wwww.risalaty.net


دعاة .. ولكن !


بقلم : يحيى المصري

                                         

ـ أفرغ الكثير من مقدرته اللغوية والبلاغية، وأدهش الحضور بسعة الاطلاع واستحضار النصوص وعرضها بدقة وضبط متناهيين، دون أن تعروه حبسة أو رتاجة.

ليؤكد أن الإسلام لا يدعو إلى العزلة والزهد الذي ينسى الدنيا، وأنه دين يريد مئذنة وإلى جانبها مصنع، وأنه ما جنى على الإسلام شيء كجناية أقوام فهموا الزهد على الوجه الخطأ والخاطئ معًا.

وذهب بعيدًا في إبانة موقف الإسلام من العبادة وأن العبادة شاملة لكل مناحي الحياة إن صحت النية.

وكان إلى جانبة رجل من الربانيين الذي ذاقوا معاني النصوص ومواقعها في النفوس، فقال له:

دلني على واحد في هذا الجمع الغفير الحاشد يقوم الليل كله، ويقضي الساعات الطوال في الذكر والاستغفار؟!!

ولقد أصاب المحز، إذا كانت البلاغة مناسبة الكلام لمقتضى الحال، فإن الفقاهة الدعوية تقتضي أن ينظر الداعية في حال المدعوين، فإن هو رأى تبتلاً وإخباتًا وذكرًا ونحو ذلك زائدًا عن الحد المشروع؛ نهى عنه وحذر منه، والعكس بالعكس.

لكن ولا بد هنا من الاستدراك، بل هو واجب، لكن حال أغلب المسلمين اليوم الغفلة والكسل والفتور الدائم والبرودة العبادية، بل إنهم أثلج ما يكونون إذا كان الموقف موقف إخلاص وعبادة وذكر بهمة عالية.

ويشتد الموقف وتبح الأصوات ولا يُخشى في الله لومة لائم حينما يكون الموقف موقف كلام وخطابات وحديث عن الإسلام.

لقد نسي صاحبنا أن مجتمعاتنا الإسلامية إنما أصابها ما أصابها من شدة الوهن وكراهية الموت، يوم فقدت حرارة العبادة ، وقوة البصيرة ، والصلة المستمرة بالله عزوجل.

ثم قضية أخرى جاء وقتها وهي أن معظم الدعاة اليوم يصحح للناس مفهوم الزهد في الإسلام فيقول: الزهد أن تجعل الدنيا في يدك لا في قلبك ،ويلتبس عليه حقيقة الزهد.

والحق أن هذه أدنى مراتب الزهد، فأين يذهب بمن نفض يديه وفرغ قلبه من الدنيا إلا مما يحفظ حياته وحياءه، فهذا زهد في الذروة، وأين يذهب بحال كثير من سلفنا الصالح الذين اجتهدوا في العبادات على اختلاف صنوفها، أتُراهم تاهوا عن الصراط السوِيِّ واهتدى إليه صاحبنا، وهؤلاء ليسوا صوفيَّةً غالين، ولا ذوي رياضات خارجة عن طاقة البشر، ولا أرباب مذاهب فكرية منحرفة، إنهم في البؤبؤ من عيوننا، وفي الصميم من قلوبنا، وفي المخيلة من أذهاننا، وهم نبراس حياتنا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل هم الذين بلغونا سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبلغونا فهمهم لها، فبهم نقيس أنفسنا للدين فهمًا وسلوكًا، وبنور كلماتهم وبوهج قلوبهم تشتعل الهمة فينا.

إن أقتل الداء أن نظنَّ أنَّ بالخطب وحدها يصلح حالنا، وتزكو نفوسنا من أوضارها ، وقلوبنا من سخيمتها، وإذا ظن هذا الظنَّ ظانٌّ فلينتظر مجدًا للأمة حين يؤوب القارظان، ويبلى الجديدان...