wwww.risalaty.net


هل أنا العامل النشيط ؟!


بقلم : ديمة هديب

 

على ضفاف العمر وقفت.. أبحث عن أمل يعيدُ ليَ الهمة للعمل من جديد.. يعيد ليَ النشاط السابق ويعيدني إلى ساحة العمل الغالية بدلاً من الدعة والكسل وفي رحلتي الطويلة في وسائل المواصلات وجدت بارقة أمل تسطع من بعيد تناديني وتلوح لي: "أن أقبلي ولا تخشي شيئاً" لكني لم أكترث ولم أنظر من النافذة فهذه النافذة قد عقدت صفقة مع الشمس أن ترسل لها ألسنتها الملهبة وهي تتلقفها بكل حبٍ وود وتدخلها عبر زجاجها اللامع إلى وجهي حيث لا أستطيع حراكاً يمنة ولا يسرة وكانت تجارتها رابحة مع الهواء أيضاً؛ لكن هذه الألسنة وهذه النسمات لن تمنعني من النظر إلى شوارع دمشق الغالية فمن لا يعشق هوائك ومن لا يهيم في سمائك ومن لا يتمنى أن يلثم ترابك تراب العز والشرف.. دمشق أيتها الغالية حماك الله..

وعكس لي الزجاج صورة وانعكس في عقلي صورة ثانية..

يا إلهي!!

ما هذا عمال يبنون في هذا الحر؟! كيف يستطيعون العمل؟!

فاليوم حر وغداً برد والجو يتقلب بصورة غريبة.. سبحان الله!

ها هم يزيدون على عشرين يعملون بكل جدٍ ونشاط؛ ينقلون مواد البناء ويصعدون إلى السيارات ويتحدثون وكأنهم لا يُرهقون.. يا الله.. ما هذا الجمال!! ويشربون الشاي بالتأكيد سيعملون الآن ويأخذون قسطاً طويلاً من الراحة في الأيام القادمة..

وتوالت الأيام وهم يبنون في كل الأوقات ويعملون ولا يكلُّون ولا يَملون وتراهم يصعدون إلى ارتفاعات شاهقة ويعرِّضون أنفسهم للمخاطر من أجل هذه البناء؛ يا ترى كم يهمهم وكم يعينهم وها قد قارب الحلم على مشارف الحقيقة فها هم قد وصلوا إلى الطابق الأخير..

كم أصبح هذا البناء جميلاً وكم استغرق من جهدٍ ووقت.. كم تخلى هؤلاء العمال عن أشياء يحبوها وكم تركوا أموراً يعشقوها.. كم نصبوا أقدامهم أوقاتاً طويلة من أجل البناء.. وكم امتنعوا ساعاتٍ وساعاتٍ عن الطعام من أجل هذا العمل.. وكم أنفق صاحب هذا البناء من مال حتى أصبح بهذا الجمال.. كم احتاج إلى تضحيةٍ وبذل حتى غدا قويا مُلفتاً لكل من يراه ولكن هذا الرجل مُرتاح البال الآن فكما نعلم أن الأعمال الضخمة تحتاج إلى تضحيات ضخمة وأن من همته أن يحصل على رغيف ليس كمن همته أن يحيي أمة..

وهنا مكمن الحقيقة؛ فالحياة طويلة ورحلتها شاقة وتحتاج للعمل والجهد كي نحظى بالفوز في الآخرة وإلى الجنة المبتغى ولها تشد الرحال ورضا الله هو ما ننشد ونختار..

أين نحن من هؤلاء العمال؟! نريد قصراً ضخماً في الجنة ولا نبني له البناء المطلوب؛ تُلهينا الحياة أينما سرنا وتقف في وجهنا المصاعب فلا نزيد طابقاً في البناء بل يصل بنا اليأس أحياناً أن نهدم ما بنيناه..

كم يحتاج هذا البناء أن ننصب أقدامنا لله تعالى داعين متضرعين مصلين.. وكم يحتاج بنائنا الغالي للامتناع عن الطعام ساعاتٍ وساعات كي نقوى على العمل ونحظى بالأجر والثواب.. ولا ننسى حاجتنا للمال تماماً كالمال الذي أنفقه صاحب البناء لننفقه في وجوه الخير.. ولكل بناء زينة وزينتنا الأخلاق الرفيعة والأعمال الخيرية الجليلة نتحلى بها ونجعلها شعاراً وقدوة.. ولابدَّ من نورٍ ينير دربنا الطويل في ظلمة الدنيا ووحشتها ونورنا قرآنٌ وسنة نحيا بهما ولهما ومن أجلهما...

سنتعرض للصعاب في هذا البناء كما تعرض العمال لأشعة الشمس وللنصب والجهد لكنهم كانوا سعداء عندما انتهى البناء متكاملاً رائعاً جميلاً وأنساهم كلَّ التعب والآلام..

فكم ستكون سعادتنا عندما نرى البناء هناك يوم القيامة عظيماً شامخاً شموخ المسلمين في نصرهم على الكفار والمعتدين..

أردت أن أبدأ بمثال فبالمثال يتضح المقال؛ وكم هو عظيم أن نحيا في هذه الدنيا كي نبني للآخرة ونجعل حياتنا مثالاً للعامل النشيط الذي يبذل له كلَّ غالٍ ونفيس من أجل عمله ويسعى للحصول على بناءٍ عظيم غايةٍ في الروعةِ والإتقان..

وهنا يأتي السؤال الصريح الذي أسأله لنفسي أولاً ولكل من أحب له الخير ثانياً..

هل أنا العامل النشيط؟!!