دعوا الركب يتقدَّم
بقلم : سهير علي أومري
لا تُرمى بالحجارة إلا الأشجار المثمرة.... ولا تُطعَنُ في ظهرك إلا إذا كنتَ في المقدمة.... مقولتان نرددهما كلما اعترضنا أحد يريد أن يعرقل مسيرتنا أو يحبط عملنا وكلما مكر بنا أحد يريد وضع الحواجز في طريقنا ليمنعنا من تحقيق أهدافنا...
وكثيراً ما تكون هذه الحواجز والعوائق والإحباطات مجموعة انتقادات يلقيها علينا أحدهم، إلا أنها مع كونها انتقادات فإنها تزعجنا وربما توقفنا أياماً أو شهوراً أو سنوات، وربما توقفنا فقط بضع ساعات حسب شدة هذه الانتقادات ونوعها، وحسب قدرتنا على تجاوزها وإدراك دوافع أصحابها.... ومع إقرارنا بقبول الرأي الآخر ودعوتنا المستمرة للانفتاح الفكري وحرية التعبير إلا أننا نعود فنقول: هل أصبحت هذه الدعوة إلى قبول الرأي الآخر ومطالبتنا بالانفتاح والحرية والرقي الفكري ذريعة لفئة من الناس ليتخذوها أسلحة رفعوها في وجه كل تقدم لهذه الأمة وكل انتصار ليقولوا لصانعيه: قفوا مكانكم... الآن عليكم أن تسمعوا انتقاداتنا ورأينا وإلا فأنتم أعداء الانفتاح.. أنتم المتشددون أنتم لا تستحقون حتى ما حققتموه من انتصارات بل لا تستحقون أن تكونوا أبناء هذه الحقبة الزمنية التي لا مكان فيها للمنغلق الذي لا يقبل الرأي الآخر!!!
من هم هؤلاء؟
إنهم أناس لا أستطيع أن أسميهم إلا "صناع الإحباط" أجل إنهم فئة احترفوا مهنة صناعة الإحباط اتخذوا من شعارات الانفتاح وحرية التعبير وقبول الرأي الآخر أثواباً يتسترون وراءها ليترصدوا كل نجاح وكل انتصار محاولين تقويض أركانه، تحملهم على ذلك أهداف بغيضة منها ما هو شخصي ومنها ما هو مخطَّط له من قبل هيئات اشترت أقلامهم وألسنتهم ليقولوا ما تريد... وظاهر الأمر إنما هو إبداء الرأي ليس أكثر.
أين نجدهم؟
وإذا أردتم أن تعرفوا مكان هذه الفئة فهم موجودون: تراهم في كل زاوية من زوايا النجاحات الاجتماعية والفكرية... تراهم في كواليس كل حفل يُعَدُّ لتتويج انتصار ما... تراهم يتشدقون بعد كل تصفيق، تسمع أصداء أصواتهم بعد كل هتاف أو إعجاب، وكثيراً ما تكون آراؤهم – التي على المنتصرين تقبلها وعلى المجتمع بأسره احترامها – مبنية على بضع صفحات قرؤوها ومجموعة معلومات اطّلعوا عليها فاعتقدوا أنهم أحاطوا بعلوم الأولين والآخرين وأصبحوا مدن العلم وأبوابها، فاعتلوا عرش الثقافة وأصبح من حقهم اعتلاء منابرها وإبداء رأيهم في كل انتصار وكل نجاح...
أين يكمن الخطر؟
ربما كانت هذه المعرقلات لا أهمية لها عندما توجَّه لفرد حقَّق نجاحاً ما إذا ما قيست بتلك التي تُدَسُّ قاصدة الأمة بأسرها، فإذا ما حققت أمتنا انتصاراً أو تقدماً تأتي فئة ترفع بنانها في وجه هذه النجاحات أو التقدمات لتقوِّض دعائمها وتعرقل مسيرتها، فتزرع الشكَّ في قلوب أبناء الأمة تجاه قبول هذه الانتصارات أو النجاحات مما يشيع الإحباط في النفوس ويُفقد الرغبة بأي عمل أو تقدُّم كما يُفقد الثقة بأي إخلاص يُبذَل لصالح هذه الأمة ويجعل أبناء الأمة يتوغلون أكثر فأكثر في أعماق نظرية المؤامرة التي لا نكاد نخرج منها إلا لنقع فيها حتى أضحى الخبّاز الذي يعمل في مخبز حيِّنا والذي نأكل من صنع يديه رغيفاً ممتازاً ما هو إلا عميل لقوى معادية دفعته ليصنع هذا الرغيف اليوم بهذا الشكل الطازج اللذيذ ليدسَّ لنا فيه السمَّ غداً....
صناعة الإحباط أمثلة حية لكنها مؤلمة:
إنها انتقادات تطالعنا في كل مكان في القنوات الفضائية على صفحات المجلات والجرائد وحتى على صفحات الشبكة العنكبوتية تزعزع ثقتنا بكل تقدّم وكل إخلاص يرفع من شأن هذه الأمة، فإذا ما نال عربي ما جائزة نوبل مثلاً أصبح موساديَّ التوجه صهيونيَّ الفكر... وإذا ما ظهرت مجموعة دعاة يتمسكون بثوابت ديننا الحنيف ويقدمونها للناس بطريقة عرض جديدة انفتحت لها القلوب وانشرحت لها النفوس حتى إذا حققوا في مجتمعاتنا العربية تقدُّماً على مستوى الفرد والجماعة وأحدثوا نقلات نوعية في توجهات جيل الشباب وأفكارهم وميولهم فأصبحت مستثمرة على نحو ينفع الأمة بعد أن كانت مهدورة مبدَّدة بعد كل هذا يأتي من يُفلسِفُ توجُّهات هؤلاء الدعاة وينتقد نجاحاتهم ليصبح شغلهم الشاغل انتقاد أسلوبهم ولباسهم ومظهرهم وكيف أنهم يعملون لصالح هيئات معينة ويدعون لفردية دينية وغيرها من المصطلحات والتسميات وكل ما من شانه أن يشكّك بهم أو يطعن بمصداقيتهم وبأهداف القنوات التي تقدُّمهم، فإن قلتم إن هذا انتقاد موجَّهٌ ضدَّ تطوير الخطاب الديني ودعوةٌ من أصحاب هذه الانتقادات للعودة إلى ما ألفناه من دعوة الدعاة في خطابهم الوعظي التقليدي وفي شكلهم ولباسهم وأسلوب كلامهم تقف عجباً عندما تجد هؤلاء المنتقدين أنفسهم ينتقدون أولئك الدعاة التقليديين طاعنين على القنوات التي تقدمهم منتقدين أسلوبهم معترضين عليهم... هنا تقف لتنظر إلى هوية هؤلاء فتجدهم من أبناء هذه الأمة ومن المتمسِّكين بتعاليم هذا الدين والمطبِّقين له في ظاهر الأمر على الأقل هنا تقف فاغر الفم تقول: إذاً ماذا يريد هؤلاء!!! بالله عليكم ماذا تريدون؟ أهي مهنة الاعتراض والتقليل من شأن كل نجاح؟ هل وجدتم في هذه المهنة تفوقاً يميزكم؟ يؤسفني أن أقول لكم إنَّ نظرية المؤامرة التي أصّلتموها في نفوسنا بانتقاداتكم لدعاة أمتنا تجعلنا نشير بأصابعنا تجاهكم لنقول لكم: لصالح مَنْ تعملون؟ أجل لصالح مَنْ؟... مَنْ له مصلحة بأن نفقد الثقة بدعاة الأمة فنكره الاستماع لهم ونشكِّك في مصداقياتهم؟!!!
ثم ما المانع إن كانت القنوات التي تقدمهم قنوات تجارية تعود لأشخاص غير ملتزمين؟... هل يوجد مشروع في الحياة يمكن أن يستمرَّ إن لم يكن ربحياً؟.... ثم هل علمتم نية صاحب القناة عندما أطلق هذه القناة؟ وإن كانت واحدة من بين مجموعة قنوات متفلِّتة أليس أفضل من أن يضيف صاحبها لهذه القنوات قناة جديدة متفلتة؟ أليست مساحة خصصت للدعوة إلى دين الله؟ هل يتركها الدعاة جميعاً لأن صاحبها غير ملتزم دينياً ليحل محلهم العري والفساد؟؟؟ وما أسلوب الدعوة المثلى التي تحتاج لها أمتنا برأيكم؟ ليتكم عندما تنتقدون تقدمون الحل والعلاج الناجع الذي ترونه مناسباً...لا ترموا كلامكم ثم تمضوا غير مبالين بما أحدثتموه وراءكم لأنَّ الكلمة التي ننطقها تبقى أسيرة لدينا حتى ننطقها فإذا ما نطقناها أصبحنا أسيرين لها...
وإننا سنبقى مسؤولين عن مواقفنا وعن كلامنا وأفعالنا أمام الله تعالى أولاً وأمام التاريخ الذي يسطِّر لكلٍّ عمله، وإننا في هذه المرحلة من تاريخ أمتنا نحتاج إلى أقلام تدفع وتشجِّع وتنصح وتحفِّز، وإنني أقول لأولئك المحبِطين بلساني ولسان كل ضمير حيٍّ يرنو لواقع أمتنا ولكنه لا يكتفي بذلك بل يصحو وينام على حلم نهضتها فينظر للمستقبل المشرق القادم نظرة يقين بأنه قادم شاء من شاء وأبى من أبى .. أقول لهم:
أرجوكم دعوا الركب يتقدَّم.....
التعليقات:
2 |
|
|
مرات
القراءة:
3819 |
|
|
تاريخ
النشر: 16/12/2008 |
|
|
|
|
|
|