وكان السؤال.. فمن يدلُّني على الجواب؟؟!!
بقلم : ريما محمد أنيس الحكيم
وكان السؤال..
فمن يدلني على الجواب؟؟!!!!!
سؤاله البريء الذي أتاني كصاعقة، كضربة قوية على رأسي..
((هل صحيحٌ أن مصرَ تكره غزة؟))..
أتاني سؤاله حين كنت أشاهد برنامجاً إخبارياً يتحدث عن أن الحكومة المصرية منعت قوافل الإغاثة من الدخول إلى غزة عبر الحدود المصرية بعد الآن..
فسألني سؤاله البريء ذاك، وأتمَّه بقوله: ((لماذا يمنعونهم من إدخال الطعام إلى أهل غزة، أليسوا جائعين، إنهم يعيشون حيث لا طعام ولا غذاء؟؟))..
لم أعرف في لحظتها بماذا سأجيبه، خصوصاً وأن عمره الصغير (10سنوات) منعني من إدخاله في دوامة السياسة والحفاظ على أمن الحكومات، وفي عمره نحتاج أن نزرع في عقله الصغير أن العرب كلهم موحدون بعروبتهم وإن فرقتهم الحدود.. وأنهم على قلب واحد وإن باعدت بينهم المسافات...
فأجبتُهُ جواباً ساذجاً للغاية: ((إنهم لا يمنعون الطعام يا صغيري، إنهم فقط يخشَون من أن يتم استغلال القوافل تلك لإدخال أمور أخرى غير الطعام!!))..
فسألني سؤالاً آخر أدخلني في دوامة من الأسئلة: ((وماذا سيُدخلون مثلاً؟ يعني ربما يُدخلون الأسلحة؟!)) قلت له: ((نعم، ممكن؟!)).. فقال: ((وماذا في الأمر؟ ألن تكون الأسلحة لقتالهم مع اليهود؟؟!!!)).....
وهنا انتابني شعورٌ يشبه شعور صفعةٍ على وجهي.. هنا كان الشعور الذي لا أستطيع وصفه!! هنا كان السؤال الذي لا أملك الإجابة عليه؟!..

وأنقذتني رنة الهاتف من أخي الذي تركني وذهب ليعود إلى طفولته البريئة تلك.. وتركني مع أسئلته التي لم أستطع إجابته عنها، تركني بعد أن أنهيتُ مكالمتي مع آلاف الأسئلة تمر في رأسي..
آلاف من الأسئلة كانت تتطاير حول عيني ولا أملك لها جواباً سوى أننا بتنا في زمن الأسئلة دون الأجوبة.. زمن الأسئلة هذا وضعنا عند مفترقات للطرق لم نعد نعرف أيها سنسلك، سحب منا القرار وأفقدنا القدرة على اتخاذ قرار حقيقي واقعي يتلاءم مع أحلامنا وطموحاتنا.. ويتناسب مع واقعنا الذي يحيط بنا..
زمن الأسئلة هذا زمنٌ مؤلم.. زمنُ الألم والوجع في قلوبنا، وزمن الحيرة التي تملأ عقولنا..
بماذا سأجيب طفلاً بريئاً سألني سؤالاً لا جواب له في زمن الأسئلة الذي نعيش فيه؟؟
وما الجواب الذي يمكنه أن يقنعه وهو يحلم ببراءته أن العرب جميعاً موحدون، وأنهم على قلب واحد، وأن أحلامهم واحدة، طموحاتهم واحدة، وآمالهم مشتركة.. فهذه الأمور قد درسها خلال دراسته في المدرسة..
وكيف سأجيبه بالحقيقة، وكيف سيقتنع بها، وكيف سيحتملها عقله الصغير الموقن بأن العرب معاً في كل ما يمر بهم، وأنهم كالجسد الواحد إن اشتكى منه عضو، تداعت له سائر الأعضاء بالسهر والحمى!!!

سؤاله البريء أدخلني في دوامة من الأسئلة لا أملك لها جواباً.. ووضعني أمام مفترق طرق لأضع اللوم على أحد.. ولكن على من يقع اللوم؟!
هل يقع علينا في كوننا نحن الذين لم نمارس عروبتنا بشكلها الصحيح؟ خصوصاً حين نرى أحد الأجانب وهو البريطاني (جورج غالاوي) يأتي إلى غزة وهو يقود قافلة الغذاء والمساعدات ويقطع مئات الأميال من آخر أوربا إلى أول آسيا ليعلن موقفه من غزة؟!
على من يقع اللوم حين نراه قد أتى من هناك حاملاً حليباً لأطفال فلسطين، وأجهزةَ البخارِ لأطفال الرَّبْو من جحيم العدوان، وسيارات الإسعاف، وبعض الأدوية النادرة للحالات الصعبة في مشافي غزة؟!
وكيف ستكون صورة العرب في عقل أخي الصغير حين يرى البريطاني (جورج غالاوي) قد أتى بقافلة المساعدات لأهل غزة، والعرب موغلون في الصمت والأسى والشكوى، والحزن على غزة حزناً صامتاً لا ينقذ أطفالها ولا يعين أهلها، ولا يطعم الجائعين فيها؟؟!!
هي جملة من دوامة الأسئلة التي دوختني تلك اللحظات.. ولكنها توقفت حين سمعت صرخة ذلك البريطاني على شاشة إحدى القنوات الإخبارية العربية يقول:
((لقد تقدّم بِي العمر وإنني لن أبلغ عهد تحرير فلسطين، وكل ما أؤمله وأرجوه أن يدخل معكم ابنِي عز الدين لفلسطين وهي مُحَرّرة، ثم تربتون على كَتِفه مبتسمين تقولون: يا عز الدين قد كان أبوك جورج بيننا كان معنا في نفس الطريق، ولقد وصلنا يا عز الدين...)) ثم تنهَّد واستأنف..وقال: ((لكنني حين يكبر ابنِي وأنا لا أزال حيًّا، ثم يقرأ التاريخ وإذا به يصدم من قصة شريط من الأرض اسمه غزة تواطأ العالَمُ عليه حتى خُنق وسُحق أطفاله، فإذا التَفَت إليَّ عز الدين وقال: يا أبي، هل أدركتَ هذا الزمن، كيف تركتم غزة؟! ألا يخجل العالم؟.. سأقول له: الله يعلم يا بني أنني لم أترك نَفَساً أملكه لأجلهم إلا بذلته.. لعلّ عز الدين أن يغفر لي...))....
لقد رأى (جورج غالاوي) البراءة في عيني ابنه فتذكر البراءة في عيون أطفال غزة الأبرياء، فسعى كي يساهم في إعانتهم ومساعدتهم...
لقد سمع السؤال من براءة طفله، ووجد الجواب في عمله ومحاولاته لإنقاذ أهل غزة وأطفالها.. لقد ملك الجواب على أسئلة ابنه في المستقبل..
فهل وجدنا نحن الأجوبة على أسئلة أطفالنا البريئة؟؟!!
إخوتي القراء.. إن إيجاد الأجوبة للأسئلة البريئة أمرٌ من أصعب الأمور.. وتزداد صعوبتها حين تصدر عن أطفالنا المفعمين بالبراءة، ونسمعها تحلق في أحلامهم وطموحاتهم بعالمٍ أفضل وأجمل...
فعلى من يقع اللوم؟ وكيف سنجد الأجوبة؟؟
وهل بحثنا عنها في الأصل.. أم أننا سمعناها ونسيناها وأكملنا حياتنا ونحن نتظاهر بعدم سماع طرقاتها على أبواب عقولنا بحثاً عن الأجوبة؟؟
أخي الكريم.. وأختي الكريمة..
على من يقع اللوم؟؟ وما هو الجواب؟؟!!

صورة أُخذت لمدرسة بعد مجزرة غزة الأخيرة التي كانت أول عام 2009: الصورة تُظهر طلاب مدرسة استُشهد أحد أصدقائهم خلال تلك المجزرة، فتركوا مكانه فارغاً مع باقة ورد مهداة إليه، ولافتة كُتب عليها اسمه تخليداً لذكراه..
التعليقات:
7 |
 |
|
مرات
القراءة:
4309 |
 |
|
تاريخ
النشر: 31/01/2010 |
 |
|
|
|
|
|