فَرَّ هارباً...
بقلم : بتول
بسم الله الرحمن الرحيم
بالأمس القريب قُرع جرسُ كل بيت.
من الطارق؟ الوقت متأخر إنه منتصف الليل!
فُتح الباب، وما إن فُتح فإذا بأحدهم يفر هارباً هائماً على وجهه كالبرق الخاطف.
يتفاجأ الطارق ويقول: أهكذا يُستقبل الضيف؟
وما إن سمع الفار هذا الكلام حتى شعر بالشفقة على الطارق، وقرر أن يعود أدراجه لثوانيَ معدودة ليُطْلِعَه على ما سيحدث له في المستقبل.
- أأنت غريب عن هنا؟
* أجل. لقد حططتُ رحالي للتوّ، فأنا عابر سبيل، أرجو أن يستضيفني أهل هذا الزمان والمكان.
- واحسرتاه عليك!
*ولم؟
- لأن ما أصابني سيصيبك، فأنا نسخة طبق الأصل عنك، جئت إلى هنا منذ سنة كاملة، وعلم الناس أني سأكون بضيافتهم لمدة سنة، فمع وصولي وقرعي لأبوابهم شعرت بسعادة غامرة، وقلت في نفسي: يا لحسن حظي! جئت لخير مكان لِما رأيت من الترحيب والاحتفال وسعادتهم لوصولي وكأنني في عرس، فكانت تلك الليلة من أسعد ليالي حياتي، نمت تلك الليلة وأنا أحلم أحلاماً سعيدة، أخطط لمستقبلي، وأتخيل كيف سيعاملني الناس، وما الذي سيحققونه لي، وما نوع الضيافة الفاخرة التي سيقدمونها، وما الزاد الذي سيحمّلونني إياه. ولكن.. ما إن انقضت تلك الليلة، ومع بداية اليوم الجديد، حتى رأيت العجب العجاب، وانقلبت أحلامي السعيدة إلى كوابيس مخيفة، وما زلت على تلك الحال حتى حانت ساعة الفرج مع قرعك للجرس، ففررت على ملء وجهي، لا محمّلاً بالهدايا والعطايا، بل مثقلاً كاهلي بالذنوب والخطايا، وأعلنتها توبة.. لن أعود إلى يوم القيامة، حيث هناك ملِك عادل سيأخذ لي حقي بالكامل.
مع هذه الجملة يخرج صاحب البيت ويقول للطارق: أهلا وسهلا بك! كنا بانتظارك.
أجابه الطارق وقلبه مُلِئَ فزعاً: وهذا؟ (أي الفارّ)
فقال له: دعه وشأنه! لا تكترث له! فليولِّ بعيداً.
عندها يخفف الفار من روع الطارق ويقول: هوّن عليك.
فيتابع الطارق حديثه معه: وكيف استطعتَ التحمل؟ وما الذي صبّرك؟
أجابه: إن الله لا ينسى من فضله أحدا، فيجعل مع العسر يسرا. فمن بين هؤلاء الناس ثلّة قليلة أكرموا ضيافتي أيما إكرام. فأسأل الله العظيم أن يجزيهم خير الجزاء؛ فهم الذين خففوا عني الآلام، فكنت أجد عندهم السكينة والراحة والطمأنينة، وكل يوم يزوّدونني بالخيرات، ومع ذلك يشعرون بتقصيرهم وقد حمّلوني خير الزاد ليوم المعاد.
عندها تهدأ نفس الطارق ويقول: حدِّثْني أكثر. اجعلني على اطّلاع.
فيجيبه: وهناك أناس آخرون ودّعوني منذ ساعات قلائل وعيونهم مغرورقة بالدموع؛ حزناً على تقصيرهم وإهمالهم لي أحيانا، طالبين مني أن أسامحهم مستغفرين ربهم. بينما آخرون نائمون، في غفلة ساهون، لم يدروا بي متى ولجت، ولا متى خرجت، غير آبهين بي، ولا مهتمين لأمري. فأرجو الله مع قدومك أن يستيقظوا من سباتهم قبل فوات الأوان.
يشكر الطارقُ الفارَّ، ويرحل إلى غير رجعة، حاملاً معه ما حمل من خير الزاد وشره، ليخبّئه لذلك اليوم، فيُجزى كلٌّ حسبَ زاده.
لقد رحل... ليدخل الطارقُ البيوتات، وكله أمل ورجاء أن يُكْرَم خير إكرام.
فيا رب! نسألك أن نزوَّد بمعونتك خيرَ الزاد، وأن تعيننا على تُقاك، وأن يكون عملنا في رضاك. نسألك خير هذا العام وخير ما بعده، وخير كل عام، ونعوذ بك من شر ما فيه ومن كل شر...
التعليقات:
0 |
|
|
مرات
القراءة:
3750 |
|
|
تاريخ
النشر: 03/01/2011 |
|
|
|
|
|
|