رداً على الشيخ الزنداني ... سماع أصوات الموتى في قبورهم !!
بقلم : الدكتور أحمد محمد الفاضل
الدكتور أحمد محمد الفاضل
مدرس التفسير و علوم القرآن
في معهد الفتح الإسلامي
قبل نحو أكثر من سنة ظهر الشيخ عبد المجيد الزنداني على الفضائيات ، ليسمع الناس شريطا ً ، يدَّعي أنه سُجل في روسيا من بئر عميقة للنفط ، و أن الأصوات المخيفة التي تنبعث منه – و هي عويل و صراخ واستنجاد – ما هي إلا أصوات الموتى الذين يعذبون في قبورهم ، و يُصْلوَنْ حرَّ النار ..!! و ادعى أيضا ً أنَّ هذا الشريط المرعب ، كان قد ســُجـَّل قبل نحو عشر سنوات ، و أن أحد الذين التقطوا هذه الأصوات ، قد قُـتل غيلة لئلا ينشر هذا الاكتشاف بين الناس حرصا ً على الإلحاد و اللادينية ، لأن هذه الحقائق التي حواها هذا الشريط تنقض بنيان الإلحاد و تهدمه ... إلى أخر ما قال!!
و انتشر هذا الشريط بين الناس عامَّهم و خاصَّهم انتشار النار في الهشيم ، لأنَّ كثيرا ً من الخطباء و الدعاة تحدث عنه و نبه عليه ، ولعل بعضهم صعد المنبر و بيده مسجل ليسمع الناس الأصوات التي تتقطع لها القلوب رعبا ً و خوفا ً ... و إنما قصد هؤلاء من ذلك تقرير عذاب القبر و تثبيته في عقول الناس و أفئدتهم ... فيطمئن التقي الصالح ، و يرعوي الشقي الطالح ...!! و غفل هؤلاء جميعا ً أنَّ سماع ما يجري في القبور مستور عن الناس و محجوب عنهم حجبا ً مطلقا ً ، ولا يتأتـَّى لأحد ٍ أن يطـَّلع عليه ، ولن يغدو مسموعا ً و مدركا ً في يوم من الأيام .
ولعل قائلا ً يقول مستفهما ً أو مستنكرا ً : فيم َ هذا الإنكار ؟ و ما سرُّ هذه الحرب الشعواء على هذا الشريط و مُـرَوَّجيه ؟
و ها أنا ذا أجيب – عسى المستفهم يزول استفهامه ، و المستنكر ينقلب استنكاره – فأقول :
إن الغيب المحجوب عن الناس قسمان :
الأول : الغيب النسبي : و هو الغيب الذي يكون غيبا ً بالنسبة لزمن دون زمن ، أو مكان دون آخر ، أو أشخاص دون غيرهم ... و هذا كثير جدا ً ، و أمثلته لا تكاد تحصى . فمن ذلك : النطفة أو الحوين المنوي للرجل ، و البييضة للمرأة ، لم يكونا تحت الأنظار من قبل ، لأن العين المجردة لا تدركهما ، لأن للبصر عتبة ً يقف عندها ، كما أن للعقل حدا ً ينتهي إليه . لكننا في العصر الحديث و بعد تطور العلوم ، استطعنا بوساطة المجاهر المكبرة و المقربة أن نراهما رأي العين لكن عن طريق غير مباشر .
إذن ، كان الحوين المنوي غيبا ً في الأزمان الغابرة ، لكنه غيب نسبي يختصه بوقته المنصرم ، ثم غدا اليوم من المدركات المحسَّات .
الثاني : الغيب المطلق : و هو الغيب الذي حجبه الله تعالى عن الناس في كل زمان و كل مكان حجبا ً مطلقا ً ، و حال بينهم و بين الاطلاع عليه ، لأنه تعالى أراد ابتلاء الإنسان بالإيمان و التصديق به .
و هل الإيمان في أصله إلا تصديق بهذا الغيب ، لأنه ليس من المعقول في شيء أن يطلب الله عز و جل من الإنسان أن يؤمن بوجود ما يراه و يدركه ، فلا أين مع العين كما قالوا .
و هذا الغيب المطلق الذي نتحدث عنه رأسُ الصفات التي يتحلى بها المتَّقون ، لذلك قُدَّم عليها كلها فقال تعالى : ( ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة و مما رزقناهم ينفقون ) / البقرة – 2 / .
هذا الغيب لا يمكن للناس أن يدركوه سواء أكان ذلك بطريقة مباشرة ، أو غير مباشرة كالاستعانة بالآلات التي اخترعها الإنسان أو سيخترعها في قادمات ا لأيام .
و من هذا الغيب : عذاب القبر أو نعيمه . و رؤية الملائكة أو الجنة و النار ... و السر في هذا الحجب المطلق أن الإنسان لو قدر على الاطلاع على هذه الغيبيات ، لانتهى الابتلاء بالإيمان بها ، و لآمن الناس كلهم جميعا ً ، كما يؤمنون عند سكرات الموت وقت يغدو عاَلمُ الغيب عاَلمَ شهادة ٍ ، فيؤمن المنكر الإيمان الاضطراري الذي لا ينفعه شروى نقير ، و يرى المؤمن ما آمن به من الغيب حقا ً فيلتقي علم اليقين مع عين اليقين ثم حق اليقين ..
هذه حقائق ثابتة وراسخة من أصول العقيدة الإسلامية ، ما كان ينبغي أن تفوت الشيخ عبد المجيد الزنداني و من تلقف كلامه دون تبصر و نظر ...
و لا ريب أن الشيخ الزنداني ليس أول سار ٍ غرَّه ضوء القمر ...
التعليقات:
4 |
 |
|
مرات
القراءة:
3862 |
 |
|
تاريخ
النشر: 27/10/2008 |
 |
|
|
|
|
|