مشروعية الحب
بقلم : الشيخ محمد خير الطرشان
ما مفهوم كلمة «الحب»؟ وهل الحب في الإسلام ممنوع؟ وكيف يكون هذا الحب مشروعاً فيما بين المسلمين رجالاً ونساء؟؟؟
§ مشروعيّة "الحب في الله" في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة:
الأصل في ذلك قول الله سبحانه وتعالى:[]الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ[] سورة الزخرف (67). الأخلاء هم الأصدقاء والأصحاب والإخوة، فمنهم من تكون أخوّتهم لمصالح ومنافع، فإذا ما انتهت مكاسبهم ومصالحهم انقطعت بينهم المودة والصحبة، هذا هو النوع المذكور في الآية الكريمة؛ حيث يُعلنون العداوة لبعضهم يوم القيامة، وورد عند بعض المفسرين أن بعضهم يلعن بعضاً.
أما النوع الآخر فهو الذي استثناه الله سبحانه وتعالى، وهم الأصحاب المتآخون في الله، الأخلاء المتقون، يتقون الله في صلتهم وعلاقاتهم وأخوّتهم، وأولئك على منابر من نور يوم القيامة يغبطهم عليها الأنبياء والصدّيقون والشهداء.
جاء في الحديث القدسي عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رب العزة جل و علا قال: "وجبت محبّتي للمتحابّين فيّ، والمتزاورين فيّ، والمتباذلين فيّ". الإمام مالك في الموطأ. فالله سبحانه وتعالى منح محبته للمتحابين فيه، فالمؤمن يحب أخاه المؤمن في الله؛ لأنه يرى فيه خلقاً حسناً، يراه مستقيماً في العبادة والمعاملة والسلوك.
وقد جاء في الحديث عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سبعة يُظِلُّهم الله في ظله يوم لا ظّل إلا ظله .... ورجلان تحابّا في الله اجتمعا عليه وتفرّقا عليه". متفق عليه. هؤلاء الذين أعلنوا حبهم فيما بينهم لله، فالرجال أحبّوا الرجال في الله، والنساء أحببن النساء في الله، هؤلاء يظلّهم الله في ظله يوم لا ظل إلى ظله، وهذا الظل يبحث عنه كل مؤمن. وقد جاء أيضاً في حديث صحيح: "إن الله يقول يوم القيامة: أين المتحابّون بجلالي؟ اليوم أُظِلُّهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي". صحيح مسلم. إن الله تعالى يسأل عن أولئك المتحابين؛ ليبرزهم، ويكرّمهم، ويجعلهم كالشامة بين الناس.
فالمتحابون في جلال الله يلتقون في الله ويفترقون عليه، حتى إذا أبغضوا يكون بغضهم لله، فعندما يُبغضون إنساناً فلأنهم يرونه بعيداً عن شرع الله، لا يلتزم بأوامره، ولا يبغضونه لذاته. فقد قال أحد الشعراء قديماً:
ألِأنّي أنا شيــ ـعي وليلى أموية
فاختلاف الرأي لا يفسد للـود قضية
أيْ: لو كنا مختلفين في العقيدة والانتماء والمذهب فلا ينبغي أن تكون بيننا عداوة.
إن الله تعالى في هذا الحديث "أين المتحابّون بجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي". يبرز مكانة المحبة والمتحابين فيه سبحانه. فالحب في الله قائم ومشروع، بل نحن مدعوّون إليه، يحضّنا عليه القرآن الكريم وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم.
يقول الله سبحانه وتعالى في وصف الأنصار ومحبتهم للمهاجرين:[]وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا...[] سورة الحشر (9). أي إذا أمكن الله المهاجرين ومتَّعهم بشيء من النعم بعد أن فارقوا ديارهم وأموالهم وأهليهم فإن الأنصار لا يجدون في صدورهم شيئاً على إخوانهم من المهاجرين، لذلك امتدح ربنا سبحانه وتعالى الأنصار بخصلتين؛ الإيمان، وكونهم أصحاب دار وهي المدينة المنورة، لهذا كان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في الأنصار: "من أحبّهم أحبّه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله". متفق عليه. وهذه دعوة إلى التحابب فيما بين المسلمين كحب الأنصار للمهاجرين، وحب المهاجرين للأنصار، وقد توثقت عُرى هذه المحبة فيما بينهم بعد أن آخى النبي عليه الصلاة والسلام فيما بين فقيرهم مع غنيهم، سيدهم مع عبدهم، فتحولوا إلى كتلة واحدة، وقوة ضاربة في الأرض، استطاعت أن تنقل الإسلام إلى كافة بقاع الأرض بشرقها وغربها.
إن هذه المحبة الصادقة فيما بين المسلمين مع بعضهم هي سببٌ ظاهر من أسباب دخول الجنة. فإن أراد أحدنا أن يمهّد الطريق إلى الجنة فَلْيُحِبَّ في الله، وليحب لإخوانه ما يحب لنفسه، وَلْيَرْجُ لهم الخير كما يرجوه لنفسه.فإن أكرم الله تعالى الإنسان بخصال خير فأحب هذه الخصال لأخيه أو جاره أو صديقه، وتمنى لهم مثلما تمنى لنفسه، فهذه من علامة الإيمان. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده، لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم". صحيح مسلم. بعض الناس يستسهلون قضية السلام، لكن السلام يكون مدخلاً إلى القلوب، فالمسلمون يتحابون فيما بينهم بإفشاء السلام. وقد ورد في الأثر: "وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف". متفق عليه. والسلام معناه الطمأنينة، والسكينة، والمودة، والرحمة، والمحبة والصلة، فحينما تقول لأخيك: "السلام عليكم"، فكأنك قلت له: أنت في أمان مني. وعندما يرد عليك بقوله: "وعليكم السلام" فكأنما هو يقول: وأنت أيضاً بأمان مني.
لقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لسيدنا معاذ رضي الله عنه: "المتحابون في جلالي لهم منابر من نور، يغبطهم عليها النبيون والشهداء". سنن الترمذي.
§ ماذا تستلزم المحبة في الله تعالى؟
أ- إعلام من تحب في الله بتلك المحبة:
أخذ سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم بيد سيدنا معاذ رضي الله عنه وقال له: "يا معاذ! والله إني لَأُحبك". صحيح ابن حبان. فهل نجد أروع من هذه المصارحة وتلك الشفافية؟! لقد كان سيدنا معاذ سفيرَ سيدِنا محمد صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، وكثيراً ما كان النبي عليه الصلاة والسلام يرسله لينقل رسالته إلى الأمم والأقوام، فكان سيدنا معاذ ينقل هذه الرسالة أحسن ما كان عليه السفراء، ويؤدي الأمانة بصدق. فإن قال لك أخوك: "إني أحبك في الله". فقل له: "أَحبَّك الله الذي أحببتني فيه". فإن انطلقت محبتنا لبعضنا لله وفي الله ومن أجل الله فإنها تدوم.
ب- النصح والإرشاد بين الإخوة المتحابين في الله:
المُحِبُّ في الله يدل أخاه على الخير، ويعينه على نوائب الدهر، ويقف إلى جانبه في الملمات والمصائب. لذلك قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما أعلن لمعاذ المحبة: "أوصيك ألا تَدَعَنَّ في دُبُرِ كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك". صحيح ابن حبان.
التعليقات:
0 |
|
|
مرات
القراءة:
11162 |
|
|
تاريخ
النشر: 11/02/2013 |
|
|
|
|
|
|