اللسان .. مصدر السعادة و الشقاء
بقلم : الشيخ محمد خير الطرشان
باللسان يصون الإنسان ماله ونفسه وعِرضه في الدنيا، ويَسعَد به في الآخرة، فإن نطق الإنسان به بشهادة التوحيد، واستعمله فيما يرضي الله سبحانه وتعالى من ذكر، وقراءة للقرآن، وتسبيح، وتهليل، وصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، واستغفار، وتوبة، وأمر بالمعروف، ونهي عن المنكر، ونشر العلم، ودعوة إلى الخير والفضيلة، وتنفير من الرذيلة، وقول الحق والصدق، فإنه يسعد به في الآخرة.
كذلك باللسان يَهلِك الإنسان في دنياه، فيهدر ماله ونفسه وعِرضه، ويشقى به أيضاً في الآخرة ، فإن استخدمه في الكذب، والغيبة، والبهتان، والنميمة، والافتراء، والشتم، والقذف، والسبّ، واللعن، والإيذاء، والأمر بالمنكر، والنهي عن المعروف، وإن استخدمه فيما يؤذي الناس ويغضب الله سبحانه وتعالى فإنه يأثم ويشقى في الدنيا وفي الآخرة.
و باللسان يمكن أن نفعّل الخصومة بين الناس والجدال والمراء، و باللسان نقع في اليمين الغموس، ونحلف بغير الله، ونحلف كاذبين، ونشهد زوراً، ونتكلم كلاماً بذيئاً، باللسان نفعل من الأعمال السيئة الكثيرة ما لا يحصيها إلا الله سبحانه وتعالى.
هذا العضو الصغير يدعو إلى العجب، ويحتاج إلى ضوابط كثيرة، يمكن أن نستخدمه في مجال الخير، ويمكن أن نستخدمه في مجال الشر.
الكلام والمنطق من جملة الأشياء التي هي من خصوصيات اللسان، وهذا الشيء هو الذي نُحاسَب عليه، ولا ينبغي أن يفوتنا أبداً أن الأمر فيه نوع من التساهل أو النسيان؛ لأن الإحصاء عند الله سبحانه وتعالى دقيق، يومَ القيامة يقول قائلنا:[]يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا...[] سورة الكهف (49). يقول تعالى:[]مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ[] سورة ق (18).ويقول أيضاً جل شأنه:[]فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7)وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ (8)[] سورة الزلزلة. فالكلام يرفع الإنسان أو يضعه، لهذا أوضح سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عظمة أمر اللسان وخطورته، وأنه مكمّل لسائر أعمال البر من صلاة، أو صيام، أو زكاة، أو حج، أو قيام في الليل أو جهاد في سبيل الله تعالى، وقد ينقص فضل وأجر هذه الأعمال وقد تُحبَط وتُمحى كلها باللسان، ففي الحديث المشهور يقول سيدنا معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فأصبحت يوماً قريباً منه ونحن نسير فقلت: يا نبي الله! أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار. قال: "لقد سألت عن عظيم، وإنه ليسيرٌ على من يسّره الله عليه، تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت". ثم قال: "ألا أدلك على أبواب الخير؟ الصوم جُنة، والصدقة تطفئ الخطيئة، وصلاة الرجل في جوف الليل". ثم قرأ قوله تعالى []تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ...[] حتى بلغ []...يَعْمَلُونَ[]. ثم قال: "ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟". فقلت: بلى يا رسول الله! قال: "رأس الأمر وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد". ثم قال: "ألا أخبرك بمِلاك ذلك كله؟". فقلت له: بلى يا نبي الله! فأخذ بلسانه فقال: "كُفَّ عليك هذا". فقلت: يا رسول الله! وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: "ثكلتك أمك يا معاذ! وهل يكبّ الناس على وجوههم في النار أو قال على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم؟". مسند أحمد.
من الواجب علينا أن نحفظ اللسان لننجوَ به في الدنيا والآخرة. من هنا حينما نقرأ قوله سبحانه وتعالى:[]وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً[] سورة الإسراء (36). ندرك من هذه الآية يقيناً وحقيقةً أن الإنسان لا ينبغي أن يتكلم بكل ما يسمع، أو أن يحرّكه بكل ما يرى ويشاهد، بل عليه أن يضبط لسانه ويحفظه في الوقوع فيما يُغضِب الله سبحانه وتعالى .
التعليقات:
0 |
|
|
مرات
القراءة:
8019 |
|
|
تاريخ
النشر: 01/02/2014 |
|
|
|
|
|
|