الحرب على غزة
بقلم : ليث عمر عمر
غزة : منطقة تقع في فلسطين المحتلة ، أنَّ جميع أبناء العالم لأنينها ، وكأنها أم وقد أرضعتهم من لبانها ، واستيقظ كل إنسان في أنحاء الأرض لصرخة أبنائها ، حتى كأنهم في حارة واحدة وقد تقارب بنيانها !.
بلدة تحكي قصة الثبات والصمود أمام اليهود ، يقاوم أبنائها جيشاً مسلحاً وهم عُزل ! حقاً : إن العين الآن قاومت المغزل !
وكأني بكل إنسان في تلك البلدة يسأل نفسه والعالم كله : من نحن ؟ وإلى أي أمة ننتمي ؟ وما الذنب الذي اقترفناه صغاراً وكباراً ، ورجالاً ونساءاً حتى نستحق هذا القتل والتشريد ؟ وأجيب : أنتم مسلمون ، وتنتمون لأمة العرب والإسلام ، والذنب الذي اقترفتموه حسب ما حكم الصهاينة به عليكم هو أنكم نطقتم بكلمة التوحيد ، أعلمتم الآن ما هو السر الكامن وراء التصميم على ذبحكم جميعاً ؟
بلى : إن ما يجري في غزة اليوم وفي العالم العربي والإسلامي منذ سنوات عديدة من قتل جماعي وتشريد وتنكيل ومشاهد مروعة ، والتي إن رآها من يملك أدنى ذرة من الإنسانية لابد أن يرق قلبه حزناً على ذلك ، هذا كله له سبب واحد : هو القضاء على الإسلام ، وإضعاف قوة المسلمين وكسر شوكتهم ، لكنَّ الله غالبٌ أمرُه ولو كره الكافرون ، فدقت دولُ الكفر طبول الحرب هم والمتواطئون معهم ، واشرأبت أعناق النفاق وتوازعوا الأدوار ، فمن دولة تزود إسرائيل - سحقها الله – بأسلحة متطورة لإبادة ذلك الشعب الأعزل الذي لا يملك سلاحاً ، وأخرى تساندها الرأي ، وثالثة صامتة لا تقول شيئاً ، وما صمتها من ضعف ولكنه دليل الرضا ، وذلكم هو إِذنْ الفتاة البكر ، ورابعة تدين وتستنكر ، ولكن أي إدانة وأي استـنكار ؟ إنه استـنكار إن وصل إلى درجة الغليان فيكون كتثائب نعسان ! ، في الوقت ذاته إسرائيل تواصل القصف غير مبالية بمن يردعها ، ملحقة بالشعب المسكين أضراراً جسيمة في الأجساد والبناء ، ثم بعد ذلك تقول كاذبةً على نفسها : لقد انتصرنا ! وأي نصر هذا وهم يوجهون على الأطفال والنساء والشيوخ أسلحة تكفي لإبادة جيش بأكمله ، فكيف يقاومها ذلك الجسم النحيل ؟!
ولا يوجد في اليد نصل لطعن هذا العدو فضلاً عن السلاح القوي ، وكيف يحمون أنفسهم والمدافع ترميهم بشهاب من اللهب ، ورحم الله الأديب الكبير مصطفى صادق الرافعي إذ يتحدث عن الحرب في كتابه (( كتاب المساكين )) فيقول في وصف المدفع : (( هو المدفع : حسبه قوة أنه من الحديد ، وحسب ما يحتويه قول الحق سبحانه : ﴿ فيه بأس شديد ﴾ فكم من حصن منيع اعتز به أهله فتركهم فيه تراباً وعظاماً ، وكم من قلعة شامخة اعتز الجند بقواها فدمدم عليهم فسواها !
وأما الرصاص : فهو من سماء الموت حبُ غمامه ، وله صفير كأنه ترنم الشيطان ببعض أنغامه ، يتناثر فكأن في السماء نجماً تفتت فسقط ، أو كأن قطعة من الشمس ذابت فألقت على وجوه الناس هذه النقط !، أو هو فوج من ذباب النار هبط على هذه الدار ، فلا هم له إلا الجلود وإنضاجها بلذعه والعيونَ وإخراجها بنـزعه ، والعروقَ واستخلاصها ، والدماءَ وامتصاصها ، والأرواحَ بعد ذلك اقتناصها )) .
وهذا ما نشهده اليوم في غزة خاصة وفي المسلمين عامة ، وحسبنا الله ونعم الوكيل ...
نعم : إن التاريخ يعيد نفسه في هذه الأيام وإن اختلف الزمان والمكان والإنسان ، ولكنّ السبب هو نفسه والنتيجة واحدة ، فالسبب هو القضاء على دين الله في كل عصر من العصور ، والنتيجة هي ذاتها عبْر مَرِ الأزمان من جهتين اثنتين : الأولى وهي أن الله متم نوره ولو كره الكافرون ، والثانية هي القتل والتعذيب لكل من آمن بهذا الدين الحنيف ، فالطفل الذي رماه النمرود في النار منذ آلاف السنين هو وأمه والمؤمنين جميعاً لا ذنب لهم إلا أن آمنوا بالله العزيز الحميد ، والطفل الذي يُقتل اليوم في غزة أو في العراق لا ذنب له إلا أنه من أمة التوحيد .
قل لي بربك وأجبني : ما الفرق بين ضحايا النمرود وضحايا أولمرت إلا أنهم جميعاً مؤمنون بالله تعالى ؟ ولكن صبراً بني الإسلام صبراً فإن ما توعدون لواقع وإن النصر لآت بإذن الله تعالى ، وهذه هي حكاية الإنسانية منذ أن وُجدت : القتال مع الصبر أولاً ومن ثم الظفر بالنصر ثانياً ، ولو تأمل كل واحد منا كيف خرج من ضيق الرحم إلى رحاب الحياة ، ومن ظلمة الأحشاء إلى نور الدنيا لوجد أنه ما تخلص من ذلك كله إلا بعد أن تلطخ بالدماء ، وكذلكم الأيام ، فلا تُعرف دولة عَبْر مر التاريخ تخلصت من ظلم عدوها وكسرت قيد معصمها لتـنعم بالحرية إلا بعد أن سالت دماء أبنائها على الأرض وتلطخت منه الأجسام ، فالنمضي قُدماً جميعاً ، ولندافع عن الإسلام بكل ما نملك ، ولنطالب بالحرية مهما كان الثمن ، فهي ميتة واحدة فلتكن في سبيل الله ، ورحم الله أبا فراس الحمداني إذ قال :
هو الموتُ فاختر ما على لك ذكرُه
|
|
|
|
|
فلم يمت الإنسانُ ما حيي الذكرُ
|
ونحن أناس لا توسط عندنا
|
|
|
|
|
لنا الصدر دون العالمين أو القبر
|
تهون علينا في المعالي نفوسنا
|
|
|
|
|
ومن يخطب الحسناء لم يغلها المهر
|
أعزُ بني الدنيا وأعلى ذوي العلى
|
|
|
|
|
وأكرمُ من فوق التراب ولا فخر
|
فلا يتوانى أحد عن واجبه ولا يقعدن عن النهوض بأمته ، فالإيمان الصادق والعزم الثابت يصنعان كل شيء ، كما قال الشاعر الهندي محمد إقبال رحمه الله :
يعلو عن الموت من تسمو إرادته وفي عزيمته صـدق وإيمان
عُمرُ الكواكب محدود وأنت إلى غير انتهاء بكأس الخلد ربان
ولنتذكر جميعاً قول الحق سبحانه وتعالى :
﴿ إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ ﴾
سائلين المولى أن يرزقنا الشهادة في سبيله ، وأن ندافع عن الإسلام بكل ما نستطيع ، وأن يرزقنا في ذلك الإخلاص . إنه سميع قريب مجيب .
والحمد لله رب العالمين .
التعليقات:
0 |
|
|
مرات
القراءة:
3026 |
|
|
تاريخ
النشر: 15/01/2009 |
|
|
|
|
|
|