wwww.risalaty.net


من وسائل التربية في القرآن الكريم


بقلم : الشيخ علاء الدين الحايك

من أهم وسائل التربية القرآنية التعليم و القراءة , لذا جاء في أول سورة نزلت "علم بالقلم" لأن القلم كان و ما يزال أوسع و أعمق أدوات التعليم في حياة الإنسان , ومن هنا ندرك أهمية القسم الإلهي بالقلم في سورة "ن" تنويهاً بقيمة الكتابة و تعظيماً لشأنها . فالقلم و التعليم من أهم طرق التربية الإسلامية و بعد هذا تأتي طرق أخرى أشير إليها في القرآن الكريم , ومنها :

(1) استخدام العقل :

عني القرآن الكريم بهذه الطريقة عناية بالغة , حيث استخدم العقل في توجيه الإنسان نحو الحق و الخير , فالقرآن يحمل على استخدام العقل و المنطق , و رؤية الصواب و الخطأ , و التميز بين الحق و الباطل بالحجة و المشاهدة الحسية , وليس بالقسر أو التقليد الأعمى . و قد وصف الله سبحانه هذه الحقيقة القرآنية بقوله تعالى :" كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته و ليذكر أولو الألباب " (ص/29) و قال أيضاً : "أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها " (محمد/24) و استخدام القرآن الأساليب المتعددة للتعليل و القياس العقلي يوحي للإنسان باستخدام الأسلوب نفسه , وهو أسلوب فعال في التربية .

ومن هنا نجد أن القرآن يدعو إلى التجارب العملية طريقاً لإثبات أي حقيقة يقرها , كما نجد ذلك واضحاً في قوله تعالى :" و إذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى " ( البقرة/260) إلى آخر الآيات .                        

(2) ـالقدوة الحسنة :

تعد القدوة الحسنة من أهم المؤثرات التي تؤثر في الإنسان , و خاصة الطفل , وهو ما ركز عليه القرآن, لما لذلك من أهمية في السلوك الإيماني , ولعل هذا هو السر في أن الله تعالى بعث لهذه البشرية معلماً بشراً منها , يأكل و يشرب و ينام و يصحو , ولم يشذ في أمر من الأمور , و ليس ملكاً و جناً , كل ما يميزه أنه يوحى إليه : " قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي ..........." ( الكهف ) .

فالقرآن ركز على ضرورة الإقتداء بالرسول عليه الصلاة و السلام باعتباره أسوة حسنة : " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ...." ( الأحزاب/21)و التربية الإسلامية تتخذ من القدوة طريقاً لتحقيق أهدافها , فعلى سبيل المثال : لكي يكون المعلم و المربي قدوة لا بد أن يتمثل المنهج الذي يعلمه و يربي به , حيث يربي على هديه و منهجه , وبذلك لا يكون هناك تناقض بين قوله و عمله... و يكون لدى متبعيه و مريديه الحافز القوي في تنفيذ توجيهاته و الالتزام بسلوكه .   
(3) ـالنصيحة و الموعظة :

القرآن الكريم كان موعظة : " يا أيها الناس قد جاءكم موعظة من ربكم و شفاء لما في الصدور " (يونس/57) , وخير موعظة هي موعظة القرآن : " إن الله نعمّا يعظكم به " ( النساء/58) و الملاحظ في العظمة القرآنية أنها صدرت من أنبياء و رسل و حكماء و أباء , وقد تأتي من الأصغر إلى الأكبر , كما هو الحال في موعظة إبراهيم لأبيه , وقد تصدر الموعظة عن الله سبحانه و تعالى للعباد , كما في موعظة الله تعالى لنوح عليه السلام , وهذا يدل على أنها طريقة عظيمة من طرق التربية الإسلامية .
(4) ـالأسلوب القصصي :

تستخدم التربية القرآنية أسلوب القصة في تحقيق أهدافها التربوية , وخاصة إذا وضعت في قالب عاطفي مؤثر .... و نحن نرى في حياتنا العادية مدى ما تحققه القصة في النفس الإنسانية من أثر عندما تكون ذات قيمة , و القصة القرآنية ليست عملاً فنياً مستقلاً في موضعه و أحداثه , كما هو الحال في القصة الفنية الرامية إلى أداء غرض فني مجرد , إنما هي وسيلة من وسائل القرآن الكثيرة لتحقيق أغراضه التشريعية .

القصة القرآنية تحقق أهداف التربية تماماً , و تدعو الإنسان و تثير عواطفه و عقله إلى طلب العلم , و هذا ما يمكن أن نسميه بالقصة التوجيهية العلمية العملية , كما في قصة موسى عليه السلام و العبد الصالح في سورة الكهف , فهي قصة هذه الحياة , وقصة هذا الكون الذي نعيش فيه , أنها تثبت في صورة عملية واضحة رائعة أن وراء المعلومات و المكتشفات في هذا العالم و هذه الحياة مجهولات كثيرة , و أن ما يجهله الإنسان أكثر مما يعلمه , و أنه دائماً يبني حكمه متسرعاً على ما يشاهده و يحس به , و لذلك فهو يقع في الخطأ كثيراً , ويتعثر كثيراً , و لو انكشفت له بواطن الأمور و حقائقها و خفاياها لتغير رأيه و حكمه , ونقض ما أبرم , و ثبت له أنه يلزم عليه إعادة النظر في كثير من أحكامه و تصوراته .

فالقصة القرآنية غاية في الأهمية في توضيح علاقات الإنسان الأخلاقية و الروحية بأخيه الإنسان مع بلاغة الأسلوب و بلاغة المعنى : " نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن " ( يوسف/3) .

*خطيب مسجد التينبية بدمشق - مدرس مادة الخطابة في معهد الفتح الاسلامي