::: موقع رسالتي - رؤية جديدة في الخطاب الإسلامي :::

>> مساحة حرة

 

 

الهجرة .. حكمٌ و دلالات

بقلم : الشيخ محمد خير الطرشان  

 لم يكن من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم بُدٌّ بعد أن ضاقت على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى أصحابه رضي الله عنهم  الأرض بما رَحُبَتْ ؛ لأن البيئة و المناخ في مكة المكرمة لم يعودا صالحين لإتمام هذه الرسالة التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم، لذلك كان هناك مخطّط في أعماق نفس النبي صلى الله عليه وسلم أن يحصل على بقعة أرض بديلة عن مكة ليقيم ويؤسس فيها مجتمعاً إسلامياً ومؤسسة إسلامية تنطلق منها الدعوة إلى الآفاق، والمشكلة التي كانت تواجه النبي صلى الله عليه وسلم في مكة المكرمة هي صناديد قريش الذين كانوا يحملون قلوباً قاسية لا تتفاعل مع هذه الدعوة، مع صبر النبي عليه الصلاة والسلام وتحمله أذاهم، إلا أنه كان يواجه هذه العقبة الكؤود، فكان لا بد من الانتقال إلى أرض جديدة.

 أ- الهجرة لغةً:
الهجرة في لغة العرب هي: ترك الشيء إلى شيء آخر، أو الانتقال من حالة إلى حالة أخرى، أو الانتقال من مكان إلى آخر.
ب- الهجرة اصطلاحاً:
        و للهجرة في معناها الاصطلاحي مجموعة من المعاني:
1- هجرة الذنوب والمعاصي:
        قال الله سبحانه وتعالى لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم:[]وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ[] سورة المدثر (5).
        ويقول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "المسلم من سَلِمَ المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه". صحيح البخاري. فالمهاجر هو من ترك المعاصي والذنوب، وتخلى عن الآثام.
2- هجرة الكفار:
قال الله سبحانه وتعالى:[]...وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً[] سورة المزمل (10). قال المفسرون: "الهجر الجميل هو الذي لا أذى معه، والصبر الجميل هو الذي لا شكوى معه". فالإنسان الصابر لا يشتكي ولا يُعرِب عن ألمه من هذا الصبر، إنما يتعبّد الله سبحانه وتعالى بصبره. والهجر الجميل أن تهجر من تريد هجراً مباحاً دون أن تسيء إليه أو تتعرض له بأذى.
الهجرة دأب الأنبياء:
والهجرة هي دأب الأنبياء؛ فسيدنا "إبراهيم" عليه السلام هاجر من العراق إلى الشام، ومن الشام إلى فلسطين، ومن فلسطين إلى مكة المكرمة، وهذا ما عبّر عنه القرآن الكريم بقوله سبحانه وتعالى:[]وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ[] سورة الصافات (99). وكذلك في الآية الكريمة:[]...وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ[] سورة العنكبوت (26).
كذلك سيدنا "موسى" عليه الصلاة والسلام هاجر من مصر إلى مدين و فلسطين. قال الله تعالى:[]وَجَاء رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ[] سورة القصص (20).
فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن أول وآخر من هاجر، إنما سبقه عليه الصلاة والسلام في الهجرة أنبياء، وجاء بعده صحابة وتابعون ومتّبعون له صلى الله عليه وسلم، إذا ضاقت بهم الأرض يخرجون إلى أرض أخرى ذات سعة فِراراً بدينهم. ليس بالمفهوم الذي يفهمه الناس وهو أنهم فرّوا بأنفسهم طلباً للراحة والرفاهية وسعة العيش، إنما مفهوم الهجرة أن تهاجر في سبيل الله تعالى لتحفظ دينك.
لماذا هاجر النبي صلى الله عيه وسلم من مكة المكرمة؟
لم يكن من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم بُدٌّ بعد أن ضاقت الأرض بما رَحُبَتْ عليه صلى الله عليه وسلم وعلى أصحابه رضي الله عنهم؛ لأن البيئة في مكة المكرمة لم تعد صالحة لإتمام هذه الرسالة التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم، لذلك كان هناك مخطّط في أعماق نفس النبي صلى الله عليه وسلم أن يحصل على بقعة أرض بديلة عن مكة ليقيم ويؤسس فيها مجتمعاً إسلامياً ومؤسسة إسلامية تنطلق منها الدعوة إلى الآفاق، والمشكلة التي كانت تواجه النبي صلى الله عليه وسلم في مكة المكرمة هي صناديد قريش الذين كانوا يحملون قلوباً قاسية لا تتفاعل مع هذه الدعوة، مع صبر النبي عليه الصلاة والسلام وتحمله أذاهم، إلا أنه كان يواجه هذه العقبة الكؤود، فكان لا بد من الانتقال إلى أرض جديدة.
مواقف متميزة من بعض من هاجروا قبل النبي عليه الصلاة والسلام
بعد أن أذن النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه بالهجرة، وبدا أصحابه عليه الصلاة والسلام يهاجرون جماعات وفُرادى، لم يبقَ في مكة المكرمة إلا رسول الله عليه وسلم وقلة من أصحابه. وكان من أميز من هاجر من مكة إلى المدينة سيدنا "عمر بن الخطاب" رضي الله تعالى عنه الذي كانت هجرته هجرة عملية، كثير من الصحابة رضي الله تعالى عنهم هاجروا سرّاً خشيةَ أن يُصابوا بأذى؛ لأن أهل مكة لم يكونوا يريدون أن تفرغ مكة من طاقات الشباب الفاعلة فيها، لذلك كانوا يقفون بالمرصاد لكل من يريد أن يفكر بالهجرة، فلما جاء دور سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه كما يقول سيدنا علي رضي الله تعالى عنه وكرّم وجهه في رواية هجرته: "ما علمت أن أحداً من المهاجرين هاجر إلا مختفياً، إلا عمر بن الخطاب، فإنه لما همّ بالهجرة تَقَلَّدَ سيفه وتَنَكَّبَ قوس، وأخرج سهماً من كنانته وجعلها في يده، وجعل عصاه على خصره، ومضى قِبَلَ الكعبة المشرفة والملأ من قريش بفِنائها، فطاف بالبيت سبعاً، ثم أتى المقام فصلّى ركعتين، ثم وقف على الحِلق واحدةً واحدة، فقال لهم مُخاطِباً: شاهتالوجوه لا يُرغِم الله إلا هذه المعاطس، من أراد أن تثكله أمه، أو يُيَتَّم ولده، أو تُرمَّل زوجته فلْيَلْقَني وراء هذا الوادي، فما تبعه أحدٌ إلا قومٌ من المستضعفين علّمهم ما أرشدهم إليه". هذا خطاب صريح وجريء في مواجهة صناديد مكة. ثمّ مضى متّجهاً نحو المدينة المنورة، وكان معه نحو عشرين رجلاً، منهم زيد بن الخطاب (أخو سيدنا عمر رضي الله عنه)، وهو أكبر منه سنّاً، وأسلم قبله، وشهدَ بدراً والمشاهد، واسُشهِد في موقعة اليمامة، وكانت راية المسلمين بيده، وحزن عليه سيدنا عمر حزناً شديدا، وكان يقول: "سَبَقَني إلى الحُسْنَيَين؛ أسلم قبلي، واستُشهِد قبلي".
        هذا نموذج من الهجرة الجريئة، الهجرة في سبيل الله تعالى دون خوفٍ أو وجل، وفي هذا ردٌّ على من يقول: إن المسلمين هاجروا فراراً بأنفسهم. والدليل أن سيدنا عمر رضي الله عنه تحدّى أهلَ مكة، وهاجر علناً، معلناً ولاءه وانتماءه إلى الإسلام وإلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
 

 


 التعليقات: 0

 مرات القراءة: 4270

 تاريخ النشر: 31/10/2013

ملاحظة:
الآراء المنشورة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو القائمين عليه، ولذا فالمجال متاح لمناقشة الأفكار الواردة فيها في جو من الاحترام والهدوء ونعتذر عن حذف أي تعليق يتضمن:
1- يحتوي على كلمات غير مهذبة، ولو كانت كلمة واحدة.
2- لايناقش فكرة المقال تحديداً.

 

 963

: - عدد زوار اليوم

7402303

: - عدد الزوار الكلي
[ 33 ] :

- المتصفحون الآن

 


العلامة الشيخ محمد حسن حبنكة الميداني


العربيــة.. وطرائق اكتسـابها..
المؤلف : الدكتور محمد حسان الطيان








 
   

أحسن إظهار 768×1024

 

2006 - 2015 © موقع رسالتي ، جميع الحقوق محفوظة

 

Design & hosting by Magellan