::: موقع رسالتي - رؤية جديدة في الخطاب الإسلامي :::

>> خطب الجمعة

 

 

وحدة الصف و جمع الكلمة

بقلم : الشيخ محمد خير الطرشان  

 

 ألقيت الخطبة في جامع العثمان بدمشق
 
الخطبة الأولى:
 
 ((الحمد لله، ثم الحمد لله، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتديَ لولا أن هدانا الله. يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، سبحانك! لا نحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن سيدَنا ونبيَّنا وحبيبَنا وقرة أعيننا محمداً عبدُه ورسولُه، وصَفِيُّه وخليلُه. اللهم صلِّ وسلم وبارك على هذا النبي الكريم، وعلى آل بيته الطيّبين الطاهرين، وأصحابه الغر الميامين أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلّم تسليماً كثيرا)).
أما بعد: فيا عباد الله! فأوصي نفسي وإياكم بتقوى الله تعالى، وأحثكم على طاعته والتمسك بكتابه، والاقتداء بسنة نبيه والسير على منهاجه إلى يوم الدين.
يقول الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم : (( واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون ))
أيها الإخوة المؤمنون ، يا أحباب سيدنا محمد الله صلى الله عليه وسلم : إن من أعظم غايات الإسلام اجتماعَ الكلمة ، وأُلفة القلوب ، وحدة الصف فيما يرضي الله سبحانه وتعالى ؛ لأن ألفة القلوب واجتماع الكلمة فيهما تتحقق مصالح الأمة جميعاً .
ومن هنا دعانا الله سبحانه وتعالى لأن نعتصم بكتاب الله وأن نتوحد خلف لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن وحدة الأمة الإسلامية هدفٌ ومطلبٌ قرآني عظيم ، وإن الفرقة والتخاصم والتنابذ ليس من دعوة نبينا عليه الصلاة والسلام بل إن رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم كان يدعو أمته إلى الجماعة ويقول : (( إن الله لا يجمع أمتي على ضلالة))
وإنما تجتمع الأمة على خير ، ويكون لقاؤها على خير، وتلتقي أفراد الأمة فيما هو خير هو وفيما هو صالح دينها ودنياها .
جاء في القرآن الكريم في سورة الأنعام قوله سبحانه وتعالى ((و أن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون ))
أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى معنى قوله ((وأن هذا صراطي مستقيماً )) بأن رسم خطوطاً متعرجاً متفرقاً ،ثم وضع خطاً مستقيماً وقال هذا الخط هو سبيل الله سبحانه وتعالى .
ونهانا الله سبحانه عن اتباع السبل المتفرقة المعوجة حتى لا نضل عن سبيله تبارك وتعالى ، وأمرنا ربنا في القرآن الكريم بأن نجمع كلمتنا على الخير فقال : (( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ))
أما البر فإنه ما يخدم الإنسانية بأسرها ، أما التقوى ففيها صلاح النفس وصلاح المجتمع ، وصلاح النفس يعمُ على المجتمع وصلاح المجتمع يعمُ الأمة بأسرها ، وفي إشارة قرآنية إلى وحدة الصف فيما بين المسلمين يقول الله تعالى : ( إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم )
فلا يجوز التنابذ ولا الفرقة ولا التخاصم فيما بين المسلمين كما أمر الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم ، وإلى ذلك أوضح وأشار كلام النبي صلى الله عليه وسلم في حديث رواه الإمام البخاري والمسلم : ((مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى لهسائر الجسد بالسهر والحمى)).
(( المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يحقره ولا يخذله )) (( المسلم للمسلم كالبنيان يشدُ بعضه بعضاً)) ،ويقوي بعضه من أزر بعض إذا أعوج أصلحه ، وإذا أساء نصحه ، وإذا قصر صبر عليه ، وإن بادر إلى مشروع خير كان معه فيما يرضي الله سبحانه وتعالى.
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم في إشارة صريحة واضحة إلى أن المسلم هو الذي يهتم بأمر أخيه ((من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم ))
بمعنى أن أخاً لك مرض ، أو أن أخاً لك سافر أو أن أخاً لك غاب ، فإن من واجبك أن تكون معه وأن تسأل عن حاله وأن تتفقد أوضاعه لأن المسلم هو الذي يشعر بأنين أخيه المسلم ولو كان في الصين شرقاً ، وقد قال الله سبحانه وتعالى في إشارة قرآنية إلى نبذ الفرقة والتعصب والتخلي عن الخصومة (( ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين ))
نهى عن النزاع ، وعن الخصومة التي تمزق أواصال المجتمع ، والتي تفرق ولا تجمع ، وتهدم ولا تبني ، ودعا إلى جمع كلمة المسلمين ووحدة صفوفهم فيما يرضي الله سبحانه وتعالى.
أيها الإخوة المؤمنون ، هكذا دعوة القرآن ، دعوة ٌإلى التسامح إلى المحبة إلى التواصل إلى التواد ود إلى بناء المجتمع القوي ،إلى تماسك صفوف المسلمين الداخلية ، إلى جعل هذه كلمة الله سبحانه كلمة لا إله إلا الله الكلمة العليا .
اللهم نسألك أن تجعل كلمة المسلمين الكلمة العليا وأن توحد صفوفهم وأن تنصرهم على أعدائهم ، إنك على كل شيء قدير وبالإجابة جدير، أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم .
الخطبة الثانية :
أيها الإخوة المؤمنون لقد كان في دعوة سلفنا الصالح رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم إلى وحدة الصف وجمع الكلمة نصوصٌ عظيمة لازال تاريخنا الإسلامي يتغنى بها لأنها كفلت خلال قرون طويلة أن تكون صفوفنا موحدة لا يفرقها مفرق ولا يدخل إليها عنصرٌ مخرب وإنما كانت صفوف المسلمين مجتمعةً متوحدةً بفضل توجيهات سلفنا الصالح رضي الله عنهم ومن ذلك قول سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : ( الخلاف شرٌ كلُّه )
وقال الحسن بن علي رضي الله عنهما : ( يا أيها الناس إن الذي تكرهون في الجماعة خيرٌ من الذي تحبون في الفرقة ))
وهذه المقولات كلها إنما تنسجم مع قول النبي صلى الله عليه وسلم (( إن الله لا يجمع أمتي على ضلالة )).
وقد أشار الإمام الشاطبي رحمه الله تعالى في كتابه الموافقات إلى أن المراد بالجماعة هم السواد الأعظم من المسلمين وما عليه العلماء المسلمين والمجتهدون والأئمة والصالحون وعامة المسلمين ، وهذه الجماعة الذي يعبر عنها العلماء بالسواد الأعظم هي الذي سن الرسول صلى الله عليه وسلم لنا أن نتمسك بها
يقول سيدنا عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه (سن رسول الله صلى الله عليه وسلم وولاة الأمر من بعده سنناً الأخذ بها تطبيق لكتاب الله ،واستكمال لطاعة لله ،وقوة على دين الله، ليس لأحدٍ تبديلها ولا تغييرها ولا النظر فيما خالفها ، من اهتدى بها مهتدٍ، ومن استنصر بها منصور ، ومن خالفها اتبع غير سبيل المسلمين))
ومن هنا أيها الإخوة من هذا المنبر منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم منبر الحق والصدق وكلمة الخير التي تجمع ولا تفرق وتبني ولا تهدم وتصب في مصلحة المسلمين
أهيب بعلماء المسلمين جميعاً ودعاتهم وخاصة الذين يتصدرون في قنوات الفضاء أن تكون كلمتهم لجمع الكلمة ووحدة الصف ، وأن تكون توجيهاتهم نابعة من الحرص على الجماعة ووحدة الكلمة وأن يكون عامة المسلمين جميعاً ممن يتنور بخطاب المتنورين
فنحن في زمنٍ لا نحتاج فيه إلى خطاب تخدير ولا إلى خطاب تفجير وإنما نحتاج إلى خطاب تنوير ينبع من كتاب الله ،ومن سنة رسول الله، ويحرص على إصلاح القلوب ،ألا وأن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب .
ألا وأننا إلى سبيل الإصلاح سائرون ، وفي سبيل الخيرية قادمون بإذن الله تعالى
ولقد رأينا من الإشارات ما يؤكد أن بلدنا المبارك هذا المحاط برعاية الله، المستظل ببركة دعاء سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ،أن البركة تحفه، وأن ملائكة السماء ترعاه.
كما يقول زيد بن حارثة رضي الله عنه بينما كنا نؤلف القرآن أي نجمعه من الرقاع أطرق رسول الله صلى الله عليه وسلم قليلا (( طوبى للشام فقلنا ولمَ يارسول الله قال : لأن الملائكة الرحمن باسطٌ أجنحتها عليهم ))
إنها البركة إنها جمع الكلمة إنها وحدة الصف إنها وحدة القلوب على مايرضي علام الغيوب سبحانه وتعالى فابتهلوا إلى الله وارفعوا أكفكم أن يحفظ بلادنا وأن يآمننا في أوطاننا وأن يجمع كلمتنا على مايرضيه .
الدعاء:
اللهم! اغفر للمسلمين والمسلمات، المؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات يا رب العالمين. اللهم! انصر من نصر الدين، واخذُل من خذل المسلمين، اللهم! من أراد للمسلمين خيراً فوفّقه لكل خير، ومن أراد بهم سوءاً فخذه أخذ عزيزٍ مقتدر. اللهم! أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه. اللهم! لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرّجته، ولا دَيناً إلا قضيته، ولا مريضاً إلا شفيته وعافيته برحمتك يا أرحم الراحمين اللهم اجمع كلمة ولاة العرب والمسلمين على مايرضيك يارب العالمين ، وألف بين قلوبنا يا أراحم الراحمين ويا أكرم الأكرمين وياخير مجيب
وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

 التعليقات: 3

 مرات القراءة: 9504

 تاريخ النشر: 18/05/2011

2012-06-28

محمد سليم

جزاكم الله خيرا على هذا العمل العظيم وارجو من الله ان يجعله فى ميزان حسناتكم يوم القيامه

 
2012-02-22

بابا نور

السلام عليكمورحمة الله وبركاته الاختلاف سنّة كونية ولكن المطلوب هو : 1- احترام رأي الآخر 0 2- العمل على نقاط الاتفاق و احترام خصوصيات الآخرين 0 3- ترك التفاصيل مادامت تفرق 0 و 00000

 
2011-09-26

مجهول

وحده الصف والكلمه هو ما نحتاجه في زماننا هذا . وما اصابنا الذي اصاب الا بسبب تفرقنا وتشتتنا.فمتى يتحد العرب والمسلمون ؟

 

ملاحظة:
الآراء المنشورة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو القائمين عليه، ولذا فالمجال متاح لمناقشة الأفكار الواردة فيها في جو من الاحترام والهدوء ونعتذر عن حذف أي تعليق يتضمن:
1- يحتوي على كلمات غير مهذبة، ولو كانت كلمة واحدة.
2- لايناقش فكرة المقال تحديداً.

 

 1236

: - عدد زوار اليوم

7397679

: - عدد الزوار الكلي
[ 55 ] :

- المتصفحون الآن

 


العلامة الشيخ محمد حسن حبنكة الميداني


العربيــة.. وطرائق اكتسـابها..
المؤلف : الدكتور محمد حسان الطيان








 
   

أحسن إظهار 768×1024

 

2006 - 2015 © موقع رسالتي ، جميع الحقوق محفوظة

 

Design & hosting by Magellan