wwww.risalaty.net


حذاء الزيدي معي ....


بقلم : سهير علي أومري

سهير علي أومري

عبارات كثيرة سمعتها وأسمعها حولي في هذه الأيام القليلة التي مرّت بها أمتنا:

ماذا نفعل لأهل غزة ؟ لا سبيل لنا للوصول إليهم... لو أنهم يتركوننا نقاتل لمزقَّنا الصهاينة بأسناننا لكُنَّا دروعاً بشرية نصدُّ بصدورنا عن أهل غزة رصاص قهرهم رصاص ذلنا وذلهم... ماذا نفعل لأهل غزة ؟ لقد تفطّرت قلوبنا لما نراه كل يوم، ولم نعد نستطيع أن نرى أكثر... تكفينا هذه المناظر... ليلة كاملة وأنا أكابد النوم وأشلاء جثثهم تتراءى أمام ناظري.... لم أعد أفتح على نشرات الأخبار أبداً أصبحت أتحاشاها تماماً... لماذا ينقلون لنا هذه الصور؟ كيف سنمنع أطفالنا من رؤية هذه الدماء المسكوبة على الأرض وهي تعرض بين الفينة والأخرى وعلى أغلب القنوات الفضائية ؟؟ لماذا يرسلون نداءات استغاثة ؟ ألا يعلمون أننا لا نملك لهم شيئاً، وأن الحصار يحول دون الوصول إليهم!.... ماذا نفعل لهم ؟ ألا يعلمون أن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها !! ونحن ما بوسعنا شيء....

هذه العبارات وغيرها كثير.... فقد تفاوتت ردود الأفعال من متألم يشعر بالعجز ويحاول الخروج من حالته بأن ينسى أو يتناسى ما يجري.... إلى محبط يشعر بالعجز ولا يعلم ماذا يفعل.. إلى غير مبال بما يحدث بحجة أنها ليست المرة الأولى التي تسيل فيها دماء العرب وأكثر من مليار مسلم يقف ساكتاً خانعاً يتفرج.... وقفت بيني وبين نفسي ودماء الألم تنزف من قلبي أنادي أهل غزة: يا أهل الرباط يا من ظللتم على الحق لم يضركم من ضلَّ يا من بشَّر بكم رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أكثر من ألف وأربع مئة عام عندما قال: "لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِى عَلَى الدِّينِ ظَاهِرِينَ لِعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إِلاَّ مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لأْوَاءَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَيْنَ هُمْ قَالَ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ".

 يامن تبذلون دماءكم ثمناً لأمنٍ نعيش فيه، ثمناً لنومٍ هانئ ننعم فيه، ثمناً لدفءٍ نتمتع فيه، ثمناً لطعامٍ لذيذ يملأ بطوننا، ثمناً لشرابٍ عذبٍ يروي أجوافنا، ثمناً لضحكاتنا لأحلامنا لآمالنا ثمناً لسعادة أبناءنا... إن لسان حال أمتنا يقول لكم: ليتكم تموتون بصمت.. ليتكم تنزفون بصمت ليتنا لا نراكم... فنحن لا نملك لكم شيئاً وليس بوسعنا شيء... ألا تعلمون أن الله تعالى لا يكلف نفساً إلا وسعها.... ولكنني أعود فأنظر إلى أيامٍ لسنا منها ببعيد.. يوم رمى البطل منتظر الزيدي حذاءه على الطاغية بوش مسطِّراً ملحمة بطولية سيظل التاريخ يتغنى بها ما بقيت الحياة وتوالت الأيام تلو الأيام... تُرى هل خطر على بال أحد أن الزيدي كان بوسعه أن يفعل ما فعل!! من المؤكد أنه عندما دخل المؤتمر الصحفي كان قد فُتِّش تماماً، ولو استطاع أن يحمل قنبلة أو سلاحاً لما قصّر، ولكن لم يكن بوسعه ذلك أبداً.. لم يكن بوسعه إلا أن يدخل بملابسه التي عليه وربما معه قلمه أو جوّاله، ولكنه نظر فرأى معه سلاحاً آخر لا يمكن لأحد أن ينزعه منه إنه بوسعه.. إنه ملكه وحده... إنه حذاؤه.... كان الزيدي يدرك دائماً ما هو وسعه، فلم يكن حذاؤه السلاح الأول الذي أشهره في وجه الظلم، فتاريخه الصحفي والإعلامي حافل بكلمته الحرة التي عرف بها، والتي كانت لأعوام عديدة أداة حربه ونضاله حتى أنه في عام 2007 خطف لعدة أيام من قبل بعض العصابات... أجل يا أخوتي... أنا وأنتم لا نملك النار والبارود، ولكن كلٌّ منّا بوسعه أن يفعل شيئاً.. كلٌّ منا يملك سلاحاً يذل به عدو الله وعدونا إنه بوسع كلٍّ منا، إننا نملكه، ولكن لم يخطر على بالنا يوماً أننا نملكه، إنه حذاء الزيدي.....

 حذاء الزيدي معي ومعكَ ومعكِ ومعنا كلنا... كلٌّ في موقعه يحمل سلاحاً يملكه ويخصُّه، ولا يمكن لأحد أن ينزعه منه... فهذا سلاحه البرمجة، وذاك الكلمة الحرة التي لا تخاف في الله لومة لائم، وآخر سلاحه عدلٌ يعليه فينصر به بريئاً ويأخذ على يد ظالم...لكل منا وسع يخصُّه، ولكن بوسعنا جميعاً أن نقاطع بضائع عدونا ومنتجاتهم، بوسعنا جميعاً ألا ننبهر بحضارتهم ونسير في ركابهم نقلدهم تاركين وراءنا قيمنا ومبادئنا غير آبهين بحضارة أمتنا وتاريخها... وسعنا كبير... أجل إنه كبير جداً.. و أسلحتنا التي نملكها كثيرة لنقيم الحق في أنفسنا عندها يقوم على أرضنا، ننصر بها دين الله فينا فننتصر على عدونا، يومها نستحق أن نعلو، وأن ننال وعد الله في قوله: "وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) آل عمران

الأمر يا أخوتي يتطلب منا أن نعيد حساباتنا لنعرف بدقة ما هو وسعنا، ولا يكون دعاؤنا لأهل غزة وصلاتنا وصيامنا لأجلهم مخدِّراً نخدِّر به ضمائرنا، ونقنع به أنفسنا بأننا فعلنا ما بوسعنا... لا يا أخوتي لم نفعل ما بوسعنا لينظر كل منا إلى حذاء الزيدي الذي يملكه وليكتشفه فإنه سيجده لا بد سيجده، وعندها سيكون كل واحد فينا بطلاً ولا يقولنَّ قائل: ماذا سأفعل وحدي؟! فالبناء لا يصلح ما لم يصلح كلُّ حجر فيه، وأنا وأنت لبنات في بناء أمة، ولا يملك أحدٌ أن يصلح هذه اللبنات إلا أنا وأنت... نحن فقط من نملك أن نقيم دولة الإسلام في أنفسنا حتى تقوم على أرضنا... المهم الآن أن نعرف إمكانياتنا، وندرس قدراتنا، ونحدد ما هو وسعنا الحقيقي، فنبادر ونسعى ونجتهد ونعمل بشرف وأمانة ولا ننظر وراءنا، ولا نسمح لكبل أو قيد أو عائق أن يصدَّنا، فأعداء نهضتنا كثر، والمحبطون كثر، ولكنَّ وضوح رؤيتنا لأهدافنا سيبدِّد مساعيهم، ويرقى بنا إلى قمم قصرت عنها هممهم، فلنمض يا أخوتي متسلحين بالصبر والإيمان متذكرين قول المتنبي:

على قدر أهل العزم تأتي العزائم ... وتأتي على قدر الكرام المكارم

وتعظم في عين الصغير صغارها ... وتصغر في عين العظيم العظائم

30 – 12 – 2009م