أحدٌ ... أحد...
بقلم : غفران
قمةُ شامخةً من قمم صحابة رسول الله , لا يُذكر الأذان إلاّ تذكرناه ,كان نديّ الصوت وما أحلاه , " أرحنا بها يا بلال " حين يحين الوقت بها ناداه , وما أذّن لأحدٍ بعد فرقاه ,إلاّ لابن الخطاب حين تشرّفت بفتح القدس يداه . فبكى بلال ؛ وبكى الفاروق وبكى الجيش لما أبكاه," غداً نلقى الأحبة محمداً وصحبه " كان كلامه حين أجله وافاه , وبها ودّع عهداً في سبيل الله أمضاه ,بعد أن أعتقه سيدنا الصدّيق وفداه , من عذابٍ شديدٍ كان قد لاقاه,على يد ابن خلف حين على الرمضاء رماه , وأجثم الصخر على صدره وألبس دروع الحديد لجسمه وتركه لشمس النهار وحرّه وأشدّ أنواع العذاب سقاه , ليكفرَ بما جاء به الحبيب من مولاه,فما كان يُرى منه إلاّ الجَلَد,وما كان يُسمع منه إلاّ : أحدٌ ... أحدٌ ... أنت يا ربّاه 0
أحدٌ ... أحدٌ ... أنت يا ربّاه , وخير من وعد وعداً ووفّاه , حين قلت : {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} (51) سورة غافر 0 فالبشرى لك يا سيّدي بلال ولكلّ من عُذّبَ في سبيل الله,لقد حان وقت القصاص من أميّة ومن والاه 0
فها هو أبو سفيان يخرج بقافلة لقريش في تجارة , فيخرج المسلمون لملاقاتهم وليوقعوا بهم الخسارة , تعويضاً لهم عن أموال تركوها وديارٍ في سبيل الله هجروها 0 فتسرع قريش للنجدة. وأبو سفيان بدهائه ينجح بالعودة , ولكن رؤوس الكفر تأبى العودة , وتصرّ على متابعة المسير لتنحر الجزور وتشرب الخمور وتغني لهم القينات فيهابهم كل غادٍ وآت , ولكن ... هيهات 0 إنّهم لا يدرون أنّهم لحتفهم سائرون وأنّ النصر للمسلمين سيكون 0ولكن كيف؟! وهم ثلاث مئين , في مواجهة ألفٍ من صناديد المشركين بالسلاح مدجّجين وبالحقد والكراهيّة معبئين 0 فبدأ المسلمون يتشاورون , وولائهم لله ورسوله يعلنون , فهاهم المهاجرون يقولون : اذهب يا رسول الله أنت وربك فقاتلا إنّا معكما مقاتلون , والأنصار على السمع والطاعة مع رسول الله يمضون , ولو خاض بهم البحر لكانوا معه خائضون 0
فعدّل رسول الله جيشه ودخل العريش مع أبي بكرٍ يناجي ربّه وينشده نصره الذي وعده , وحاشَ لله أن يخلف وعده 0 فبعث عليهم غيثاً مغيثاً ثبّت أقدامهم , وبالنعاس آمنهم وأهناهم , وألقى الرعب في قلوب من عاداهم , وأكثر من ذلك بالملائكة أردفهم ووافاهم 0
أُقدُم حيزوم ؛ فقد جاء يوم الفرقان والتقى الجمعان , وتقدّم يا جبريل بالملائكة الكرام واضربوا رقاب الكفّار واقطعوا لهم كل بنان , و ( الله أكبر .. الله أكبر .. أحدٌ .. أحد) شعار المسلمين بالمعركة كان, فلتهنأ يا سيّدي بلال مع المسلمين بنصرٍ سيُتلى في القرآن , ولتعلّموا الأجيال القادمة أنّ أعداء الله لا وزن لهم لو تسلّحوا بالإيمان , ولتظفر برأس الكفر الذي أذاقك من العذاب ألوان , وفي هذا درسٌ أنّ المظلوم لا يضيع حقّه ولو بعد سنين ,ولتكن على صدره من الجاثمين 0
" لقد رقيت مكاناً عليّا " قالها لك _ أميّة _ أجهل الجاهلين , ولم يدرِ أنّها ستكون منّة لك من ربّ العالمين , فلتكونَنَّّ على ظهر الكعبة من الراقين ,ليصدح من جديد في أرجاء مكّة نداء المسلمين , بعد أن دخلْتها والصحابة فاتحين , مكبّرين ومهللين , تحت لواء الصادق الأمين , الذي ما طأطأ رأسه إلاّ لربّ العالمين , الذي لا إله إلاّ هو وحده لا شريك له , صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده0
صلى الله عليك يا سيد المرسلين , ورضي الله عنك يا سيّدي بلال وعن الصحابة أجمعين , لقد كنتم رهباناً في الليل لله عابدين , وفرساناً في النهار مجاهدين , من نصرٍ عظيمٍ في بدر ٍ إلى فتح لمكة مبين , كل ذلك وأنتم في رمضان صائمين , لتثبتوا أنّ رمضان شهر عبادة وعمل لا شهر نوم للكسالى والخاملين , الذين يقضون وقت عملهم على طاولاتهم نائمين , من طلاّب وموظفين _ إلاّ ما رحم ربّ العالمين_ فهم طول الليل ساهرين على المسلسلات وبرامج المنتجين , فذاك يفتح باب الحارة وتلك تغتاب مهند ونور أمام الجارة وذلك يضع خطاً أحمراً تحت الكثير من أسماء أجمل الفنانين 0
فكن مطمئناً في معتقلك يا إبليس اللعين , فأتباعك من المنافقات والمنافقين قد عملوا من قبلِ رمضان جاهدين , ليسرقوا من المسلمين أثمن الأوقات ويحرموهم في رمضان من التعرض للنفحات وليخرجوا منه بأقل الحسنات والدرجات بل بالأوزار والسيئات فسحقاً سحقاً لكل أفّاكٍ أثيم 0 وصدق فيهم قول الله العظيم {وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا} (27) سورة النساء 0 وأنتم أيّها المسلمون إلى متى ستبقون ساهون لاهون , وعن رمضان منشغلون , ألا زلتم تظنون أنّه شهر الترفيه وملئ البطون , فالله الله يا أتباع محمد , لا يغادركم رمضان وأنتم خائبون خاسرون فالخسارة لا تعوض . وكأنّ رمضان يقول لنا لعلّي لا ألقاكم بعد عامكم هذا , فهيّا نشمّر عن ساعد الجد ونأخذ أنفسنا بالعزم فلا زال في الوقت بقيّة وباب التوبة مفتوح وربّ العالمين يقول في محكم التنزيل {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } (53) سورة الزمر ,فلنفرّ إلى الرحمن قبل أن تغلق أبواب الجنان , لعلّنا ندرك في هذا العشر خير ليلة في هذا الشهر , فننال الرحمة والغفران والعتق من النيران , فلنكن في صفوف المتهجدين ونستغفر مع المستغفرين ونئن مع التائبين , فلا أحلى من بريق الدموع في عيون المصلّين , ولنجأر بالدعاء لربّ العالمين ,علّ رمضان يكون لنا يوم الدين من الشافعين 0
لو علمت أمّتي ما رمضان لتمنت كل السنة رمضان فلا أوحش الله منك يا رمضان 0
التعليقات:
0 |
|
|
مرات
القراءة:
3038 |
|
|
تاريخ
النشر: 24/09/2008 |
|
|
|
|
|
|