::: موقع رسالتي - رؤية جديدة في الخطاب الإسلامي :::

>> أقلام نسائية

 

 

صور من الظلم في واقعنا

بقلم : هدى  

بسم الله الرحمن الرحيم

قال الله تعالى في الحديث القدسي: "يا عبادي: إني حرّمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرماً، فلا تظّالموا". رواه مسلم.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اتقوا الظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة". رواه مسلم.

        منذ أن خلق الله عز وجل الخليقة، وفي زمن سيدنا آدم عليه السلام، ظلم الإنسان أخاه الإنسان، فعلى سبيل المثال: ظلم قابيل هابيل بتعدّيه عليه وعلى حقه، فكانت نهاية ظلمه له أن قتله، فكان من الخاسرين في الدنيا ويوم الدين. ثم توالى شريط الظلم عبر العصور والأزمان، ولا زال مستمراً حتى زماننا هذا. لكن الشيء الذي يدعو للحيرة والتفكر بعمق، أن قابيل عندما قتل أخاه ندم رغم عدم توبته، أما في زماننا هذا، فكثير من الناس يظلمون، يبطشون ويتجبرون، يتعدون حدودهم ثم لا يتأثرون!!! وإذا قيل لهم اتقوا الله، أخذتهم العزة بالإثم، بل أنكروا عِظم ما يفعلون، وكأنهم على الصراط المستقيم سائرون. ماذا حدث للناس؟ إلى أي حد وصل الفساد؟ لماذا ماتت الضمائر؟! لماذا أظلمت القلوب؟ لماذا يفعل أحدهم ما يفعل وكأنه لا يفعل شيئاً؟! ما هو سبب الظلم والبطش؟ هل هي الغفلة عن الله سبحانه وتعالى، والبعد عن أهل الحق والعلم؟ ربما.. بل هو أكيد. اللهم إني أعوذ بك أن أكون ظالمة أو مظلومة.

        إليكم صورتين مما للظلم في حياتنا من صور، تركتا في نفسي بالغ الأثر، فأحببت أن أقصهما عليكم، علّنا نتقي الظلم، ومن حال غيرنا نعتبر.

        * الصورة الأولى: إمام مسجد يدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، كان سائراً على المنهج الإلهي، والسنة النبوية الشريفة، أحسبه صالحاً، وأثق بعلمه ولا أزكي على الله أحدا. جاء إلى بلدتنا منذ سنوات، وهو من خارجها، لكن بعض أهل هذه البلدة كبُر عليهم الإرشاد والنصح من هذا الغريب، فكادوا له، وعادوه، وصاروا - حسب ما سمعت من أناس مقربين منه - لا يطيقون أي عمل يقوم به في المسجد من تغييرات أو تحديثات، يغتابونه، ويتصيدون له الأخطاء والعثرات..... ومع كل هذا بقي ثابتاً على مبدئه، فجاهد من أجل نشر العلم والخير في هذه البلدة، وإصلاح ما يمكن إصلاحه، وحسب معلوماتي، فقد تخرج على يديه عدد كبير من حفظة القرآن الكريم، وفيما يبدو لي أنه تأذى كثيراً، إلى أن جاء يوم نقل فيه من هذا المكان، وفي ذلك اليوم (يوم الجمعة) وحيث كانت آخر خطبة له في ذلك المسجد، صعد منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد خنقته العَبرة، حمد الله وأثنى عليه عارفاً حقه وقدره، وصلى وسلم على سيد الخلق أجمعين، وأسوة الدعاة المخلصين، ثم قال: أُشهد الله أني أحبه وأحب رسوله، وأشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أني بلّغت عنه كما أمر "بلغوا عني ولو آية". وخاطب المصلين أمام رب العالمين أنه لم يغتب أحداً منهم، ولم يذكر إنساناً بعينه في نصائحه على المنبر، بل كان يقول كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا ؟ أخيراً سيحدث لأهل البلدة ما يطيب لهم، فقد غادرها وفي قلبه غصة، وهكذا يا إخوتي انتهت القصة.

        أيها الظالم! لماذا تؤذي إنساناً مصلحاً يريد لك ولأهلك ولأبنائك الخير؟ ويريد أن يرشدك ويدلك على الله؟ لماذا كنتم تضيقون ذرعاً بدرسه؟ لا تريدون سماعه، بل تريدون التخلص منه؟!

* الصورة الثانية: دخل المشفى، وهو طبيب ذو شأن ومنصب، استنفر العاملين والعاملات، وحفز الهمم والطاقات، قام المشفى على قدم وساق، أبدلوا شراشف الأسرّة، عقموا الغرف والممرات، عطروا الأجواء، ليصبح المشفى بعد ذلك مشفى خمس نجوم! وبعد التعقيم والتطهير، منع المرضى من الدخول قبل إنهاء هذا الحدث الخطير، إنه استقبال ابنة ذلك الطبيب من أجل الولادة. وفيما عدا ذلك، يعجّ المشفى بالإهمال والتسيب، ويخلو من النظافة والترتيب، يدخل المريض بشراً إلى هذا المكان، لكن معاملته لا تشبه إطلاقاً معاملة الإنسان لأخيه الإنسان. حدث مرة أن استقبل هذا المشفى طفلاً في الرابعة من عمره، لإجراء عملية للوزتيه، فكانت نهاية الطفل في ذلك المشفى. العملية بسيطة، لا تدعو للقلق، لكن لم يكن في المشفى طبيب مختص في التخدير، فقد مات الطفل الصغير، كما مات غيره من قبل، ولا زالت سلسلة الموت مستمرة. نعم إلى هذا الحد وصل التقصير، والمؤلم أن الطفل كان يقول لجدته قبل الذهاب إلى المشفى: تعالي معي، أخشى ألا أراك مرة ثانية! كأنه يعلم أنه خارج من البيت ليلقى الموت. إنه قدر الله حقاً، وهي ساعة الطفل قد حانت، لكن هل يُعفى أولئك المستهترون من المسؤولية؟ ألا يعد استخفافهم بأرواح الناس ظلماً؟! بعد موت الطفل ثارت إحدى الطبيبات، وانزعجت أشدّ الانزعاج، وأخذت تصرخ في وجوه العاملين في المشفى: مجرمون! مجرمون!... وسألت ذلك الطبيب الذي وجدتم الفرق بين استقباله لابنته، واستقباله للآخرين ممن ليس بينه وبينهم قرابة، قالت له: لو كان ابنك مكان الطفل المتوفّى، فهل تقبل بذلك؟ هل تقبل وجود نقص في طاقم الأطباء؟ قال: نعم أقبل، وما المشكلة؟ ما رأيكم بكلامه؟ أرادت الطبيبة قول كلمة حق، أرادت الدفاع عن الحق، لكن هل ارتدع المخاطَبون؟ هل كفّوا عن ظلمهم واستهتارهم؟ لقد اتهموا الطبيبة بالجنون، وبأن في عقلها لوثة! سبحان الله! ما الذي جرى لنا؟!

        فقلي بربك أيها الظالم! هل تخيلت نفسك يوماً مكان من ظلمت؟  هل جهزت جواباً لله رب العالمين يوم لا ينفع مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم؟ اعلم أن يوم العدل على الظالم أشد من يوم الحور على المظلوم.

        قلي أيها الظالم! هل جربت طعم الظلم؟ بالطبع لا. أنت القوي القادر على حسب زعمك، لكن إن لم ترتدع، وتصلح ما أفسدته، وإن لم تعترف بذنبك، وتتب إلى الله تعالى، فسيأتي عليك يوم تذوق فيه ما أذقته للناس من قهر وألم. فالله نصير المظلومين، وقاهر فوق الظالمين. أريد أن أذكرك بمصير قريش حين حاصروا سيد الخلق، وضيقوا عليه وعلى من اتبعه، فجاء عليهم يوم حوصروا فيه حتى أكلوا وبر الجمل. فالله الله في بعضنا.. اتقوا دعوة المظلوم، فليس بينها وبين الله حجاب.

لا تظلمن إذا ما كنت مقتدراً      فالظلم آخره يــأتيك بالندم

نامت عيونك والمظلوم منتبه       يدعـو عليك وعين الله لم تنم

والحمد لله رب العالمين

  

 التعليقات: 0

 مرات القراءة: 3239

 تاريخ النشر: 12/04/2009

ملاحظة:
الآراء المنشورة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو القائمين عليه، ولذا فالمجال متاح لمناقشة الأفكار الواردة فيها في جو من الاحترام والهدوء ونعتذر عن حذف أي تعليق يتضمن:
1- يحتوي على كلمات غير مهذبة، ولو كانت كلمة واحدة.
2- لايناقش فكرة المقال تحديداً.

 

 848

: - عدد زوار اليوم

7447473

: - عدد الزوار الكلي
[ 38 ] :

- المتصفحون الآن

 


العلامة الشيخ محمد حسن حبنكة الميداني


العربيــة.. وطرائق اكتسـابها..
المؤلف : الدكتور محمد حسان الطيان








 
   

أحسن إظهار 768×1024

 

2006 - 2015 © موقع رسالتي ، جميع الحقوق محفوظة

 

Design & hosting by Magellan