::: موقع رسالتي - رؤية جديدة في الخطاب الإسلامي :::

>> مساحة حرة

 

 

نجوى (مساحة عشقٍ دمشقية..)

بقلم : الدكتور محمد حسان الطيان  

 

 

قالوا تحبُّ الشامَ قلتُ جوانحي        مقصوصةٌ فيها وقلتُ فؤادي

كلما تناءت بي السنون, وتجافت بي المسافات, ازداد شوقي وحنيني إليك يا شام الحب.. ويا خدينة القلب..

أشتاق فيك طفولتي

أشتاق فيك براءتي

أشتاق فيك شقاوتي

أشتاق فيك سعادتي

وأحن فيك إلى إنسانيتي وهويتي وعافيتي...

كل ما فيك يشجيني..  ينهض بي ويحييني.. بل يدعوني.. يغريني ..

هواؤك الساحر.. وجوك العامر, نهارك الصاخب.. وليلك الساهر, صيفك اللاهب وشتاؤك القارس, ربيعك الفتّـان.. وخريفك الولهان, مساجدك العامرة.. ومآذنك الشامخة.. أصيحاب القلب.. وشقائق الروح, مجالس الأنس  .. وحلقات العلم, أيامي وأحلامي, ذكرياتي، ومرابع هواي.. في طفولتي وفتوتي وشبابي وهرمي... بسماتي وضحكاتي, آهاتي وواهاتي..

آهاً لاأيّامِنا بالخَيف لو بَقِيَتْ       عَشْراً وواهاً عليها كيف لم تَدُمِ

أحن إلى شقاوة أترابي, وعيش أحبابي. إلى جلسة تضمني مع صحب طالما أحببتهم وأحبّوني، وألِـفْتُهم و أَلِـفوني. معهم أخلع عن عاتقي وقار الحشمة وتصنّع الحياء, أنطلق على سجيّتي.. فتارة أغرّد وتارة أغني, وتارة أحدث وتارة أصغي، أتقلب بين نُـعْمى المحبة والإلفة, لا أحتشم ولا ألتزم.. بل أطلق العِنان لنفسي, أسمعهم ويسمعونني.. أحملهم و يحملونني, أسعى بهم ويسعون بي.

أَبَت يـاشَّـامُ نَفسـِي أَن تَطيبَ           تَـذَكَّرَت المـنـَازِلَ والحَـبيبَـا

أَلا يا شـــامُ قَد عَذَّبتِ قَلبـي          فَأَصبَـحَ مِن تَذَكّـُرِكُم كَئِيبــَا

وَرَقَّقَني هـَوَاكِ وكُنـتُ جَلــداً         وَأَبـدى في مـَفَـارِقِيَ المَشيـبا

 

أتدرين أيتها العشيقة المستبدّة بحبّي, المتسلطة أبداً على قلبي ولبّي.. أتدرين أن استبدادك هذا أحبُّ إلي من كنوز الدنيا, وأن تسلطك وسلطانك وطغيانك أشهى على قلبي من كل نعيم ذقته في عوالم الناس.

وكثيراً ما أفكر في هؤلاء الذين كُتب عليهم أن يهجروك إلى غير رجعة، أو كتبوا على أنفسهم ألا يعتادوك بالزيارة، على أي أمل يعيشون؟ وفي أي بلاء يتقلبون؟ وأعود إلى نفسي أسألها ذاك السؤال الأزلي:

يا شام ماذا وجد من فقدك؟ وماذا فقد من وجدك؟

أتدرين أن ذكراك هي التي تصبِّرني.. وأن طيفك هو الذي يُحييني و يحيِّيني.

أتدرين أني أصحو وأنام على هذا الطيف.. أعد الأيام والساعات بانتظار هذا اللقاء.. أقلّب أيام دهري مترقباً ساعة العودة. وكأني بهذه العودة قد غدت أملاً بل هدفاً وغايةً لوجودي. وكثيراً ما تأرق مني العين، ويهرب مني النوم، وأتقلب على مثل جمر الغضا، فلا أجد سلوتي إلا بترديد قول الزركلي:

الـعين بعـد فراقهـا  الـوطنـا       لا سـاكنـاً ألفـت ولا  سكنــا

ريـانـةٌ بـالدمـع أقلقَهـــا        ألا تُحـسَّ كَـرىً ولا وسـَنــا

كـم ذا أغـالبـه ويغلـبـنــي     دمــعٌ إذا كفكفتُـه هَـتَـنــا

لي ذكريــاتٌ فـي  ربـوعهــمُ     هـنّ الحيـاةُ تـألـقـاً وسـنـا

وكأني بهذه الغربة المتطاولة ليل جاثم على صدري وقلبي، طال فيه تقلبي وسهادي، وحار فيه فكري وجودي, وضاقت به نفسي, وعافت طولَه روحي, يلوح من ورائه فجرُ شامي.. وصباح أيامي.. وسعادة عمري.. ونعيم دهري.. فيك أنت يا شام.

آه يا شام كيف أشرح ما بي و أنا فيك دائماً مسكون..

أي وربي مسكون بحاراتك.. بأزقتك وعماراتك.. وشوارعك ومساراتك.. بقاسيونك وبرَداك وربوتك.. بمآذنك وقبابك ومساجدك.. بالأموي والسادات والتوبة والعادل والأبرار, بأمطارك وعواصفها.. وأزهارك وطيبها.. وبلابلك وتغريدها,  بحنفياتك تسيل بالماء القراح, وأطايبك وفيها كل ما يشتهى ويستباح, بفواكهك نتخير منها ما  لذَّ وطاب, بحلوياتك تَلَذُّ لآكلها وتستطاب, بالمدلوقة تعلوها القشطة والفستق, والستاتي والعصافيري.. وبقية أسراب الحمائم والطيور.

برياض الجنة نرتع فيها بين المحاريب والمنابر.. وبين حلق العلم وحلق الذكر, بصوت مؤذن عذب يصدح بالأذان, وصوت منشد رخيم يصلي على النبي العدنان, وصوت خطيب مجلجل يهز منا القلب قبل الآذان وصوت إمام خشوع يرقى بنا إلى سدرة الكريم الديان.

مسكون بأسواقك...بحوانيتك وشبابيك شرفاتك..

بالخُصِّ يخفي خلفه أحلى الحِسانْ

بالفجر بدّد نورُه حِلَك الظلامْ

بأريج عطر الياسمين وبالحمامْ

وصرير بابٍ دونه أحنى الأنامْ 

بسريرة أرجو لها مسكَ الختامْ

مسكون بأسمائك.. بأرضك ونجومك وسمائك.. برضوان وهشام وحسام وتوفيق وتحسين وياسين.. واعتدال وعائشة وغادة وسهام وفائزة وحسناء ودعاء.. بالطيان والمسوتي والعطار والشريف والبواب والصمادي والحكواتي والفرفور والشلاح.. وبقية الحِرَف الشريفة والألقاب المنيفة.

مسكون ببيت أهلي وبيت جدي.. وبيت صحبي.. وبيت حِبّي.. بل أنا مسكون بكل بيت فيك..

بروائح النانرج تعبق في البيوتات العتيقة

وأزاهر الرمان تبدو كالجُمان أو العقيقة

ووجوه أرحام وأصحاب وجيران صديقة

أجل أنا مسكون بمعاهدك ومدارسك.. وجوامعك وجامعاتك..

بدهشة طالب نَـهِـم يهيم بذكر معلومةْ

وبارقةٍ لآخرَ قد أثار الدرسُ مخزونَـهْ

ونبرة حازمٍ ذَرِبٍ يقود الصف بعيونهْ

مسكون بدفئك وبردك.. بظلك وشمسك.. بصحوك ومطرك.. بزهرك ووردك.. بسهلك وجبلك.. بنهرك وجدولك.. بناسك وأعراسك.

مسكون بكل ما فيك من عذب وعذاب.. وعمار وخراب.. وسعادة وشقاء.. وراحة وتعب.. ونعيم ونَصَب.

مسكون بدمعة حَـرَّى أذرِفها حزناً أو فرحاً..

مسكون بزفرة مرَّة أطلقها أسىً أو حسرة..

مسكون بلوعة عاشق لا تعرف سكونا أو فترة..

مسكون بجناح طيرٍ خافقٍ يرِفُّ كلما عنّتَ له أثارةٌ من ذكرى..

قَلبٌ تَقَطَّع فَاِستَحالَ نَجيعا             فَجَرى فَصارَ مَعَ الدُموعِ دُموعا

 

 


 التعليقات: 0

 مرات القراءة: 3312

 تاريخ النشر: 17/09/2010

ملاحظة:
الآراء المنشورة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو القائمين عليه، ولذا فالمجال متاح لمناقشة الأفكار الواردة فيها في جو من الاحترام والهدوء ونعتذر عن حذف أي تعليق يتضمن:
1- يحتوي على كلمات غير مهذبة، ولو كانت كلمة واحدة.
2- لايناقش فكرة المقال تحديداً.

 

 1573

: - عدد زوار اليوم

7448927

: - عدد الزوار الكلي
[ 38 ] :

- المتصفحون الآن

 


العلامة الشيخ محمد حسن حبنكة الميداني


العربيــة.. وطرائق اكتسـابها..
المؤلف : الدكتور محمد حسان الطيان








 
   

أحسن إظهار 768×1024

 

2006 - 2015 © موقع رسالتي ، جميع الحقوق محفوظة

 

Design & hosting by Magellan