::: موقع رسالتي - رؤية جديدة في الخطاب الإسلامي :::

>> مقالات متنوعة

 

 

خطابنا الدعوي ...

بقلم : ريما محمد أنيس الحكيم  

 

أهم الخطوط العريضة في سبيل النجاح ..

 قديماً قال سقراط : (( تكلم حتى أراكَ )) .. واليوم يقول واقع الحال :

(( تكلم حتى تُعرف ، تكلم حتى تُسمع ، اصمت لتموت فكرتُك وينتهي أجلُها)) ..

هذا هو واقعُنا .. وهذا هو حالنا في عصر العولمة التي احتلت العالم أجمع واجتاحت أركانه .. وهذه هي أولى أزماتِنا في خطابنا الدعوي ..

فإن أردنا أن نُعرف ويُسمعَ بنا .. علينا أن نبدأ بالخطاب ..

ولا يعتبر البدء بالخطاب كافياً ما لم يكن على قدر كبير من الجودة الفكرية ..

مشكلة خطابنا الدعوي الأولى أنه أصبح ساحة للنواح والندب على واقع المسلمين الذي يدعو للأسف ، وأصبح ميداناً لاستجرار الشفقة أو التقريع بالناس وتأنيبهم على حالهم التي وصلوا إليها ..

ومن أجل أن نبدأ بعميلة إعادة الساحة الخِطابية إلى سابق عهدها حيث كانت ساحة نشر للدعوة والدين، يلزمنا الكثير من القواعد والوقت والانتظار ..

ولا بد أنه سيسيل في سبيل ذلك حبرٌ كثير .. وستُبحُّ الكثير من الأصوات .. وستُلقى الاتهامات جزافاً وتتطاير بين الناس ..

لكن المهم في كلامنا أن يصل إلى الأسماع ريثما يبدأ في تأثيره في القلوب ، المهم أن نبدأ .. وقد بدأ الكثير من دُعاة التنوير في عصرنا واتُّهموا وحوربوا، لكن ذلك لم يكن أبداً ليوقف مسيرتهم التنويرية الدعوية ..

لكن المشكلة لم تكن فيهم بقدر ما كانت في المستمع الذي اعتاد الخطاب الدعوي الجاف الباكي النادب الحائر المتطرف القاسي الخرافي .. فأبى أن يُردَّ إلى خطاب الدعوة الصحيح ..

ولكن .. ما هي سماتُ خطابنا الدعوي الناجح ؟؟

على خطابنا اليوم أن يسعى إلى معالجة الواقع بدل الشكوى الدائمة والتذمر .. ومن أهم الخطوط العريضة التي يمكن أن تكون عوامل هامة لإنجاح ذاك الخطاب:

 

1. الوسطية : فالوسطية من أهم صفات الخطاب الدعوي المتنور الحر الهادف إلى المعالجة الصحيحة للمشكلات الواقعية التي تصيب القضية الإسلامية، وقد قال سيدنا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه : (( عليكم بالنمط الأوسط، الذي يرجع إليه الغالي ويرتفع إليه التالي )) .. فالنمط الوسطي في الخطاب، ذاك المنهج المتوازن هو الذي يوصل الخطاب إلى أن يكون خطاباً يلائم كل من يسمع .

 

2. النسبية : وقد تكون هذه الصفة غير معتبرة في دعاتنا الذين قد لا يمارسونها، لكنها صفة استعملها القرآن في الخطاب منذ بدء الدعوة الإسلامية في التدرج في النزول، مثلاً في قضية تحريم الخمر، فقد نزلت آيات تحريمه تدريجياً لتلائم حال المُخاطَب .. واستعملها الفقهاء في المسائل الفقهية كتفريقهم بين الغبن اليسير والفاحش في اعتبار المعاملات والعقود باطلة أو فاسدة أو صحيحة .. إن هذه النسبية تعني أن يكون الخطاب نسبياً يلائم كل مستمع للخطاب ، ولا يتلاءم مع فئة دون فئة ونخبة دون نخبة، بل هو خطاب يتناسب مع الجميع بخط متوازن ..

 

 

3. مواكبة حركة الحياة : ولولا هذه الصفة لانزوى الخطاب الإسلامي كما هو حاله اليوم في كثير من البلدان التي تفصل بين الخطاب الديني وبين الحياة ولا تقبل الدمج بينهما ، مع أن ذلك الدمج هو من أول وسائل النجاح في الخطاب وإيصال الفكرة .. فعلينا أن يكون خطابنا الدعوي مكافئاً لقوانين حركة الحياة ليناسب كل مستمع ...

 

4. حفظ خط الرجعة : وهذه السمة تظهر في خطاب الآخر .. فعلى الخطاب ألا يكون متعنتاً جافاً حتى إن كان دفاعياً، بل في حالة الدفاع عن إحدى حقوقنا أو قضايانا علينا أن نخاطب الآخر بطريقة حرة موضوعية نحفظ فيها خط الرجعة الذي قد يعود فيه الآخر إلينا ويلتجئ لنا، فنكون بهذه الحالة قد بدأنا الحفاظ عليه قبله .. وإلا كان رجوعنا عن أي منهجٍ قاسٍ اتخذناه مسبباً لفقدان مصداقيتنا في عيون الآخرين غيره.

 

5. استخدام المهارات : على خطابنا أن يتفنن في استخدام كل ما يمكنه أن يجذب نظر الآخر، ويكون ذلك بالتعلم من تجاربنا وسبرها لاستنباط كل ما كان سبباً من أسباب النجاح في الماضي، ثم سبر تجارب الآخرين للتعلم من نجاحاتهم واستخدام ما سببه لهم، ما دام لا يخالف أي قاعدة ثابتة من ثوابتنا الشرعية، وبالجمع بين تجاربنا وتجارب الآخرين وبمواكبة العصر الجديد نصل إلى منهج موزون للخطاب يمكن أن يشكل عاملاً هاماً لإيصال الفكرة المطروقة وجعلها تترسخ في عقل المستمع .

 

6. الخطاب الخارجي : قبل أن يكون خطابنا لأنفسنا، ومع أهمية وجود الخطاب الداخلي، وبالإضافة له ، يجب أن نوجد الخطاب الخارجي ، أي خطاب الدعوة الحقيقي، خطاب الدعوة للآخرين .. فإحدى أهم أسباب انطوائنا على أنفسنا هو أننا لا نخاطب إلا أنفسنا، وإن خاطبنا الآخر فإننا نستخدم مفرداتنا نحن، مما يبعده عن الخطاب ويجذبنا نحو خطابه هو، فترى في عصرنا الحالي تُقام الندوات الدعوية لدعوة الآخرين إلى الإسلام، لكن حضورها لا يتجسد إلا بـ : المسلمين .. وإن حضرها من غيرهم فأولئك الذين يهتمون بالأديان أو الصحفيين أو الإخباريين الذين ينقلون أخبارنا للآخر بطريقتهم هم . فمتى سيكون لخطاب الآخر مكانٌ في خطابنا ؟، طبعاً باستخدام مفرداته هو، ليفهم علينا ويستطيع أن يتقبلنا في البداية ليقبل فكرتنا في النهاية ..

 

7. الخطاب المنطقي : وهذه المشكلة الكبرى التي يتصف بها خطابنا اليوم ، أنه خطاب ابتعد نوعاً ما عن المنطق والعقل، مع أننا في عصر انتشر فيه العلم وازداد عدد المتعلمين بشكل كبير، إلا أن خطابنا لا زال بعيداً عن المنطق وملاصقاً للخرافة والأساطير بشكل أبعد المستمع عنه لأنه لا يتطابق مع الحقائق العلمية التي ثبتت بشكل قطعي .. وهذه المشكلة ليست في أصل الإسلام.. بل هي مشكلة المتكلم .. لأن الإسلام لا يتعارض مع أي حقيقة علمية، بل إنها تثبت ليثبت معها مدى صحته ، وشواهد ذلك في عصرنا الحالي كثيرة ومعروفة ولا داعي لذكرها الآن .

 

هذه السمات تعد من أهم السمات التي علينا أن نخاطب بها الآخرين .. كي نستطيع أن نصل إلى درجة الإقناع الفكري .. لا الإرهاب الفكري .. فمع خطابنا علينا أن نتقبل الآخر ونتصف بالمرونة والموضوعية .. وألا نحجر عقولنا على شيء محدد بشكل يمنعنا من تقبل أي تجديد وتطوير ..

و مع اتفاقنا أنه لا تجديد في الثوابت ولا يكون إلا في دائرة المتغيرات والمستحدثات والمستجدات ..

 

ومن أمثلة هذا الإقناع الذي يمكننا ممارسته مثلاً قولنا بتحريم شيء ما .. فالأصل في الاشياء الإباحة، وإن أردنا أن نقول بتحريم هذا الشيء يلزمنا الدليل القطعي، وإن قيل إن سبب التحريم هو سد الذرائع كما يُقال في عصرنا الحالي، نقول إذاً قولوا بالكراهة لا التحريم !! ويكون هذا الأمر سِجالاً فكرياً دفعنا إلى تقليب كتب الأصول ونفض الغبار عنها بعد أن أصبحت منسوخة في عقول الفقهاء والعلماء بشكل يجعلهم لا يرجعون إليها أبداً ويحفظون حكم أي شيء ويقولون به ، وإن استجد أمر ما فهو حرام بمجرد الشك في أنه قد يسبب فتنة ما بغض النظر عن أي شيء .. إن هذا الإقناع الذي يُمارس في أيامنا ليس إقناعاً بقدر ما هو إرهابٌ فكري .. ومصادرة للعقول بحجة ( سد الذرائع ) ..

وكلامي لا يعد رفضاً لهذه القاعدة الفقهية وهذا الدليل الذي يأخذ به العديد من كبار أئمة الفقه، بل هو دعوة لكي لا نستخدمه في كل أمر .. لأن أصحابه حين أخذوا به لم يجعلوه القاعدة الدائمة لتحريم كل شيء أو رفضه رفضاً تاماً ..

 

ما سبق كان فكرة في سبيل تحسين نسب نجاح خطابنا الإسلامي وتوصيله إلى الآخر .. هي مجرد فكرة تقبل النقاش والحوار في سبيل تعديلها أو حتى إلغائها إن وجد ما هو أقوى منها دليلاً ..

هي دعوة لكشف النقاب عن حالنا الخطابي .. لأن المشكلة فيه هو، لا في الإسلام ووجودها لا يؤذي ديننا بأي حال بقدر ما يؤذينا ، وحتى إن استمر خطابنا بهذه الكيفية التي باتت تؤذينا فإن ( اللؤلؤة الفائقة لا تُهان لهوان مستخرجها ) وتبقى المشكلة فينا نحن ..

وأخيراً ..

أذكر قولاً للدكتور عبد الكريم بكار في سبيل تجديد الخطاب الديني هي :

(( إن الناس يفهمون ما يسمعون بحسب خلفياتهم الثقافية، ولهذا فإن علينا أن نتأكد دائماً من أن رسائلنا تصل إليهم كما نريد ... ))

والسلام ......

 .

 التعليقات: 0

 مرات القراءة: 4255

 تاريخ النشر: 30/05/2008

ملاحظة:
الآراء المنشورة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو القائمين عليه، ولذا فالمجال متاح لمناقشة الأفكار الواردة فيها في جو من الاحترام والهدوء ونعتذر عن حذف أي تعليق يتضمن:
1- يحتوي على كلمات غير مهذبة، ولو كانت كلمة واحدة.
2- لايناقش فكرة المقال تحديداً.

 

 1502

: - عدد زوار اليوم

7404459

: - عدد الزوار الكلي
[ 62 ] :

- المتصفحون الآن

 


العلامة الشيخ محمد حسن حبنكة الميداني


العربيــة.. وطرائق اكتسـابها..
المؤلف : الدكتور محمد حسان الطيان








 
   

أحسن إظهار 768×1024

 

2006 - 2015 © موقع رسالتي ، جميع الحقوق محفوظة

 

Design & hosting by Magellan