wwww.risalaty.net


وقفات مع سورة يوسف (2)


بقلم : ليث عمر عمر

الأسرة والمجتمع ( 2 )

ب – خدام المنازل :

      يوسف أيها الصدّيق : لازلنا معكم يا سيدي نقرأ قصتكم العطرة في كتاب ربنا الجليل ، ثم نقتبس من كل مشهد ضياءاً ونسلطه على الواقع كي نزيل الظلام الذي خيم على حياتنا الاجتماعية جراء بعدنا عن منهج ربنا ، وننير بذلك درب السعادة لنا وللأجيال القادمين .

        لقد وقفنا في المقال السابق عند مشهد إخوة يوسف مع أبيهم ، وكيف أنهم لما رأوا حب أبيهم لأخيهم يوسف أكثر من حبه لهم ، فقد ولد ذلك الحقد على يوسف والكراهية له ، ثم استخلصنا من ذلك أن أي أب يحب أحد أولاده ويقربه منه ثم يهمل البقية فيكون بذلك قد أضرم نيران الضغينة في قلوب أبنائه الآخرين ، وفتح باب الغيظ أمام نفوسهم . ورحم الله إمام البلاغة والبيان في هذا الزمان مصطفى صادق الرافعي إذ قال في كتابه (( رسائل الأحزان )) : (( ما من قفل إلا وله مفتاح ، والإهمالُ والازدراءُ وسمو النفس : ثلاثة مفاتيح لقفل واحد هو الغيظ )) . والغيظ عندما تمكن من قلب إخوة يوسف نتيجة إهمال أبيهم لهم بعض الشيء فكروا بالتخلص منه ، فماذا قالوا ؟ وعلى أي شيء اتفقوا ؟ يجيبنا البيان الإلهي عن ذلك فيقول تعالى حكاية عنهم : ﴿ اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ 9 قَالَ قَآئِلٌ مَّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ  [ سورة يوسف : 9- 10 ] .

        هكذا حكموا على يوسف وعلى الرأي الأخير اتفقوا وبه عملوا ، فماذا حصل لسيدنا
يوسف -
u - عندما ألقوه في الجب ؟ وماذا كان مصيره ؟ فتعالوا بنا لنقف بمخيلتنا أمام البئر ولنرى المشهد كما ورد في القرآن الكريم ، فيقول تعالى : ﴿
وَجَاءتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَـذَا غُلاَمٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ 19 وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ 20 وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ
وَلَدًا
إلى أن يقول تعالى مخبراً عن مصيره بعد شراءه : ﴿ وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ [ سورة يوسف : 23 ]

        هذا هو المشهد بكل أحداثه ، ولسنا بحاجة إلى تفسير هذه الآيات البينات تفسيراً ظاهراً لأن المعنى مفهوم وواضح ، ولكن دعونا نقرأ الكلام الكامن وراء السطور ، فإننا نلاحظ جلياً كيف أن العزيز كان هدفه من شراء سيدنا يوسف u مجرد الخدمة والانتفاع ، ولكن امرأته فيما بعد أضحى حلمها وهدفها منه غير ذلك ، كانت رغبتها فيه أن يخدم جسدها وإن كانت مهمته أن يخدم قصرها ، وأرادت منه أن يدنس عرضها وعرضه ، مع العلم أن العزيز كان قد أشتراه لينظف منـزله . واسمحوا لي أن أقول بكل صراحة ووضوح : إن هذه الظاهرة نجدها اليوم – وللأسف – في بعض المنازل أو أغلبها ولا أقول كلها ؛ لأن التعميم في كل الأشياء حكم خاطئ ، فنجد أن بعض المنازل أو أغلبها قد تحولت إلى قصر العزيز ، ولكن الفرق بينهما : أن يوسف - u - عندما دُعي إلى الفتنة اعتصم بحبل الله المتين ، بخلاف الواقع اليوم حيث يندر ذلك فإذا أردنا أن نسلط هذه الصورة على واقعنا اليوم لوجدناها تنطبق في أغلب المنازل فكم وكم من أنثى جاءت لتكون خادمة في المنـزل فأصبحت بعد فترة عشيقة لأحد أفراد البيت إن لم يكن الكل ، وكم وكم من ذكر كانت مهنته خدمة المنـزل أو قيادة السيارة فأضحى بعد ذلك عشيق الأنثى في ذلك القصر ، أليس هذا هو الواقع اليوم ؟ أليس قصة امرأة العزيز مع يوسف انتقلت إلى معظم بيوتنا اليوم ، فيذهب الرجل ويأتي بخادمة إلى منـزله أو خادم ، ثم بعد ذلك نسمع من الأحداث ما يشيب له الرأس ، وترفضه الآذان ، في حين أن الرجل لم يدر مالذي يحصل في منـزله ، وقد وضع على عينيه غطاءاً أسوداً فلا يرى شيئاً وقد أقنعه الشيطان بأنك قد ربيت أبنائك وبناتك تربية صالحة ، وأي تربية صالحة هذه ؟! وهو لا يرى أبنائه لربما في الأسبوع مرة أو مرتين !! فيجري من وراءه ما يجري ، هذا إن لم يكن الأب أيضاً امرأ سوء وكل هدفه أن يعثر على امرأة بغياً ، وأنا لا أتحدث هنا عن اتخاذ الخادمات فقط ، وإنما الحكم نفسه مع الخدام الذكور أيضاً ، ثم الضحية مع هذا الخادم الذكر هي الأنثى أياً كانت : ابنة أم زوجة ، وأياً كان عمله خادماً في المنـزل أو سائقاً للسيارة .

        وإذا أردنا أن نوسع الموضوع أكثر ليشمل علاج قضايا المجتمع بشكل أوسع ، فدعونا نخرج من المنازل السكنية لندخل إلى المكاتب العملية والتجارية حيث السكرتيرة ومديرها ، (( والله خير الحافظين )) وأكتفي هنا بالإشارة ، والحر اللبيب يكفيهما ذلك وبها يفهمان ، ثم من قال إن اتخاذ المدير سكرتيرة على بابه ، أو اتخاذ المديرة سكرتير على بابها ، أقول من قال إن هذا التقسيم توقيفي لا تجوز مخالفته قطعياً ؟!  وهل من ضرر على العمل إن اتخذ المدير رجلاً على بابه ، أو اتخذت المديرة أنثى على بابها أو مديرة لأعمالها ؟ لا أظن ذلك ، ولكن الذي يقود على ذلك التقسيم هو الوهم الكامن في بعض النفوس المريضة أن ذلك من سمات العمل الحضاري ، وفي نفس الوقت للنفس في ذلك حاجات وحاجات ؟؟

        فيا أصحاب المنازل : تنبهوا لموضوع الخدام في منازلكم ، وعليكم في ذلك أخذ الحيطة والحذر  فإن الضحية في النهاية أنا وأنت وهو وهي .

        ويا أيها المدراء بجنسيكم الذكور والإناث اعلموا أن الحضارة لا تمثلها المرأة على باب الرجل ، ولا الرجل على بابها ويدير أعمالها ، ثم بعد ذلك يكون الفكر محصوراً بين السرة والركبة ، ولكن الحضارة هي حضارة العلم والاختراع ، هي حضارة الأخلاق النبيلة ، ورحم الله الشاعر إذ قال :

                         إنما الأمم الأخلاق ما بقيت

                                               فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا

وتذكر جيداً أيها السيد في منـزلك أو مكتبك أن السيادة تعني أن يكون الإنسان في العلياء دوماً بفكره وعمله ، فلا تنـزلوا إلى الحضيض بشهواتكم ، ورحم الله أبا فراس الحمداني إذ قال :

                        ولا السيد القُمقام عندي بسيدٍ

                                                إذا استنـزلته من علاه الرغائب

سائلين المولى التوفيق والسداد .

وختاماً : أتوجه إلى كل قارئ كريم لهذه المقالة أن يسامحني إن كان فيها بعض الجراءة ، ولكن هذا هو الواقع اليوم ، وحسبنا الله ونعم الوكيل .

وإلى لقاء آخر مع سورة يوسف

والحمد لله رب العالمين