::: موقع رسالتي - رؤية جديدة في الخطاب الإسلامي :::

>> تراجم وأعلام

 

 

العلامة الشيخ حسين خطاب

بقلم : الشيخ علاء الدين الحايك  

 

 

أكرمنا الله سبحانه وتعالى في هذا الزمن بثلة طيبة من أهل العلم والفضل والصلاح،ومن بينهم ذلك الرجل العالم الفاضل:

[ شيخ قُرَّاء دمشق، فضيلة الأستاذ الشَّيخ: حُسين خطَّاب رحمه الله تعالى ]

الذي حمل الأمانة بصدق وإخلاص، وجاهد في سبيل نشر هذا العلم.

وقد أكرمني الله تعالى على صغر سني أن أكون من جملة الشباب الذين عرفوا الشيخ، واجتمعوا معه، وحظيت بفضل الله على صحبة الشيخ مع كبر سنِّه وشيخوخته، وانشغاله في مرضه، وقد أخذت منه الفوائد الجمة علماً وتعليماً في حاله ومقاله.

فمن هو الشيخ حسين خطاب رحمه الله تعالى؟؟

 

نسبه وولادته:

الشَّيخ العالم العلَّامة، شيخ القُرَّاء: حسين بن رضا بن حسين الخطَّاب الدمشقي، الميداني، الشافعي، النقشبندي.

يصل نسبه من جهة والده إلى سيدنا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه. ويصل نسبه من جهة والدته إلى الشيخ أحمد الرفاعي رضي الله عنه، ومنه إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وُلد الشيخ رحمه الله في دمشق عام 1918م في حي الميدان المجاهد؛ في منزل والده بقرب جامع مازي.

وقد ترعرع تحت رعاية والده الشيخ رضا خطاب الذي كان من أهل الصلاح والتقوى، وكان مُحبا للعلم والعلماء، يحضر مجالسهم، وكان يعمل تاجراً بالزيت في محله المعروف في الميدان. وكان الشيخ حسين خطاب أكبر إخوته.

 

تحصيله العلمي:

نشأ الشيخ كما كانت العادة في ذلك العصر في الكتاتيب، فقرأ على الشيخ رشيد الدرخباني، والشيخ ياسين الزرزور، وكان مع هذا يتعلم القراءة والكتابة والحساب.

ثم انتقل بعد ختم القرآن إلى مرحلة العمل، فعمل في حرفة الدولات، وكان يتردد وقتئذ على مسجد مازي، ويحضر الختم النقشبندي عند الشيخ أديب جمعة زبادنه، وقد تفرَّس فيه الشيخ أبو عبده الخير، فجعله يقرأ القرآن في الختم، وكان ذلك مشجعاً له على طلب العلم، فانخرط بطلب العلم بتوجيه من الشيخ أديب جمعة زبادنه رحمه الله.

من ذلك أيضاً أنه كان يراقب درس الشيخ العلامة الكبير الشيخ حسن حبنكة الميداني، من خلال نوافذ جامع منجك في وسط الميدان، وذلك في ذهابه وإيابه للعمل، فوقع حب الشيخ حسن في قلبه.

ثم بدأ بالقراءة عليه قبل التفرغ لطلب العلم، ما بين صلاة المغرب والعشاء ومن بعد صلاة الصبح، وهو يومئذٍ لم يتجاوز الرابعة عشرة من عمره. واستمر على هذا المنهج ما يقارب السنتين. ثم بعد ذلك ترك العمل، وتفرغ لطلب العلم. وبقي مقيماً في جامع منجك منعزلاً عن أهله، إلى نهاية دراسته العلمية.

وفي أثناء هذه المرحلة، كان رحمه الله تعالى يحفظ كتاب الله بتوجيه من الشيخ حسن حبنكة، ويراجع محفوظاته مع الشيخ أحمد اللبني، لكنه أتقن القرآن تلاوة وتجويداً على الشيخ سليم اللبني قبل ذهابه إلى آل الحلواني.

وقرأ أثناء ذلك دروساً في التجويد، وشيئاً من الفقه الشافعي، وشيئاً من اللغة، على الشيخ صادق حبنكة.

وقد اقتصر في جمعه للعلوم الشرعية على شيخه حسن حبنكة الميداني، الذي كان والداً روحياً، يصرف جل وقته في سبيل راحة وتعليم طلابه.

 

صبره في طلب العلم:

لاقى الشيخ حسين من ضنك العيش أثناء طلبه للعلم الكثير، حتى إنه اضطر مع إخوانه لأن يأكل أي شيء مهما كان قديماً أو حتى غير صالح.

ومن هذا أيضاً صبره على جمع القراءات من طريق طيبة النشر في بلدة عربيل، على الشيخ عبد القادر قويدر، حيث كان يذهب بصحبة الشيخ محمد كريم راجح مشاةً على الأقدام، لأنهما لا يملكان مالاً يمكنهما من ركوب واسطة تنقلهما إلى عربيل لمدة ثلاث سنوات.

 

طلبه للقراءات:

وبعد إتقان الشيخ حفظه لكتاب الله، توجه مع تلميذه الشيخ كريم راجح بتوجيه من الشيخ حسن حبنكة، إلى شيخ القراء الشيخ محمد سليم الحلواني، ليجمعا عليه القراءات عام 1943م فحفظا عليه الشاطبية، لكنه انتقل إلى رحمته تعالى، فأتما الجمع على ولده وخليفته في مشيخة القراء الشيخ أحمد الحلواني، ثم توجها أثناء الجمع على الشيخ أحمد إلى الشيخ عبد القادر قويدر في عربيل، فجمعا عليه القراءات من طريق طيبة النشر، فأتقناها غاية الإتقان، وقد حصلا على الإجازة من كلا الشيخين فجمعا الشاطبية والدرة والطيبة، ولكن الشيخ لم يترك الذهاب إلى الشيخين حتى انتقلا إلى رحمته تعالى.

 

حياته العلمية ونشره للعلم:

ü   ابتدأ من جامع القاعة حيث كان إمامه وخطيبه، وكان يلقي دروسه بعد صلاة الفجر، وبعد صلاة المغرب إلى العشاء.

ü   ألقى دروساً في الجامع الأموي بتكليف من شيخه، تحت قبة النسر، من بعد صلاة العصر من يوم الجمعة، يقرأ فيه تفسير آيات الله سبحانه وتعالى، واستمر ذلك الدرس حوالي أحد عشر عاماً.

ü        كان له درس في جامع الثريا بالميدان، من يومي السبت والثلاثاء بعد المغرب.

ü   كان له درس في البيت دوّار، ولكن لكثرة الحضور وضيق المكان بالجلوس، كان ينقله إلى أقرب جامع من ذلك الحي: فقرأ في جامع القدم، وجامع الدقاق بالميدان، وجامع الغواص بالميدان، وجامع المنصور بالميدان، وجامع القيسري بالميدان، وجامع العمري بالشاغور، وجامع قرية ببيلا. وبعد ذلك استقر الدرس في جامع منجك مساء يوم الأحد، كان يقرأ فيه صحيح مسلم.

ü        كان له دروس في بيته يعلم علوم الشريعة الإسلامية، وعلوم اللغة العربية، لمختلف المستويات.

ü        كما أنه كان مدرساً وركناً من أركان معهد التوجيه الإسلامي.

 

شيوخه:

Ÿ شيخه في العلم: العلامة الكبير حسن حبنكة الميداني رحمه الله تعالى.

Ÿ شيوخه في القراءات:

1.    شيخ القراء محمد سليم الحلواني.

2.    شيخ القراء أحمد محمد سليم الحلواني.

3.    شيخ القراء عبد القادر قويدر العربيلي.

Ÿ شيخه في الطريقة النقشبندية: الشيخ أديب جمعة زبادنه.

رحمهم الله تعالى أجمعين وأدخلهم فسيح جناته.

 

من أبرز تلاميذه:

1.  شيخ القراء محمد كريم راجح الذي خلفه في مشيخة القراء ولا زال شيخ قراء الشام إلى يومنا هذا، أطال الله في عمره.

2.    العلامة الجليل الشيخ عبد الرزاق الحلبي، الفقيه الحنفي.

3.    الشيخ محمد الخجا.

4.    حسن الحجيري.

5.    مروة أبو غيدة.

6.    سمر أبو غيدة.

 

مشيخته للقراءات:

أكرم الله سبحانه وتعالى الشيخ بحمل لواء مشيخة القراء في الشام بعد وفاة شيخ القراء محمد سعيد الحلواني، الذي أخذ المشيخة عن أخيه الشيخ أحمد الحلواني.

فقام الشيخ حسين خطاب بمشيخة القراء على أكمل وجه، فجمع عليه الكثيرون.

 

مؤلفاته:

لم يؤلف الشيخ رحمه الله الكتب الكثيرة؛ لكثرة انشغاله بنشر العلم والقراءات، ولكنه ترك بعض المؤلفات وهي:

1.    كتاب إتحاف حرز الأماني برواية الأصبهاني.

2.    رسالة سمَّاها: البيان في رسم القرآن.

3.  أخرج المنظومات الثلاث؛ تأليف: الشيخ أحمد الحلواني في مقدمة أصول القراءات، وزيادة طيبة النشر على حرز الأماني والدرة، وما جاء في رسم القرآن، على رواية حفص.

4.    رسالة في الفقه الشافعي، تتعلق بأبحاث الطهارة والصلاة والصوم؛ وكان يُدرسها في معهد التوجيه الإسلامي.

5.    رسالة في الفرائض.

 

مشاركته في مجلس الأمة والمجلس النيابي:

تقدم الشيخ حسين بترشيح نفسه في مجلس الأمة بإذن من شيخه الشيخ حسن حبنكة، ونال أكثر الأصوات لما له في قلوب الناس من محبة وإعظام وإكبار لفضله وعلمه ورأيه. ولما قامت الوحدة بين مصر وسورية، ارتأى المسؤولون أن ينتخبوا مجلساً نيابياً وكان من الأعضاء الشيخ حسين، وكان له مواقف حاسمة في بعض الآراء التي طرحها المجلس النيابي، منها المحافظة على وحدة الأزهر في منهجه التعليمي، وعدم تقسيمه إلى كليات متعددة، وحال دون ذلك حتى انفكت الوحدة بين البلدين.

ثم اختار الشيخ أن يكون للأمة من خلال المنبر، ومنصات التدريس، والمحافل الشعبية العامة والخاصة.

 

شمائله وأخلاقه:

كان الشيخ رحمه الله حسن الخلقة، كما كان حسن الخلق، فهو مربوع القامة، جميل الوجه، أسود الشعر واضح الجبهة، هادئ رزين، عالي الهمة، من رآه بديهة هابه، ومن خالطه حقيقة أحبه.

كان محبوباً لحسن خلقه، له لسان ناطق بالحق، ولو على نفسه، يحب مكارم الأخلاق، ويدعو إليها، متواضعاً لطيف المعشر، كريماً، يعمل جاهداً على إصلاح ذات البين، وفياً لكل من أسدى إليه معروفاً، وخاصة أساتذته، يقوم على شؤون نفسه بنفسه، متأسياً بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يغضب إلا إذا انتهكت حرمة من حرمات الله.

كان خطيباً مفوهاً، ومن أجمل ما قيل فيه، قول الشيخ الفاضل محمد سعيد رمضان البوطي بما معناه: (( لم يكن الشيخ يتعمد تنميق الكلام وزخرفته، لكنه كان يتكلم بالكلمة فتخرج من القلب، لتدخل القلب )).

ولذلك غصَّت رحبات جامع القاعة على مختلف المستويات، لتسمع من فمه أبلغ العبارات، وأجمل العبر والعظات.

كان كثير الصمت لا يتكلم إلا إذا وجد حاجة إلى الكلام؛ فإن لم تكن حاجة صمت معلماً بحاله.

كان يحب الذكر وأهل التصوف، ويقرأ في كتب القوم، ويذود عنهم إذا سمع لمزاً عليهم.

وكان حاضر القلب مع الله سبحانه، وله علاقة طيبة عميقة مع سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

تغلب عليه العاطفة، مع مزيد من الوعي والعقل الراجح.

وكان يملك خطَّاً جميلاً، وكان ذا حسٍّ مرهف للإنشاد الجميل الممزوج بحب الله ورسوله.

 

أولاده:

1.    الدكتور رضوان، طبيب أسنان.

2.    الأستاذ الشيخ رياض، خريج كلية الشريعة.

3.    الأستاذ الشيخ ضياء، خريج كلية العلوم الطبيعية.

4.    الآنسة روضة.

5.    السيد صفوح، صاحب مهنة.

 

مرضه ووفاته:

في عام 1989م انحدرت صحة الشيخ وعاوده مرض قديم كان معه قبل وفاته بأربع سنوات، وكان مرضاً في قلبه، فنقل إلى مستشفى في الأردن، لإجراء عملية جراحية، لكن الله اختاره للقائه قبل إجراء العملية، عن عمر يناهز السبعين.

ففي مساء يوم الجمعة الواقع في 11شوال1409هـ، لبى الشيخ نداء ربه وفاضت روحه الطاهرة إلى بارئها، وحمل بموكب عظيم إلى دمشق ليستقبله أهلها بحزن عميق، على هذا الخطب الجلل الذي حل بهم.

صُلي عليه في رحاب الجامع الأموي الكبير، ثم وُوري ثراه الطاهر في مقبرة البوابة في الميدان، وبكاه أهل دمشق كبيرهم وصغيرهم.

رحمه الله ورضي عنه وأرضاه، وأسكنه فسيح جناته.

 

 

 

 التعليقات: 1

 مرات القراءة: 3536

 تاريخ النشر: 05/07/2009

2009-08-23

بسام

السلام عليكم وجزاكم الله خيرا على هذه الترجمة الطيبة لواحد ممن نحسبهم من وراث النبوة ونرجو الإكثار من مثل هذه المقالات المباركة فعند ذكر الصالحين تنزل الرحمة وأكرمنا الله جميعا بالسير على خطاهم

 

ملاحظة:
الآراء المنشورة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو القائمين عليه، ولذا فالمجال متاح لمناقشة الأفكار الواردة فيها في جو من الاحترام والهدوء ونعتذر عن حذف أي تعليق يتضمن:
1- يحتوي على كلمات غير مهذبة، ولو كانت كلمة واحدة.
2- لايناقش فكرة المقال تحديداً.

 

 1135

: - عدد زوار اليوم

7397275

: - عدد الزوار الكلي
[ 66 ] :

- المتصفحون الآن

 


العلامة الشيخ محمد حسن حبنكة الميداني


العربيــة.. وطرائق اكتسـابها..
المؤلف : الدكتور محمد حسان الطيان








 
   

أحسن إظهار 768×1024

 

2006 - 2015 © موقع رسالتي ، جميع الحقوق محفوظة

 

Design & hosting by Magellan