::: موقع رسالتي - رؤية جديدة في الخطاب الإسلامي :::

>> خطب الجمعة

 

 

الدعاء و الصيام

بقلم : الشيخ محمد خير الطرشان  

 

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، يا ربَّنا لك الحمدُ كما ينبغي لجلالِ وجهكَ وعظيمِ سلطانك، سُبحانكَ لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيتَ على نفسك.. وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، لهُ الملك ولهُ الحمد يُحيي ويميتُ وهو على كل شيءٍ قدير، وأشهدُ أن سيِّدنا ونبيِّنا وحبيبنا مُحمَّداً عبدُه ورسولُه وصفيُّه وخليلُه..
اللهُمًّ صلِّ وسلِّم وبَارك على هذا النبيِّ الكريم، صلاةً تنحَلُّ بها العُقَدُ، وتَنْفَرجُ بها الكُرَبُ، وتُقْضى بها الحوائجُ، وتُنَال بها الرغَائبُ وحُسنُ الخَواتيم، ويُستسقَى الغَمَامُ بوجْهِهِ الكريم، وعَلى آلهِ وصحبهِ وسلِّم تسليماً كثيراً..
أما بَعْدُ فيا عباد الله: أُوصي نفسي وإيَّاكم بتقْوَى الله تعالى.. وأحُثُّكم على طاعَتِهِ والتَمَسُّكِ بكتابهِ، والالتزامِ بسُنَّةِ نبيّهِ سيدنا محمدٍ صلَّى الله عليهِ وسلَّم ومنهاجِه إلى يومِ الدِّين..
يقول الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾]البقرة- ١٨٦[.
آية تسكب في قلب المؤمن الأنس والرضا والثقة واليقين، تتلو آيات الصيام، وتدل على علاقة مؤكذة بين الدعاء و الصيام، فلا انفكاك بين العبادات و الطاعات .
حقيقة الدعاء: إظهار الافتقار إلى الله تعالى، والثناء عليه، واعتراف العبد بجود وكرم مولاه، والتبرؤ من الحَوْل والقوة.
= حينما تتنزَّل الشدائد وتكثر الكروب وتعظم المحن، ليس للمؤمنين من بابٍ يقرعونه، ولا ملجأٍ يلجؤون إليه، ولا ملاذٍ يلوذون به إلا باب الله سبحانه وتعالى. قال تعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ]فاطر-٦٠[.
= الدعاء هو العبادة : جاء في الحديث الذي يرويه الإمام الترمذي عن النعمان بن بشير رضي الله عنه، أن رسول الله صلَّى الله عليهِ وسلَّم قال: " الدعاء هو العبادة " . ثم تلا قول الله تعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ]فاطر-٦٠[. يستكبرون عن عبادتي، أي: عن دعائي والتضرع إليّ.
من آداب الدعاء : = تحري الأوقات الشريفة: التي يُستجاب فيها الدعاء.
يقول النبي صلَّى الله عليهِ وسلَّم فيما يرويه الإمامان البخاري ومسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلَّى الله عليهِ وسلَّم: ((إن في الجمعة لساعةً لا يوافقها مسلمٌ يسأل الله فيها خيرًا إلا أعطاهُ إياه. قال: وهي ساعة خفيفة)) أي : وقتها محدود يسير.
وأخرج الإمامان البخاري ومسلم عن سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه: (( ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له، ومن يسألني فأعطيه، ومن يستغفرني فأغفر له )) .
قال تعالى: ﴿تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ]السجدة- 16[ .
= اغتنام المواضع التي يستجاب فيها الدعاء:كحالة السجود، فأقرب ما يكون العبد إلى ربه وهو ساجد. وقد أخبرنا النبي صلَّى الله عليهِ وسلَّم عن هذا المعنى بقوله: (( فأما الركوع فعظِّموا فيه الربَّ عز وجل, وأما السجود فاجتهدوا فيه في الدعاء فقمِنٌ أن يُستجابَ لكم)) أي: حقيق وجدير أن يستجاب لكم حينما تسألون الله تعالى وأنتم ساجدون.
= الإخلاص في الدعاء : ومعنى ذلك أن يعرض الإنسان عن كل قوةٍ في الأرض، فلا يرى لها تأثيراً ولا يرى لها عظمةً، فمن العظمة أن نجعل راية الله أكبر في قلوبنا، وليس أن نجعلها رايةً من خلفنا، فإذا ما اعتزّ المؤمن بالله تعالى فإنه ينتصر ويُستجاب له الدعاء، وإذا ما اعتز المؤمن بالله تعالى اعتزازاً عظيماً في حالة الرغبة والرهبة فإنه يكون من أقرب الناس إلى الله سبحانه وتعالى.
يقول نبينا عليه الصلاة والسلام في حديث أخرجه الترمذي والحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه:( ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة, واعلموا أنَّ اللهَ لا يستجيب دعاءً من قلبٍ غافلٍ لاهٍ ).
=  أن يُسبَق الدعاءُ بالتوبة: أن يُسبَق برد المظالم وإعادة الحقوق إلى أصحابها. وقد أخرج الإمام الطبراني عن سيدنا أبي هريرة قال: قال رسول الله:(من سره أن يستجاب له عند الكرب والشدائد فليكثر من الدعاء في الرخاء ) أي: من تعرَّف إلى الله في الرخاء عرفه الله في الشدة. ولعلنا عند الرخاء نعود إلى الله تعالى بالاستغفار والتوبة، وبرد المظالم إلى أصحابها، حتى تكون قلوبنا نقيةً، فإذا قلنا يارب، قال لنا الله لنا: لبيك عبدي سل تعطَ، فأنت لست ظالماً ولست طاغيةً ولست معتدياً على حق أحد.
قال سفيان الثوري: "بلغني أن بني إسرائيل قُحطوا سبع سنين حتى أكلوا الميتة من المزابل وأكلوا الأطفال, وكانوا كذلك يخرجون إلى الجبال يبكون ويتضرعون، فأوحى الله إلى أنبيائهم عليهم السلام، لو مشيتم إليَّ بأقدامكم حتى تَحْفَى ركبكم وتبلغ أيديكم عنان السماء ، وتكلَّ ألسنتكم من الدعاء، فإني لا أجيب لكم داعيًا, ولا أرحم لك باكيًا، حتى تردوا المظالم إلى أهلها, ففعلوا، فمطروا من يومهم ".
= اللقمة الحلال : لعلنا جميعاً نذكر قول رسول الله صلَّى الله عليهِ وسلَّم لسيدنا سعد وقد قال له: ((أطب مطعمك تستجب دعوتك)). وفيها خلاصة آداب الدعاء ألا وهو أكل الحلال، وأن يستغنى المؤمن عن أكل الحرام والشبهة، فإذا وجد الحلال أكل منه، وإذا لم يجده تعفَّف.
= قصة عابد السلف: روى سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه عن رجل من الأنصار يُكنى أبا مِعْلَق، وكان تاجراً يتجر بمال له ولغيره، يضرب به في الآفاق وكان ناسكاً ورعاً، فخرج مرة فلقيه لص مقنَّعٌ في السلاح فقال له: ضع ما معك فإني قاتلك، قال ما تريد إلى دمي؟ شأنك بالمال. قال: لست أريد إلا دمك. قال: أما و قد أبيت فذرني أُصلي أربع ركعات، قال: صلِّ ما بدا لك، قال: فتوضأ ثم صلى أربع ركعات ، فكان من دعائه في آخر سجدة أن قال : " يا ودود يا ذا العرش المجيد، أسألك بعزك الذي لا يرام، وملكك الذي لا يضام، وبنورك الذي ملأ أركان عرشك، أن تكفيني شر هذا اللص، يا مغيث أغثني، يا مغيث أغثني يا مغيث أغثني "، فإذا هو بفارس أقبل بيده حربة، فطعنه بها  فقتله. ثم أقبل إليه فقال: قم. قال: من أنت ؟ فقد أغاثني الله بك اليوم .
قال: أنا ملك من أهل السماء الرابعة، دعوتَ بدعائك الأول، فسمعت لأبواب السماء قعقعة، ثم دعوتَ بدعائك الثاني فسمعت لأهل السماء ضجة، ثم دعوت بدعائك الثالث، فقيل لي: دعاء مكروب، فسألت الله تعالى أن يُوليني قتله .
الإلحاح في الدعاء :
قال ابن مسعود: "كان عليه السلام إذا دعا دعا ثلاثًا، وإذا سأل سأل ثلاثًا".
وفي صحيح مسلم من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مازال يهتف بربِّه، مادًّا يديه، مستقبل القبلة، حتى سقط رداؤه عن منكبَيْه، فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه، فألقاه على منكبيه، ثم التزمه من ورائه، وقال: يا نبي الله، كفاك مناشدتُك ربَّك، فإنه سيُنجِزُ لك ما وعدك.
ختاماً: سهام الليل تصيب ولا تخطِئ .
قال الإمام الشافعي:
أتهزأ بالدعـاء وتزدريـه      وما تدري بما صنع الدعاء
             سهـام الليل لاتخطي ولكن    لها أمد وللأمد انقضـاء
 
 
 

 التعليقات: 0

 مرات القراءة: 8728

 تاريخ النشر: 11/07/2014

ملاحظة:
الآراء المنشورة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو القائمين عليه، ولذا فالمجال متاح لمناقشة الأفكار الواردة فيها في جو من الاحترام والهدوء ونعتذر عن حذف أي تعليق يتضمن:
1- يحتوي على كلمات غير مهذبة، ولو كانت كلمة واحدة.
2- لايناقش فكرة المقال تحديداً.

 

 1159

: - عدد زوار اليوم

7397371

: - عدد الزوار الكلي
[ 62 ] :

- المتصفحون الآن

 


العلامة الشيخ محمد حسن حبنكة الميداني


العربيــة.. وطرائق اكتسـابها..
المؤلف : الدكتور محمد حسان الطيان








 
   

أحسن إظهار 768×1024

 

2006 - 2015 © موقع رسالتي ، جميع الحقوق محفوظة

 

Design & hosting by Magellan