::: موقع رسالتي - رؤية جديدة في الخطاب الإسلامي :::

>> محاضرات وندوات

 

 

الإسلام وثقافة الحفاظ على البيئة

بقلم : الشيخ محمد خير الطرشان  

الحفاظ على البيئة

في القرآن والسنة

بقلم

الشيخ محمد خير الطرشان 

أستاذ  القضايا  الفكرية المعاصرة

في قسم التخصص / معهد الفتح الإسلامي 

محاضرة للندوة الشهرية السادسة والخمسين

في المستشارية الثقافية للجمهورية الإسلامية الإيرانية بدمشق

بالتعاون مع جمعية أصدقاء البيئة في دمشق 

السبت 5 / نيسان / 2008م


بسم الله الرحمن الرحيم

 

مفهوم البيئة: لفظ البيئة، اسم مشتق من الفعل الثلاثي (بَاْءَ)، وهذا الفعل يستخدم لمعان كثيرة، أشهرها: النزول والإقامة بمكان معين، يقال: تبوَّأ فلان بيتاً أو داراً، أي: اتخذ منزلاً، ومنه قوله تعالى: {وبوَّأكم في الأرض} [الأعراف: 74].

فالبيئة بهذا المعنى تعني: الموضع الذي يرجع إليه الإنسان فيتخذ منه منزله وعيشه.

تعريف آخر للبيئة: هي المكان الذي تتوافر فيه العوامل المناسبة لمعيشة كائن حي، أو مجموعة كائنات حية.

والمفهوم العام لمصطلح البيئة يدل على ما يربط أفراد المجتمع من علاقات اجتماعية واقتصادية وقومية وثقافية وروحية وطبيعية.

مفهوم علم البيئة: هو علم يختص بدراسة العلاقات والتفاعلات المشتركة التي تحدث بين الكائنات الحية بعضها ببعض، وبينها وبين مختلف ظروف البيئة المحيطة بها.

أو بتعريف آخر: هو نمط من العلوم يعنى بدراسة العلاقة المتبادلة بين الكائنات الحية نفسها، الحيوانية (ومنها الإنسان)) والنباتية، بعضها مع البعض الآخر من جهة، ومن جهة أخرى التأثيرات المتبادلة بين الكائنات الحية والعوامل غير الحياتية المرتبطة بالمحيط المادي الذي تحيا فيه هذه الكائنات.

3ـ المشاكل البيئية المعاصرة:

يعيش الإنسان في عالمين: عالم فيه النبات والحيوان والهواء والماء، وعالم النظم الاجتماعية والمنتجات الصناعية التي ابتدعها الإنسان لنفسه خدمة لمصالحة وحوائجه.

وإن جهل الإنسان بمفهوم البيئة، وقلة عنايته بها، وانتشار الفهم الخاطئ لعلاقته بها، أدى إلى سوء استخدامه للموارد البيئية، مما أدى إلى استنزاف الطاقة البيئية وحدوث الدمار والإتلاف المباشر وغير المباشر، الذي سبب مشكلات كثيرة من أبرزها:

أ ـ التلوث البيئي.              ب ـ التصحر

ج ـ الانقراض والهلاك         د ـ الاستنزاف والإسراف وهدر الموارد والطاقات.

مفهوم التلوث: التلوث لغة مأخوذ من مادة ((لَوَثَ)) يقال: لوث ثيابه بالطين، أي: لطخها، ولوث الماء، أي: كدره. كما في مختار الصحاح (لوث).

التلوث بالمفهوم الحديث: هو كل ما يؤثر في كل أو بعض عناصر البيئة.

بما تشمل من (إنسان وحيوان ونبات) وكذلك كل ما يؤثر في تركيب العناصر الطبيعية غير الحية، مثل (الهواء والماء والتربة).

بمعنى: أن التلوث هو كل تغير سواء كان في الكم أو الكيف في مكونات البيئة الحية وغير الحية، ولا تقدر الأنظمة البيئية على استيعابه دون أن يختل توازنها.

أنواع التلوث: يمكن أن نحدد التلوث في نوعين رئيسييين:

الأول: ملوثات طبيعية، هي النابغة من مكونات البيئة نفسها كالتلوث بالميكروبات والجراثيم والحشرات الضارة والنباتات والحيوانات السامة.

الثاني: ملوثات صناعية، وهي التي تتشكل نتيجة لعبث الإنسان في البيئة، وهي ناتجة عن المخلفات الصناعية ووسائل المواصلات والنفايات البشرية وغيرها.

ويمكن أن نتحدث عن نوع من التلوث يعيش معه الإنسان قهراً، وهو الناشئ عن الصخب والضجيج، نتيجة لانتشار ورشات العمل والآلات الصناعية والزراعية ومحركات السيارات وأصوات تنبيهها الخارج عن الحد المعتاد (زمور السيارات) وهو ما نسميه [التلوث المعنوي] وهناك أنواع أخرى للتلوث اكتفي بتعدادها، كالتلوث الكهرومغناطيسي والتلوث الإشعاعي والتلوث الصناعي والذري.

أخطر أنواع التلوث:

يتجسد الخطر في تلوث الماء والهواء والغذاء.

ـ الماء نموذجًا:

أما الماء فهو العنصر الرئيسي لحياة الإنسان واستقراره، وأينما وجد الماء وجدت مظاهر الحياة المستقرة .

قال الله تعالى: (( وجعلنا من الماء كل شيء حي )) [الأنبياء /30]

والمياه أنواع، منها:

1-                  ماء السماء ((وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به)) [الأنفال ـ 11].

2-                  ماء النهر(( أمن جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا)) [النمل /61]

3-                  ماء العيون (( وفجرنا الأرض عيونا0000)) [القمر /12]

4-                  ماء البئر (( وبئرٍ معطَّلة وقصرٍ مَشيد )) [الحج /45]

5-                  ماء البرد (( وينزل من السماء من جبالٍ فيها من بَرَد ..)) [النور /43]

6-                  ماء البحر((وهو الذي سخر لكم البحر لتأكلوا منه لحماً طرياً))النحل

عناية الإسلام بالبيئة:

يظهر لنا أولاً عناية الإسلام بالإنسان، وتكريمه العظيم، بقوله تعالى ((ولقد كرمنا بني آدم)) [الإسراء /70]

ثم بتسخير الله تعالى النعم للإنسان ظاهرة وباطنه، قال تعالى: ((ألم ترو أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنه)) [لقمان /20]

وحفاظًا على هذه النعم كلف الإنسان بالعناية بما حوله من البيئة من حيوان وأشجار ونبات ومياه وأغذية، وهو جزء من مفهوم استخلاف الإنسان على الأرض.

ومن هنا فقد نهى الإسلام عن التخريب والفساد، قال تعالى: {ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها} [الأعراف: 85].

ثم أقر التشريع الإسلامي كثيراً من المبادئ التي تحمي البيئة وتصونها، كالعدل والحرية والمساواة والأمانة والصدق ومحاربة الظلم والفقر وكل أشكال الاستغلال والغش والخداع والنفاق والتبذير والإسراف، وبمعنى آخر: أحيا الإسلام (الضمير البيئي) في وجدان كل مسلم من خلال شعوره بالمسؤولية الملقاة على عاتقه تجاه الطبيعة وما فيها من مكونات بشرية وحيوانية ونباتية وخدمية.

ثقافة الحفاظ على البيئة

نشأت ثقافة الحفاظ على البيئة في الإسلام من خلال تنمية المعارف والقدرات والقيم والاتجاهات لدى جميع الأفراد تجاه البيئة بكل مكوناتها وعناصرها، وخلق الوعي والإحساس بالمسؤولية لديهم بحتمية المحافظة عليها وعدم استنزافها أو إساءة التعامل معها.

وقد عني القرآن الكريم بكل ما يساعد على ترسيخ هذه المفاهيم وتمتينها، من خلال عنايته بحياة الإنسان وكل ما يحيط به من نبات وحيوان وأرض وهواء وغذاء ، وقد بلغت الآيات القرآنية الكريمة التي تحدث عن البيئة وعلاقتها بالإنسانية (764) آية، وهو رقم كبير يدل على مدى عناية القرآن العظيم بالبيئة.

أما السنة النبوية فقد عالجت أهم مشكلات البيئة في كثير من الأحاديث الشريفة، علماً أن مشكلات البيئة آنذاك لم تكن كما هي عليه اليوم، إلا أن اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بالبيئة يدل على نوع من الإعجاز النبوي في كشف المستقبل.

تحريم الإفساد في البيئة :

- وردت آيات كثيرة في القرآن الكريم دلت على الفساد الذي يحدثه الإنسان في الأرض من معصية أو كفر، أو من الجور و الظلم وانتهاك الإنسان لحقوق أخيه الإنسان الذي هو انتهاك لحقوق البيئة بصيغة أخرى. والفساد لفظة تعبر عن أي خلل يقوم به الإنسان من سلوك شائن أو فعل قبيح أو صفة مرذولة، أو عن أي اضطراب يحدثه الإنسان في خلق الله. يقول الله تعالى {كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فساداً والله لا يحب المفسدين} المائدة: 64، ويقول: {الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون} سورة النحل/88.

وأيضا: {وثمود الذين جابوا الصخر بالواد (9) وفرعون ذي الأوتاد (10) الذين طغوا في البلاد (11) فأكثروا فيها الفساد} [سورة الفجر: 9 ـ 12].

وأيضا {وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد} سورة البقرة :205 ، والحرث : محل نماء الزروع والثمار ، والنسل هو نتاج الحيوانات التي لا قوام للناس إلا بهما فإفسادهما تدمير للإنسانية ، وإفساد للبيئة.

ولا شك أن إتلاف مكونات البيئة وقتل الأنعام وتلويث المياه وقطع الأشجار لغير مصلحة عامة، وكل ما يؤدي إلى فساد الحياة يعد فسادًا، والله لا يحب الفساد ولا المفسدين.

والإنسان في غمرة اكتشافه واختراعاته وغروره بقوته أخذ يتعامل مع محيطه على أساس أنه ملكه ومن حقه، وأن له ما شاء من العمل مما أثر سلبيًّا على الأنظمة البيئية وأدى بذلك إلى إفساد البيئة.

ولقد حرم الإسلام الفساد ووردت في ذلك آيات متعددة حيث اعتبر الإسلام الإفساد من صفة المنافقين والكفار، وأما الإصلاح فقرين الإيمان، يقول الله عز وجل {ولا تطيعوا أمر المسرفين (151) الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون} سورة الشعراء :151-152

ويقول أيضا: {ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين} [سورة الأعراف: 85] ويقول أيضا: {ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين} [سورة القصص: 77].

إن هذه الآيات السابقة تقدم لنا أسباب الفساد في البيئة وتوضح بأن ذلك مرتبط أساسا بأهواء البشر، ولو استقام الإنسان على شرع الله ومنهجه لأدى ذلك إلى إصلاح البيئة، وتجنب الكثير من المشكلات البيئية التي تعاني منها اليوم كالاستنزاف لموارد البيئة والتعطيل لها.

ونلاحظ أن الفساد لا يكون بارتكاب المعاصي أو الجور أو الظلم بل يتسع ليعبر عما يحدثه الإنسان في البيئة من تلوث وفساد. وأي ضرر يحيق بمكونات البيئة وما فيها من مخلوقات سينعكس سلبا على الإنسان نفسه، وهكذا نجد أن القرآن الكريم تحدث عن مشكلة تلوث البيئة قبل وقوعها بنحو أربعة عشر قرنا وأشار إلى أنها ستكون نتيجة لما تصنعه يد الإنسان.

والتلوث إفساد لمكونات البيئة بحيث تتحول هذه المكونات من عناصر مفيدة إلى عناصر ضارة، مما يفقدها دورها في صنع الحياة.

ويمكن تعريف التلوث: بأنه اختلال في توزيع نسبة وطبيعة مكونات الهواء والماء والتربة.

ويعد تلوث الهواء من أكبر المشاكل التي تواجه المجتمعات المعاصرة، ويتلوث الهواء عندما توجد فيه مادة أو أكثر غازية أو سائلة أو صلبة، أو عندما يحدث تغير ملحوظ في نسبة الغازات المكونة له، وتؤدي هذه المواد والتغيرات إلى تأثيرات ضارة مباشرة أو غير مباشرة في الكائنات الحية المكونة للنظام البيئي.

ومشكلة ثقب الأوزون: ((الذي هو شكل من أشكال الأوكسجين موجود في الطبقة العليا من الجو يَحُول دون وصول كميات كبيرة من الإشعاع الذي تبثه الشمس وتتعرض له الأرض. وإذا فسدت طبقة الأوزون أو ثقبت نتيجة الغازات السامة، سيؤدي إلى وصول تلك الإشعاعات إلى الأرض)) تعتبر من أهم المشاكل في هذا العصر التي تسبب بها تلوث الهواء بغازات سامة كالدخان المشبع بها. ولقد وصف القرآن الكريم الدخان بأنه عذاب أليم. قال تعالى: {فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين يغشى الناس هذا عذاب أليم} [سورة الدخان: 10 ـ 11]، وذلك لأن الدخان ((الذي هو عبارة عما ينتج عن احتراق الوقود كالبترول أو عن حرق النفايات والمخلفات الصناعية أو أي احتراق آخر)) مضر بأنواعه، ويخضع الحكم على مدى الضرر الناتج من التلوث بالدخان إلى مصدره المسبب له، وأما الماء فقد ارتبطت الحياة به قال تعالى: {وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون} [سورة الأنبياء: 30] فأينما وجد الماء وجدت مظاهر الحياة. وتلوث الماء من أوائل الموضوعات التي اهتم بها العلماء والمختصون في مجال حماية البيئة، والمراد بتلوثه تدنيس مجاري الماء من أنهار ومحيطات وبحار، إضافة إلى مياه الأمطار والآبار والمياه الجوفية، مما يجعل الحياة غير صالحة للإنسان أو الحيوان أو النبات أو الأحياء التي تعيش في المسطحات المائية، كما أن الماء أيضًا يتلوث عن طريق المخلفات الإنسانية أو الحيوانية أو المعدنية أو الصناعات الكيماوية التي تلقى أو تصب في المسطحات المائية من محيطات وبحيرات وأنهار.

والمطر أحد أهم أشكال إغناء الأرض بالحياة ولقد دلت هذه الآية على أهميته للأحياء قال تعالى: {وهو الذي أرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته وأنزلنا من السماء ماء طهورا} [سورة الفرقان: 48]. ولكن عندما ذابت الغازات النتروجينية التي تتصاعد من مداخن المصانع مع بخار الماء الموجود في الغلاف الجوي المكون للسحب مشكلاً حمض الكبرتيتك، نزل ماء المطر من السماء وهو يتصف بخاصية الحموضة، ووجدت الأمطار الحامضية، فأتلفت كل ما صادفته وسببت في هلاك الحرث والنسل.

أما بالنسبة للتلوث الصوتي أو الضجيجي، فإن الضجيج يعرف: بأنه صوت لا يرغب الإنسان سماعه لأنه يسبب إقلاق راحته. والقرآن الكريم نهى عن إحداث الضوضاء والضجة والأصوات المرتفعة حتى داخل المسجد ولو كانت الضجة لتلاوة القرآن، قال تعالى: {ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا} [سورة الإسراء: 110]. وقال تعالى في سورة لقمان مصوراً حال من يتحدث بصوت مرتفع كحال الحمار صاحبِ أنكر الأصوات وأقبحها، إذ أن أول صوت الحمار زفير وآخره نهيق: قال تعالى: {واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير} [سورة لقمان: 19] وبالإضافة إلى هذه الصور البغيضة للصوت المرتفع الذي يؤذي المستمع، فهناك من الأصوات ما يقتل، مثل أصوات القنابل أو الانفجارات الهائلة الناتجة عن القنابل الذرية، كلها تؤدي إلى هلاك الإنسان والحيوان في الحال.

فمثل هذه الأصوات يؤدي إلى انفجار الرئتين وتوقف القلب والوفاة السريعة. وقد أشارت إلى هذه الحقيقة العلمية آيات متعددة من القرآن الكريم منها قوله تعالى: {ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون} [سورة يس: 49 ـ 50] وقوله: {وأخذ الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين} [سورة هود: 67] وقوله: {فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض} [سورة العنكبوت: 40].

وهكذا ينقلب الصوت إلى قوة مدمرة مهلكة إذا زادت شدته واستفحل أمره، ولذلك أشار القرآن إلى أنه ليس ثمة تلوث صوتي في الجنة، فيخبرنا عنها قائلا: {لا تسمع فيها لاغية} [سورة الغاشية: 11] ويقول: {لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما إلا قيلا سلاما سلاما} [سورة الواقعة: 25 ـ 26].

النهي عن الإسراف في استخدام مكونات البيئة:

الإسراف من أسباب تدهور البيئة، لاستنزاف مواردها، ويؤدي إلى نتيجة إهلاك الحرث والنسل وتدمير التوازن البيئي، وقد وردت آيات متعددة تنهى عن الإسراف في استخدام مكونات البيئة، يقول تعالى: {والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما} [سورة الفرقان: 67] ويقول: {ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا} [سورة الإسراء: 29]. وجعل سبحانه وتعالى المبذرين إخوان الشياطين بقوله: {إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا} [سورة الإسراء: 270].

ونهانا المولى عز وجل عن الإسراف في المطعم والمشرب بقوله: {كلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين} [سورة الأعراف: 31] كما أنه سبحانه وتعالى جعل المسرفين من المفسدين في الأرض وحذرنا من التعامل معهم بقوله عز وجل: {ولا تطيعوا أمر المسرفين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون} [سورة الشعراء: 151 ـ 152].

هذه الآيات الكريمة بينت لنا الحقائق والمفاهيم عن الإسراف وخطورته، وأن الابتعاد عن الإسراف مبدأ سامي في السلوك الإسلامي، ومن خلاله نستطيع المحافظة على نعم الله عز وجل لأن النعمة إذا انقطعت قلما تعود.

قال تعالى: {وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميراً} [سورة الإسراء: 16].

ثالثًا: النهي عن التغيير في طبيعة مكونات البيئة:

كانت كثير من الأعمال التي يقوم بها الإنسان مخلة بالتوازن الطبيعي للبيئة، لأنها تؤدي إلى تغيير الطبيعة وما خلق الله بها من عناصر البيئة، وهو ما يدل عليه المعنى العام للآية الكريمة {ولآمرنهم فليغيرن خلق الله ...} [سورة النساء: 119] والواجب الشرعي يقضي بوجوب الابتعاد عن التغيير في خلق الله، والبيئة التي خلقها الله، والمعروف أن كثيرًا من المشكلات البيئة كالتصحر والجفاف والتلوث وغيرها نتجت عن التدخل البشري الذي غير في عناصر البيئة الطبيعية وفي توازنها، وبالتالي فإن الآية الكريمة توجه المسلم إلى أهمية البعد عن تهديد الاتزان البيئي، وتحذره من التصرف اللاواعي في مكونات البيئة، الأمر الذي يسبب له في حالة حصول مشكلات على مستوى الفرد وجماعة.

حماية البيئة:

عرف الإسلام نظام الحماية الطبيعية للموارد البيئية وذلك من خلال نوعين من الحماية: دائمة وفصلية.

أ ـ الحماية الدائمة: وهي تشمل منطقة الحرام المكي والحرم النبوي، أي مكة المكرمة والمدينة المنورة. قال تعالى: {وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا} [سورة البقرة: 125] وقال أيضا: {إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا} [سورة آل عمران: 96 ـ 97].

فمكة المكرمة إذا منطقة أمان فريد من نوعه شمل الطير في الجو والصيد في البر، والنبات في الأرض، فهذه المنطقة لا يصاد صيدها ولا يروع طيرها ولا حيوانها ولا يقطع شجرها.

أما الحرم المدني فقد وردت حرمته في السنة الشريفة حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((المدينة حرم ما بين ثور إلى عير)).

ب ـ الحماية الفصلية: وهي حماية مؤقتة، مرتبطة بزمام الإحرام لمن أراد الحج والعمرة قال تعالى: {جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس والشهر الحرام والهدي والقلائد ذلك لتعلموا أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض} [سورة المائدة: 97]. إن أرض الحج هي البلد الحرام وزمن الحج يقع في شهري ذي القعدة وذي الحجة ـ من الأشهر الحرم ـ والله جل جلاله جعل الأشهر الحرم لتكون منطقة زمنية آمنة، أما الكعبة فهي آمنة مكانا، والمسلم حين يحرم بالحج يظل فترة إحرامه في سلام حقيقي مع من حوله، وما حوله. فلا يجوز له أن يقطع نباتا أو يعضد شجرة، كما لا يجوز له أن يذبح حيوانا صاده غيره له أو يرمي هو صيدا في الحرم أو خارجه. قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم} [سورة المائدة: 95] {وحُرمَ عليكم صيد البر ما دمتم حرماً} [سورة المائدة: 96].

إن هذا التحريم بنوعيه الدائم أو الفصلي، يؤدي إلى تربية الإنسان عملياً، وذلك للتعامل مع معطيات البيئة بكل مكوناتها، من أرض وحيوان ونبات، ويوحد الأساس العملي لفكرة المحميات الطبيعية، حتى إذا انطلق المسلم بعد ذلك في البيئات أيا كانت، يكون محافظا عليها، سليم التعامل معها ومع طيرها ونباتها وحيوانها.

عناية الإسلام بالإنسان:

عني الإسلام عناية بالغة بالإنسان وبين فضله وأهميته على سائر المخلوقات خصوصاً فضل العقل ، وسخر له البيئة بأنواعها.

وللإنسان تعريفات متعددة، فتعريفه من الناحية اللغوية هو مصدر ((أنس)) ((يأنس)) إنسانا على وزن ((عرفان)) بمعنى ألف ألفة أي: ضد الوحش.

الإنسان هو محور الوجود المشهور منطلق التكليف المعهود.

وتحسب أنك جِرْم صغير                      وفيك انطوى العالم الأكبر

الإنسان: كائن حي موجود بالاضطرار متميز عن بقية الكائنات الحية بآلية المعرفة وقدرة الاختيار، أَهْلٌ بهذا للتكليف.

فكان الأول في النوع خلقا ومكانة من حيث التصنيف.

ومن عناية الإسلام بالإنسان أنه حثه على الطهارة، والطهارة في اللغة: هي النزاهة عن الأقذار. وفي الشرع: رفع ما يمنع الصلاة من حدث أو نجاسة. ووردت مادة الطهارة واشتقاقاتها المختلفة في (321) موضعًا في القرآن الكريم منها قوله تعالى: {وثيابك فطهر} [سورة المدثر: 4] وقوله تعالى: {إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين} [سورة البقرة: 222] وقوله تعالى: {وإن كنتم جنبا فاطهروا} [سورة المائدة: 6] وقوله: {فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن} [سورة البقرة: 22] ويمثل هذا لمفهوم قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((الطهور شطر الإيمان)) رواه مسلم في صحيحه.

ووردت الطهارة في القرآن بمعان مختلفة، ومنها:

1 ـ الطهارة بمعنى طهارة القلب كما في قوله تعالى: {ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن} [سورة الأحزاب: 53].

2 ـ الطهارة من الفاحشة والزنى، كما في قوله تعالى: {قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون} [سورة النمل: 56].

3ـ طهارة المال فلا يدنس بحرام، كما في قوله تعالى: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها} [سورة النور: 103].

 

كما تشمل الطهارة نظافة كل من البدن والثوب والمكان والماء:

أ ـ نظافة البدن: فقد حث الإسلام على نظافة الإنسان المسلم لبدنه، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله طيب يحب الطيب نظيف يحب النظافة)).

ويندرج تحت هذا النوع من النظافة الطهارة من الحدث والخبث.

الوضوء: لقد أمر الإسلام بتكرار الوضوء عدة مرات في اليوم الواحد تنظيفا للأعضاء المكشوفة من جسم الإنسان التي تكون أكثر تلوثا بالميكروبات، ولذا لا بد من غسل الجلد باستمرار للتخلص منها، قال عليه الصلاة والسلام في الوضوء: ((الوضوء على الوضوء نور على نور)). والاستحمام الواحد يزيل عن جلد الإنسان أكثر من مئتي مليون ميكروب ولذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((حق على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام يوما يغسل فيه رأسه وجسده)).

المضمضة: أمر الإسلام أن يتخلص المسلم من فضلات وآثار الطعام من بين أسنانه حيث قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((ليس شيء أشد على الملكين من أن يريا بين أسنان صاحبهما طعاما وهو قائم يصلي)) رواه ابن ماجه. والمعروف أن المضمضة في الوضوء تحفظ الفم والبلعوم من الالتهابات ومن تقيح اللثة وتقي الأسنان من التسوس فقد ثبت أن 90% من الناس يفقدون أسنانهم ولو اهتموا بنظافة فمهم لما فقدوا أسنانهم قبل الأوان، وأن المادة الصديدية والعفونة التي تتكون في الفم لا يقتصر ضررها على تقيح اللثة فإنها تدخل المعدة مع اللعاب والطعام فتمتصها المعدة وتسري إلى الدم، ومنه إلى جميع الأعضاء وتسبب أمراضا كثيرة.

كما ذكر الأطباء وجود أنواع هائلة من الميكروبات بالفم واللعاب، ولأجل التخلص من هذه الميكروبات سن الإسلام استخدام السواك فقال عليه السلام: ((تسوكوا فإن السواك مطهرة للفم مرضاة للرب)) رواه أحمد والنسائي والترمذي. وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((نعم السواك الزيتون من شجرة مباركة، يطيب الفم ويذهب بالحفر، وهو سواكي وسواك الأنبياء قبلي)) رواه الطبراني، وعن أبي أيوب الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((أربع من سنن المرسلين: الحياء والتعطر والنكاح والسواك)) رواه الترمذي.

الاستنشاق: حث الإسلام على الاستنشاق وجعله بمثابة المضمضة للفم حيث يفيد في تنظيف الأنف؛ لأن دخول الماء للأنف ثم خروجه يؤدي إلى التخلص من المادة المخاطية التي تكون مأوى لكثير من الميكروبات وينظف شعر الأنف منها.

ومن سنن الفطرة في نظافة الجسد أيضا ما ذكره أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الفطرة خمس، أو خمس من الفطرة: الختان، والاستحداد، وتقليم الأظافر، ونتف الإبط، وقص الشارب)) متفق عليه.

2 ـ نظافة الثوب: يطالب الفرد في المجتمع الإسلامي بأن يكون حسن المظهر جميل الهندام نظيف الثوب كما يقول تعالى: {يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد} [سورة الأعراف: 31].

وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس مظهرا وأجملهم ثيابا، وكان يحث أصحابه على نظافة ملابسهم، فقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا عليه ثياب متسخة فقال: ((أما كان هذا يجد ما يغسل به ثوبه)) رواه أبو داود.

وقد جعل الإسلام طهارة الثياب شرطا لصحة العبادات التي لا تنقطع، وهذا يتطلب من الإنسان حرصا دائما على طهارة ملبسه من جميع النجاسات التي تصيب الجسم بقصد أو من غير قصد حيث يقول تعالى: {وثيابَك فطهر} [سورة المدثر: 4].

وأكد صلى الله عليه وسلم نظافة الثياب في مواطن الاجتماع مثل ((الجمعة والعيدين)) حيث إن نظافة الثوب تساعد على إبعاد الإنسان ووقايته من مصادر التلوث بالميكروبات والأمراض المعدية.

3ـ نظافة المكان: فقد حث الرسول الكريم على نظافة البيوت فقال صلى الله عليه وسلم ((إن الله طيب يحب الطيب، جواد يحب الجواد، كريم يحب الكرم، نظيف يحب النظافة، فنظفوا أفنيتكم ولا تشبهوا باليهود)) رواه الترمذي.

حيث يحذرنا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الشريف من التشبه باليهود الذين كانوا لا يعنون بنظافة بيوتهم من القمامة والفضلات، وتتهدف دعوة الإسلام إلى نظافة البيوت للمحافظة على الصحة العامة، لأن تراكم الأوساخ في البيوت يعطي الحشرات والجراثيم مجالاً رحباً للانتشار والتكاثر، فضلاً عن انبعاث الروائح الكريهة التي تزكم الأنوف وتجعل البيوت مكانا غير صالح للإقامة فيه.

ومن نظافة المكان تنظيف المساجد والأسواق والمنتديات وغيرها من الأماكن التي يقيم الإنسان فيها بصورة دائمة أو مؤقتة، كما يحث الإسلام بوجه عام على نظافة الأرض وحمايتها من التلوث، حيث جعل نظافة المكان شرطا أساسيا للأرض التي تؤدى عليها الصلاة، ولا تصح صلاة المرء إذا لم يؤدها فوق تربة نظيفة من القاذورات بأنواعها.

وعن أبي ذر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (عرضت علي أعمال أمتي حسنها وسيئها، فوجدت في محاسن أعمالها الأذى يماط عن الطريق، ووجدت في مساوئ الأعمال النخامة تكون في المسجد لا تدفن)) رواه مسلم.

محافظة الإسلام على نظافة الماء:

إن المحافظة على نظافة الماء من التلوث والفساد تعد أساسا للمحافظة على الحياة بأشكالها المختلفة لأنه أصل الحياة، قال تعالى: {وجعلنا من الماء كل شيء حي} [سورة الأنبياء: 30]. وتحفل الشريعة الإسلامية بنصوص كثيرة تحث على حماية الماء من التلوث. فعن جابر رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يبولن أحدكم في الماء الراكد ثم يغسل منه)) رواه النسائي، ومن المعلوم لدى الإنسان أنه هناك أمراض كثيرة تنتج عن الاستحمام في الماء الراكد الذي سبق التبول فيه، مثل ((البلهارسيا والكوليرا وغيرهما))، كما ذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم ((نهى أن يبال في الماء الجاري)) رواه الطبري. والهدف من هذا النهي هو المحافظة على نظافة الماء من التلوث بالطفيليات التي قد تكون مع البول ((مثل ديدان الأنكلستوما وغيرها)). وفي حديث آخر عن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ((اتقوا الملاعن الثلاث: البراز في الماء وفي الظل وفي طريق الناس)) رواه ابن ماجه.

التشجير في القرآن والسنة:

الزراعة مأخوذة من الزرع بمعنى طرح البذور أو الإثبات، فيقال زرعه الله أي أنبته، ومنه قوله تعالى: {أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون} [سورة الواقعة: 64].

ولقد ذكرت الزراعة في القرآن الكريم 14 مرة كما ذكر الشجر 26 مرة وهناك الكثير من الآيات التي تتحدث عن الزرع والشجر والثمر سواء في الدنيا أو في الآخرة ((سواء في الجنة أو النار، مثل قوله تعالى: {هو الذي أنزل من السماء ماءً لكم منه شراب ومنه شجرٌ فيه تُسيمون} [سورة النحل: 10] وقوله تعالى: {أمن خلق السماوات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أءله مع الله بل هم قوم يعدلون} [سورة النمل:60].

وهي دعوة صريحة لانتشار الحدائق والتشجير وزيادة الخضرة.

كما تحدثت الأحاديث النبوية الشريفة عن أهمية التشجير والدعوة إليه، عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منه الطير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة)) وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ((إذا قامت القيامة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها فإن له بها صدقة)) ولقد حث الرسول صلى الله عليه وسلم على الاهتمام بغرس الأشجار وزراعتها، لما فيها من استمرارية للحياة، وفائدة للناس، كما نهى الإسلام عن قطع الأشجار حيث يروى عنه صلى الله عليه وسلم قوله: ((من قطع سدرة صوب الله رأسه في النار)).

أهمية التشجير وفوائده في المجتمعات المعاصرة:

1ـ التشجير والخضرة عموما تساعد على شعور الإنسان بالسعادة والمرح ((حيث يحدث تأثير نفسي للمناطق الخضراء والخضرة)) خاصة عند رؤية الزهور ذات الرائحة العطرة ونبات الزينة ذات الأشكال الجميلة.

2ـ الأشجار تستخدم للظل وتحمي من حرارة الشمس المسافرين والعمال والزراع وغيرهم، كما في قوله تعالى: {لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا} [سورة الفتح: 18].

3ـ حماية البيئة من عوامل المناخ، وتلطيف الجو، خاصة في المناطق الحارة عن طريق النشر للأشجار، فلقد ثبت أن درجات الحرارة في المناطق الخضراء المحيطة بالمدن تقل بحوالي 10 درجات مئوية عنها داخل المدن، كما أن الظل الكثيف من النباتات والأشجار حول المبنى ((المنزل)) يخفض درجة الحرارة حوالي 20 درجة فهرنهيت، ويمكن إيجاد ذلك بزراعة أشجار متساقطة الأوراق كثيفة الأوراق.

4ـ تستخدم في توفير المواد الغذائية، الإنسان والحيوان، حيث يمكن الحصول على الثمار المختلفة من الأشجار كغذاء مثل: ((البلح ـ الرمان ـ التين ـ وغيرها)).

5 ـ الحصول على الخشب من الأشجار واستخدامه في صناعات مختلفة، مثل الأثاث وغيره.

6ـ استخدام الخشب ((الناتج من قطع الأشجار)) في التدفئة والحصول على الطاقة بكافة أنواعها (من فحم ـ بترول وخلافه).

7ـ استخدامات أخرى للأشجار في الأدوية والعلاج وصحة الإنسان، مثل استخدام قلف أشجار الصفصاف في العلاج، والمسواك (من شجرة الأراك) وفي صناعات غذائية.

8ـ تعمل الأشجار كمعدات للرياح في الأراضي الصحراوية لحماية الزرع والنباتات، وذلك مثل أشجار (الكافور والكازورنيا والأكاسيا والعبل والأثل).

9ـ كما يعد نشر الخضرة والتشجير ذا ثواب للإنسان، كما في الحديث السابق: ((ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعًا فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة))، هذا بالإضافة إلى أن الأشجار الخضراء والنباتات الحية، تسبح الله سبحانه وتعالى كما في قوله تعالى: {والنجم والشجر يسجدان} [سورة الرحمن].

اهتمام الدين الإسلامي بالتربية البيئية:

اهتم الدين الإسلام الحنيف بالتربية البيئية للنشء والشباب بل للأسرة عموما اهتماما كبيراً، وقد راعت تعاليمه الكريمة أن تكون التربية البيئية شاملة لكل جوانب الحياة الطبيعية والإنسانية والسياسية والاجتماعية والثقافية والتشريعية.

كما حرص الإسلام على أن تكون التربية البيئية الإسلامية متعددة الأساليب ومتداخلة المعارف كما يجب أن تشجع المشاركة الفعلية في معالجة المشاكل البيئية ووضع المزيد منها في الحسبان، وعلى سبيل المثال وليس الحصر تربية المسلم على حسن استخدام الطريق ومنع الأذى والضرر عنه، فقد أرشد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى نظافة الطريق ورفع الأذى عنه قال عيه الصلاة والسلام: ((إماطة الأذى عن الطريق صدقة)).

هذا الحديث النبوي الشريف يربي المسلم ويغرس فيه سلوكا بيئيًا إسلاميًّا الهدف منه رفع الأذى بكل أنواعه عن الطريق وصيانته والحفاظ عليه كجزء أساسي من البيئة المحيطة من حولنا، كما أن هذا الحديث جعل إماطة الأذى عن الطريق بكل أشكاله المادية والمعنوية عبادة وفرض عين على كل مسلم.

والمقصود بالأذى ما يضر بالطريق ويشوه منظره وجماله ونظافته ويعيق استعماله ويتسبب في وقوع الحوادث أو إرباك المرور أو إلقاء القاذورات والمخلفات كالزجاجات والعلب الفارغة حيث يعد نوعا من أنواع الأذى، لأنه يسبب تلوث البيئة بهذه المخلفات.

إن معالجة القضايا البيئية من جهة النظر الإسلامية تكون بإعطاء قدر كاف من النصح الإسلامية المدعمة بآيات من القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة، هذا ينمي في عقل المسلم السلوك البيئي الحسن ويجب أن يكون للدعاة والموجهين الدعويين من خطباء المساجد وغيرهم دور كبير في النصح والتوجيه من خلال خطبهم ودروسهم.

تقصير الناس في التعامل مع البيئة:

بعد أن أوضح الخالق جل وعلا لعباده كيف خلق الكون وكيف يسيره على أكمل وجه وكيف سخر للإنسان السماء لتسقي أرضه وزرعه بالغيث وسخر له البحر ليأكل منه لحما طريا، وخلق الأنعام فيها للإنسان فوائد ومنافع، استغل الإنسان كل هذه المصادر والموارد البيئية التي أعطاها وسخرها له الخالق سبحانه وتعالى واستنزفها دون حساب ولا حكمة خلافاً لما أقره الله تعالى في كتابه العزيز وأوصى به الرسول صلى الله عليه وسلم في سنته النبوية الشريفة، قال تعالى: {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين} [سورة الأعراف: 31].

وإذا نظرنا إلى هذا الأمر من زاوية بيئية وجدنا أن الاستخدام الجائر للموارد البيئية التي سخرها الله لنا هو سلوك ضار وخطير على هذه الموارد لأنه يستنزفها، والنتائج السلبية لهذا السلوك الجائر سببت الكثير من المشكلات البيئية مثل تلوث التربة والهواء، التدمير التدريجي لطبقة الأوزون، التغيرات المناخية، قطع الأشجار، وإزالة الغابات، وانقراض بعض الأنواع النباتية والحيوانية ومشكلة التصحر وغيرها من المشكلات.

 

إن العالم اليوم عرضة لخطر نفاد الموارد البيئية والطبيعية ومعرض إلى خطر النفايات الصناعية والذرية وكل ذلك يشكل أزمة أخلاقية. ولا يجوز للمسلم أن يظل مكتوف الأيدي حيال هذا الاستنزاف السائد، بل عليه أن يتدبر أمره ويلتزم بحماية البيئة بدافع من إيمانه بخالقة ويجب عليه أن يغير من أسلوب حياته ومعيشته ليحافظ على النظام البيئي الذي يعيش فيه وينعم بمصادره وخيراته.

إن حماية البيئة والحفاظ على الموارد الطبيعية هما من واجبات الفرد والمجتمع وديننا الإسلامي الحنيف يدعونا إلى النظافة للحفاظ على الأرض نظيفة والهواء نقيا والماء صافيا.


الخاتمة

التوصيات والنتائج

في نهاية هذا البحث، وبعد ذكر أسباب المشكلات البيئية الناتجة عن : ( التلوث، التصحر، الانقراض، الاستنزاف، وهدر الموارد  لا يخفى على أحد أن البيئة التي احتضنت الإنسان يوم خلق كانت بيئة حفية به حانية عليه ضامنة لأسباب حياته، وكان يمكن أن يظل الأمر كذلك لولا ما واكب البيئة من سوء تصرفات الإنسان تجاهها من خلال المشاكل التالية:

1ـ استنزاف الطاقة والموارد المعدنية وتدهورها.

2ـ تدهور الموارد النباتية والحيوانية.

3ـ انخفاض منسوب المياه الجوفية.

4- الاعتداء على البيئة بكل الوسائل .

5- التلوث البيئي بكل أنواعه .

أستطيع أن ألخص النتائج التي وصلت إليها في الأمور التالية:

أ ـ البيئة نعمة كبرى، وعلى الإنسان بشكل عام والمسلم بشكل خاص أن يحافظ عليها .

ب ـ إعطاء الفرصة للعلماء والدعاء والموجهين في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة ولو مرة في كل حين بإلقاء النصائح والإرشادات الدينية حول التربية البيئية.

ج ـ تدعيم المناهج والمقرات البيئية في المراحل التعليمية المختلفة بالنهج الإسلامي الرشيد الذي يلزم المسلم بالسلوك البيئي القويم الذي يحمي البيئة ويحافظ عليها.

د ـ اعتقاد الفرد والمجتمع بحماية البيئة والحفاظ على الموارد الطبيعية، وقد دعانا الإسلام إلى النظافة للحفاظ على الأرض نظيفة وعلى الهواء نقيا وعلى الماء صافيا.

هـ -  البعد عن الاستخدام الجائر للموارد البيئية التي سخرها الله لنا.

وضع استراتيجية للتربية البيئية الإسلامية بحيث يكون  هناك سعي لإحداث برنامج تعليمي بيئي يناسب كل المراحل التعليمية، ويجب أن يكون نتاج هذه الاستراتيجية إدراك كامل لمفاهيم ومبادئ القضايا والمشكلات البيئية .

 

والحمد لله أولاً وآخراً


 

 التعليقات: 2

 مرات القراءة: 18128

 تاريخ النشر: 06/04/2008

2013-05-22

المهندس رائد الطلاع

جزاك الله الف خير ياشيخنا الفاضل,على هذه المعلومات القيمة,لأن الحفاظعلى البيئة,من أهم الأسباب للحفاظ على استمرار الحياة بشكل متوازن,بكل شيئ

 
2009-05-06

مهدي

أنا تلميذ في السنة الثالثة إعداي وقد إستفدت من هذا الموضوع في كتابة بحث حول الإسلام والحفاظ على التوازن البيئي. فجزاك الله خيرا فضيلة الشيخ محمد خير الطرشان

 

ملاحظة:
الآراء المنشورة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو القائمين عليه، ولذا فالمجال متاح لمناقشة الأفكار الواردة فيها في جو من الاحترام والهدوء ونعتذر عن حذف أي تعليق يتضمن:
1- يحتوي على كلمات غير مهذبة، ولو كانت كلمة واحدة.
2- لايناقش فكرة المقال تحديداً.

 

 1363

: - عدد زوار اليوم

7403903

: - عدد الزوار الكلي
[ 56 ] :

- المتصفحون الآن

 


العلامة الشيخ محمد حسن حبنكة الميداني


العربيــة.. وطرائق اكتسـابها..
المؤلف : الدكتور محمد حسان الطيان








 
   

أحسن إظهار 768×1024

 

2006 - 2015 © موقع رسالتي ، جميع الحقوق محفوظة

 

Design & hosting by Magellan