الدعاء ..
بقلم : مهند القدسي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد المبعوث رحمةً للعالمين وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين ... اللهم آمين ، وبعد :
قال تعالى : (( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع ِ إذا دعان ِ )) { البقرة : 186 } في خضمِّ هذه الحياة المليئة بالابتلاءات والهموم والمشاكل والفتن والأحزان والأوجاع يبحث الناس عمن ينقذهم مما هم فيه ويكشف عنهم ما أصابهم ، ولكن معظم الناس يطرقون كل الأبواب إلا باباً واحداً ، غفلوا عنه وتناسوه ، وهو الباب الصحيح ، الذي إذا طرقه الإنسان أ ُعطي جميع ما سأل وكشف عنه ما أهمه ورُفع عنه البلاء وقضيت حوائجه .
إنه باب الدعاء والتضرع إلى الله تعالى
هل فينا من يستطيع الاستغناء عن ربه ؟؟ هل منا من يدعي أنه يدبر أمره وليس بحاجةٍ إلى مولاه ؟؟ كيف لا يكون الدعاء هو الحل والله عز وجل قد أمرنا به ورغبنا فيه ووعدنا بالإجابة، قال تعالى : (( وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين )) { غافر : 60 } . وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم أن الدعاء من جملة العبادة لله تعالى ، فقال عليه الصلاة والسلام : (( الدعاء هو العبادة ، ثم قرأ : (( وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين )) { غافر : 60 } . [ رواه أبو داود والترمذي والنسائي ] . وقال صلى الله عليه وسلم :
(( الدعاء مخ العبادة )) [ رواه الترمذي ] . أي خالصها لأن الداعي يدعو الله تعالى وهو يعتقد أن الأمر كله بيد الله ، وذلك حقيقة التوحيد والإخلاص ، وإن الدعاء هو افتقاراً أو تبرءاً من الحول والقوة إلى حول الله تعالى وقوته ، وفيه الاستشعار بذل العبودية إلى مقام عزة ربوبية الله تعالى .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( من لا يسأل الله يغضب عليه )) [ رواه الترمذي ] . فبالدعاء يتعرض المسلم لمرضاة الله تعالى ، وبتركه للدعاء يتعرض لغضبه .
سبحان الله إذا نظرنا إلى كل الآيات في القرآن الكريم التي فيها ( وإذا سألك ) فيكون أول الإجـابـة ( قـل ) (( يسألونك عن الشهر الحرام قل )) { البقرة : 217 } (( يسألونك عن الخمروالميسر قل )) { البقرة : 219 } (( يسألونك عن الأهلة قل )) { البقرة : 189 } . إلا آية الدعاء فقال تعالى : (( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع ِ إذا دعان ِ )) { البقرة : 186 } لماذا ذلك ؟؟ لأنه لا يوجد واسطة بين الله وعباده فهو القريب المجيب سبحانه وتعالى ، ولم يقل أجيب دعوة المؤمن أو أجيب دعوة المتقي وإنما قال (( أجيب دعوة الداع ِ إذا دعان ِ )) { البقرة : 186 } أي أن كل من يدعوني أستجب له ، ولكن هناك شروط لإجابة الدعوة لابد منها : الشرط الأول : اليقين في الإجابة : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة )) . [ رواه الترمذي ]
الشرط الثاني : عدم الاستعجال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( يستجاب لأحدكم ما لم يعجل ، يقول دعوت ربي فلم يستجب )) [ رواه البخاري ] . فما دام العبد يُدمن قرع باب كرم الله تعالى وعطائه فلا بد أن يفتح له .
الشرط الثالث : حضور القلب والخشوع أثناء الدعاء : يقول عبد الله بن عمر : أنا أعلم متى يستجاب دعائي ، فقـيل له : كيف ؟ قال : عندما يخشع القلب وتهتز الجوارح وتدمع العين أقول سيستجاب لي الآن .
ويقول الإمام أحمد بن حنبل : أتعرفون متى يستجاب دعاؤكم ؟ قالوا : متى يا إمام ؟ قال : ما رأيكم في رجلٍ في بحر هائج متلاطم الأمواج ، وقد سقط من السفينة ولم يجد إلا خشبة يتعلق بها ، فظل يصرخ في البحر ويقول : يارب ، يارب . ومن يدعو كذلك فلا بد أن يستجاب دعاؤه .
الشرط الرابع : أكل الحلال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( أيها الناس إن الله طيباً لا يقبل إلا طيباً وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال : (( يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً إني بما تعملون عليم )) { المؤمنون : 51 } وقال : (( يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم )) { البقرة : 172 } ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر ، يمد يديه إلى السماء ، يارب ، يارب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنّى يستجاب له )) [ رواه مسلم ] .
جاء سيدنا سعد بن أبي وقاص يسأل النبي صلى الله عليه وسلم ، قال :ادعُ الله أن أكون مستجاب الدعوة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة )) [ رواه الطبراني في المعجم الأوسط ] .
ومن رحمة الله بنا وترغيباً لنا بدعائه ومناجاته فقد جعل لنا أوقاتاً ومواطناً يستجاب فيها الدعاء ومن هذه الأوقات والمواطن :
- الثلث الأخير من الليل : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول : من يدعوني فأستجب له ، من يسألني فأعطيه ، من يستغفرني فأغفر له )) [ متفق عليه ] .
- دبر الصلوات المكتوبة : عن أبي أمامة رضي الله عنه قال : قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أي الدعاء أسمع ؟ قال : (( جوف الليل الآخر ودبر الصلوات المكتوبات )) [ رواه الترمذي ] .
- ساعة الإجابة في يوم الجمعة : عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر يوم الجمعة ، فقال : (( فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم ، وهو قائم يصلي ، يسأل الله تعالى شيئاً ، إلا أعطاه إياه )) [ متفق عليه ] .
- دعوة الأخ لأخيه في ظهر الغيب : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة )) [ رواه مسلم ] .
- الدعاء بين الأذان والإقامة : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة )) [ رواه الترمذي والنسائي ] .
- دعوة الصائم والإمام العادل والمظلوم : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( ثلاثة لا ترد دعوتهم : الصائم حتى يفطر ، والإمام العادل ، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام ويفتح لها أبواب السماء ويقول الرب : وعزتي لأنصرنّك ولو بعد حين )) [ رواه الترمذي ] .
- ويستجاب الدعاء أيضاً عند الوقوف بعرفة وعند الطواف حول البيت المعظّم وعند الملتزم وعند زيارة رسول الله صلى الله عليه وسلم . وفي مواضع كثيرة يضيق المقام عن حصرها وذكرها .
قال تعالى : (( أمّن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء )) { النمل : 62 } . يا مَنْ يعيش في همٍ وغمٍ وكرب ، يا مَنْ ظُلِمَ واستُلِبَ حقه ، يا مَنْ كان لديه حوائج يريد قضاءها ، ها هو رب العالمين قد ناداك لدعائه وطلب العون منه والتذلل على بابه ، فالدعاء سلاح المؤمن لأنه مؤمن إيماناً جازماً أن الله تعالى غالب على أمره ، وأن جميع العالم تحت سلطان قهره ، وهو القادر الذي لا يعجزه شيء ، فمن دعاه وناداه أجابه ولبّاه ، قال تعالى : (( ولقد نادانا نوح فلَنِعم المجيبون )) [ الصافات : 75 ] . وفي هذا إشارة وبشارة لكل مؤمن أن يدعُوَ ربه ويناديه فإنه سبحانه نعم المجيب وخاصة من كان مظلوماً مقهوراً فبيده سلاح بتّار لا يخيب ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( اتقِ دعوة المظلوم ، فإنها ليس بينها وبين الله حجاب )) [ رواه البخاري ] . فمن كان ظالماً متغطرساً غارقاً في ظلمه فلينتظر عقاب الله له على ما اقترفته يداه من الظلم والجور ولا يظنن أنه سيفلت من عقاب خالقه فسبحانه هو الذي يمهل ولا يهمل .
ومن دعا الله عز وجل فإما أن يعجل له استجابة دعوته في الدنيا وإما أن يدّخرها له في الآخرة ، وهو الرابح في كلا الحالتين . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( فلا يَدَع الله تعالى – أي : لا يترك – دعوة دعا بها عبده المؤمن إلا بيّن له : إما أن يكون عجّل له في الدنيا ، وإما أن يكون ادّخر له في الآخرة ، قال : فيقول المؤمن في ذلك المقام : يا ليته لم يكن عجّل له بشيء من دعائه )) [ رواه الحاكم في المستدرك ] . فينبغي ألا نترك الدعاء وأن نواظب عليه وخاصة في الأوقات المستجابة .
أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يفرج عن بلدنا الحبيب ما أصابه وأن يزيل الغمة عن هذه الأمة وأن يرفع مقته وغضبه عنا ويرزقنا الإخلاص في القول والعمل .. والحمد لله رب العالمين
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
التعليقات:
1 |
|
|
مرات
القراءة:
5375 |
|
|
تاريخ
النشر: 11/04/2012 |
|
|
|
|
|
|