُ مَوتى وأهلُ العلمِ أحياءُ
هذه خاتمة رائعة، فيها حثٌّ من سيدنا علي رضي الله عنه - إن صحت نسبة هذه الأبيات إليه - على ضرورة تعلم الإنسان وارتقائه بنفسه وحرصه على أن يكون قدوة لطلابه إن كان مدرساً، وشيء طبيعي أن يكون المعلم قدوة لطلابه؛ لأنه حقيقةً في مقام الأب الروحي للطلاب, فإذا كان الطلاب يرون آباءهم في البيت ساعات محدودة، فإنهم يرون أساتذتهم في المدرسة ساعات أطول مما يرون آباءهم, سواء كان هذا المتعلّم في المرحلة الابتدائية أو الإعدادية أو الثانوية، أو حتى في الجامعية, يتكون من خلال أفكار أساتذته ومعلميه ومربيه ومشايخه, ويتأثر بهم, ويتقلب على الطريقة التي ينقله إليها أساتذته ومعلموه.

 التعليقات: 1

 مرات القراءة: 10452

 تاريخ النشر: 15/03/2012

2012-03-16

علا عبد الله صبَّاغ

أين نحن من أخلاق رسول الله؟ بصراحة.. وبشكل شخصي أنا لا أملك الصبر على الطلاب الكسولين الغير مبالين. جزاك الله خيراً أستاذ محمد خير على هذا المقال الرائع.. فأنت خير قدوة للمعلمين. وأُذَكِّر بالحديث: إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة : إلا من صدقة جارية . أو علم ينتفع به . أو ولد صالح يدعو له. الراوي:أبو هريرةالمحدث:مسلم - المصدر:صحيح مسلم- الصفحة أو الرقم:1631، خلاصة حكم المحدث:صحيح

 

ملاحظة:
الآراء المنشورة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو القائمين عليه، ولذا فالمجال متاح لمناقشة الأفكار الواردة فيها في جو من الاحترام والهدوء ونعتذر عن حذف أي تعليق يتضمن:
1- يحتوي على كلمات غير مهذبة، ولو كانت كلمة واحدة.
2- لايناقش فكرة المقال تحديداً.

 

 794

: - عدد زوار اليوم

7401627

: - عدد الزوار الكلي
[ 44 ] :

- المتصفحون الآن

 


العلامة الشيخ محمد حسن حبنكة الميداني


العربيــة.. وطرائق اكتسـابها..
المؤلف : الدكتور محمد حسان الطيان








 
   

أحسن إظهار 768×1024

 

2006 - 2015 © موقع رسالتي ، جميع الحقوق محفوظة

 

Design & hosting by Magellan