هدية للأمهات في يوم عيدهن
بقلم : آلاء محمد خالد الخطيب
صرخة في عالم القيم
عندما يتيه الفكر في الآفاق وتهبّ نسمات الهواء العليل لتزيد من لوعة الفراق...
عندما تحلّق الروح في روعة السماء والسحاب، ترنو إلى الأفئدة تلك النفحات...
ما إن يبحر الفكر سائحاً على متن سفينة ليعبر القارات حتى يمنع من المسير لأن خَرقاً ما أصاب السفينة فجعلها عرضة للهلاك...
لم أتمكن من عبور إلا عدة ممرات ورؤية بعض الجزر والقارات...
رأيت ظلاماً قد ملأ الآفاق وتهافتاً على المال دمّر الذات...
رأيت امرأة في غاية الجمال والأخلاق لكنها قد طعنت في نحرها فنزفت حتى كادت تلفظ الأنفاس الأخيرة مع الحسرات، وقفت محاولة المساعدة وتضميد الجراحات...
سألتها من أنت، وما هذا الجمال الأخّاذ والسحر الفتّان الذي أراه عليك ؟؟
حاولت أن تجيب ولكن بعد مدة سمعت همس كلماتها التي تشرّبت بالدموع والآهات، دنوت منها فسمعتها تقول: أنا الحسناء التي زهد فيّ الشباب والبنات...أنا العفيفة التي تعرضت للطعن والركلات...
أنا من شُردت عن وطني وتعرّضت لشتى أنواع القهر والتعذيب والمعاناة...
قاطعتها قائلة كفاك أرجوك فأنت أجمل من رأيت وأعذب من سمعت وأطهر من لقيت، كفاك بكاء فجراحك تكفيك ولكن هلاّ أخبرتني عن الرافضين لخطبتك من الشباب والمستغنين عن صداقتك من البنات
هلاّ أخبرتني عن سبب هذا الظلم والتشريد للملاك ؟؟
تنهّدت تنهيدة كادت تخرج معها الأنفاس ثم قالت: أنا يا ابنتي الحياء الذي كان مغروساً في قلوب الصحابة والصحابيات، أنا من كنت في ذاك الزمان من الملكات والحسناوات فلا يتقدّم لخطبتي إلاّ من يستطيع دفع المهر لخالق السماوات، ولا يتمكّن من صداقتي إلاّ الشريفات الطاهرات اللاتي سمح لهن الباري بهذه الصلات، إلاّ أنني أصبحت بين قومك من المطرودات فما من بيت قبل بي...ألقوني طريحة منهكة القوى لأموت وآخذ معي تلك البراءة التي تعلو الوجوه والقامات....
لا...أرجوك مهلاً فأنا معك وهناك الكثير من الناس بحاجتك، أرجوك اركبي معي السفينة فقومي بحاجة إليك جميعهم دون استثناء..... هم بانتظارك....أرجوك....
ركبنا السفينة ومسحنا الدموع والجراح لنكمل الطواف...
لاح لناظري من بعيد رايات وأعلام لا أعلم ماذا كتب ورسم عليها، رسوت بسفينتي على ذاك الميناء فإذا بعجوز تعلو محياها آثار العراقة والكرامة، سألتها من أنت يا جدة فملامحك مألوفة إلاّ أنّ هذا الكبر الذي أصابك منعني من التعرف عليك، هل ترانا التقينا في مكان ما، أو هل زرتنا في بلدي يوماً ما ؟؟
ضحكت ضحكة المتألم الذي غابت عن ثغره تلك الابتسامة الوضيئة والتي أعادت لها بعض التفاؤل والحياة،
قالت بصوت يهزّ الأعماق وتختلج لسماعه المشاعر والعبرات، قالت وقد آلمتها العزلة وأضناها الجفاء،
قالت: أنا العزّة والكرامة التي كانت مرسومة ومختومة على قلب كل مسلم...أنا العزة التي عقّني أبنائي فأبَوا الإصغاء إليّ وألقوني في غياهب الطرق والمستشفيات وحيدة مريضة أعاني الذل والقهر الذي لم أرضه يوماً لهم، إلاّ أنهم رَضوه لي فهم يرون أنني أسبب لهم العار وأعرضهم للحرج أمام أصدقائهم وإخوانهم لأنني أصبحت كما يقولون (دقة قديمة)، لم يأبهوا لآيات وأحاديث نهت عن إغضابي وأمرت بطاعتي فكانت النتيجة أن تاهوا في غضب الباري عليهم لغضبي...
دنوت منها باكية راجية...يا جدة أنت من ملأت صورك الصحف والمجلات...
أنت التي صدح باسمك الشباب والبنات حتى بحّت حناجرهم وجفّت أقلامهم...
أنت من نبحث عنه منذ زمنٍ شارف على الفوات...
أرجوك تعالَي معي لنعود إلى أبنائك وبناتك فهم في أمس الحاجة فقد أماتهم الفراق حتى غدوا أجساداً تروح وتغدو مع النسمات وتبهرهم الصرعات ويسلب عقولهم الشاذين من الخلق والشاذات،فأمسوا ضحية العقوق الذي حَرص أعداؤهم على إفشائه بينهم فتاهوا في بحار الذل والشهوات...
هيا بنا يا جدة فالجميع في اشتياق...
عبرنا البحار واجتزنا المضائق والأنهار لنسمع صوتاً يطلب المساعدة، توجّهنا نحو الصوت وإذا به شيخ أضاء بنوره ظلام تلك الليلة، كان شيخاً جميلاً لم تظهر عليه معالم السنّ والآثار، كانت لحيته البيضاء هي الدّالة على كبر سنه إلاّ أنّ وجهه المستدير الذي كاد أن يضاهي القمر بنوره وعيناه المتسعتان اللتان تشعّان بنظرات ثاقبة تبعث الخوف في القلب وصوته الهدّار الذي يزلزل الجبال ينبؤون عن شابٍ في غاية الجمال والرقي والقوة، وقفت مذهولة مما أرى...
ولكن لماذا تنادي ويبدو لي بهيبتك هذه أنه لن يجرؤ أحد على قتلك أو إيذاءك ؟!!
نظر إليّ نظرات رعدت لها مفاصلي ورجف لها قلبي،ثم قال: أنا أنادي منذ زمنٍ طويل، لم تصل هتافاتي إلى أحد، لقد مضى عليّ أعوامٌ وأزمنة وأنا هنا أصيح وأرسل النجدات ولكن دون جدوى...
تصيح وتطلب المساعدة!! ولكن لماذا ؟ وماذا تعني بالمساعدة ؟ ومن أنت ؟؟
آه...آه...آه...
يا ابنتي أنا ذاك الصوت العالي الذي رُفع في وجه المشركين يوم بدر...
أنا تلك الملامح التي عرفت بها شخصية عمر بن الخطاب...
أنا تلك الكلمة التي زلزلت أقوى الحضارات...
اسمي الحق وهذه المفاتن التي رأيتها بارزة على ملامحي هي جزء يسير مما كنت عليه، إلاّ أنّ الهجر الذي أصابني والنفيَ الذي أُلحق بي والطرد من كل مكان ألجأ إليه هو الذي أشابني وطعن في سني...
لقد فُرضت عليّ القيود ووُضع اسمي على الحدود فمنعت من السفر إلى قلب أي مسلم أحبني فأراد أن يحذو حذو عمر بن الخطاب، إنّ أبنائي لم يحرّكوا ساكناً لهذه العقوبات التي صدرت بحقي، لقد خُدعوا بأحلام وآمال أرادت سلبهم حقوقهم ليعيشوا تحت وطأتها وليأكلوا من مخلّفاتها...
أنت الحق..لقد عرفتك..أنت الضمير الذي يؤنبنا عند كل حادثة...وأنت الحرية التي طالما شدونا باسمها في فضاء الليالي القاتمة...أنت الكلمة التي تخرج من أفواهنا لتُلصق بأوراقنا...أنت الدمعة التي تترقرق في العين عند رؤية الباطل وأعوانه...أنت الذي أحببناك ونخاف البوح بهذا الحب لأنه حرام!!!
أنت الأمل الذي ننتظر أن نعود به لمجدنا وعزنا.....أنت......
نعم أنت في قلب كل إنسان ولم يتخلّ أحد عنك إلاّ أنّ هالة الخوف التي أحيطت بك هي التي منعتنا من مساندتك فلا تلُمنا...
تعال معي لترى حقيقة ما أقوله لك ولتعود كما كنت فتعود أمّتنا كما كانت...
تعال معي وانضمّ إلى أصدقائي الذين لبّوا دعوتي ولنكمل الإبحار في هذه الجزر والقارات...
وما إن أدرنا مقود السفينة حتى فوجئنا بعطل ما في إحدى المحركات، لقد كان الأمر خطيراً ويجب علينا العودة إلى الميناء قبل أن تتحطم السفينة فنغرق جميعاًً...
وعندما لاحت لنا تلك المنارات التي على الميناء رأينا سواداً عظيماً يشير إلينا وكأنه بانتظارنا، رسونا على الميناء لنرى شغف الناس وازدحامهم لاستقبال ملكة الجمال الفاتنة والأم التي عقّوها والأب الذي هجروه، لأنهم علموا أنه بصلتهم ستتحقق الآمال وتدمّر السلاسل والأغلال وتنهض الأمة لتُعيد المجد والخصال التي ورثتها عن أمها الحضارة الإسلامية عريقة القيم والفِعال....
التعليقات:
0 |
|
|
مرات
القراءة:
3685 |
|
|
تاريخ
النشر: 10/03/2008 |
|
|
|
|
|
|