::: موقع رسالتي - رؤية جديدة في الخطاب الإسلامي :::

>> أقلام نسائية

 

 

ابْــذُر يــــا أخـــي !!!!

بقلم : ريما محمد أنيس الحكيم  

ابْــذُر يــــا أخـــي !!!!

القصة القرآنية في ثوب معاصر ...

قراءة في رواية (أبي اسمه إبراهيم) للدكتور أحمد خيري العمري 

 

تلعب القصة دوراً محورياً في عملية التربية، والمنهج التربوي في القرآن يجعل منها وسيلةً هامة من وسائله في تربية الإنسان على صعيد كُلٍّ من النفس والجسد والعقل، للوصول به  إلى مستواه الفطري الأصيل.

فالقصة من الأسس الهامة للعملية التربوية التي يتبعها القرآن الكريم إلا أنه لم يسُق من القصة إلا ما يتعلق بالغرض الذي سيقت القصة من أجله، كي تظل الصلة متينةً بينها وبين المناسبة الداعية إلى ذكرها بحيث تبعث القصة فيها الأهمية وتمدها بالحركة والحياة. من أجل هذا لا تكاد تجد القرآن يسرد حوادث القصة سرداً تاريخياً تبعاً لسلسلة الواقع والأحداث، إذ من شأن ذلك أن تبتعد القصة بالقارئ عن المناسبة والغرض الأصلي اللذين ذُكرت بصددهما. [1]

والقصص التي ذُكرت في القرآن الكريم لم تذكر على سبيل القص والرواية فقط، وإنما لها دورها في عملية البناء والتنمية للإنسان، وهي ليست قصص تروى عن الماضي فقط، إنما هي قصصٌ حدثت في الماضي، تُروى لنا لنكتشف منها حلولاً لتنمية الحاضر وبناء المستقبل.

قصص تؤهل الإنسان ليكون إنساناً صالحاً، يستخرج منها العبر، ويكتشف منها ما يجب أن يكون في الحاضر والمستقبل.

((هناك قصص قديمة، بل وقديمة جداً، لكنها تظل جديدة، بل إنك قد تشعر أنك جزء من هذه القصة، وأنك ستصير بطلاً من أبطالها.. وستشعر أيضاً أنها ستدور أيضاً في المستقبل، قد تتغير الزخارف الداخلية (الديكورات) والأثاث المحيط، وأسماء الأبطال، ومواقع الأحداث، لكن (القصة) نفسها ستظل تقريباً بلا تغيير..)) [2]

ومن القصص التي سردها الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم قصة سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام، حيث ذُكرت في عدة مواضع من القرآن وبأسلوب يتناسب مع المكان الذي ذُكرت فيه، ودون أن يتبع السرد التاريخي لها.

تناول الدكتور أحمد خيري العمري قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام كما وردت في القرآن، دون سرد تاريخي، إنما فقط سرد الأحداث وفق ترتيب منطقي ورؤية جديدة نحو فهم أعمق للعبر التي أراد الله أن يعرفنا بها لنصنع المستقبل وفقاً لها، لنكون نحن (إبراهيمَ) زماننا الحالي، لنصنع التغيير الذي صنعه سيدنا إبراهيم، بما أن الأزمان توارث طغاتها ومجرميها، وتنقلهم معها ليكونوا معنا في كل جيل، ولنعاني منهم في كل زمان، ولتتحرك همتنا ونسعى نحو التغيير كلما أُعلنت حالة الطوارئ:

((أنَّ الأمة في خطر، فانتفض يا إبراهيم، واسعَ نحو التغيير،

وكُن أول المسلمين))...

ومن وحي تجربة الدكتور العمري الرائدة، كان لي بعض الوقفات التي لفتت انتباهي، ووجدت أنها من الممكن أن تكون أفكار اللبنة الأولى في سعينا الحثيث نحو التغيير، ومحاولاتنا المستمرة لتقديم مشروع إسلامي ناجح على كافة مستويات الحياة..

*     *     *     *     *     *

تبدأ الرواية مع قصة سيدنا إبراهيم منذ طفولته الأولى، لتروي لنا قصةً تحمل في ثناياها أفكاراً نهضوية وقواعد حياتية تحقق لمن يطبقها أن يكون أول المسلمين، وليبذر كلٌّ منا بذرته التي يقدر عليها من بذور النهضة..

حيث يشعر سيدنا إبراهيم عليه السلام بقوة إلهه الحق أمام غيره من الآلهة الضعيفة المصنوعة بيد عابديها، يشعر بتميزه، وهذا دليله على كونه الإله الحق أمام غيره من الآلهة.. شعوره بقوته لأنه مع الإله الحق وضعفهم أمامه...

((وجدها تُنادي تلك الآلهة المزيفة بأعلى صوت....

ووجد نفسه يُنادي ذلك الإله الواحد، بلا صوت، لم يعرف كيف يُناديه، لكنه عرف أنه لا يحتاج أن يرفع صوته كما تفعل تلك الكاهنة وآلهتها المزيَّفة، إلهٌ حقيقي مثل إلهه سيعرف ما يُفكِّر به، ولن يحتاج إلى أن يتواصل معه بصوتٍ مسموع....

..... قال في نفسه : " أيُّها الإله الواحد، الإله الحقّ، ساعدني".. شعر براحةٍ عجيبة وهو يقول هذا النداء: " الإله الواحد.. الإله الحقّ".. شعر أن الكاهنة ومعها حاشيتها وآلهتها وكهنة المعبد وتراث الأجداد والأعمدة الفخمة في الهيكل، كلُّها كانت تبدو ضعيفةً أمامه..

كان يقف أمامهم وحده، لكن لأنَّه معه الإله الواحد، الإله الحقّ، فقد كان أقوى!!))

 

ولنبدأ في التغيير، علينا أولاً أن نجتثَّ الأفكار القديمة من جذورها، عملية البناء تستلزم الهدم أولاً، فكيف ستبني بناء صحيحاً على بناء خرب مهدم، علينا أن نبدأ بالهدم، وعملية الهدم هذه صعبة جداً، وقد تسبب لنا الأذى، وقد يرفض أصحاب تلك الأبنية هدمها لاعتيادهم عليها، لكنها الحقيقة الصعبة، لا بُدَّ من الهدم لنبدأ بالبناء..

((اكتشف إبراهيم أن الهدم خطوةٌ مهمَّةٌ من أجل البناء..

لا تستطيع أن تبني، إن لم تهدم.. لا بد أن تهدم، بذرة (الهدم) هي التي تُمهِّد للبناء..

ومن أجل أن يُمَهِّدَ للفكرة الجديدة، للإيمان بالإله الحق، كان لا بدَّ من أن يهدم الإيمان بالآلهة المزيفة..

من أجل بذرة الإيمان الجديد، كان لا بُدَّ أن يُوَجِّهَ ضربةً للإيمان العتيق...))

 

ولكن.. هل يكفي الهدم؟؟ وهل سنقنع الناس بأهمية ما نبنيه بمجرد هدمنا لأبنيتهم القديمة، وهل يكفي اجتثاث المعتقدات القديمة من الأعماق لنزرع بعدها ما نريد، ونضع البذور الأولى.. لا.. لا يكفي الهدم، الهدم عملية ضرورية، لكنها ليست كافية، يلزمنا معها إحضار الدليل المقنع لنزرع الجديد، ليسمح لنا الناس ببناء الجديد، ليتقبلوا الجديد، علينا أولاً أن نقدم لهم الدليل لإقناعهم بأهميته..

((قال والد إبراهيم بغضب: "الأمر ليس بهذه البساطة التي تتخيلها، الآلهة موجودةٌ فينا وفي عاداتنا وفي رؤوسنا.. لقد تربَّينا على عبادتها، لن يكون الأمر أن يأتي ولدٌ في سنِّك ويسأل بعض الأسئلة ثم نترُكَ آلهتنا ونُطيعه.. عندما تهدم هذه الآلهة وتنسفها، فإنَّ عليك أن تجدَ بديلاً.. أفهمت ؟!!.. أين هو بديلك الواحد الذي تتحدَّث عنه.. لا بُدَّ أن يكون موجوداً وواضحاً.. لكي تُقنع الناس به.."...

ظلَّ سؤاله يتردَّد في رأس إبراهيم.. وظلَّ يُفكِّر..

كان والده على حقّ...

ليس الأمر في أن يَهدم الآلهة فقط..

كان عليه أن يعرف المزيد عن الإلهِ الواحدِ.. الحقّ)) ...

 

فلنبدأ إذن في عملية البحث عن أدلة ما نريد بناءه، ثم لنهدم القديم، ولنبدأ عملية البناء.. ولكن لنعلم أن ومضة النور التي ومضت في عقولنا وجعلتنا نفكر ونبدأ بالبناء إنما هي ومضة من الله سبحانه، إنما هي هديَّة من ربنا جل وعلا.. إنما هي ومضة نور في الظلمة التي تحيط بنا.. إنما هي قمر منحنا الله إياه لينير ظلمتنا..

((ظلَّ إبراهيم يتلفَّت.. بين الاتجاهات، يبحث عن إشارةٍ، عن رسالةٍ، عن طريقٍ يدلُّه إلى الإله الحق..

..... وفجأةً.. التمع ضوءٌ في رأس إبراهيم، حدث معه بالضبط كما سيحدث معكم عندما تبحثون عن زرِّ الضوء الكهربائي وسط الظلام، تتلمَّسون الزرَّ في الظُلمة، تتعثَّرون قليلاً، ثم تعثرون عليه، وتضغطونه.. فإذا بالضوء يطرد الظلمة كلها، دفعةً واحدة..))...

 

لنشكر الله على هديته تلك، ولنبدأ عملية البناء.. ولكن... هل سينتهي البناء في حياتنا؟ هل سنعيش لنرى البناء مكتملاً، وإن لم تبدأ فروع الشجرة في النمو، فهل سنصاب باليأس، أم أننا سنكمل سيرنا؟

سنرحل.. كلنا سنرحل.. ولكن.. هل تركنا البصمة التي ستشفع لنا عند الله يوم القيامة قبل أن نرحل؟ أم أن حياتنا كانت دون أي فائدة تذكر؟ هل مررنا وتركنا أثراً؟ أم أن الرمال بعد مرورنا بقيت مستوية؟

كيف كانت حياتنا، سؤالٌ موجعٌ يؤلمني كُلَّما فكرت فيه على مستوى الناس، مشكلتنا أننا نبدأ بفكرة جميلة رائعة، لكننا نملُّ مع مرور الزمن، لأننا نستعجل وجودها على أرض الواقع، لا نقبل الانتظار حتى تأخذ وقتها، فنتركها.. فتموت الفكرة..

وباعتقادي الشخصي إننا سنحاسب إن تركنا الفكرة النافعة تموت.. كما سيحاسبنا الله على وقتنا فيما أضعناه، وعلى عمرنا فيما أفنيناه، فإنه سيحاسبنا على أفكارنا كيف طبقناها، وتلك الجيدة والنافعة منها، هل سعينا نحو تحقيقها أم تركناها تموت في عالم الخيال والأوهام؟؟

هي أفكار راودتني حين قرأت هذه الكلمات:

((قرَّر إبراهيم أنه إذا رحل فعليه أن يترك بذرةً ما.. بذرةً لرفض الأصنام.. بذرةً تكشف ضلال الأجداد وأخطاءهم.. بذرةً تكشف للناس أن لديهم في رؤوسهم (عقول) عليهم استخدامها...

فكَّر أن ليس عليه أن ينتظر البذرة ويراها وهي تنمو وتكبر وتنضج وتُثمر... قد يأتي غيره ليسقيها، وقد يأتي آخر ليحميها ، قد تكون كل الظروف مواتية لنموِّها كما كانت الظروف مواتية للبذور التي تركها في الحديقة..

سيرحل.. نعم سيرحل..

لكنه قبل أن يرحل عليه أن يترك بذرةً في رؤوس أهل مدينته..

بذرةً كبيرة...

بذرةً قويـَّـــة..

بذرةً لا تُنسى...

وربما ستتكفَّل قوانين الإله الحق بنُموِّها ونُضجها..))

جعلتني هذه العبارات أُحلِّق معها لأنظر في بذورنا.. هل نقبل أن نبذرها فقط، أم أننا نأبى إلا أن نفعل كل شيء لتنميتها؟

 

تذكرت عبارة مالك بن نبي رحمه الله تعالى حين قال:

((ستحملُ إشعاعاتُ الصباحِ الجديد ظِلَّ جُهدِكَ المبارك في السَّهلِ الذي ستبذرُ فيهِ، بعيداً عن خُطُواتِكَ.. وسيحملُ النسيمُ الذي يمرُّ الآن البذورَ التي تنثُرُها يداكَ... بعيــداً عن ظِلِّكَ.. اُبْــذُر يا أَخـــــي))

فلتبذر يا أخي.. وليكن عملنا الآن على مستوى البذار فقط، ولا نعلم، ربما سنتمم عملية التنمية، ربما لن تكون فكرتنا هي في اللبنة الأولى فقط، وربما أطال الله أعمارنا لنرى الشجرة تنمو والبناء يكتمل.. ولكن لنترك هذه الأمور لله تعالى الآن.. ولنبدأ عملنا.. وليكن منطلقنا..

(( ابــذر يــا أخـــي ))

 

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1)  منهج تربوي فريد في القرآن ، د. محمد سعيد رمضان البوطي ، ص 49 + 50.

(2)  رواية (أبي اسمه إبراهيم)، د.أحمد خيري العمري، المقدمة ص 15.

 

 

 التعليقات: 1

 مرات القراءة: 2863

 تاريخ النشر: 17/05/2009

2009-08-18

عبد الباسط

الكامات لها ثوب كل عصر فان ارتدت ثوب عصرها عاشت فيه وان ارتدت ثوب لا يوافق عصرها كان ذالك اشبه بالعري لان الالوان تبدو حين تكون لها ملامح لكي تتميز عن بعضها ولاولا الاختلاف لما استطعنا التمييز والاداك بين الالوان وهكذا الكلمات تعيش في النفس ولها تصور قديم والمهة تكون حين نستطيع ان نجدد التصور ونكسوه بالالوان التي تجعله جديدا متالق وينبض بالحيات

 

ملاحظة:
الآراء المنشورة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو القائمين عليه، ولذا فالمجال متاح لمناقشة الأفكار الواردة فيها في جو من الاحترام والهدوء ونعتذر عن حذف أي تعليق يتضمن:
1- يحتوي على كلمات غير مهذبة، ولو كانت كلمة واحدة.
2- لايناقش فكرة المقال تحديداً.

 

 1604

: - عدد زوار اليوم

7404867

: - عدد الزوار الكلي
[ 45 ] :

- المتصفحون الآن

 


العلامة الشيخ محمد حسن حبنكة الميداني


العربيــة.. وطرائق اكتسـابها..
المؤلف : الدكتور محمد حسان الطيان








 
   

أحسن إظهار 768×1024

 

2006 - 2015 © موقع رسالتي ، جميع الحقوق محفوظة

 

Design & hosting by Magellan