::: موقع رسالتي - رؤية جديدة في الخطاب الإسلامي :::

>> محاضرات وندوات

 

 

السيدة فاطمة الزهراء قدوة للمرأة المسلمة

بقلم : الشيخ محمد خير الطرشان  

 

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه الغرّ الميامين وسلم تسليماً كثيرا، وبعد:

بمناسبة ذكرى ولادة السيدة الطاهرة العفيفة سيدة نساء العالمين السيدة فاطمة الزهراء رضي الله تعالى عنها بَضْعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أتناول معكم صفحات من سيرة هذه الأم العظيمة ، والمربية الفاضلة ، والقدوة الصالحة .

 

 

 

عنوان المحاضرة " السيدة فاطمة الزهراء قدوة للمرأة المسلمة " في زمن ندرت فيه القدوة وفي زمن أصبحت فيه المرأة المسلمة تعيش حالة من الفراغ..

1 -  فراغاً في الجانب الإيماني: فلا تجد من يذكّرها بالله تعالى، ولا من يسقي روحها من معاني القرآن والسنة.

2 - كما تجد فراغاً في الوقت: فقد ازدحم وقت كثير من النساء في هذه الأيام في ثلاثة أمور

                آ - في الاستهلاك والتسوق .

                ب - وفي الزينة والتبرج .

              ج - وفي الخصومة واللجاج وبخاصة مع الأزواج .

3 - كما أنها تعاني نوعاً ثالثاً من الفراغ وهو الفراغ في القدوة: فقد غابت المرأة القدوة عن ساحة المرأة المسلمة وحلّ بدلاً عنها دعوة خطيرة تنتشر بين الحين والآخر بعبارات براقة وألفاظ خداعة، تدّعي البحث عن حريتها (المزعومة) وحقوقها (المهضومة)...

فيدعون إلى تبرجها وإلى حريتها و تفلّتها من كل القيود والضوابط حتى من الإيمان ، بدعوى ما يسمى حرية المرأة وهذا أمر خطير انتبهت إليه الكثير من النساء المسلمات فذهبن يبحثن عن قدوتهن في أمثال السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها.

فالمرأة المسلمة إذاً تواجه هجمة خطيرة مستعِرة ومستمرّة للنيل من كرامتها، وهتك حرمتها وحجابها، والقذف بها إلى ملاعب اللهو ومراتع الفساد، وكأنها كرة مستديرة تتطاير بين أقلام اللاعبين بحرمتها وكرامتها وقدراتها التي تمتعت بها المرأة المسلمة في العصور الأولى، فلم يمرّ على التاريخ أزمنة كالعصور الأولى كان فيها للمرأة المسلمة المكانة العظمى والكبرى والتي مارست فيها أقصى ما يسمى بحرية المرأة حيث شاركت في الجهاد وشاركت في الفتوحات و كانت إلى جانب الرجل في العلم والتعليم حتى أنّّ كثيراً من أعلام المسلمين في تاريخنا كان شيوخهم من النساء وأبرزهم بعض الخلفاء كانوا قد تلقّوا العلوم على شيخات من النساء كان لهنّ الأثر الكبير في حياتهم بشكل عام،

من هنا تأتي أهمية الحديث عن السيدة فاطمة الزهراء قدوةً للمرأة المسلمة، وكما يقول إخوتنا الشيعة:((فاطمة الزهراء المَثل الأعلى للنفس البشرية))، هذا مثل رائع وكلمة أنصفت السيدة الزهراء، ولو أن كل امرأة رغبت في أن تجد لها قدوة صالحة تتأسى بها في مسيرة حياتها فليس لها كالزهراء قدوة تدلها على كل جوانب الحياة وتجعل حياتها مشرقة مضيئة ...

من هي السيدة فاطمة ؟؟

قبل التحدث عن بعض جوانب القدوة في حياة السيدة فاطمة نبدأ بنبذة عن حياة السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها

ولدت فاطمة الزهراء بمكة المكرمة، وكانت رابعة البنات لأبيها ، واقترنت ولادتها بحادث تاريخي عظيم ؛ إذ ولدت قبل مبعث رسول الله بخمس سنوات ، وكانت قريش آنذاك تجدد بناء الكعبة المشرفة، ووقع بينهم خلاف فيمن يحوز شرف وضع الحجر الأسود في موضعه، فاحتكمت قريش لأول داخل إلى الكعبة فإذا هو محمد بن عبد الله r ..

استبشر أبواها بولادتها كثيراً واحتفلا بقدومها احتفالاً مميزاً على أنها رابعة البنات ، على عادة مخالفة لأهل مكة فقد كانوا يحبون الذكور أكثر من حبهم الإناث، لكن الرسول r والسيدة خديجة احتفلا بقدوم الزهراء احتفالاً بالغاً، وكانت أختها الكبرى زينب تعاملها وكأنها أم لها بعد موت السيدة خديجة، وقدكانت السيدة فاطمة أحبّ بنات الرسول إلى قلبه، يحب هواها ورضاها، ويكره ما يؤذيها...

كما يشهد لذلك حوار دار بين كلٍ من أبي بكر وعمر رضي الله عنهما والسيدة فاطمة الزهراء الذي يدلّ على مكانة الزهراء عند أبيها، قالت لهما:(( ألم تسمعا رسول الله يقول: رضا فاطمة من رضائي، وسَخَط فاطمة من سخطي، فمن أحبّ فاطمة فقد أحبّني، ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني، ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني ))، فقالا: نعم سمعناه من رسول الله r، هذه الشهادة تؤكد على مكانة الزهراء في قلب رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم.. إذاً رسول الله عليه الصلاة والسلام يقول في بيان فضلها:"فاطمةٌ بضعة مني، فمن أغضبها أغضبني "

 

ينقل هذا الكلام ابن هشام في كتابه السيرة النبوية ويشرح كلام ابن هشام الإمام السهيلي في الروض الأُنف فيقول تعليقاً على هذا الحديث: ((ويُستدلّ بهذا الحديث على أنّ من سبّ فاطمة يكفر، وقد سوّى بين غضبها وغضب النبي r ؛ لأن من أغضب النبي يكفر..))

وبعد هذه المقدمة نبدأ في بيان بعض شواهد القدوة من شخصية الزهراء رضي الله عنها، فقد عانت من شظف العيش وقسوة الحياة على قدرها وشرف نسبها ومكانتها من قلب رسول الله r فإنها صبرت على الفقر وعملت في بيتها كسائر النساء أعمالاً خشنة وقاسية، وربما كانت بعض النسوة من الصحابيات الجليلات أرْفهَ عيشاً منها، وأنعم حياة....فكانت رضي الله عنها، تكنس البيت وتطبخ الطعام وتطحن الدقيق وتعجنه وتخبزه، وتقوم بشؤون منزلها وحاجات زوجها، حتى أنها كانت تكسر النوى لفرس زوجها سيدنا علي الذي كان فارساً، وما زالت كذلك حتى تقرّحت يداها وتشققت، وهي التي نشأت في بيت النبوة  والرسالة...

لم تنشأ مدللة ناعمة كما تنشأ سائر البنات في عصرنا ، وإنما نشأت على الشدة والقسوة وعملت حتى تشققت يداها وأما سيدنا علي فقد كفاها الخدمة خارج البيت، فقال لأمه (فاطمة بنت أسد بن هاشم) ،( اكفي بنت رسول الله الخدمة خارجاً وسقاية الماء والحاج وتكفيك العمل في البيت : الطحنَ والعجنَ والخبز...) أي فرّغها لخدمة البيت ولم تكن السيدة فاطمة تعمل خارج بيتها أبداً....

سمعت السيدة فاطمة بعد أن عانت ما عانت من هذه الشدة سمعت بسبايا ساقهنّ المسلمون في إحدى الغزوات فوضعوهنّ في فناء أحد المساجد، ينتظرن أمر رسول الله بِهنّ...فقال لها سيدنا عليّ: لو أتيت أباك فسألتيه خادماً. فأتته، فقال لها النبي r:" ما جاء بكِ يا بنيّة ؟ "، قالت: جئتُ لأُسلّم عليك، واستحيت أن تسأل أباها، ورجعت. فأتاها رسول الله من الغد، فقال: " ما كانت حاجتكِ ؟ " فسكتت ( أدباً وحياءً) فقال عليّ: ( أنا أحدّثك يا رسول الله: إنّ فاطمة جرّت وطحنت بالرحى حتى أثّر في يدها، وحملت القربة حتى أثّرت في نحرها، وكنست البيت حتى اغبرّ ثوبها، فلما أن جاءك الخدم أتت تسألك خادماً تقيها حرّ ما هي فيه...

فقال رسول الله r :" والله لا أعطيكما وأدعُ أهل الصّفة تطوي بطونهم لا أجد ما أنفق عليهم، ولكنّي أبيعهم ( أي السبايا) وأنفق عليهم أثمانهم ".

فرجعا، فأتاهما النبي r وقد دخلا في قطيفتهما (غطاء النوم) إذا غطّيا رؤوسهما تكشّفت أقدامهما، وإذا غطّيا أقدامَهما تكشّفت رؤوسُهما، فلمّا أحسّا بقدومه، قاما له تعظيماً، فقال لهما:" مكانكما، ألا أخبركما بخيرٍ مما سألتماني ؟" فقالا: بلى، فقال:" كلمات علّمنيهنّ جبريل، تسبّحان الله في دبر كل صلاة عشراً، وتحمدان عشراً، وتكبّران عشراً، وإذا أويتما إلى فراشكما فسبّحا ثلاثاً وثلاثين، واحمدا ثلاثاً وثلاثين، وكبّرا أربعاً وثلاثين" .هذه هي تربية رسول الله لابنته فاطمة على أن تكون قدوة صالحة للمرأة المسلمة، وكذلك نجد سيدنا عليّاً قدوة صالحة للرجل المسلم الذي يحسن معاملة زوجته يقول سيدنا عليّ رضي الله عنه: ( فما تركت تلك التسبيحات منذ سمعتها من رسول الله r ).

قيل له:( ولا ليلة صفين ؟)، قال: ( ولا ليلة صفين).

إن خشونة العيش في حياة الزهراء كانت علامة بارزة تدعو كلاً منّا أن يتحمل شدة الحياة وخاصة المرأة المسلمة ، أن تكون عوناً لزوجها ، عوناً لأهلها، قدوة صالحة فلا تسرف ولا تبذّر لا في زينة ولا في استهلاك ولا في تسوق ، ولا في غير ذلك. بل تجعل من السيدة الزهراء قدوة لها في حياتها... فسيدنا رسول الله r كان يعلم أصحابه خشونة العيش وشجّعهم على الجدّ والعمل وبذل الجهد، حتى أنه لمّا لامست يده مرّةً يد رجلٍ من الصحابة تشققت يداه من العمل، قال له: " هذه يدٌ يحبّها الله ورسوله " يد العامل والمكافح في الحياة، يد من تشققت يداه لكسب المال الحلال ، هذه يد يحبها الله ورسوله .

 إذاً ،لم يربّ رسول الله بناتِه على الدّلال والنعومة والتّرفّه في العيش، بل نشأت بناته كأي أسرةٍ أخرى، ليس لها تميّزٌ ولا خصوصية وهذا من عدالته عليه الصلاة والسلام....

ونضرب بعض النماذج من حياة الزهراء رضي الله عنها...

1- دخل رسول الله r يوماً عل فاطمة وهي تطحن بالرحى وعليها كساءٌ من وبر الإبل (خشن) فبكى عليه الصلاة والسلام، ورقّ قلبه على ابنته المقرّبة إلى قلبه، التي كان يناديها " يا أمّ أبيها "، فقال لها: " تجرّعي يا فاطمة مرارة الدنيا لنعيم الآخرة " أي اصبري وتحمّلي فإن هذه الدنيا فانية،و الآخرة هي الباقية..

2- ومرّةً أقبلت فاطمة فوقفت بين يديّ رسول الله r ، فنظر إليها وقد ذهب الدم من وجهها ، (أي : ذهبت نضارة وجهها)، وعليها صُفرةٌ من شدّة الجوع. فقال رسول الله r : " اُدْنِ يا فاطمة، فدنت حتى قامت بين يديه، فرفع يده فوضعها موضع القلادة، وفرّج بين أصابعه، ثم قال:" اللهمّ مُشبع الجاعة ورافع الضيق، ارفع فاطمة بنت محمد "

3- ومرّةً عادها رسول الله r وهي مريضة، فقال لها: " كيف تجدينك يا بنيّة ؟ " قالت: ( إني لوَجعةٌ ( يا أبتاه)، وإنه ليَزيدني وجعاً أني مالي طعامُ آكله ). فقال لها النبي : " يا بنيّة: أما ترضين أنّك سيّدة نساء العالمين ؟ قالت: يا أبت، فأين مريم بنت عمران ؟ قال: تلك سيّدة نساء عالمها، وأنت سيّدة نساء عالمك هذا _ سيدة نساء هذه الأمة _ أما والله لقد زوّجتك سيّداً في الدنيا والآخرة ".

وقد كان رسول الله r يخشى على فاطمة من التنّعم بحياتها، مع ما عليه المسلمون آنذاك من الخشونة وشظف العيش، حرصاً منه على أن يظلّ بيت النبوّة أسوةً للمسلمين.

4- دخل عليها يوماً وفي يدها سلسلة من ذهب، وهي تقول لامرأة عندها: ( هذه أهداها لي أبو الحسن). فقال لها: " يا فاطمة، أيسرّك أن يقول الناس: ابنة رسول الله في يدها سلسلة من نار ؟! ".

ثم خرج رسول الله ولم يقعد...فأسرعت فاطمة فأرسلت بالسلسلة فباعتها، واشترت بثمنها عبداً أعتقته، فسُرّ رسول الله بصنيعها ودعا لها.

عرس فاطمة :

وأنهي هذا الحديث بشيء مما تفتخر به المرأة عادة وهو عرسها،فكل النساء يحببن أن يكون عرسهن مغايراً لمثيلاتهن، فهل كان في عرس السيدة فاطمة بنت رسول الله تميز وخروج عن المألوف، وهل كان فيه مظاهر وإسراف وتبذير، وهل كان فيه خروج عما كانت عليه بنات عصرها وزمانها ؟؟

أبداً لم يكن ذلك ، وإنما كانت أقل من نساء عصرها كلفة وبذلاً للمال ، لتكون قدوة للمرأة المسلمة الفقيرة والغنية ولكي يقتدي بها الناس  جميعاً ..

من المعروف أن كلاً من أبي بكر وعمر خطبا السيدة فاطمة، فقال لهما رسول الله r : " أنتظر بها القضاء ". وكأنه كان يهيؤها ويحجزها لسيدنا عليّ رضي الله عنه، ولم يكن عند عليّ شيء، حتى أنه قال لمن ذكّره بها:

( وعندي شيء أتزوج به ؟) وهو أول فدائي يضحي بنفسه من أجل رسول الله، ولكنه رغب بمصاهرة رسول الله ، فجاء إليه وقصد رسول الله يخطب فاطمة، فنظر إليه رسول الله وقد أدرك بنور النبوة حاجته فقال له يا عليّ : " لعلّك جئت تخطب فاطمة؟ "، فقال علي باستحياء وأدب: (نعم)، فقال له رسول الله: " وهل عندك ما تستحلّها به ؟"  قال: لا والله  يا رسول الله. فقال له عليه الصلاة والسلام: " ما فعلت بالدرع التي سلّحتُكها ؟ ". قال: هي عندي، قال: " قد زوّجتك، فابعث بها ".وبمنتهى البساطة، تمت خطبة فاطمة،وبيعت تلك الدرع ، ولم يكن مهرها يزيد على أربعة مئة درهم، وجهّزها رسول الله بجلدٍ وخميلةٍ، وسقاءين وكأس، ووسادة من ليف وغطاءٍ قصير، ورحى ومنخل.

هذا جهاز فاطمة مقارنةً بهذا الزمان الذي أصبحت فيه النساء تتباهى وتتفاخر بكثرة الأمتعة والثياب واللباس والزينة وصالات الأفراح وأماكن الإقامة، حتى بطاقات الأفراح، وما كانت الزهراء تفاخر على أحد ، وقد زوجها رسول الله سيد العرب والمسلمين سيدنا علياًّ رضي الله عنه .

وكان سنّ فاطمة حين تزوجت خمسة عشر عاماً وخمسة أشهر ونصفاً، وسنّ سيدنا عليّ في إحدى وعشرين عاماً وخمسة أشهر، أي : إن الفارق الزمني لم يزد على ستة أعوام وقال علماء الأحوال الشخصية : إنه يشترط الكفاءة في الزواج في النسب وفي المال والسن والعلم، وقد كان علي كفؤاً لفاطمة من حيث النسب والقرابة والعلم والمال لذلك ؛كانت أسرتهما من أسعد الأسر في التاريخ وأنجبا ريحانتي رسول الله الحسن والحسين...

وإذا كان التوافق موجوداً في كل شيء بين السيدة فاطمة وسيدنا علي، ( وقد كان سيدنا علي معروفاً بأنه فصيح اللسان قوي الحجة والبيان ) فهل كانت كذلك السيدة فاطمة ؟؟

نعم فإنها تعدّ إحدى النساء البليغات عبر العصور، فقد أحصى صاحب كتاب (أعلام النساء) الفواطم في العصور الإسلامية، ممن قلن الشعر وعَرفن الأدب والحجة والبيان، وممن تفقّهن وتصوّفن، فبلغ عددهن (235) خمساً وثلاثين ومئتين . من بينهن السيدة فاطمة وهي على رأسهن. والتي كانت بدايتها مع الشعر عندما كانت ترقص ولدها الحسين رضي الله عنه وكان أشبه الناس برسول الله، تُرقصه وهي تقول:

            إنّ بني شبهُ النبيّ       ليس شبيهاً بعليّ

ولما توفي رسول الله r قالت نثراً لا زلنا نترنم ونرقق به قلوبنا حتى اليوم، قالت له:

                  " يا أبتاه واكرباه"، وذلك في لحظات الاحتضار، فقال لها النبي r : " لا كرب على أبيك بعد اليوم"

ثم قالت بعد أن جاد رسول الله r بروحه :  "  يا أبتاه، أجاب رباً دعاه، يا أبتاه، من جنة الفردوس مأواه، يا أبتاه، إلى جبريل ننعاه "

أخرجه الإمام البخاري في صحيحه.

وبعد دفنه لقيت أنس بن مالك، فقالت: يا أنس ،كيف طابت أنفسُكم أن تحثوا على رسول الله التراب ؟!! ثم بكت ، وقالت ترثيه:

اغبرّ آفاقُ السماء وكوّرت     شمس النهار، وأظلم العصرانِ

 فالأرض من بعد النبيّ كئيبةٌ     أسفاً عليه كثيرةُ الرّجَفانِ

 فلْيبكِِهِ شرقُ البلاد وغربُها       ولْتبكه مُضرٌ وكلُّ يمانِ

وليبكه الطودُ العظيمُ وجودهُ     والبيت ذو الأستار والأركانِ

 يا خاتمَ الرسلِ المبارك ضوؤهُ    صلّى عليكَ منزِّلُ القرآنِ

ووقفت السيدة فاطمة على قبر النبي r، وأخذت قبضةً من ترابٍ فوضعتها أمام عينها تشمّها وتبكي، ثم أنشأت تقول:   ماذا على من شمّ تربة أحمدا         أن لا يشَمَّ مدى الزمان غَواليا

 صُبّت عليّ مصائبٌ لو أنّها   صُبَّتْ على الأيام صِرن لياليا

 

فمن تحمّل المصائب مثل ما تحمّلت السيدة فاطمة التي فقدت أمها وهي صغيرة ثم فقدت أختها الكبرى، ثم فقدت أختيها أم كلثوم ورقية وبقيت وحيدة مع سيدنا رسول الله r !!

 وكان من آخر ما قالت تودّع به الدنيا على قبره عليه الصلاة والسلام :

إنّا فقدناك فقدَ الأرضِ وابِلَها  وغابَ مُذ غِبتَ عنّا الوحيُ والقلمُ

 فليتَ قبلكَ كان الموتُ صادَفنا  لما نُعيتَ وحالَتْ دونكَ الكُثُبُ

رضي لله عنك وأرضاك يا سيدة نساء العالمين ، وسلام عليك يوم ولدت ، ويوم مت ، ويوم تبعثين مع الأحياء ..

*   *   *

هذه لمحة سريعة عن بعض ملامح القدوة في حياة السيدة فاطمة رضي الله عنها في ذكرى مولدها العطر، ذكرى تجديد الانتماء إلى أمّهاتنا وإلى سلفنا الصالح رضي الله عنهم,,,

والحمد لله رب العالمين ،

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته......

 التعليقات: 0

 مرات القراءة: 5872

 تاريخ النشر: 25/06/2008

ملاحظة:
الآراء المنشورة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو القائمين عليه، ولذا فالمجال متاح لمناقشة الأفكار الواردة فيها في جو من الاحترام والهدوء ونعتذر عن حذف أي تعليق يتضمن:
1- يحتوي على كلمات غير مهذبة، ولو كانت كلمة واحدة.
2- لايناقش فكرة المقال تحديداً.

 

 1833

: - عدد زوار اليوم

7453073

: - عدد الزوار الكلي
[ 28 ] :

- المتصفحون الآن

 


العلامة الشيخ محمد حسن حبنكة الميداني


العربيــة.. وطرائق اكتسـابها..
المؤلف : الدكتور محمد حسان الطيان








 
   

أحسن إظهار 768×1024

 

2006 - 2015 © موقع رسالتي ، جميع الحقوق محفوظة

 

Design & hosting by Magellan