wwww.risalaty.net


الحب لنا,,, ولهم الفالنتاين


الحب لنا ... والفالنتاين لهم

رؤية بقلم الكاتب الأديب : م. محمد أنور وردة

كاتب معروف بنقده وإبداعه .. صاحب مجلة الاجتماعية ..مؤلفاته النقدية وكتاباته الإبداعية محط أنظار القراء وتلهفهم ..نرحب به في موقع رسالتي بهذه المشاركة عن عيد الحب في زمن اختلاط المفاهيم وضياع القيم ..تابعوا معنا وشاركونا بآرائكم

المشرف العام

كلما اقترب الرابع عشر من شهر شباط، اشتدّ الهياج واحتدم الصراع  وحميت الحرب بين أنصار عيد الحب وبين أعدائه، تلك الحرب التي تبدأ باردة وتنتهي مسعورة حامية الوطيس، يتبادل فيها الناس الاتهامات والشتائم، فهذا متخلّف وذاك رجعي والآخر فاسد والرابع فاسق أو وثني أو همجي، وكأن قدر الرابع عشر من شباط أن يقسم المجتمع إلى أكثرية وأقلية.. إلى موالاة ومعارضة.

وتتجلى أولى مظاهر هذه الحرب الباردة بصبغ كل شيء بالأحمر: الألعاب والهدايا والبوالين والجزادين والخناجر والكنادر، ولا ينجو من لون الدم الأحمر حتى السكر والرز والعدس والفاصولياء وجوز  الهند.

وتجاه هذا التمادي في طبع كل شيء بطابع المناسبة المستفزّة القادمة في 14 شباط، يتحرك الفريق المناوىء لها ولأنصارها، ويبدأ بمهاجمتها، ويلعنها ويلعن أصحابها، ويلعن فالنتاين، ذلك القديس المزعوم الذي لا يرى فيه اللاعنون إلا  رجلاً ماجناً أريق دمه جزاء عهره وفسقه ومجونه، فأتى الماجنون العاهرون السائرون وراءه، وقرروا أن يجعلوا لون دمه شعاراً لهم وعنواناً على إصرارهم على السير على خطاه المقيتة!

بين روعة الحب الطاهر ونبل مشاعره ورقة طبعه وأصالة إشعاعه وعمق تجذّره في حياة المسلمين، وبين ما ألصق بالحب ( زوراً و بهتاناً) من إباحية جنسية وفوضى عاطفية ودنسٍ أخلاقي ودعارةٍ وقذارةٍ وتخادنٍ و تماجنٍ، أقف لأقول: أنا مع هذه المناسبة حتى الصميم، وأنا ضدها حتى الّنخاع!

 كيف يمكن فهم هذا ؟؟ هل هذه شيزوفرينيا فصاميّة أم إلغاز تحييري؟؟

في الواقع هي ليست هذا ولا ذاك، لكنها معادلة بسيطة مشروطة بتحقق زاوية للرؤية .

فإن كان الرابع عشر من شباط عيداً للحب، فنحن أهل الحب وحملة لوائه وشهداء عفّته ورموز طهره وقتلى لوعته، ونحن الذين قدمنا للعالم سلطان العاشقين ابن الفارض والشهاب السهروردي والحلاج الذي صلى ركعتين في حب الله تعالى توضأ لهما بدمه الزكي، ونحن الذين لا نؤمن حتى يكون مثلنا الأعلى وإمامنا الأكبر محمد صلى الله عليه وسلم أحب إلينا من مالنا وأهلنا وولدنا ونفسنا التي بين جنبينا، ونحن الذين جعلنا حب آل نبينا إيماناً وبغضهم نفاقاً! نحن الذين قال ربنا جل وعلا عن المؤمنين: يحبهم ويحبونه.

بهذا المفهوم يمكن أن يكون للحب عندنا عيد، وليكن في 14 شباط أو 14 آذار أو 14 رمضان.. لا يهم التاريخ المحدد، فحياتنا كلها عيد للحب، وبهذا المفهوم أقول: أنا مع عيد الحب حتى الصميم.

أما إن كان العيد مناسبة مفتعلة ينتظرها المراهقون وتجار العواطف ولصوص اللمسات المشبوهة والمشاعر المحرمة ليجددوا فيها دعوتهم إلى استباحة القلوب وتأميم المفاتن لتصبح ملكية عامة يتقاسمها الناس على المشاع، فأنا ضد هذا العيد حتى النخاع.

بيد أني أريد أن أذكّر هنا أن (الحب) لنا، فلماذا نترك لغيرنا أن يصادره، ولماذا نهاجم عيد الحب بحيث نظهر وكأننا أعداء الحب، في حين يستغل أعداؤه الحقيقيون اسمه ليستروا به عوراتهم، ويمشون في ظلاله النبيلة ليصلوا إلى مآربهم الدنيئة!

هل هنالك ما يمنع المسلمين من استحداث عيد اسمه (عيد الحب الحلال) أو (عيد الحب الطاهر) أو (عيد الحب الإسلامي)، يعبرون فيه عن معنى الحب في حياتهم؟! وإلى أن يستحدث المسلمون مثل هذا العيد، هل هناك ما يمنعهم من استثمار مناسبة 14 شباط كعيدٍ للتعبير عن حب الوالد لولده، وحب الولد لأهله، وحب التلميذ لأستاذه، وحب الجار لجاره، وحب المريد لشيخه وحب الشيخ لمريده؟ أليس هذا إيقاداً لشمعةٍ  لتتوهج في عتمة العواطف التي بات يلفّها الصقيع؟! أليس إيقاد هذه الشمعة خيراً من لعن الظلام كل عام؟!

الباحث الإسلامي

محمد أنور وردة