بين باب الحارة ومانشستر سيتي !!!
بقلم : ريما محمد أنيس الحكيم
حين أمسكت قلمي لأكتب هذه الكلمات، كانت الأفكار تتداعى إلى مخيلتي بشكلٍ عشوائي، فلا أستطيع أن أحدد ماذا سأكتب ؟ ولماذا ؟ وكيف ؟ ..
هذه الأسئلة الثلاثة التي أضعها نقطة انطلاقٍ لأي مقالٍ أريد كتابته، لم تولد بعدُ هذه المرة.. مما جعلني أمسك قلمي بحيرةٍ شديدة، وشفقةٍ عليه أنه سيبقى في يدي كثيراً دون أي قرار ..
إلا أنه لم يلبث أن هبط على ورقتي البيضاء وانطلق يجري في رحلة لا أعرف أين مستقره بعدها، لكنها فيما يبدو شيقة .. ومثيرة .. وغريبة ..
هذا ما جعلني أعطيه الحرية في كتابة ما يريد، وسمحتُ لعقلي بفكرة التداعي الحر التي أستخدمها عادة لكتاباتي الخاصة، والتداعي الحر هي عملية معروفةٌ في علم النفس، كيفيتها أن يمسك الفرد قلماً ويبدأ بالكتابة بشكلٍ مستمر دون أي انقطاع، فيكتب أي شيء دون تحديد لموضوع معين، وعليه فيها أن يستمر ويستمر بالكتابة حتى تتوقف أفكاره عن الورود .. عندها يقرأ ما كتبه وسيكتشف الكثير في نفسه من أمورٍ كان يجهلها أو أفكار كان يحاول تجاهلها ..
وكيف ستفيدني عملية التداعي الحر في أفكار أعلم وجودها تماماً، ولا أحاول تجاهلها، لكنني آسفُ أن أجدها فيمن حولي، وأحزن أنها تحيط بي ..
لكنني أعطيت الوعد لقلمي .. ووعد الحر دين عليه .. فهيا يا قلمي انطلق، ولتكن هذه بدايتك، انطلق مما تشاء، وليكن مستقرك أنى تشاء ..
* * * * * *
ليلة البارحة .. وكعادة أهلنا في الشام في كل رمضان منذ 3 سنوات، عند الساعة العاشرة مساءً، كانت العائلة الكريمة متحلقة حول التلفاز تنتظر مسلسل ( باب الحارة ) ..
والذي قد يستمر في إخراج أجزاء جديدة حتى الجزء الأربعين حسب آخر التحليلات الفنية .. لا أدري إن كنت سأعيش حتى ذلك الوقت، ولكن ربما سيذكرني أحفادي به ويقولون ( مسلسل من أيام جدتنا رحمها الله ) ..
في خضم هذا التحلق حول التلفاز خرجت إلى الشرفة ، فوجدت الشوارع شبه خالية إلا من بعض المارة، وصوت باب الحارة يملأ الجو ويخرج من كل نوافذ الأبنية المجاورة، كان صدى الصوت يرتطم بجدران الأبنية، ليملأ الجو بصوت الممثلين فيها، وارتفعت أصوات الشخصيات وتعالت لتكسر حاجز الهدوء الذي ظن أنه سيستقر في شوارع الشام في هذا الوقت ..
أين أنتم يا سكان الشام ؟؟ أين أشغالكم وأعمالكم ؟؟ هل أوقفتم كل مشاريعكم لأجل مسلسل ؟؟ لأجل باب ؟؟
لقد أصبح موعد بث المسلسل مؤقتاً لبعض الناس، فقد سمعت من يؤقت أحداث ليلته وفقاً لبث المسلسل وقبله بساعتين وبعده بساعة !!
سبحان الله .....
* * * * * *
في إحدى المرات وبعد الإفطار مباشرة .. كنا نشاهد القناة المحلية التي كانت تبث الإعلانات ريثما تبدأ بمواصلة برامجها الرمضانية وسلسلة مسلسلاتها التي لا تنتهي .. وإذ بي أكتشف نتيجة لم أكن أتوقعها :
لقد اكتشفت أن معامل الورق في سورية تعتقد أن الشعب السوري هو الشعب الأكثر حاجةً في العالم إلى ( المناديل ) .. ودليلي على هذا الاكتشاف أنها كلها قد حولت إنتاجها إلى صناعة المناديل .. فالمواطن السوري يملك مئات الخيارات إن أراد أن يشتري علبة محارم ورقية ، فلديه : لايت فيل .. غولدن روز .. ديمة .. القطة .. كومفورت .. وباب الحارة ... ولا أدري لماذا يردني كل شيء إلى باب الحارة وكأنها أصبحت محور الحياة في سورية !!
وطبعاً باب الحارة لا علاقة له بهذه المناديل، لكنها سُميت هكذا كي تحقق نسبة شراء أكبر، فبما أن الشعب يعشق مسلسل باب الحارة، فلن يقبل أن يمسح دمعته التي تنزل من أجل عيون أحد أبطال باب الحارة إلا بمناديل باب الحارة ..
وهذا قادني إلى اكتشاف أن فخر الصناعة الوطنية هو المحارم .. وباب الحارة ..
تخيلوا أن أحد المغتربين الذين يعشقون الشام وأرضها، بعد أن شاهد هذه الإعلانات على شاشة الفضائية السورية ، قال لي : (( هل تأكلون المحارم ، لماذا كل هذه الإعلانات للمحارم ؟؟ )) .. فقلت في نفسي : (( إنه لا يعلم أن شعبنا شعب يعشق النظافة ، وهو لهذا ينتج هذا الكم الهائل من المحارم التي سترفع سوية الاقتصاد الوطني حتى يناطح الاقتصاد الأمريكي الذي ينهار ببطء، وهل تعلمون لماذا ينهار ؟ لأنه لم يستفد من التجربة السورية في صناعة المحارم !!!! )) ....
فماذا بعد المحارم ؟؟؟
* * * * * *
ماذا بعد المحارم ؟؟؟
خيراً إن شاء الله ..
أعلم أنكم تقولون في أنفسكم : ما بها تتحدث في أمور ليس لها أي معنى ؟
لكنني سأصل بكم إلى الزبدة ...
في مدينة مانشستر في بريطانيا يوجد فريق لكرة القدم يدعى ( مانشستر سيتي ) ويعد من الفرق القوية إلى حدٍ ما .. لكنه غارق في الديون حتى عرضه أصحابه للبيع ..
وتخيلوا من الذي اشتراه ..
ومن سيكون سوى أصحاب النخوة والشرف والعزة ومساعدة المنكوبين : العرب !!
ومن سيشتري هذا الفريق بهدف الإغاثة إلا مجموعة ( أبو ظبي المتحدة ) ؟؟
بالطبع .. سيتم إنقاذ الفريق على يد أصحاب الكرم الحاتمي ..
لقد اشترت مجموعة ( أبو ظبي المتحدة ) هذا الفريق ومن أجل تحسين الأداء في الفريق اشترت أحد اللاعبين من فريق آخر بمبلغ ( 34 مليون جنيه استرليني ) .. وفي النهاية عرض أحد المساهمين في هذه المجموعة وهو السيد الفهيم ( سامر الفهيم )، عرض شراء أحد أقوى اللاعبين ( كريستيانو رونالدو ) بمبلغ : ( 126 مليون يورو ) !!!!!!
نعم .. لماذا تفركون أعينكم ؟؟؟ لا لا لقد قرأتم الرقم بشكل صحيح .. نعم فقط 126 مليون يورو .. ولماذا استغربتم ؟؟
كل هذا يتم .. وأطفالنا في غزة لا يجدون لقمة تكفيهم إفطار يوم رمضاني طويل وحار صاموه في شدة الحر وتحت الحصار .. كل هذا يتم وعيون المشاهدين ملتصقة بباب الحارة.. كل هذا يتم وشبابنا وشاباتنا أيقنوا واعتقدوا اعتقاداً جازماً أن رمضان حلو لما يحمل معه من كثافة للمسلسلات غريبة ..
فأين نحن من رمضان ؟؟ وأين نحن من رحمات رمضان ؟؟
* * * * * *
وصلت الآن إلى نهاية تداعياتي الغريبة ..
لكنني قبل أن أنهي كلامي أعتقد أنكم لم تكتشفوا ما هو الرابط العجيب بين باب الحارة ومانشستر سيتي .. ها هو :
باب الحارة مسلسل يتابعه أغلب الناس في الشام ( لن أكون متشائمة وأقول الكل )
فيه إعلانات تجارية عن ( المناديل ) من أهمها محارم باب الحارة
أبطال مسلسل باب الحارة ذاهبون إلى لندن ( حفل خيري لجمع المال من أجل أطفال غزة)
مانشستر مدينة قريبة من لندن
مانشستر سيتي فريق مدينة مانشستر والذي اشترته المجموعة العربية بمبلغ كبير من المال دون مراعاة أي حاجة عربية أو جوع فلسطيني
وهكذا وصلنا من باب الحارة .. إلى مانشستر سيتي ..
مع اعتبار أن باب الحارة أفضل من مانشستر سيتي بالطبع ..
* * * * * *
ما بك يا قلمي ؟؟ لماذا يئست وتوقفت عن متابعة الكتابة ؟؟؟
آآآآآآآ .. عفواً قرائي الأعزاء .. يبدو أنكم مللتم من القراءة ..
معكم كل الحق .. وتتساءلون ما هو الرابط بين كل فقرة من مقالتي السابقة ..
بصراحة !!!!
لا يوجد أي رابط .. والرابط الذي كتبته لكم كان رابطاً غبياً ..
لكنها تداعيات حرة لا أكثر ..
وقد أخبرتكم منذ بداية المقال .. أنها لا تحمل أي فكرة ..
ولكنني أتساءل الآن ...
هل استطعتُ أن أوصل لكم أي فكرة ؟؟؟
.
التعليقات:
8 |
 |
|
مرات
القراءة:
4141 |
 |
|
تاريخ
النشر: 18/09/2008 |
 |
|
|
|
|
|