wwww.risalaty.net


*السعداء*


بقلم : بتول

 

بسم الله الرحمن الرحيم

هم كالدرر النفيسة؛ نادرة الوجود...

كالمصابيح الفريدة؛ تضيء الدروب...

كالورود المتفتحة؛ تفوح بالعطور...

كالنجوم المتلألئة بين سود الغيوم...

غريبوْ الفكرِ والروح والمقصد بين الجموع، ويُتَّهَمُ أحدهم بالتعصب وأن أفكاره لا تناسب هذا العصرَ، بل إنّ الوضع الراهن والعادات والعرف هي التي تفرض طريقة الحياة فيه حتى لو خالفتِ المنهج..

الأولوية للعادات، فيشعر لِلَحظات بالذهول، وأنه غريب ولا مكان له بينهم، وربما وسوس له الشيطان وجعله يشك أنه هو الخطأ وأن الكثرة على الحق، فيأتيه شعورٌ يذكّره بهذه الآية الكريمة:{وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ} الأنعام (116). فلا يغرَّنَّك قلةُ السالكين...

فالعالِم غريبٌ بين المؤمنين، والمؤمن غريب بين المسلمين، والمسلم غريب بين الباقين..

هؤلاء الباقون عندما في الظلمات سيغرقون، وأولئك كالنجوم يتلألؤون، فلا يعجبوا كيف هم ناجون؛ فقد استمسكوا بالحبل المتين، وكانوا بالله يستغيثون، وقد كانوا يدعون للتمسك به وهم سالمون...

ولكنهم كانوا يستهزئون، وعنه يصدُّون، والثيابَ يستغشون.

ولكن حين يستغيثون: بالله عليكم أنقذون! فلن يكون هناك مجيبون، بل سيقال: إنكم في العذاب ماكثون، جزاءَ ما كنتم تكسبون...

وأما الذين كنتم منهم تضحكون، فهم أولاء على الأرائك يتَّكئون، في جناتٍ وعيون، عطاءً من الكريم، لقاءَ ما كانوا فيه يصبرون، وإلى وجه الرحيم الودود ينظرون، ومن النشوة عن وعيهم يغيبون، وإذا ما غاب عنهم يستغيثون...

أذلك خير؟ أم استهزاؤكم  بالمؤمنين، ثم أنتم في الذل باقون؟!

فتفكروا لعلكم تعقلون... ومن خزي يومئذ تنجون...

ولكنهم لم يدركوا أن من تغلغل الإيمانُ في قلبه، وملأ مشاشة عظامه، هيهات لأحد بإذن الله أن يهز إيمانه، بل سيزداد تمسكاً وتعلقاً بهذا الدين وتعاليمه، وسيشعر بتقصيره تجاه ربه، وبذلك يزيده الله عز وجل عزاً وسعادة..

قالَ لي صاحبٌ أراكَ غريباً     بينَ هذا الأنامِ دونَ خليلِ

قلتُ كلا! بل الأنامُ غريبٌ     أنا في عالمي وهذي سبيلي

وما أجمل هذه العبارة: "الغريب لا وحشة عليه؛ لأنه أشد الناس قرباً من الله عز وجل".

إذا كان هذا حال الغريب فهو سعيد، بل هو من أسعد السعداء.

فنسأل الله سبحانه أن نكون "غرباء" كما قصد رسول الله صلى الله عليه وسلم...

فيَمُنَّ علينا مولانا بـ "طوبى وحسنِ مآب"...