wwww.risalaty.net


من رحم الصحراء أطلَّ نوره


بقلم : الشيخ محمد خير الطرشان

من رحم الصحراء أطلَّ نوره ..

نورٌ أضاء في مكة في زمن الوثنية، تهلَّل الوجود لمولده فرحاً واستبشاراً ..

طفلٌ يتيمٌ، تناوب على رعايته جدُّه ثم عمُّه، فوجدوا معنىً متميزاً في رعاية الأيتام، حتى مرضعته حليمة السعدية، التي نَعِمت بإرضاعه، فحلَّت البركة في بيتها، وذاقت من متعة إرضاعه مالم تعرفه من أولادها..

إنها بركة النبوة، وخيرية الرسالة، ونور الهداية ..

في مكة كانت نشأته، برعاية سماوية، وعناية إلهية، فلم يسجد لصنم ولم يعبث في صباه كما يعبث الصبيان، لقد كان يتهيأ لوحي السماء ..

أحبَّ شبابُ مكةَ الاقترابَ منه، فخالطهم ولم يتأثر بدعواهم، وعمل في التجارة، فكان الصادق الأمين، ومالت نفسُه إلى العزلة والتفكُّر، فكان يقصد رؤوس الجبال، يتفكر في ملكوت السماء والأرض، فازداد نورُ قلبه ألقاً، وتوقَّد عقلُه ضياءً، وهذَّب نفسَه وهيَّأها لتلقي وحي السماء ..

رحل إلى الشام في تجارة فاكتشف أن كلاءةً خاصةً ترعاه، وأنَّ يداً حانيةً تحوطُه، فاجتهد في إدراك حنيفيَّة أبيه إبراهيم، ووجد غاراً في رأس جبلٍ يأوي إليه، ويناجي ربَّه أن يُلهمه الخير، فجاءه ملك الوحي جبرائيل، يمسك به ويرشده السبيل، اقرأ يامحمدُ، اقرأ رسالةَ السماء للأرض، فأنتَ الحبيبُ الذي اصطفاه ربُّه، وربُّك الجواد الأكرم، الذي مَنَّ عليكَ وأنعم، فكما كلَّمَ موسى من قبلُ وصنَعَه على عينه، فإنَّكَ في أعين الله الذي علَّم بالقلم، لتكون صاحب رسالة العلم والمدنية والعدل وكرامة الإنسان ..

وشعَّ نور الهداية وأضاء من شعاب مكة، وجلجل صوتُ الله أكبر حول الكعبة المشرفة، وسجد المؤمنون لربهم جلَّ في علاه ..

التفَّ حوله الفقراءُ والعبيدُ، وانضمَّ لدعوته السادةُ والأشراف، وواجَهَ صلَفَ زعماءِ الشرك، وتحدَّى كبرياءَهم بحكمته وصبره، فذاع صيتُه وانتشر، وعمَّ فكرهُ وازدهر، وكثُرَ أتباعُه، وأيَّدوه وناصروه، وأشرقَ في مكةَ نورُ التوحيد ..

هو المولد الشريفُ الذي أيقظَ العربَ من سباتهم، وأنقذهم من الجهل والضلال، ودعاهم إلى العلم والتفكر، ونوَّر طريقَهم بنور الهداية ..

 فيا مرحباً بذكراه، يتجدَّد فيها هداه، وتهتدي بها البصائر، وتستيقظُ بها الضمائر، ويَستبصرُ بها الحائرون ..